بقلم: خالد عز الدين
الأسرى في زمن الإبادة... إلحاح لا بد منه
للأسر أفعال كثيرة، أولها المباغتة ومنتهاها القهر، وما بين المباغتة والقهر، اعتصار للزمان في تجمُّد يأكل الأعمار، تحت سقف مكانيٍّ واحد، اختصاره جملة مبتدؤها الظلم وخبرها الاعتساف في سجون دولة الاحتلال، وتلك رقعة قصيرة في توصيف عشرة آلاف وخمسمئة إنسان أو ما يزيد، رهن الاعتقال "الإسرائيلي" بتهمة الانتماء الوطني، وقد جالت في صدورهم فلسطين مجال النفس، فصاروا يداورون أيامهم كأسرى نجمع أنهم قناديل الحرية في ظلمة الاحتلال، وزاد النور في عتمة الدرب الطويل، في عبرات القلوب، تبدو قضية الأسرى قضية مُلِحَّاحة، من العيار الثقيل، برسم عذابات عائلات ما يوازي أعداد الأسرى والأسيرات، وهم في قبضة السجان، دون أن تشفع لهم تضحياتهم، في ارتقاء ملفهم إلى ملف عمل عربي مشترك، يأخذ بالحُسبان حساسية وضعهم، وإنسانية معاناتهم، وجدارتهم لأن يتقدَّموا الأولين والآخرين، باستفاضة في الشروحات، التي تجعل من العالم يشارك في تبنّي المرافعة، شرط صحة تبنينا لها، ونحن كذلك، بالأبوة التي لا تتنازل عن استحقاق التبني الكلي، لو كنَّا في التزام من أمرنا، يستحقه الأسرى دون مَنٍّ من أحد عليهم.
بقلم: بن معمر الحاج عيسى
"جون قاقيش" مسيحي الديانة، فلسطيني الهوية.. سجين الحرية الذي حوَّل الصليب إلى سلاحٍ ضد الاحتلال
في فجر الخامس والعشرين من أيار/مايو 2015، تحوَّل شابٌ مسيحي من حارة النصارى في البلدة القديمة بالقدس إلى رمزٍ للثورة الفلسطينية، ليس لأنَّه طعن مستوطِنَين ردًّا على انتهاكات الاحتلال فحسب، بل لأنَّه حوَّل هويته الدينية إلى جسرٍ يربط بين أبناء الشعب الواحد، مسلمين ومسيحيين، في مواجهة عدوٍّ واحد. جون قاقيش، الاسم الذي ارتبط بجملةٍ هزَّت محققيه: "أنا مسيحي الديانة، مُسلم الهوى، فلسطيني الهوية، مقدسي ثائر"، لم يكن مجرد شابٍ ثائرٍ ضد الظلم، بل كان تجسيدًا لروح القدس التي ترفض الانكسار.
بدأت القصة ليلة اعتقاله، حين اقتحمت قوات الاحتلال منزله في حارة النصارى، وانهال الجنود بالضرب عليه أمام عيني والده وليم، الذي حاول عبثًا إنقاذه، بينما كانت والدته خالدة تفقد الوعي من هول المشهد. لم تكن تلك الليلة مجرد لحظة اعتقال، بل كانت بداية مسيرةٍ طويلة من الألم والمقاومة لعائلةٍ فلسطينيةٍ مسيحيةٍ عريقة، عانت مرارًا من سجن أبنائها، بدءًا من اعتقال الأم خالدة وهي حاملٌ في الانتفاضة الأولى، وصولًا إلى جون، الابن الوحيد بين أربع بنات، الذي حمل منذ طفولته هَمَّ القدس وقضيتها. في غرفة التحقيق، حاول محققو "الشاباك" تفكيك دوافع جون، فسألوه: "لماذا تُنفِّذ عملية طعن وأنت مسيحي؟"، فردَّ دون تردد: "أتريد أن أرى المستوطنين يدنسون الأقصى وأبقى هادئًا؟ تعتدون على المرابطات وتريدون أن نبقى صامتين؟!". كانت إجابته صدمةً للمحقق، لكنها كشفت عن عمق الانتماء الفلسطيني الذي يتجاوز الدين إلى الهوية الجامعة. لم يكن جون يدافع عن حجرٍ أو مبنى، بل عن كرامة شعبٍ يُهان يوميًّا تحت نير الاحتلال، سواء في المسجد الأقصى أو كنيسة القيامة، التي شارك هو نفسه في تزيينها بأكاليل الميلاد، تمامًا كما ساهم في تنسيق أزقة البلدة القديمة خلال رمضان.
حُكِمَ على جون بالسجن 11 عامًا وغرامةٍ ماليةٍ قاسية، بعد محاكمةٍ وصفها والده بأنها "مسرحيةٌ هزلية" طالبت فيها النيابة بعقوبة 20 عامًا. لكن السجن لم يكسر إرادته؛ فخلف القضبان، حوَّل زنزانته إلى جامعةٍ يدرس فيها العلوم السياسية، ويُعلِّم اللغة الإنجليزية للأسرى، بل اجتاز امتحانات الثانوية العامة في زنزانة سجن "جلبوع". هكذا، لم يكن جون سجينًا عاديًّا، بل مُعلِّمًا ومناضلًا يُذكِّر العالم بأنَّ الأسير الفلسطيني يخلق من الظلمِ منجمًا للإرادة.
عائلة قاقيش، التي تُضيء شجرة الميلاد كل عامٍ بغيابه، تروي قصةً مختلفةً عن "الاحتفال". الأم خالدة، التي خاضت أربع عملياتٍ قلبيةٍ خلال سنوات اعتقاله، تصف زياراتها له: "أكتفي بالنظر إلى عينيه المليئتين بالفخر... هل سأضمه مرةً أخرى؟". أما الأب وليم، الذي يُشارك في الاعتصامات اليومية عند باب الأسباط، فيرى في نضال ابنه امتدادًا لصراعٍ وجودي: "الاحتلال لا يفرق بين مسيحي ومسلم... الرصاصة لا تسأل عن دينك".
اليوم، بعد عشر سنوات على اعتقاله، ما زال جون يقبع في سجن النقب الصحراوي، لكن قصته تحوَّلت إلى نشيدٍ يردده المقدسيون: مسيحيون شاركوا في الدفاع عن الأقصى، ومسلمون أضاءوا شموع الميلاد في حارة النصارى. إنه نموذجٌ للعربي الحر الذي يُذكِّر العالم بأنَّ فلسطين ليست أرضًا للصراعات الدينية، بل وطنًا للهوية الجامعة، حيث يُصلي المسيحي من أجل القدس بنفس الحماسة التي يُدافع بها المسلم عن كنيسة القيامة. الحرية لجون قاقيش، ولأكثر من 5000 أسيرٍ فلسطينيٍ يواصلون كتابة ملحمة الصمود خلف القضبان.
"الاغتيال البطيء".. قادة الحركة الأسيرة على حافة الشهادة وسط صمت العالم
في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بصراعات السياسة والاقتصاد، يخوض قادة الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال معركة وجود وصمود قد تنتهي في أي لحظة باستشهادهم، وسط تصعيد غير مسبوق تتوالى فصوله منذ السابع من أكتوبر. مكتب إعلام الأسرى وجّه إنذارًا عاجلًا، محذرًا من أن الانتهاكات المروعة التي تُمارَس بحق رموز وقادة الأسرى قد دخلت مرحلة "الاغتيال البطيء"، حيث الجسد يُنهك بالتعذيب والإهمال، والروح تُستنزف في الزنازين دون ضوء أو دواء أو صوت.
المكتب أشار في بيان رسمي إلى أن الاحتلال ينفذ "هجمة مسعورة ومروعة" تستهدف القادة تحديدًا، عبر العزل، التجويع، الإهمال الطبي، والضرب الوحشي، ما يجعل حياتهم على المحك. وأضاف أن هذه الجرائم لا تحدث في الخفاء، بل تُدار ضمن خطة ممنهجة تنسجم مع نهج الاحتلال في الحرب المفتوحة على الشعب الفلسطيني، ولا سيما من يرفض الانكسار خلف القضبان.
بين العزل والمرض... حياة تتآكل ببطء
الحالة الصحية الخطيرة التي يعيشها الأسير القائد عباس السيد، المحكوم بالسجن المؤبد 35 مرة منذ عام 2002، تجسد حجم الجريمة. في سجن ريمون، يعيش السيد تحت وطأة عزل انفرادي قاسٍ، مع تجويع متعمد، وتعذيب جسدي متكرر، تسبب في التهابات جلدية حادة، وتراجع خطير في بصره، دون أن يتلقى أي علاج. القائد عبد الله البرغوثي لا تقل معاناته فظاعة، إذ يتعرض في سجن جلبوع لجولات متكررة من التعذيب الوحشي، تتضمن إدخال كلاب لنهش جسده، وسكب مواد حارقة عليه، ما تسبب له في غيبوبات متكررة في غياب أي رعاية طبية.
أما القائد حسن سلامة، القابع في العزل منذ أشهر داخل سجن مجدو، فيعاني من اعتداءات جسدية مستمرة، وهزال شديد وصل به إلى 62 كغ، إلى جانب حرمانه من أبسط احتياجاته كالنظارات أو العلاج. القادة مهند شريم ومعمر شحرور والشيخ محمد النتشة كذلك يواجهون أوضاعًا صحية متدهورة، وسط تعمد الإهمال والتجويع والحرمان من الدواء، في ظل بيئة رطبة وقاتلة.
سياسة "بن غفير": قانون الغابة في السجون
ما يجري بحق الأسرى لا يمكن فصله عن السياسة العلنية التي يقودها وزير الأمن القومي في كيان الاحتلال "إسرائيل" إيتمار بن غفير، الذي أطلق خطة "تحسين العقوبة" ضد الأسرى الأمنيين، عبر تقليص المساحات المعيشية، ومنع الزيارة، وحرمان الأسرى من الاستحمام، وحتى منع زيارة المحامين وممثلي الصليب الأحمر، في تحدٍّ سافر لكل القوانين الدولية.
