2025.05.21
حوارات

الجاهزية.. الشرط الأساسي لنجاح الجيل الخامس في الجزائر


يرى يونس قرّار، الخبير في مجالات الاتصالات والرقمنة، أن نجاح إطلاق تقنية الجيل الخامس في الجزائر يرتبط بشكل وثيق بمدى جاهزية المؤسسات، من حيث اعتمادها على الوسائل الرقمية الحديثة، وحرصها على تحسين جودة الخدمات. ويؤكد أن الرقمنة اليوم أصبحت ضرورة لضمان استمرارية الأداء ومواجهة المنافسة.

ويشير قرّار في تصريح لـ "الأيام نيوز" إلى أن معظم المؤسسات والإدارات الجزائرية، سواء كانت عمومية أو خاصة، أصبحت تعمل ضمن إطار رقمي، يعتمد على أدوات إلكترونية في إدارة الإنتاج والخدمات، بدءًا من التخطيط إلى التوزيع. ويضيف أن هذه المؤسسات تسعى إلى تقليص التكاليف وتحسين الجودة، ما يتطلب استخدام أدوات إنتاج رقمية تعتمد على شبكات اتصال قوية.

ويلفت قرّار إلى أن شبكة الربط التي تعتمد عليها هذه المؤسسات تشمل الألياف البصرية وأيضًا الهاتف النقال، الذي يعد وسيلة مرنة وموجودة لدى أغلب الجزائريين. ومع ذلك، فإن ضعف تدفق الإنترنت يعيق أحيانًا فعالية هذه الشبكات.

ويُبرز أن ظهور الجيل الرابع كان محاولة لتجاوز هذا الإشكال، إلا أن حدوده بدأت تتضح، مما يجعل الانتقال إلى الجيل الخامس أمرًا طبيعيًا لمواكبة التطور. ويقول إن هذا الانتقال سيعزز سرعة الاتصال ويتيح فرصًا أكبر للاستفادة من التطبيقات المتطورة.

ويؤكد أن الجيل الخامس يتميز بثلاث خصائص رئيسية: سرعة تدفق الإنترنت بعشر مرات مقارنة بالجيل الرابع، وقدرة تغطية أوسع تشمل المناطق المعزولة، وسرعة التفاعل التي تتيح استجابة فورية في مختلف التطبيقات.

ويشير إلى أن هذه الخصائص ستمنح المؤسسات الجزائرية فرصة لتطوير أنظمتها الرقمية وخدماتها الإلكترونية، وإزالة العقبات التقنية التي كانت تحول دون الوصول إلى العملاء في بعض المناطق.

ويخلص قرار إلى أن الجيل الخامس سيمثل دعامة أساسية في مسار تحديث المؤسسات الجزائرية، شريطة أن تتم المواكبة بتوفير الشروط اللازمة من حيث البنية التحتية الرقمية والإطار التنظيمي.

التجارب السابقة... دروس يجب أن تُستوعب

ويعتبر يونس قرّار أن التجارب التي مرت بها الجزائر مع الجيلين الثالث والرابع يجب أن تكون مرجعًا أساسيًا في التعامل مع تقنية الجيل الخامس. ويشير إلى أن ما حدث في السابق من محدودية الخدمة في بعض المناطق ورداءة الأداء سببه غياب المتابعة الدقيقة لمتطلبات دفتر الشروط.

ويؤكد أن دفاتر الشروط يجب ألا تكون مجرد وثائق شكلية، وإنما مرجعًا ملزمًا يتم تطبيقه ميدانيًا مع مراقبة دائمة لنوعية الخدمات، خاصة بعد الإطلاق التجاري للتقنية.

ويُبرز الخبير أن بعض المتعاملين، رغم حصولهم على التراخيص، لم يلتزموا بالكامل بمستويات الجودة المطلوبة، دون أن تترتب عن ذلك إجراءات ردعية واضحة، وهو ما أثّر على ثقة المواطن في خدمات الاتصالات.

ويشير إلى أن سلطة الضبط في مجال المواصلات السلكية واللاسلكية يقع على عاتقها دور محوري في مراقبة مدى احترام المتعاملين للالتزامات التقنية والتجارية.

ويؤكد أن الجدية في التعامل مع دفتر الشروط وتطبيق العقوبات عند المخالفات يمكن أن يمنح الجزائر تجربة أكثر نجاعة مع الجيل الخامس، خلافًا لما حدث في الأجيال السابقة.

