يرى جلال بوعبد الله، خبير التحول الرقمي ومتخصص في الأمن السيبراني، أن دخول شبكة الجيل الخامس إلى الجزائر سيُحدث نقلة نوعية في مسار تبني الذكاء الاصطناعي في البلاد، معتبرًا أن هذه التكنولوجيا هي أساس لانطلاق جيل جديد من الخدمات الذكية. ويؤكد أن "مع دخول شبكة الجيل الخامس (5G) إلى الجزائر، تنفتح آفاق جديدة لتسريع تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في قطاعات متعددة مثل الصحة، النقل، الطاقة، والزراعة".
لكن الاستفادة الحقيقية، بحسب الخبير، تبقى مرهونة بجملة من العوامل المؤسِّسة لأي تحول رقمي فعّال، وعلى رأسها مدى جهوزية البنية التحتية الرقمية، وتأهيل الكفاءات البشرية، وتوفر أطر حوكمة رقمية واضحة. فبقدر ما تمكّن 5G من معالجة البيانات الضخمة وتحليلها لحظيًا، فإن النجاح في توظيفها يتطلب جاهزية مسبقة على مستوى المؤسسات والمنظومات التقنية. ويشير بوعبد الله في تصريح لـ "الأيام نيوز"، إلى أن "شبكة G5 تُمثل زيادة في سرعة الإنترنت، وأيضا من جمع البيانات الضخمة وتحليلها بشكل فوري، ما يعزز من قدرة المؤسسات على اتخاذ قرارات ذكية وآنية".
وانطلاقًا من هذه المقاربة، يرى الخبير أن الجزائر أمام فرصة نوعية للانتقال من مجرد استهلاك الحلول الرقمية إلى إنتاجها محليًا، خاصة في حال توفرت إرادة لتوجيه هذه التقنية نحو الابتكار، وربطها بسياسات محفزة للمؤسسات الناشئة والباحثين. ويعتبر أن "إذا تم استغلال هذه الميزة بذكاء، يمكن للجزائر أن تنتقل من الاستهلاك التقني إلى الابتكار المحلي، خاصة إذا تم ربط 5G بسياسات تحفيزية للمؤسسات الناشئة والباحثين في مجالات الذكاء الاصطناعي".
الذكاء الاصطناعي في الجزائر... التحديات الصامتة رغم آفاق الجيل الخامس
وعلى الرغم من التوقعات الإيجابية لدخول شبكة الجيل الخامس إلى السوق الجزائرية، إلا أن جلال بوعبد الله يحذّر من جملة تحديات قد تعيق عملية إدماج الذكاء الاصطناعي ضمن المنظومة الرقمية للبلاد. ويعتبر أن هذه التحديات ليست تقنية بحتة، اذ تشمل أبعادًا بشرية وتشريعية وثقافية معقدة. في مقدمتها، يبرز غياب الكفاءات المؤهلة في مجالات علوم البيانات والذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى عدم وجود إطار قانوني واضح ينظم استخدام هذه التقنيات الحساسة.
وتطرح المؤسسات الجزائرية نفسها كمكوّن متفاوت الجاهزية أمام هذا التحول، إذ لا تزال كثير من القطاعات تعتمد أنظمة تقليدية تفتقر إلى المرونة التكنولوجية. كما يبرز التحدي الثقافي كعائق نفسي ومجتمعي لا يُستهان به، خاصة في ظل تصاعد المخاوف من فقدان الوظائف أو انتهاك الخصوصية. وضمن هذا السياق، يشير بوعبد الله إلى أن "إدماج الذكاء الاصطناعي في البنية الرقمية الجزائرية سيصطدم بعدة تحديات هيكلية"، موضحًا أن أبرزها يتمثل في "نقص الكفاءات المؤهلة، وغياب إطار قانوني واضح، وتفاوت جاهزية المؤسسات، بالإضافة إلى التحدي الثقافي".
ويضع الخبير خارطة طريق واضحة لتجاوز هذه العقبات، تبدأ بتبني استراتيجية وطنية شاملة، تشمل تحديث المنظومة التعليمية وتطوير برامج تدريب موجهة، مرورًا بإشراك القطاع الخاص في مشاريع تجريبية ملموسة، ووصولًا إلى تفعيل شراكات دولية ذات طابع تطبيقي. ويؤكد على ضرورة بناء ثقة رقمية من خلال وضع إطار تنظيمي وأخلاقي لاستخدام الذكاء الاصطناعي، معتبرا أن "وضع إطار تنظيمي وأخلاقي عاملاً حاسمًا لكسب الثقة وتسريع وتيرة الإدماج"