المجتمع الدولي، رغم كل هذه الوقائع، يواصل صمته المريب. ورغم التحذيرات المتكررة من منظمات حقوقية فلسطينية بأن ما يتعرض له الأسرى يمثل خرقًا صارخًا لاتفاقيات جنيف وجريمة حرب مكتملة الأركان، لم يتحرك العالم بعد، في وقتٍ ارتقى فيه 65 أسيرًا منذ 7 أكتوبر نتيجة التعذيب والإهمال.
معركة البقاء: الكرامة في مواجهة القتل البطيء
يخوض قادة الحركة الأسيرة، وعلى رأسهم السيد والبرغوثي وسلامة، معركة كرامة وصمود في الزنازين المعتمة، حيث الموت البطيء هو السجان الحقيقي. إن ما يتعرض له هؤلاء الرموز ليس مجرد انتهاك، بل هو اغتيال ممنهج لفكرة الصمود الفلسطيني نفسها.
مكتب إعلام الأسرى حمّل الاحتلال المسؤولية الكاملة، مؤكدًا أن ما يُرتكب بحق القادة جريمة لا تسقط بالتقادم. ودعا المكتب المؤسسات الحقوقية الدولية، وعلى رأسها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إلى تحرك عاجل قبل أن يتحول أحد القادة إلى رقم في مقابر الأرقام.
كما دعا أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس وكل الساحات إلى الخروج والتظاهر نصرةً لمن يواجهون الموت بصدورهم العارية، دفاعًا عن كرامة شعب بأكمله. إن استمرار الصمت جريمة، وإن تأخر العالم في التدخل، فإن جدران الزنازين ستبقى شاهدة على عار دولي لا يُمحى.
وتشير بيانات نادي الأسير الفلسطيني إلى أن عدد الأسرى في سجون الاحتلال تجاوز مع مطلع أبريل 2025 حاجز 9900 أسير، بينهم نحو 400 طفل و27 أسيرة، في حين ارتقى منذ 7 أكتوبر 65 أسيرًا نتيجة التعذيب والإهمال وسوء ظروف الاعتقال، ما يجعل استمرار الصمت العالمي تواطؤًا مع القتلة. في الزنازين حيث يحرم الإنسان من الضوء والهواء، يخوض قادة الحركة الأسيرة معركة البقاء والكرامة، يواجهون الموت كل يوم بصمت لا يسمعه العالم، لكنه يصرخ في وجدان كل من بقي له ضمير. إن ما يتعرض له هؤلاء الرموز ليس فقط انتهاكا لحقوقهم إنما اغتيال متعمد لفكرة الحرية والصمود، وإن لم يتحرك العالم اليوم فإن جدران السجون ستبقى شاهدة على جريمة مكتملة الأركان ترتكب بحق شعب بأكمله، قادته خلف القضبان، وقضيته لا تزال تبحث عن عدالة مفقودة.
الأسير محيي الدين نجم شهيدًا.. جريمة طبية جديدة في حرب الإبادة داخل السجون الإسرائيلية
أعلنت هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية عن استشهاد المعتقل الإداري محيي الدين فهمي سعيد نجم (60 عامًا)، من محافظة جنين، في مستشفى "سوروكا" الإسرائيلي، متأثرًا بجريمة إهمال طبي ممنهجة، نفذتها إدارة سجون الاحتلال ضمن سلسلة الجرائم التي تستهدف الأسرى بشكل غير مسبوق منذ 7 أكتوبر.
الشهيد نجم، المعتقل منذ 8 أوت 2023، أمضى ما مجموعه 19 عامًا داخل سجون الاحتلال، وكان يعاني من مشاكل صحية مزمنة. وقد أفاد نادي الأسير الفلسطيني وهيئة شؤون الأسرى بأن إدارة سجن "النقب" حرمته كليًا من العلاج، رغم تدهور حالته الصحية، وظهور مؤشرات خطيرة أثناء زيارة له بتاريخ 10 مارس المنصرم، حيث لم يعد قادرًا على الحركة وكان يتنقل بصعوبة شديدة.
وأكدت مؤسسات الأسرى أن سلطات الاحتلال ارتكبت جريمة مركبة بحق نجم، تتمثل في مواصلة اعتقاله إداريًا لأكثر من عامين، وحرمانه من العلاج والرعاية الصحية، وهي سياسة ممنهجة تُمارَس بحق مئات الأسرى المرضى، الذين يواجهون القتل البطيء في السجون الإسرائيلية.
كما أشارت المؤسسات إلى أن سجن "النقب"، حيث احتُجز الشهيد نجم، يُعد من أبرز مواقع الجريمة، لا سيما بعد تفشي مرض "الجرب – السكايبوس" الذي تحوّل إلى أداة قتل إضافية تستخدمها إدارة السجون الإسرائيلية بحق الأسرى، في ظل تجاهل مروّع للمطالبات الطبية المتكررة.
ومع ارتقاء الشهيد نجم، يرتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ بدء الإبادة إلى 66 شهيدًا معروف الهوية، من بينهم 40 من غزة على الأقل، بالإضافة إلى عشرات الشهداء الذين ما زالت سلطات الاحتلال تُخفي مصيرهم قسرًا. وبلغ العدد الكلي لشهداء الحركة الأسيرة منذ عام 1967 إلى 303 شهداء، فيما لا تزال جثامين 75 أسيرًا محتجزة، بينهم 64 منذ بدء العدوان الحالي.
وفي السياق ذاته، أفاد محامو هيئة شؤون الأسرى عقب زيارات ميدانية إلى سجن "عوفر"، باستمرار عمليات الاقتحام والقمع بحق الأسرى، إضافة إلى حرمانهم من أبسط مقومات الحياة، حيث يتم اقتحام الغرف وسحب الفرشات وفرض عقوبات جماعية.
وأكدت الهيئة أن الفورة في "عوفر" لا تتعدى نصف ساعة فقط في ساعات الصباح الأولى، وغالبًا ما يُحرم الأسرى منها. كما يعاني الأسرى من نقص حاد في الملابس وسوء شديد في نوعية وكميات الطعام، إذ يُقدم دون ملح أو سكر.
ورصدت الهيئة عدة حالات مرضية حرجة لم يتلقَّ أصحابها أي علاج، أبرزهم الأسير قتيبة سمور من طولكرم، الذي يعاني منذ شهر من حكة جلدية حادة دون أن يُسمح له بإجراء الفحوصات. كذلك الأسير عبد الله مناصرة (18 عامًا) من جنين، الذي يعاني من مشاكل في الأسنان وحساسية جلدية، والأسير شرف الدين أبو ديه من حلحول، الذي يعاني من مشاكل بصرية، ولم تجر له فحوصات رغم حاجته الملحة لها.
أما الأسير محمد عيسى من بيت لحم، فقد أصيب بعد الاعتقال بمشاكل في الأذن، وفطريات بالقدمين، وآلام في المعدة، ولم يُقدَّم له أي علاج رغم مطالبه المتكررة.
بقلم: حسن عبادي/ عمان-حيفا
دراسات في الإبداع الفني للأسرى
عقدت رابطة الكتاب الأردنيين في مقرّها بعمان المؤتمر الأول لأدب الحرية في سجون الاحتلال يومي الأربعاء والخميس (16-17 أبريل 2025) تزامنًا مع يوم الأسير الفلسطيني بمشاركة واسعة من أدباء ونقاد وأكاديميين من الأردن وفلسطين والجزائر ولبنان والعراق وحضور مهتمين بالأسر وأدب الحرية. كانت الجلسة الخامسة بعنوان "دراسات في الإبداع الفني للأسرى" بمشاركة الفنان غازي انعيم/ الأردن، الفنان صالح حمدوني/ الأردن (ألقاها نيابة عنه الشاعر والمترجم نزار سرطاوي)، وإدارة الدكتورة دلال عنبتاوي/ الأردن. كانت المداخلة الأولى للأستاذ الفنان غازي انعيم/ الأردن وعنوانها: "إبداعات الفنانين الأسرى في سجون الاحتلال: بلاغة إبداعية... ومضمون نضالي وإنساني" وجاء فيها: "الفنانون كغيرهم من الأسرى داخل أسوار المعتقلات، قضوا تجربتهم ما بين التحقيق والمحكمة والزنزانة الانفرادية، ووصفوها وصفًا دقيقًا ابتداء من الفترة الأولى، فترة التحقيق، وهي الأصعب، ولها أجواؤها الخاصة، ثم فترة المحاكمة، وهي فترة غير مستقرة للسجين، وأخيرًا فترة النطق بالحكم وهي التي يعرف فيها الأسير إلى أين سينتهي به المطاف، ومنهم من قرر أن يجعل من ريشاته سلاحًا من نوع آخر، علهم يواجهون به المحتل ويؤدون دورًا نضاليًا من خلال الرسم، فكانت لوحاتهم أيقونات وطنية خرجت من بين القضبان ومن رحم الزنازين.
حاول الأسير المبدع أن يخرج من أسوار السجن إلى أفق أوسع وأرحب، فكان الرسم المتنفس الذي يخلخل إيقاع الزمن ويغير من الشعور بثقل الأيام والساعات، حتى الثواني المتعاقبة التي يكاد السجين يسمع صوت خطوها على ساحة الوقت، فينتشله الرسم من هذا الضجيج. وتبدأ معه حالة من الانفصال عن الواقع، يخرج من بوتقة الزمن إلى التأمل والبحث عن الذات وحقيقتها، إنه لا يرسم خطوطًا على الورق أو القماش، بل يرسم ذاته، يتعرف عليها من خلال لوحاته، فكل خط ولون وشكل هو نافذة إلى روحه وعقله ووجدانه، إنها خلجات نفسه، فيمنحنا جزءًا من روحه في لوحة، أو مجسم، أو في حركة خط ليتحرر من الزنزانة والسجان، وهو عندما يمسك باللون يمارس حريته المطلقة على الورق والقماش، لذلك كل لوحة رسمت داخل الزنازين تعلن حرية الأسير وانعتاقه من كل القيود التي فرضت عليه، فهو يرسم ما في داخله بحرية وسرية تامة رغم أنف السجان، ويعلن من خلالها تمرده، ويسبر أغوار نفسه دون أن يشعر بذلك، إنه عالم عميق من اللاوعي.