ويرى أن مؤسسات الدولة، إلى جانب جمعيات حماية المستهلكين والمواطنين أنفسهم، عليهم مسؤولية الإبلاغ عن أي تقصير أو إخلال، ما يساهم في تحسين جودة الخدمة وتحقيق مبدأ الشفافية.

ويؤكد على أن نجاح تجربة الجيل الخامس في الجزائر مرهون بمدى الاستفادة من أخطاء الماضي، وتحويلها إلى دروس تُجسَّد في أرض الواقع.

البنية التحتية والرخص... مفاتيح التنفيذ السريع

كما يشير يونس قرّار إلى أن المتعاملين في مجال الاتصالات أبدوا استعدادهم التقني والمالي لدخول تجربة الجيل الخامس، لكنهم في انتظار استكمال الإجراءات التنظيمية من قبل السلطات، خاصة ما يتعلق بمنح الذبذبات وتسهيل الحصول على الرخص.

ويؤكد أن سرعة تنفيذ المشروع مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بسرعة منح الرخص اللازمة، سواء كانت رخص استيراد الأجهزة أو تركيب الهوائيات أو تخصيص الترددات المطلوبة.

ويشرح أن أي تأخير في هذه الإجراءات سينعكس سلبًا على أجال الإطلاق وجودة الخدمة، وهو ما يستدعي تحركًا إداريًا مرنًا وفعّالًا.

ويضيف أن العديد من الإدارات المعنية، مثل البلديات والجمارك وسلطة الضبط، مطالبة بتقليص آجال دراسة الملفات ومنح التراخيص، لأنها تُعد مفاتيح مباشرة لضمان جاهزية الشبكة.

ويُبرز أن الإجراءات البيروقراطية الطويلة كانت في السابق من الأسباب الرئيسية لتعطيل إطلاق خدمات جديدة، وهو ما يجب تجاوزه في هذه المرحلة الحساسة.

ويؤكد أن مشروع الجيل الخامس هو رهان اقتصادي واستراتيجي، ما يفرض على جميع الأطراف التعامل معه كأولوية وطنية.

ويؤكد أيضا على أن خلق بيئة تنظيمية مرنة ومتناسقة مع متطلبات المتعاملين سيمكّن الجزائر من دخول عصر الجيل الخامس بثبات وفعالية.

الجيل الخامس... فرصة للتحول الرقمي الشامل

كما يؤكد يونس قرّار أن الانتقال إلى شبكة الجيل الخامس هو بوابة نحو التحول الرقمي الشامل الذي يشمل كافة القطاعات.

ويشير إلى أن هذا التحول سيسمح بتوسيع نطاق استخدام المنصات الإلكترونية من قبل المؤسسات، وتحسين قدرة المواطنين على الولوج إلى الخدمات الرقمية بسهولة، خاصة في المناطق التي كانت تعاني من ضعف الشبكة.

ويضيف أن الجيل الخامس سيمنح دفعة قوية للمؤسسات الاقتصادية في تحسين تفاعلها مع زبائنها، وتطوير نماذج أعمالها بناء على تقنيات تعتمد على التفاعل الفوري ونقل البيانات اللحظي.

ويُبرز أن التطبيقات المرتبطة بالصحة عن بعد، والتعليم الرقمي، والتحكم في الأجهزة الذكية، والمدن الذكية، كلها تحتاج إلى سرعة وموثوقية في الشبكة، وهو ما توفره تقنية الجيل الخامس.

ويشير إلى أن التحول الرقمي المرتبط بهذه التقنية يتطلب أيضًا استثمارًا في التكوين البشري، من خلال تكوين الكفاءات وتأهيل الإطارات القادرة على إدارة المنظومات الذكية.

ويؤكد أن المؤسسات، خاصة الصغيرة والمتوسطة، مدعوة إلى اغتنام هذه الفرصة لإعادة هيكلة أنظمتها والعمل على رقمنة خدماتها، لأن الجيل الخامس سيقلّص الفجوة الرقمية ويوسّع قاعدة المستفيدين.

ويختم تصريحاته بالتشديد على أن دخول الجزائر عصر الجيل الخامس هو فرصة تاريخية لتسريع وتيرة التحول الرقمي، إذا ما رافقته رؤية استراتيجية وتنسيق فعّال بين مختلف الفاعلين.