ترى الصحفية اللبنانية والباحثة في المستقبليات أورنيلا سكر أن ما يشهده اليمن في هذه المرحلة هو "حالة من اللاحرب واللاسلم"، بعد فترة من هدنة جرى تمديدها لعدة أشهر بفعل متغيرات دولية وخارجية انعكست على الداخل اليمني. إذ أن دخول النزاع في اليمن عامه العاشر منذ التدخل العسكري السعودي "جاء أيضًا في ظل متغيرات إقليمية ودولية معقدة، يتعذر معها التكهن بانعكاساتها المحتملة لتلك المستجدات على مستقبل الصراع في هذا البلد المضطرب".
تتساءل الباحثة عن مدى "نجاح التسوية في اليمن، في أعقاب التقارب السعودي الإيراني برعاية الصين"، وعن التزام "طهران بالشروط التي فرضت عليها، والذي يمكن أن تؤول إليه المفاوضات حول البرنامج النووي".
تشير الباحثة إلى ما تصفه "بأزمة الهويات الفرعية التي انفجرت في اليمن"، والتي ليس إلا تعبيرًا جليًا عن "عمق أزمة الهوية الوطنية ككل"، وغياب "المشروع الوطني الجامع"، الذي من المفترض أن يتشكل عبر "إجماع وطني ويكون من نتائجه دستور وهيئة الدولة الوطنية ومؤسساتها السياسية" في شكل تداولي جامع "يساوي ويحفظ كل الهويات الاجتماعية الفرعية، التي تعبر عن نفسها في إطار هوية وطنية جامعة ومتعايشة".
ترى الباحثة أن انزياح اليمنيين نحو مفهوم القبيلة "هو الذي دفع بعودة المكونات المجتمعية نحو هوياتها الثانوية والفرعية، سواء مذهبية أو قبلية أو جهوية"، للاحتماء بها في مواجهة الهويات المنافسة.
عن عمق أزمة الداخل اليمني، تقول الباحثة اللبنانية إن "مشكلة اليمن الأصلية تتمثل في عدم قيام الوحدة على أسس صلبة في سنة 1990" حسبما يراه الجنوبيون. ولهذا فإن "ما تحقق" خلال هذه الحرب هو شكل من استقلال ظرفي لجنوب اليمن" باعتباره سيشكل حائط صد يمنع الحوثيين من مد سيطرتهم نحو المناطق ذات الأغلبية السنية، بالإضافة إلى أن هذا الوضع يجعل من الجنوب منطقة عازلة تمنع الحوثيين من الهجوم على السعودية ومحاربتها".
يعتقد الجنوبيون أن موقع جنوب اليمن ومساحته التي تمثل ثلثي مساحة اليمن وشواطئه، التي تطل على جزء من مضيق باب المندب، وخليج عدن، والبحر العربي، هي أكثر أهمية استراتيجيًا من بقية اليمن، و"أن هذا الوضع يتطلب من السعودية فصل الجنوب وإبقاءه ضمن مناطق نفوذها، بدلًا من حالة اليمن الواحد الذي هو خطر استراتيجي على السعودية، وفقًا لهذا الاعتقاد".
في تحليلها للواقع السياسي لهذا البلد تشير الباحثة إلى "ضعف السلطة المركزية للدولة، وتراجعها لصالح القوى العشارية والمناطقية". بالإضافة إلى "هيمنة قوى سياسية على مؤسسات الدولة وتحديدًا مؤسسات السيطرة والجباية المالية"، عدى عن "استمرار التدخل الخارجي المباشر والكثيف في جميع المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية" باعتبار الولاءات السياسية لكثير من القوى اليمنية لحلفائها في الخارج للاستقواء بهم". وهذا ما يطيل أمد الصراع "ويعمق الخلافات، حول احترام وتنفيذ بنود التسوية" والاتهامات المتبادلة لهذا الفصيل السياسي وذاك بخرق المعاهدات".
في قراءتها لسوسيولوجيا الداخل اليمني تعتقد الصحفية اللبنانية أن "كثرة الانقسامات الداخلية للمجتمع اليمني، وثنائية البعد المذهبي مع البعد القبلي والجهوي، أدى إلى "انفجار الانقسامات والصراعات الداخلية، والتصادم المسلح بين الفصائل المختلفة"، إلى جانب ارتفاع معدلات الفقر، وتأثير القيود المفروضة على تصدير واستيراد موارد هذا البلد". فشل السلطة الحالية في التعامل مع هذا الوضع يرجع إلى أن الرئيس الأسبق "علي عبد الله صالح"، عمل على هيكلة قوات الأمن من الجيش والشرطة، بحيث يكون غالبية أفرادها من الشماليين على حساب الجنوبيين، مما خلق حالة من التنافر فيما بعد".
ترى الباحثة أن الحرب التي تجور رحاها في اليمن هي جزء في رقعة أكبر "بحيث لا يمكن فصل الأحداث الدولية وما رافقها من تداعيات، وأزمات على إمكانية نضوج التسوية السياسية في اليمن".