لقد عمل الفن على تحويل الحرمان والمعاناة لدى الأسير إلى طاقة خلاقة وإيجابية، ترمم روحه، وكأنه بلوحاته يوجه دعوة للعالم لرؤية جمال ما في داخله من جانب وقبح وفاشية وعنصرية العدو من جانب آخر.
لقد كان الفن بالنسبة للفنانين الأسرى وسيلة للتعبير عن انفعالاتهم وتحدي السجان الذي يحاول النيل من إرادتهم ورغبتهم في الحياة، وبما أن السجين يعاني ضيقًا في المكان ووفرة في الزمان يلجأ إلى الهروب نحو الحرية، نحو الرسم الذي يؤرخ لجحيم السجن وعذاباته ومآسيه ويصوغها في قالب فني يسحب المتلقي من عالم حريته الواقعي الذي يعيش ويهوي به إلى قعر غيابات الحبس ليتقمص دور السجين ولتسرد عليه الأحداث وكأنه يعايشها، ببكائية نازفة تجسد ما يعانيه السجين من وجع لا ينتهي.
وتتميز هذه اللوحات بالجاذبية والتشويق والإبداع، وهي تمثل أصدق مشاعر النفس الإنسانية، وهذه اللوحات تكتسب مصداقية لأنها تحكي عن تجارب واقعية تعبيرية رمزية وأن ما يميزها، أن أصحابها مدفوعون بعبء ثقيل تحمله أحلامهم وذكرياتهم فلا يجدون إلا الرسم متنفساً لهم. فكانوا من خلال الرسم يعيشون حياة حرة موازية لحياتهم الحقيقية القاسية، وكانوا من خلال كل لوحة يبدعونها يجسدون آمالهم في اقتراب اليوم الذي ستفتح فيه الأبواب الحديدية وتهدم الجدران العالية ويعانقون الحياة التي تركوها.
وأضاف: "تتكون تقنية اللوحات التي أنتجت في داخل سجون العدو من المناديل القماشية والمناديل الورقية وقماش الوسائد والورق، وبطاقات المعايدة... أما المادة التي كانت تستعمل في الرسم والخط، فكانت تتكون من ألوان أقلام الحبر الناشف والمتمثلة في (الأسود والأخضر والأحمر والأزرق)، والأقلام الخشبية والشمعية، والقهوة والشاي. وكان فلتر أعقاب السجائر يستخدم في الخط عوضاً عن القصبة".
وأضاف: "لجأ الفنانون الأسرى إلى استخدام العديد من الرموز في لوحاتهم، وكرّست هذه الرموز في الثقافة الفلسطينية، مثل: السجن، السجان، السجين، القضبان، الباب، القيد، الأسلاك الشائكة، الهراوة، الشمس، الهلال، الشمعة، الشعلة، خارطة فلسطين، علم فلسطين، الكوفية الفلسطينية، البندقية، شارة النصر، قبضة اليد، المقاتل، المرأة، طائر السنونو، الحمامة، النسر، الاخطبوط، الأفعى، الوردة، قبة الصخرة، شجرة الزيتون، الصبار، سنابل القمح، تمثال الحرية، السفينة، الناي، الحجارة، الإطارات المشتعلة."
وأنهى بقوله: "لقد كان لفن السجون انعكاسه الكبير والإيجابي على نفسية الأسرى، كونه يعبر عن ذواتهم وآمالهم وطموحاتهم الشخصية والوطنية، ويخرجهم من ضغوط الاعتقال وأجواء الكبت والقيد إلى عالم الخيال الرحب، وأن فن الأسرى يتضمن مصداقية، ومعانٍ، إنسانية، وبلاغة إبداعية، واستطاع أن يلفت انتباه المهتمين والنقاد والفنانين".
وتلتها مداخلة الفنان صالح حمدوني/ الأردن وعنوَنها بـ: "فنانون تحت الأرض- تجربة فنية من داخل الأسر" وجاء فيها: "في واحدة من تجليات التحدي والصمود والإصرار يُعرّف الأسير نفسه كـ"إنسان لم يتمكن السجان من انتزاع إنسانيته"، لذا أصرّ الأسرى على الحياة والتعبير عن ذواتهم من خلال الكتابة والفن والدراسة ومحو الأمية جنبًا إلى جنب من مواجهة السجان وسياسته القمعية وإهماله الطبي المتعمد، بهذا حققوا انتصاراتهم المادية والمعنوية، حققوا حضورهم وإنسانيتهم التي يعيدون تأكيدها في كل معركة يخوضونها داخل باستيلات العدو الصهيوني". تناول تجربة زهدي العدوي ومحمد الركوعي الذي قال: "رسوم وراء القضبان من واقع الأسر وأحلام السجين وصمود المعتقلين، لوحات مليئة بالعناصر والرموز النضالية، رسمتُ بأدوات بسيطة جدا، قطع صغيرة من ألوان الشمع الذي يستخدمه الأطفال ومن أقلام الحبر الجاف وعلى قطعة من قماش من وسادتي التي أنام عليها، ومن خلال النور الذي يدخل من شباك غرفتي الصغيرة، وفي زاوية بعيدة عن عين السجّان، من خلال هذه الظروف كنا نحيا ونحلم بالحرية".
وأضاف: "مؤخراً، ومع توالي تجارب الكتابة من داخل أسوار الأسر تفاعلت فكرة الرسم مع الكتابة، فرسم الأسير جمال الهندي لوحات عديدة في الأسر واستطاع إيصال بعضها للخارج، وتم استخدامها في بوسترات لعدة مناسبات تخصّ الحركة الأسيرة، وطُبعت بعدة لغات، كما يعمل على رسم لوحات لتكون أغلفة لكتب زملائه الأسرى بعد أن يقرأها أو يواكب عملية كتابتها. اتسمت أعمال جمال الهندي ببساطة الفكرة ووضوحها واستخدم في إنتاجها القلم والورق المتوفر في السجن، رسم عليها بطريقة التنقيط عن الأم والمرأة وفلسطين والأسرى والوقت الذي يأكل حياة الأسرى وعن العودة". وتناول أعمال الأسير الكاتب منذر مفلح، صاحب كتاب "الخرزة"، والذي يخوض غمار فن الخزف مع الكتابة، وله عدد من الأعمال التي وصلتنا بفضل المحامي الحيفاوي حسن عبادي. استثمر بعض مكتسبات حققتها الحركة الأسيرة عبر نضالاتها ضد سياسات الاحتلال القمعية في السجون، فتعلّم استخدام الخزف لإنتاج مجسمات لافتة، يمكن استخدامها بطرق مختلفة، لإضاءة الشموع وعلب حلوى ولوحات مختلفة، لوّنها بألوان مفعمة بالفرح والأمل، ألوان تفرك المرّ في عين السجان؛ لتؤكد أمامه دائمًا أن أسرانا الأحرار يستحقون الحرية … كل الحرية."
الحريّة لأسرى الحريّة
بقلم : المتوكل طه
إلى غزّة وأَسْرى الحُريّةِ
مِن ساحات الوطن الذي يرقب زفّةَ الكبش المُكحَّل الشهيد، والذي كسرَ بقبضته الهواءَ الفاسدَ، واجترح المعجزة، وقهرَ العنصريةَ والأبارتهايد، ومن تلالِ البلاد، بعد ثلاثمائة يوم ينوء بمجزرته وموته وحريقه وفنائه وفزعه وسجنه وليله وصراخه وقيوده، وبعد ثلاثمائة ألف شهيد ومفقود ومطمور وجريح، وعلى بُعْدِ نبضةٍ من القدسِ العاصمة، وعلى مَرمى وَردةٍ من عسقلان، ومن ساحات غزةَ هاشم، أُمِّ الأساطيرِ التي لا تموت، نتوجّهُ إلى أسرى الكرامةِ؛ أرواحِ الأرضِ، أنبياءِ الصبر، الذين أرجعوا لنا مرايا الجبّارين وفجرَ العماليق، وزاوجوا بين الوَّتَرِ والعرين، وأعادوا الفحولةَ إلى الأرجوان تحت أقواس الدم والنار، نقول لهم: إذا خُلِق السجنُ لكم فقد خُلِقتُم للحريّة. وسلامٌ على جوعِكم المقاتلِ، وعلى عطشِكم الجليلِ، وعلى لحمكم الذي يذوب، وأنتم تدافعونَ به عن فلسطين، البعيدةِ عن خطوطِ السُّوءِ والهزيمةِ واليأسِ والإبادة المفتوحة، وتواجهونَ الإلغاء والشطب والفاشية، وانغلاقَ السُبُلِ والضُّمورَ والقضبان، وتقفونَ في وجهِ العَبثِ الدمويّ الاحتلاليّ، الذي يسعى إلى تفريغِ الحركةِ الأسيرةِ من مضامينِها ومحتواها الوطنيِ والإنساني. سيأتي البحرُ ليملأ ضلوعَكم، لتظلّوا زَخمَ الرَّعدِ، والبرقَ المُختَزِنَ في غيومِ السماء، حتى تبقى المعتقلاتُ قِلاعاً، إلى أن ينشقَّ البابُ ويدخلُ النهار، ولترجعَ الحركةُ الأسيرةُ إلى سَبيكَتِها الذهبيّة، تحفظُ مُنجزاتِ الشهداءِ والمناضلين، وحتى لا نستمرئ السّكينَ على رقابنا، أو يشحذونَها على عظامِنا.
