"من المهم أن يهتم المجتمع الدولي بمعاناة الشعب اليمني، بعد أكثر من عقد من اندلاع الحرب الأهلية". هذا ما ينادي به الدكتور عماد حرب مدير الأبحاث في المركز العربي بواشنطن، الذي لا يلبث أن يتأسف جازما أن " نجاح مثل هذا المسعى، غير ممكن، من دون التوصل إلى اتفاق سلام بين الفصائل اليمنية". في سيناريوهات المستقبل "ربما تكون السلطة الفيدرالية هي الحل، وربما ينجر البلد نحو أتون التقسيم، وهو ما يراه الباحث "أسوأ حل على الإطلاق".
الأيام نيوز: بعد أقل من أسبوعين من بدء "إسرائيل" عدوانها على غزة في أكتوبر 2023، شن "أنصار الله" ضربات ضد أهداف في "إسرائيل". وفي الشهر التالي، بدأت الجماعة بمهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن. هل يمكن القول إن الإجراءات التي اتخذها الحوثيون لم تكن مجرد إعلان سياسي في وجه الولايات المتحدة، بل كانت بمثابة تحدي لمصالحهم الاستراتيجية؟
عماد حرب: تعتبر الولايات المتحدة البحر الأحمر ممرا أساسيا، في وضعها الاستراتيجي العالمي. وبالإضافة إلى ذلك، كان الحوثيون يفعلون ذلك، (ولا يزالون يفعلون) كهجوم على المصالح الإسرائيلية على وجه التحديد، في أعقاب ممارسات الإبادة الجماعية التي تمارسها "إسرائيل" ضد الفلسطينيين. وفي المشهد السياسي الحالي (في عهد الرئيس السابق جو بايدن وآخرين) تعهدت الولايات المتحدة بالدفاع عن "إسرائيل"، وذلك لأسباب سياسية داخلية بحتة. ومن هنا التورط العميق لواشنطن، ضد الحوثيين.
الأيام نيوز: من خلال نهجها المتمثل في ممارسة أقصى قدر من الضغط على إيران، وتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، تسعى إدارة ترامب إلى إخراس أي أصوات تراها مهددة لمصالحها ولحلفائها في المنطقة. ما هي انعكاسات مثل هذه الاستراتيجية على سير الأحداث في المنطقة؟
عماد حرب: في الواقع، هذا لن يؤدي هذا إلا إلى تعقيد القضايا في الشرق الأوسط، وتصوير الولايات المتحدة (وهذا واضح وعن حق) على أنها حليفة وحامية لـ "إسرائيل". ومن المأمول أن تواصل إدارة ترامب الآن اتباع القنوات الدبلوماسية في تعاملاتها مع البرنامج النووي الإيراني. أما الحوثيون فليس لديهم أصدقاء في واشنطن، لهذا فمن المرجح أن تواصل إدارة ترامب سياستها الحالية المتمثلة في مهاجمة مناطقهم ومنشآتهم للحد من تأثير الجماعة العسكري في منطقة البحر الأحمر
الأيام نيوز: ماذا عن دور القوى الأجنبية (إيران، المملكة العربية السعودية، دول مجلس التعاون الخليجي، إسرائيل) في الصراع في اليمن، باعتبار أن هذه القوى "متورطة" أو "معنية" بشكل ما بما يحدث في هذا البلد؟
عماد حرب: الخريطة السياسية في اليمن معقدة للغاية، حيث يلعب مجلس القيادة، دور السلطة السياسية الشرعية، ويؤكد الحوثيون، على أولويتهم وسيادتهم في الجزء الشمالي من البلاد وخاصة صنعاء. كما أن، مجلس القيادة يواجه تحديات من الداخل من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يطالب بالاستقلال في الجنوب، بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة. ومن جانب آخر تحاول السعودية تخليص نفسها من المستنقع اليمني، لكنها لا تستطيع ترك الحوثيين في السلطة. وعلى الجانب الآخر "تستخدم" إيران الحوثيين، لزيادة نفوذها في البلاد، وشبه الجزيرة العربية. وفي الشمال هناك "إسرائيل"، المهتمة بالتأكيد بهزيمة الحوثيين حتى ينهوا هجماتهم على مصالحها التي تضررت كثيرا منذ انفجار الوضع في غزة.
الأيام نيوز: لقد أدى استمرار الصراع في اليمن إلى تفاقم معاناة المدنيين في البلاد. يبدو أن ليس هناك أفقا لحل قريب؟ ماهي مآلات هذا الصراع، وهل هناك أمل لرص سكة السلام في هذا البلد؟
عماد حرب: حقيقة، بعد أكثر من عقد من الحرب، يعاني السكان من وضع إنساني كارثي. الملايين من اليمنيين على حافة المجاعة، حيث أدت الحرب إلى قطع الإمدادات التموينية وارتفاع الأسعار. وكما هو الحال مع جميع الحروب الأهلية، نشأ اقتصاد الحرب الأهلية، في اليمن حيث تفرض الميليشيات المتناحرة، وسلطة الوضع الراهن إرادتها على اليمنيين الفقراء، والمغلوبين على أمرهم.
ومن المهم أن يهتم المجتمع الدولي بمعاناة الشعب اليمني. ولكن لن ينجح أي مسعى من هذا القبيل، من دون التوصل إلى اتفاق سلام بين الفصائل اليمنية العديدة، بدعم من جهات خارجية. ربما تكون السلطة الفيدرالية هي الحل، لكن ذلك له شروطه، وظروفه الخاصة، التي تحتاج إلى التحضير والملائمة. وربما يكون الحل الآخر هو التقسيم، والذي سيكون أسوأ حل على الإطلاق.