في رأي الباحثة، يمثل التقارب الإيراني السعودي "حلقة أخرى" ربما لحلحة الأوضاع في اليمن الذي "يواجه أسوأ كارثة إنسانية جراء الصراع الممتد منذ أكثر من عقد". الصراع في اليمن "أدى إلى حدوث شرخ اجتماعي وتشظي للمكونات السياسية وانهيار تام للمنظومة الاقتصادية"، بل حتى "خطر التقسيم وعودة الهويات الإثنية" التي تقود إلى هشاشة مؤسسات الدولة. الخطر الذي يتهدد مستقبل اليمن تراه الباحثة مرتبطًا أكثر "في وجود فصائل تؤثر المصلحة المذهبية والقبلية والجهوية على وحدة الدولة اليمنية، وهو ما يتسبب بالمحصلة، في تعطيل أي انتقال ديمقراطي سلس، بالإضافة إلى عدم تنفيذ التسويات السياسية، التي تصب في الصالح اليمني".
التحولات الجيوسياسية الكبرى، التي تشير إليها الباحثة تتعلق بآثار الحرب في أوكرانيا ورغبة الصين في التموقع السياسي في الشرق الأوسط، باعتبارها شريكًا موثوقًا. أيضًا لا يمكن فهم الحرب في اليمن، أو تحليل أسباب تعثر المفاوضات، بمعزل عن التنافس الإقليمي بين طهران والرياض. تذكر الباحثة "أن الصراع السعودي الإيراني في اليمن، دخل مسارًا شديد الخطورة منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014".
ثم هناك "تحول التوجه السعودي من الصدام مع إيران، إلى تطبيع العلاقات معها". لأن قوة إيران جعلت "الرياض تقتنع أن بقاء النظام الإيراني، أقل تكلفة عليها من انهياره، وأن التعامل مع إيران بشكلها الحالي أفضل للمملكة من التحالف على إسقاطه".
كل هذه العوامل سيكون لها تأثير على مستقبل اليمن "نظراً لأهميته الجغرافية وموقعه، على بحر العرب ومضيق باب المندب، والبحر الأحمر، إذ أن من يسيطر على اليمن يتحكم في حركة الملاحة العالمية وتصدير البترول".
عن مستقبل اليمن، ترى الباحثة أن تعثر مسار السلام في هذا البلد "يرجع إلى عدم توسيع نطاق تمثيل مختلف الفصائل، في مختلف مفاوضات السلام"، كما أن توسع رقعة الحرب في الشرق الأوسط "سيؤدي إلى استمرار القتال الذي سيدفع بدوره باليمن نحو مزيد من الفوضى، والانهيار".
بالإضافة إلى هذا تبرز "قضية نزع سلاح جماعة "أنصار الله" (الحوثيين). في اعتقاد الباحثة يمثل ملف أسلحة الحوثيين، "أحد الأسباب الرئيسية التي عرقلت أي حل سياسي، يُنهي الحرب في اليمن ويقود إلى عملية سلام شامل". وحسبها "يأتي إصرار الحوثيين على التمسك بقوتهم العسكرية، وعدم تسليم السلاح، تحسبًا في عدم حصولهم على تمثيل واسع في الحكومة الانتقالية لاحقًا"، وخاصة الوزارات السيادية كالدفاع والداخلية. يقول الحوثيون بعدم إدراج "الصواريخ البالستية" ضمن بند تسليم الأسلحة الثقيلة، لكونه السلاح "السيادي" حسب زعمهم، فهو للردع والتوازن الإقليمي، والتنازل عنه لا يخضع لتدابير تسليم الأسلحة بين الأطراف اليمنية، وإنما يرتبط بإنهاء الوجود العسكري لقوات التحالف العربي في اليمن، وإخراج اليمن من أحكام الفصل السابع في ميثاق الأمم المتحدة، وإنهاء الحصار.
بالمحصلة، يمكن النظر إلى أن تدخل القوى الدولية في الأزمة اليمنية هي "معادلة صعبة ومعقدة"، فالأطراف المنخرطة دوليًا، في الحرب اليمنية، "ليست محل توافق بين أطراف العملية السياسية"، وخاصة لدى جماعة "أنصار الله". تشير الباحثة إلى "أن الخطابات الحوثية تحمل الولايات المتحدة، و"إسرائيل" مسؤولية الصراع في اليمن وفشل عملية السلام أو التسوية السياسية". كما أن تقاطع الدور الأمريكي، ورغبة الصين في إيجاد موطئ قدم إقليميًا "سيقود إلى حالة الاستقطاب التي ستؤدي بدورها إلى طول أمد الصراع وليس تسويته"، ومن ثم يحتاج اليمن، فعلا إلى عملية سياسية مدعومة دوليًا.
أما عن مستقبل الصراع في اليمن، تختتم الباحثة بالقول أن الحرب الدائرة، هي مسار في عملية إعادة تشكيل خريطة اليمن، كساحة لتوازنات القوى الدولية، والمصالح الإقليمية، والمشروعات المناطقية في الداخل اليمني، التي تستند لاعتبارات يشكلها مزيج من العصبيات التي تفرضها الانتماءات القبلية". وبالتالي فإن غياب الدولة بمفهومها الحديث في اليمن هو أحد أسباب تطور الصراعات وديمومتها.