نقولُ لكم: لستُم وحدَكم! إنَّ شعبَكم يتنفّسُ في ظهورِكم، ومعكُم المآذنُ والأسوارُ والأجراسُ والرُّضّعُ والهتافُ والمعابدُ والأغاني، وقد أصبحت شوارع الدنيا فلسطينية، تهتف للحياة والحرية، في مواجهة المذبحة والتطهير العِرقي وإعدام القوانين والشرائع.. فلنجعل يوم الثالث من آب يوماً حاسماً ننقشه تضامناً وانحيازاً للضحيّة، التي تسعى للخلاص، وللسجين الذي يتغيّا الحرية البسيطة والعميقة. أيها الأسرى! إنكم تتربّعون الآن على سِدَّةِ الخلود، في كَعْبةِ الأقوياء وكَرْنَكِ الأشدّاء، ترسمون صورةً بالأمعاء اللّاهبةِ، وماءُ الحرية يبحث عن الظمآنين. ستقهرون الفاشيةَ والسّاديّةَ، ففي صوتكُم دماءُ الشهداءِ، وضحايا غزة وحجارتها، وصراخُ الجرحى، ونداءُ الأُمّهاتِ، وحِراكُ الميادين والمخيمات، وجرأةُ الموسيقى، وطيورُ النار. أيها الأسيرُ، يا ابنَ الناياتِ والشَّجنِ، ويا زهرتَنا الزجاجيةَ وشمعتَنا البابليةَ، يا ابنَ البدايةِ التي لا تنتهي، يا سيّدَ الأعراس، ونشيدَ المتراس، يا انفجارَ الربيعِ وعاصفةَ السنبلةِ، يا بُخارَ جراحِنا ويا خُبزَنا الجَمريّ! سيقرأ أسير، يقبع منذ أربعة عقود في رطوبة العَزْل، حروفَه المأنوسةَ، وسيرفعُ النَّرجِسةَ إلى المُلصقِ، وسيسعى إلى الضوءِ المُشِّعّ والكتابِ القويم وإلى النسَغِ المخبأ في الجذور، وسيرمي الماسةَ بين الرّحى، حتى يرتجَّ المعدنُ وتتوالى فيه البراكين، ليبلغَ الكَشْفَ.. ومع جُوعِه سيبدأ يومٌ جديد، وهو على صوابٍ إذ يقدِّمُ كلَّ شيءٍ من أجل الحرية، ويمهِّدُ لمنظرٍ ورديٍّ للزمنِ الآتي على سواحل المدن المستباحة. أيّها الأسيرُ! يا أيقونتَنا المخبّأة مثل شمسِ دير البلح في أسوار زهرة المدائن. إنّ إرادَتكم هي إرادةُ النّصر الأكيد. فإن أوغل السجّان في دمكم، وإنْ رفَضَ السجّانُ مطالبَكم الإنسانية العادلة، فهذا يؤكد زيفِ احتكاره لصورةِ الضحيّة، لأنه الجلاد بامتياز. وليرى العالمُ جرائمَ هذا المحتلّ، حتى لا يظلّ البعض خاضعاً لابتزازه، أو مصدّقاً لدعاويه الملفّقة التي تحارب كل ما هو بريء، وتحرق كل ما هو طفل وجميل، وتمنع كلَّ لقاء بين الإنسان وأخيه. فهل آن الأوان للعالم لأن يُعيد هذا القاتلَ إلى أقفاص المحاكمة، لما يقترفه من إرهاب منَظَّم، يطال الحياةَ ويلوّثُ المعايير البشرية والمواثيق الدولية. أيُّها الأسرى! سيشربُ قَرنُ الغزالِ من رِيقِ فولاذكم، ويطلعُ الزَّعترُ من ملحِ نارِكم، وسيأتي الفجرُ من رَنَّةِ الصحونِ الفارغةِ على رفوفِ الصدى.
إنّ شرارةَ ثباتكم الفذِّ المتواصلِ ستقودُنا إلى السَّرْجِ من جديدٍ، وستؤَصِّلُ لمرحلةِ الحُريّةِ المُشرعةِ، ولن نصعدَ، ثانيةً، إلى الجُلجلةِ، وسنفرشُ دربَ الآمِكم بالشقائقِ والحَبَقِ، وسترفعُ الشرفاتُ مناديلَها في زفّاتِ القمرِ الطليق. أنتم لَحمُ الشمسِ ونبضُ البركانِ ورجّةُ الغناءِ الذي سيلدُ البقاءَ. نقول لجلّادِكم، الذي يغتصب ويجوّع ويشقق الشفاه عطشا، ويدبّغ الأجساد قيداً وحرقاً، ويسجِنُ حتى الجثثَ، في مُدنِ أسواره الجهنميّةِ وباستيلّاتِه النازيّة: كِلانا، أيّها المُحتلُّ يعرف الموتَ، لكنَّ واحداً منّا يعرف الحياة. إنّه الأسيرُ، الذي لن يسمحَ لِزَمَنِكُم لأنْ يقدَّ أثوابَه السوداءَ من أعمارنا، فهو على يقينٍ بأنّ كلَّ هذه الآلامَ ستصبحُ حريةً، وإنْ اقترفتم ألفَ مذبحةٍ في اليوم والساعة.
**
ونقولُ لأبناء شعبنا الراسخين، في مدن المجزرة الهمجية في قطاع غزة الصابر المقاوم، إننا ننتظر العيد الآتي من مشهد المناجزة المستحيلة. ونقول لأبناء شعبنا وأمتنا، ولشعوب العالم في كل مكان: إنّ هذا العرس الصوفي والألق الخارق لا يكتمل إلا بالتحامكم مع الحق والعدل والأحلام، وأنتم تشاهدون فظاعات الاحتلال "إسرائيل" اليومية، على امتداد فلسطين، وفي أقبية القيود المرعبة، والمذبحة ما زالت في أوجها.. فلنقف مع غزة حتى لا نخذلها، ومع الأسرى، حتى لا نخذل أنفسنا وقيمنا، فقد اتسع القيد حتى احتل مساحة البلاد، في العتمات المقيدة. نتمنى أن تُعلنوا انضمامكم فورًا إلى هذه الملحمة الفارقة، ولا تتركوا خاصرة الأسرى مبذولة للطعنات. وننتمى على العالم ومؤسساته الحقوقية والإنسانية أن يُعيدَ للسيدة العمياء، العدالةَ، بصرها وبصيرتها، حتى لا يظل القاتل دون مساءلة وحساب. من غزة وُلِدت الكرامة، ومن المعتقلات جاءت الحرية، فكانت الأسطورة التي مات فيها الغول وغاب السكوت. وهنا؛ نشكر كل الذين أضربوا وهتفوا وتضامنوا وخرجوا وأعلنوا، وما زالوا يقفون بجسارة وإنسانية ورحمة، في كل الدنيا، مع غزة والأسرى. ولتتعاظم تجليات المساندة في كل الجهات. ونعلن هنا؛ أن الأمة والشعب والبيوت والقباب، والزيتون المستوي على عرشه الأبدي، وهي تتماهى مع جموع الشعب، تقبض على جمرة الثوابت الوطنية، وتؤكد على حقوقنا غير القابلة للتصرف، وكلنا ثقة بأن أهلنا في غزة والقدس ويافا وجنين، سيبقى حارسًا أمينًا، حتى تنقشع المقتلة الهوجاء، وينأى آخر احتلال عن أرضنا، وتنفتح أبواب القلب، ونعبر من ربقة الحسرات، إلى فضاء فلسطين الوهّاج بالألوان.. وستكون أيادي المقاومين في خانيونس ونابلس وحيفا وطولكرم ورفح، مع تشابك ذراع الأسير، أقواسًا للغار وشبابيكَ للحياة، التي سنعبرها، غير منقوصين، بكامل الحرية والكرامة. قد يتعب المدفع، لكنّ غزة لن تهدأ، وقد يتعب الحديد، لكنّ الأسرى لا يتعبون! إنهم يرسمون السماء ثم يهبطون بها إلى الأرض، يُروضون الهواء المتوحش ويحبون الأرض، وحكمتهم البالغة تقول: إنّ ما يريده أي دم هو ألا يُسفك، ومن الدم يأتي دم جديد. ستظل عيون الأسرى تلتمع وسط الظلمة، سيضربون بالرعد، وستتألق وجوههم مثل نار تتأجج، كلماتهم حيّة، وقد كتبوا شغفهم على قمصان السحاب، ونقشوا انتصاراتهم على حيطان الهواء، فلتأخذهم الوردة نسورًا إلى الشمس، ليظل مجراهم سماويًا، ويبشّروننا بالخلاص، وعندها سنطلق الحمام وندحرج الرمان المصهور، وننتحب من عطش العشق السرمدي. عاشت فلسطين وعاش اسمها الجديد: غزة المجد وأسرى الحرية، أيّها الأسير الحر الجسور، فالنصر لغزة، والفضاء لك.
قوانين الاحتلال وتعديلات 2024 أداة لقمع واضطهاد الأسرى
كتب: عماد سعادة - نابلس
رصدت مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، في ورقة أصدرتها، التعديلات القانونية التي يواصل الاحتلال الإسرائيلي فرضها على الأسرى الفلسطينيين منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، مؤكدة أن التعديلات التي أُقرت عام 2024 ليست سوى أداة لقمع واضطهاد الأسرى. وأوضحت "الضمير" أن قوات الاحتلال الإسرائيلي، ومنذ أحداث السابع من أكتوبر وما تلاها من جريمة الإبادة الجماعية ضد قطاع غزة، اعتقلت آلاف الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، واحتجزتهم في مرافق تديرها إما إدارة الجيش الإسرائيلي أو مصلحة السجون، وفق أنظمة قانونية مختلفة. ورغم تنوع أماكن الاحتجاز، إلا أن الشهادات التي جمعها المحامون والمؤسسات الحقوقية من الأسرى المحررين والمعتقلين الحاليين، أظهرت تعرضهم بشكل منهجي لظروف احتجاز غير إنسانية تتسم بسوء المعاملة، بما في ذلك التعذيب والعنف الجنسي وجرائم أخرى. وأضافت المؤسسة أن الأسرى وعائلاتهم تعرضوا بالتوازي لاستهداف ممنهج عبر القوانين ومشاريع القوانين التي شرع الكنيست الإسرائيلي بإقرارها أو مناقشتها منذ السابع من أكتوبر 2023.
مجموعة قوانين عنصرية تستهدف الأسرى
أشارت الورقة إلى أن الكنيست الإسرائيلي واصل عام 2024 إقرار قوانين عنصرية تستهدف الأسرى الفلسطينيين وحقوقهم الأساسية وحقوق عائلاتهم، وصولاً إلى تهجير عائلات الأسرى في القدس المحتلة. كما استمرت سلطات الاحتلال بتمديد حالة الطوارئ في السجون، بما يشمل عقد جلسات محاكمة عبر الفيديو، وحرمان الأسرى من المثول أمام المحكمة، واحتجازهم دون أسرّة، وسط اكتظاظ شديد. وبيّنت أن الكنيست ركز هذا العام على سن أو طرح سلسلة قوانين تمس الحياة الاقتصادية للفلسطينيين عامة، وللأسرى وعائلاتهم خاصة، أبرزها مشروع قانون يسمح للمتضررين من عمليات "المقاومة" -وفق التعريف الإسرائيلي "للإرهاب"- برفع دعاوى تعويضات ضد داعمي هذه العمليات، بما يشمل السلطة الفلسطينية. كما ناقش الكنيست مشروع قانون يفرض عقوبات على المؤسسات المالية في الضفة الغربية وقطاع غزة إذا ثبت أنها تحول أموالاً للأسرى المحررين وعائلات الشهداء، وفق التصنيفات الإسرائيلية. وتضمن القانون فرض قيود على المؤسسات المالية داخل دولة الاحتلال حال تعاملها مع تلك المؤسسات الأجنبية دون الإبلاغ عنها. كما طُرح مشروعا قانون لاقتطاع أموال من الضرائب الفلسطينية المحتجزة لتمويل علاج الأسرى في السجون، في تنصّل واضح من مسؤولية الاحتلال القانونية. وفي 11/10/2024، أُقرّ قانون باقتطاع جزء من أموال الضرائب لتمويل محامي الدفاع الإسرائيليين المعيّنين للدفاع عن الأسرى الذين شاركوا في أحداث 7/10/2023. ورغم ذلك، رفض مكتب الدفاع العام الإسرائيلي تمثيل أي أسير فلسطيني من غزة اعتُقل بعد السابع من أكتوبر. وأشارت الورقة إلى أن هذه القوانين ليست سوى جزء من جملة إجراءات تسعى دولة الاحتلال عبرها لتضييق الخناق على الأسرى وعائلاتهم بشتى الوسائل.
قانون اعتقال المقاتلين غير الشرعيين
فيما يتعلق بالمعتقلين من قطاع غزة، أوضحت "الضمير" أن بعضهم احتُجز بموجب قانون "اعتقال المقاتلين غير الشرعيين" لعام 2002، الذي ينتهك بشكل جوهري الضمانات التي يقرها القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان. ولفتت إلى أن هذا القانون لم يميز في عام 2024 بين البالغين والأطفال المعتقلين، ولم يوفر للأطفال أية ضمانات حماية خاصة. ونبهت إلى أن الأشخاص المحرومين من حريتهم خلال النزاعات المسلحة يكونون في حالة ضعف شديد، ويكونون عرضة لخطر سوء المعاملة، لا سيما عندما يتم اعتقالهم بشكل غير قانوني، كما تمارسه سلطات الاحتلال. وأضافت أن القانون الدولي الإنساني يحدد معايير الحد الأدنى لنظام الاحتجاز، ويلزم بتوفير ضمانات شرعية منذ بداية الاعتقال وطوال استمراره، مع ضمان تواصل المعتقلين مع العالم الخارجي لمراقبة أوضاعهم.
خرق للقوانين الدولية
وأكدت "الضمير" أن خروقات الاحتلال الإسرائيلي للقانون الدولي الإنساني تتجلى في معاملته لقطاع غزة كمنطقة غير محتلة رغم سيطرته الفعلية عليها، ما يشكل انتهاكاً للقوانين الدولية، التي تحظر التغييرات الديمغرافية والسياسية في الأراضي المحتلة. وفي هذا السياق، أصدرت محكمة العدل الدولية في 2024 رأيًا استشاريًا أكدت فيه عدم مشروعية السيادة الإسرائيلية على أي جزء من الأراضي الفلسطينية، ودعت الأمم المتحدة والدول الأعضاء لاتخاذ خطوات عملية لإنهاء الاحتلال. أما في الضفة الغربية، رغم زعم الاحتلال تطبيق اتفاقية جنيف، إلا أن الواقع يظهر خروقات واسعة، أبرزها فرض قوانين استثنائية ومحاكمة الفلسطينيين في محاكم عسكرية، بما يتعارض مع نصوص الاتفاقية التي تفرض حماية الحقوق الأساسية للسكان المدنيين. واختتمت "الضمير" بالتأكيد أن جميع الإجراءات القانونية التي تمارسها دولة الاحتلال بحق الفلسطينيين، من اعتقال ومحاكمة، تُعد اعتقالات غير مشروعة وتنتهك القوانين الدولية.
الأسير فرج أرحيمي.. ألم في الأذن وإهمال في الزنزانة
تقرير/ إعلام الأسرى
في سجن "مجدو" الإسرائيلي، يقبع الأسير الفلسطيني فرج عياد خالد أرحيمي، ابن بلدة بيت ريما شمال غرب رام الله، منذ أن اعتقلته قوات الاحتلال بتاريخ 29 أيلول/سبتمبر 2024. يبلغ فرج من العمر 25 عامًا، لكنه بات يعيش كمن تجاوز عمره من شدة الألم الذي ينهش جسده بصمت داخل الزنازين. فرج لا يعاني فقط من فقدان حريته، بل من ألم دائم في أذنه اليمنى، إذ يشكو منذ اعتقاله من أوجاع شديدة في الأذن، جعلته يكاد لا يسمع بها، ومع ذلك، تصر إدارة السجن على تجاهل حالته وتُمعن في سياسة الإهمال الطبي، برفضها تقديم العلاج اللازم أو عرضه على طبيب مختص. الصحية الوحيدة؛ إذ كان من المفترض أن يخضع فرج قبل اعتقاله لعملية علاجية للدوالي، لكن الاحتلال حال دون ذلك. ومنذ إدخاله إلى السجن، تفاقمت حالته وسط غياب الرعاية الطبية، رغم طلبه المتكرر بإجراء الفحوصات وتلقي العلاج، إلا أن الإدارة تصر على الرفض، وكأنها تنتقم من صوته وألمه. هذه الحالة ليست فردية، بل تعكس نهجًا ممنهجًا تتبعه سلطات الاحتلال بحق الأسرى، حيث يُترك المرضى دون أدويتهم، وتُماطل إدارات السجون في إجراء الفحوصات أو تحويل الأسرى للمستشفيات، مما يجعل من الإهمال الطبي أداة قتل بطيء في السجون الإسرائيلية.
دعوات عاجلة للتدخل
عائلة فرج، ومعها مؤسسات حقوق الأسرى، يطلقون صرخة استغاثة: أنقذوا فرج قبل فوات الأوان. فهم يحملون الاحتلال المسؤولية الكاملة عن أي تدهور صحي يصيبه، ويطالبون بفتح تحقيق عاجل في ظروف احتجازه وتوفير الرعاية الصحية الفورية له. إن صمت العالم عن سياسة الإهمال الطبي في سجون الاحتلال، يضاعف معاناة الأسرى، ويمنح الاحتلال غطاءً لارتكاب مزيد من الانتهاكات بحق أجساد لم تنكسر رغم القيد.
سهام جلامنة.. اعتقال قاسٍ يعكس وحشية الاحتلال وعقاب لعائلة بأكملها
تقرير: الأسير الصحفي علي سمودي- القدس- جنين
وسط حصار الجنود وتهديداتهم، اضطرت المواطنة الستينية سهام جلامنة "الفران" للسير على قدميها لمسافة تزيد عن 200 متر، رغم معاناتها من كسر وزرع مفصل في قدمها. أصر الجنود على انتزاعها من منزلها مع ابنها البكر عمر، واقتادوهما للتحقيق، بدعوى أن ابنها عبد الله محمد عمر جلامنة الفران مطلوب لأجهزة الأمن الإسرائيلية. وقد تأثرت صحتها كثيرًا بفعل هذه الممارسات التي رافقها احتجازها لساعات طويلة، وسط تهديدات بهدم منزلها واغتيال ابنها.
في ظل الحصار والعدوان المتواصل على مدينة ومخيم جنين، ومع حملات الهدم والحرق والتدمير، صعدت قوات الاحتلال من حملاتها لاستهداف الشبان الذين تزعم أنهم مطلوبون. ووفق توثيق "القدس"، داهمت قوات الاحتلال منازل عدد من الأسر، واحتجزتهم وحققت معهم وهددتهم بالاعتقال كما حدث مع عائلة جلامنة. فقد حاصر الاحتلال منزل العائلة الواقع في حي الحرش غرب جنين، واقتحم الجنود المنزل وروّعوا العائلة، ثم انتزعوا الوالدة المريضة وابنها عمر واقتادوهما للتحقيق بهدف الضغط على العائلة لتسليم عبد الله.
وقال الوالد: "خلال لحظات تحول منزلنا إلى ثكنة عسكرية. العشرات من الجنود روّعوا أفراد عائلتي ولم يراعوا الحالة الصحية لزوجتي التي قيدوها واعتقلوها رغم معاناتها. نحن لا نملك أي معلومات عن ابننا عبد الله، فمنذ فترة طويلة انقطعت أخباره ولم نره حتى."
بعد ساعات من الاحتجاز الرهيب، أفرجت سلطات الاحتلال عن المواطنة المريضة سهام جلامنة، التي روت تفاصيل الانتهاكات بحقها، قائلة: "بينما كنا نائمين فوجئنا باقتحام قوات الاحتلال لمنزلنا دون طرق الباب، مما أثار الرعب خاصة بين الأطفال. كانت القوات تحاصر المنزل بالكامل، ونصبت قناصة على المنازل المجاورة. جمعوا كل أفراد العائلة في غرفة صغيرة بعد مصادرة الهويات والهواتف وبدأوا التحقيق عن عبد الله."
تضيف جلامنة: "رغم إبلاغهم بانقطاع أخبار عبد الله، تعاملوا معنا بوحشية. فتشوا المنزل وخربوا محتوياته. ثم اقتادتني مجندة إلى غرفة داخلية وفتشتني تفتيشًا كاملاً رغم معاناتي من آلام شديدة بقدمي بعد عملية تركيب مفصل بالركبة قبل شهر. لم أتمكن من المشي لكنها أجبرتني على الوقوف ودخول الغرفة. بعدها، عندما أردت الجلوس بسبب الألم، منعتني وأرغمتني على الوقوف حتى انتهاء التفتيش."
تواصل جلامنة سرد معاناتها: "رفض الجنود السماح لزوجي أو ابني بمساعدتي، وأرغموني على السير لمسافة تزيد عن 200 متر صوب الدوريات العسكرية. وعندما طلبت منهم المساعدة بسبب عجزي، رفضوا وعصبوا عينيّ بالقوة. لم أعلم كيف دخلت إلى دورية بوز النمر وسط الألم الشديد."
في المخيم، عاشت سهام جلامنة وابنها عمر ساعات عصيبة. تقول: "أنزلونا في مكان مجهول، ورفضوا فك قيودنا أو العصبات عن أعيننا. أجلسوني على كرسي وابني على الأرض رغم البرد الشديد، حتى أصيب بألم حاد في بطنه. طلبت السماح له بالذهاب للحمام أو علاجه، لكنهم رفضوا. ظلت حركتهم وضجيجهم حولنا بهدف إثارة الخوف والرعب."
تتابع سهام: "تواصل معي ضابط المخابرات هاتفياً وهددني باغتيال عبد الله إن لم يسلم نفسه. قلت له: لا نعرف مكانه ولم نره منذ زمن. فقال: 'سوف نستضيفك في السجن عدة أيام.' فأجبته: 'خذ راحتك، يومين أو ثلاثة أشهر، مش فارقة معي.' وبعدها أبلغني أنهم سيفرجون عني لكن سيبقون على عمر معتقلاً حتى يسلم عبد الله نفسه."
خلال اقتحام المنزل، حطمت قوات الاحتلال الأثاث والأجهزة وصادرت محتويات المنزل، واستمرت بالتهديد بمزيد من العقوبات القاسية. رغم الساعات الصعبة التي قضتها سهام جلامنة بين أيدي جنود الاحتلال والمعاناة الجسدية، لم تهتز عزيمتها. لكنها ما تزال قلقة على مصير ابنها عمر، والتهديدات المستمرة التي تطال ابنها عبد الله، في إطار سياسة الاحتلال القديمة الجديدة لمعاقبة المطلوبين وعائلاتهم بالضغط والترهيب.
بقلم: يونس العموري
هنا الجزائر...
هنا الجزائر، هنا نصرة فلسطين ظالمة أو مظلومة. هنا يصدح الصوت عالياً دون ملل أو كلل بعد أن خفتت الأصوات، وظلم فلسطين لفلسطين صار الأمر الطبيعي. هنا نستذكر صفحات المجد لمن عبروا، هنا يتألق الوطن ويجتمع الكل بحضرته، ووطن المنفى قد يجمعنا من جديد، والجديد هنا من يقبع في دهاليز باستيلات التيه، فقد صار للأسرى تجمع عربياً دولياً. المنصة لهم والكلام لهم والصراخ والعويل لهم، وصورهم تتألق بهية، والوطن يحاول أن يستجمع مساحته ليكون لهم، والمنفى أرحم، وفلسطين تمارس الشكوى من أمرائها، والنصرة لرجال الأسر القابعين بزنازين الموت مع وقف التنفيذ يتألق ويعلو ويسمو. من الجزائر وبحرها وجبالها نتجه صوب الوطن. فيا سيدي الوطن العظيم: تدور فينا الأسئلة ونتوه بمتاهات الحيرة. سيدي، سيدي الوطن العظيم، سيد المنفى والمنافي ونحن نقبع في ظلك، مللنا الأسئلة الساخرة التي تسبح باسمك ليل نهار، أنت أسوار ممتدة وأقفاص بلا عصافير، ونحن ملهاة نيرون، في مأساة بلد مسجل في بطاقة التموين (بدل عن ضائع)، إسمح لنا أن نعترف بخطايانا ونكتب جنوننا قبل أن يخط الحفاة رماد النسيان فوق صفحات الرمل الأصفر. يا سيد الجمع والجميع نعود من حيث البدء والتكوين لتعريف الذات، ومن نكون، وهل من يصرخ باسم المسيح معلناً عمن نكون ومن نكون، ومن يعترف بنا وبخطايانا وبأبجديات كنعان الأولى. نعود الآن لنثبت الذات ونخط أسماء قد كانت لنا منذ أن كنّا ومنذ أن اعتلى أحدهم الجبل متمترساً فوق النخيل ليصدح عن حقيقته وعن حقيقة التكوين والتكوير، بعد أن كان لنا سطوتنا وكان لنا ما مكان من عزة وفخار وشرف نجوب بها كل الأصقاع معلنين عن الحق والحقوق وعن نصرة امرأة جميلة وحقها بالعيش في كنف العشيق والحبيب، نعود اليوم لنستجدي قوت يومنا وشيئاً من فتات موائدهم، ونغرق بتفاصيل رغيف الخبز، ولم يعد يهمنا إن كان مشروطاً أو مكسوراً. والكل فينا يستجدي والاستجداء من أفعال العصر الجديد بحرفية الباحث عن النجاة والنجدة، وقد يكون لنا في ذلك وجهة وأكثر من تفسير. يا سيدي الوطن الجميل قد فقدت بريقك وجمالك بعد صار لرجالك رجال آخرون ينطقون باسمك، وبعد أن أصبح حرث أرضك بعجول غير عجولك، ونحن نلهو بمعارك البحث عن الذات وإدراك الحقيقة المطلقة، وما من حقائق في ظل ضياع وتلاشي معالم الوجه الجميل. هنا الجزائر نتوه من خلالها بمأساة فلسطين اليوم والذي أصبح ظلمها جزءاً من المشهد اليومي لممارسة فعل احتراف الساسة لفعل السياسة الوطنية المحلية، وقد تكون جزءاً من أفعال بروتكولات البحث عن الذات والتعريف بزعماء العصر الجديد. هنا الجزائر حيث التجربة التي تقف على أعتابها وتحني هامتك، وأنت تعلم وتعرف معنى صناعة النصر ومعادلة الصمود، كيف تكون أولويات أرقامها ودلالات معانيها. هنا تتحقق إرادة نصرة المظلوم.
هنا تتجلى مقولة الهواري بومدين بأبهى صورها لفلسطين المظلومة أو الظالمة نحن معها. فلسطين هنا إرادة حياة وبوصلة تؤشر باتجاهاتها كل الطرق، وكل الطرق لا بد أن تؤدي إلى فلسطين. صناعة الوعي هنا فطرية واحترافية، وإرادة التحرير ما زالت في قاموس أبناء الجزائر وقبائل الصحراء. ولن يكتمل استقلال الأوراس إلا باستقلال فلسطين. من هنا عبر العربي بن مهيدي وعميروش وبهذه الطرقات كان تجوالهم. وفي يوم ما لا بد أن نستذكر طرقات فلسطين وعبورنا بها ونسمي شوارعها بأسماء روادها بعد أن يكف الجمع عن ظلم فلسطين، وبعد أن يدرك الفلسطيني أن فلسطين دائماً على حق. كم كانت فلسفته عميقة وجميلة وذات أبعاد استراتيجية حينما أعلن عن وقفة الجزائر مع فلسطين أكانت ظالمة أو مظلومة؟ كم كنا بحاجة ونحن نشد الرحال إلى جبال الجزائر أن نشحذ همماً لنصرة فلسطين ونحن أبناؤها والمقيمون بثناياها؟ أن تدرك جماليتها وأن تكون فلسطينياً تتجلى من خلال الشعور بنصرتها ونصرة قضاياها من شعب الجزائر، وهو الذي يدرك معنى أن تعشق الوطن برغم ظلم الوطن لك، وأن تسمو باسم الوطن رغم سادته الذين يمارسون أعتى أشكال العهر باسمه. وأن تكون واحداً ممن عبروا دهاليز العلب الإسمنتية، وينصروك ويناصرون قضيتك، فأنت إذن الصح والصحيح ومسيرتك صائبة. هو الصوت من جديد لمن غاب وغُيّب صوتهم. هو صوت متحشرج ينطق بلغة الضاد بعد عشرات الآلاف السنين لثلة من المؤمنين الذين ما زالوا صامدين بقبور الموت البطيء. أسماؤهم معلومة ومعروفة ومحفورة في ذاكرة الإيمان، وغير قابلة للشطب أو التزوير.. هو صوت الهتاف من عتمة الزنزانة، والزنازين طبيعية في ظل سيطرتهم على بحرنا وليلنا، وجميلاتنا ما زلن بالانتظار، وسيبقى الانتظار سيداً للموقف، وسيظل العبور لمعتقلاتهم الأمر الطبيعي في ظل منافي الوطن حتى نرسم اسم فلسطين حقيقة ساطعة بكل أروقة الأمكنة، إن كنا على أرض المليون ونصف مليون شهيد نسمح لأصواتهم أن تعلوا فهو الإعلان بذات الوقت أن أسرانا يسجلون مليونهم عما قريب.. 850 ألف أسير عبروا باستيلات "إسرائيل"، وبالقريب سنعلن مليونهم.
يا سادة فلسطين ورجالها، كم كانت فلسطين جميلة من هناك، وكم كانت رائعة صورها، وكم هي مظلومة، وكم نحن بحاجة إلى استيعاب حقيقتها...
كاظم زواهرة.. جسدٌ محرر من سجون الاحتلال وأسيرٌ في غيبوبة الإهمال الطبي
كاظم زواهرة.. رحلة معاناة طبية تصل إلى المحطة الأخيرة
يعيش الأسرى في السجون "الإسرائيلية" ظروفًا صحية بالغة القسوة، تصل حدّ الانتهاك المنظّم لحقهم في العلاج وسط تقارير متزايدة عن تدهور حالتهم الجسدية والنفسية بسبب سياسات الإهمال الطبي، والاكتظاظ، وظروف الاحتجاز غير الإنسانية. تفاقمت سياسة الإهمال الطبي المتعمّد بحق الأسرى المصابين والمرضى في السجون "الإسرائيلية" بعد السابع من أكتوبر 2023، حيث أصبحت إدارة السجون تستخدمها كسلاح انتقامي ضد الأسرى، بحرمانهم من الرعاية الطبية والعلاج، حتى الذين يعاني منهم من أمراض مزمنة وإصابات خطيرة قد تودي بحياتهم، إلى جانب ما يتعرضون له من ضرب وتنكيل دون مراعاة لحساسية وضعهم، مما أدى إلى استشهاد عدد منهم، وهذا مرشح للازدياد مع استمرار الانتهاكات "الإسرائيلية" أثناء الاعتقال وداخل السجون.
الإهمال الطبي.. سياسة ممنهجة وجريمة ضد الإنسانية
في مشهد يتكرر يوميًّا، تتحول الأمراض المزمنة إلى أحكام إعدام بطيئة، بينما تتصاعد تحذيرات المنظمات الحقوقية من كارثة إنسانية قد تفتك بالمزيد من الأرواح إن لم تُتخذ إجراءات عاجلة. كشفت تقارير حديثة صادرة عن منظمات حقوقية محلية ودولية عن تدهور مريع في الخدمات الطبية المقدمة للأسرى، حيث يعاني أكثر من 70% منهم من أمراض مزمنة كالسكري والضغط والسرطان، دون توفير أدوية أو رعاية كافية. وتفاقم الأوضاع بسبب الاكتظاظ الذي يصل إلى 200% في بعض السجون، حيث يُحشر الأسرى في زنازين لا تتوفر فيها أدنى شروط التهوية أو النظافة، مما يسهم في انتشار الأوبئة والأمراض الجلدية. كما تشير تقارير إلى أن الوجبات الغذائية تفتقر إلى العناصر الأساسية، ما يؤدي إلى ضعف المناعة وفقدان الوزن بشكل حاد، خاصة بين الأسرى المرضى وكبار السن.
زواهرة.. محطّم أسطورة الحواجز المحصّنة الذي حرّر بأمر المقاومة
كاظم زواهرة (30 عامًا) ابن قرية التعامرية شرق مدينة بيت لحم الفلسطينية، هو أحد منفذي عملية حاجز الزعيم في فبراير من العام الماضي، وكان وقتها لا يزال "عريسًا" جديدًا؛ إذ تزوّج في سبتمبر 2023، وتسببت العملية في رعب كبير للاحتلال "الإسرائيلي"، وتحطيم أسطورة الحواجز المحصّنة. ومع الساعات الأولى من يوم الخميس 22 فبراير 2024، استيقظت دولة الاحتلال "الإسرائيلية" على عملية نفذها 3 فلسطينيين ثأرًا لجرائم الاحتلال في قطاع غزة، في واحد من أقوى الحواجز "الإسرائيلية"، وهو حاجز الزعيم شرقي مدينة القدس المحتلة، المعروف بوجود قوات مسلحة بشكل مستمر، ويُطلق عليه بأنه "الأكثر حصانة"، وهو ما أسفر عن مقتل جندي "إسرائيلي" وإصابة 8 آخرين، كان بينهم حالات حرجة. منفذو تلك العملية كانوا الشقيقان محمد وكاظم زواهرة "26 و30 عامًا"، وصديقهما طبيب العظام أحمد الوحش، 32 عامًا، وبحسب تفاصيل تلك العملية، فقد استقل الشبان الثلاثة مركبة زرقاء باتجاه حاجز الزعيم قرب قرية الطور، وافتعلوا حادثًا مروريًا، قبل أن يتقدموا نحو الحاجز ويدخلوا في اشتباك مسلّح مع جنود الاحتلال "الإسرائيلي" هناك. وعقب اشتباك الشبان الثلاثة مع جنود الاحتلال "الإسرائيلي"، استشهد اثنان وأُصيب الثالث بجروح خطيرة، وبحسب الاحتلال وقتها فقد أعلن استشهاد الأخوين زواهرة وإصابة أحمد الوحش، إلا أنه بعد 5 أيام كشفت هيئة شؤون الأسرى أن الشاب الجريح هو كاظم زواهرة من بيت لحم. ومنذ ذلك الحين دخل الأسير كاظم زواهرة في غيبوبة ويخضع للمراقبة المكثفة في مستشفى عين هداسا، ويعيش على أجهزة التنفس الاصطناعية، ورغم ذلك عُقدت جلسة محاكمة غيابية له.
حرية الجسد المُغيّب
كاظم زواهرة، الأسير الذي رفضه الموت، وابتلعته الغيبوبة بعد أن اعتقلته قوات الاحتلال، خرج ضمن الدفعة السابعة من أسرى طوفان الحرية، لكن بجسد ممدّد على سرير المستشفى، خرج دون أن ينطق أو يفتح عينيه، فهو لا يزال أسيرًا لجراحه، وجسده الطريح، الذي سلمته "إسرائيل" للصليب الأحمر ونُقل إلى مستشفى الحسين في جالا ببيت لحم. لا أحد يعرف كيف مرَّ عليه الزمن خلال عامٍ كامل، وكيف عاش في غيبوبته المظلمة داخل مستشفيات الاحتلال، فهو لا يتحدث ولا يتنفس إلا عبر جهاز تنفس صناعي. كان الاحتلال يرفض الاعتراف بحق كاظم في العلاج خلال عام كامل، ويتركه يواجه معاناته وحيدًا، داخل مستشفى "عين هداسا".
يعاني كاظم اليوم من فشل في الكلى ونزيف في المعدة، ووضعه الآن حرج، لا يُحرّك إلا عينيه، هناك استجابة للألم وللكلام عن طريق إغماض العين، ولديه كثير من التقرحات في ظهره وأقدامه، وتشنجات قوية في جسده. يحتاج زواهرة وفقًا للأطباء إلى أجهزة تنفس وإعادة تأهيل، ويحتاج إلى فترة علاج طويلة، فهو يتغذى عبر فتحة في المعدة، وحالته حرجة للغاية. كاظم زواهرة هو جزء من فرحة الأسرى، ولكنه لا يزال أسيرًا للغيبوبة التي سرقت منه أيامه، كانت السياسة القمعية لـ"إسرائيل" تُصر على تركه في غيبوبته، متجاهلةً حالته الصحية الخطيرة، لتُثبت من جديد سياسة الإهمال الطبي الممنهجة والمتعمدة التي تهدد حياة العديد من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. قصة الأسير المحرر كاظم زواهرة ليست مجرد قصة فردية، بل هي رواية تمثل معاناة آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين سُلبت حياتهم وأصواتهم داخل الزنازين والمعتقلات "الإسرائيلية" جراء الإهمال الطبي الذي كان طريقة الاحتلال للانتقام من الأسرى.
قصص مفجعة من الألم والحزن والصمود.. أطفال قطاع غزة.. جرائم تخدش الإنسانية وعار يلاحق دول العالم
تقرير: نسرين بوزيان
يواجه أطفال قطاع غزة مأساة إنسانية غير مسبوقة، حيث يعانون من أوضاع قاسية نتيجة العدوان المستمر الذي تشنه القوات الصهيونية على القطاع منذ 19 شهراً. هؤلاء الأطفال، الذين أصبحوا هزيلين جسديًّا بفعل الجوع والدمار، يعيشون بلا مأوى تحت وطأة إرهاب الاحتلال، ويُحرَمون من أبسط حقوقهم في الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية، في صورة مأساوية جعلت من حياتهم جحيمًا لا يُطاق.
يسلب أحلامهم ويهدم براءتهم
يسلب العدوان من الأطفال أحلامهم ويهدم براءتهم تحت الركام، حيث يواجه الأطفال الفلسطينيون كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث أسفر العدوان عن استشهاد 50,021 فلسطينيًّا، بينهم 17,954 طفلاً، منهم 274 رضيعًا وُلِدوا واستشهدوا تحت القصف، و876 طفلاً دون عام واحد، و17 طفلاً ماتوا جرّاء البرد في خيام النازحين، و52 طفلاً قضَوا بسبب التجويع وسوء التغذية الممنهج. كما أُصيب 113,274 جريحًا، 69% منهم أطفال ونساء، بينما لا يزال أكثر من 11,200 مواطنٍ مفقود، 70% منهم من الأطفال والنساء. أما في الضفة الغربية، فقد استشهد 923 مواطنًا، بينهم 188 طفلاً، و660 جريحًا من الأطفال منذ بدء العدوان الصهيوني، حتى تاريخ كتابة هذا التقرير.
أكبر أزمة “يُتم”
أفاد الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء أن عدد الأطفال اليتامى في قطاع غزة بلغ 39 ألف طفل، مما يجعلها أكبر أزمة “يُتم” في التاريخ الحديث. هذه الأزمة تزداد تفاقمًا مع استمرار العدوان، حيث يعيش هؤلاء الأطفال في بيئة مليئة بالدمار والصراعات. كما تشير التقديرات السكانية إلى أن عدد سكان فلسطين بلغ 5.5 مليون نسمة بنهاية عام 2024، مع تشكّل الأطفال دون سن 18 عامًا نحو 43% من إجمالي السكان، أي حوالي 2.38 مليون طفل، منهم 1.39 مليون في الضفة الغربية و0.98 مليون في قطاع غزة. يُشكّل الأطفال في قطاع غزة دون 18 عامًا حوالي 47% من السكان، ما يعكس حجم الفئة الشابة التي تعيش في ظروف مأساوية.
المجاعة وسوء التغذية تهدد حياة الأطفال
أظهر تقرير التصنيف المرحلي للأمن الغذائي (IPC) أن نحو 1.95 مليون شخص في قطاع غزة يعانون من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي، مع توقّعات بأن 345,000 شخص قد يواجهون انعدامًا غذائيًّا كارثيًّا. من بينهم 60,000 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، مما يهدد حياتهم وصحتهم بشكل خطير.
عودة شلل الأطفال إلى القطاع
شهد قطاع غزة تفشي فيروس شلل الأطفال للمرة الأولى منذ 25 عامًا في جويلية 2024، بسبب انخفاض نسبة التطعيم من 99% إلى 86% نتيجة الأوضاع الصحية الصعبة. استجابة لذلك، نفذت منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة الأخرى ووزارة الصحة الفلسطينية ثلاث جولات تطعيم لمكافحة انتشار المرض، تم خلال الجولة الأولى تطعيم 559,161 طفلاً أعمارهم بين 0 و10 أعوام باستخدام اللقاح الفموي الجديد من النوع 2 (nOPV2)، تبعها تطعيم 556,774 طفلاً في الجولة الثانية، أما الجولة الثالثة فقد اشتملت على تطعيم 602,795 طفلاً. أسهمت هذه الجهود في الحد من انتشار الفيروس رغم التحديات المستمرة.
التعليم في غزة... ضريبة يدفعها الأطفال
أصبح التعليم في غزة ضحية رئيسية للعدوان، حيث دمّرت قوات الاحتلال 111 مدرسة حكومية بشكل كامل، فيما تعرّضت 241 مدرسة لأضرار بالغة، بالإضافة إلى تدمير 89 مدرسة تابعة للأونروا. وقد استُشهد 14,784 طالبًا وأُصيب 24,766 آخرون بجروح منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والضفة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وأوضحت وزارة التربية في بيان، اليوم الثلاثاء، أن عدد الطلبة الذين استُشهدوا في قطاع غزة منذ بداية العدوان وصل إلى أكثر من 14,649، والذين أُصيبوا إلى 23,936، فيما استُشهد في الضفة 135 طالبًا وأُصيب 830 آخرون، إضافة إلى اعتقال 724.
وأشارت الوزارة إلى أن 880 معلّمًا وإداريًّا استُشهدوا، وأُصيب 4,247 بجروح في قطاع غزة والضفة، واعتُقل أكثر من 193 في الضفة. ولفتت إلى أن 352 مدرسة حكومية تعرّضت لأضرار بالغة نتيجة عدوان الاحتلال، فيما تعرّضت 91 مدرسة حكومية، و89 تابعة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" للقصف والتخريب، إضافة إلى تعرّض 20 مؤسسة تعليم عالٍ لأضرار بالغة، إذ تدمّر 60 مبنى تابعًا للجامعات بشكل كامل، كما تعرّضت 146 مدرسة و8 جامعات في الضفة للاقتحام والتخريب، إضافة إلى تدمير أسوار عدد من مدارس جنين وطولكرم وطوباس.
كما نوّهت الوزارة إلى أن الاحتلال أخطر المدارس التابعة لوكالة "الأونروا" في مدينة القدس بالإغلاق في الثامن من الشهر المقبل. وأكدت أن 788 ألف طالب في قطاع غزة ما زالوا محرومين من الالتحاق بمدارسهم وجامعاتهم منذ بدء العدوان، فيما يعاني معظم الطلبة صدمات نفسية، ويواجهون ظروفًا صحية صعبة.
العيش مع الكوابيس والقلق والاكتئاب
فيما حذّرت منظمة “يونيسف” في 17 مارس المنصرم من أن الأطفال في فلسطين يعيشون في أوضاع مقلقة للغاية، حيث يعانون من تداعيات قاسية نتيجة حرمانهم من المساعدة الإنسانية والحماية. يعيش حوالي 2.4 مليون طفل في غزة في خوف وقلق مستمرين، مع استمرار تداعيات النزوح والقصف.
وأظهرت دراسة أعدّها مركز متخصص في الصحة النفسية بقطاع غزة أن 96% من أطفال غزة يشعرون بأن الموت وشيك، بينما يعاني 87% منهم من خوف شديد، و79% من الكوابيس. وأفادت الدراسة التي أعدّها مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات الفلسطينية، بأن 92% من أطفال غزة لا يتقبّلون الواقع، و77% يتجنّبون الحديث عن الأحداث الصادمة، فيما يظهر 73% منهم سلوكًا عدوانيًّا، بينما قال 49% من أطفال عينة الدراسة إنهم يتمنّون الموت بسبب الحرب.
معاناة أطفال الخُدَّج
حذّرت المتحدثة باسم “اليونيسف” في غزة، روزاليا بولين، من أن الحصار المستمر بسبب نقص الوقود في القطاع الخاضع لـ"حصار كامل"، بالإضافة إلى منع إدخال المساعدات الأساسية مثل اللقاحات وأجهزة التنفس الصناعي للأطفال الخُدَّج، يعرض حياة الأطفال للخطر. وأضافت: "إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فقد يتوقف التطعيم الروتيني، ويصعب رعاية الأطفال حديثي الولادة".
منذ 7 أكتوبر 2023، تشهد غزة إبادة جماعية تحت دعم أمريكي مطلق، خلّفت أكثر من 165 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى 11 ألف مفقود، مما يبرز مأساة إنسانية غير مسبوقة.
أجنة في زنازين الموت.. الاحتلال يواصل اعتقال الأسيرة الحامل رَيماء البلوي
تقرير/ إعلام الأسرى
تواصل سلطات الاحتلال اعتقال الأسيرة الأم والحامل "رَماء عماد البلوي"، من سكان كفر اللَّبَد شرق طولكرم، في ظروف اعتقالية قاسية، مع تردي وضعها الصحي كونها حاملاً في شهرها الخامس وتحتاج إلى متابعة ورعاية خاصة، وهو ما لا يتوفر في سجون الاحتلال. وأوضح مكتب إعلام الأسرى أن قوات الاحتلال كانت قد اعتقلت السيدة "البلوي" بتاريخ 25/2/2025 بعد مداهمة منزلها في كفر اللَّبَد، وتحطيم محتوياته بالكامل بحجة التفتيش، وأرعبت نجلتيها الطفلتين (يافا ولمار)، قبل أن تنقلها إلى مركز التحقيق ثم إلى سجن الدامون، ومنذ ذلك الوقت لم يُسمح لها بالزيارة. وأضاف إعلام الأسرى أن زوج الأسيرة البلوي أوضح لقوات الاحتلال، أثناء اقتحام المنزل، أنها حامل ومصابة بمرض الثلاسيميا، وأن حالتها الصحية لا تتحمل الاعتقال أو التعذيب، إلا أن الاحتلال رفض التعاطي مع وضعها وأصرّ على اعتقالها بطريقة عدوانية دون مراعاة لخصوصيتها أو الخوف على جنينها. وأعرب زوجها عن قلقه الشديد على صحة وسلامة زوجته الأسيرة وجنينها، بعد مرور أكثر من شهرين على اعتقالها، وسط تصاعد المخاوف على وضعها الصحي في ظل استمرار الاحتلال بسياساته القائمة على التجويع والحرمان من الزيارات وظروف الاعتقال القاسية واللاإنسانية.
وأشار إلى أنه كان يعتقد أن اعتقالها لن يدوم أكثر من ساعات أو أيام على أبعد تقدير، حيث لا توجد أي تهمة حقيقية ضدها، سوى ادعاء الاحتلال "التحريض عبر مواقع التواصل الاجتماعي"، وهي تهمة فضفاضة وغير محددة ببنود واضحة. وبيّن إعلام الأسرى أن قوات الاحتلال تواصل استهداف النساء الفلسطينيات بالتنكيل والاعتقال، بمختلف فئاتهن، بما في ذلك القاصرات وكبار السن والمريضات والحوامل، وتعرضهن لظروف قاسية سواء خلال اقتحام المنازل بعد منتصف الليل، أو عبر إرعاب الأطفال، وتقييد الأيدي، والنقل عبر الآليات العسكرية بشكل مهين إلى مراكز التحقيق والتوقيف، أو من خلال إخضاعهن لتحقيق قاسٍ وتعذيب بشتى الأشكال، ثم احتجازهن في ظروف تفتقر لأدنى مقومات الحياة الأساسية.
قيود وسلاسل السجن تنتظر قدوم جنين لم يولد بعد..
ريماء، أم لطفلتين صغيرتين، يافا (سبع سنوات) ولمار (خمس سنوات)، وحامل في شهرها الخامس، تعيش في ظروف قاسية بعد اعتقالها. شقيقها يصف معاناة الطفلتين، اللتين تحتاجان إلى وجود والدتهما بجانبهما، وهو أمر لا يمكن لأحد من أفراد العائلة تعويضه. يمر الوقت، وتملأ الدموع عيون الفتيات الصغيرات اللاتي يبحثن عن حضن أمهن الذي سُلب منهما بفعل الاحتلال، في لحظات النوم أو أثناء لعبهن، وسط تساؤلات مستمرة عن مكان وجود أمهن. الغياب القسري والألم الناتج عن فقدان الأم، خاصة في هذا العمر، أمر لا يمكن للطفلتين استيعابهما، إذ يبقى السؤال المتكرر: "متى تعود والدتنا؟"، حاضراً في كل لحظة. ومع كل غياب، تدفع الأسرة بأكملها ثمن هذا الاعتقال القاسي، حيث تختبر مشاعر الحزن والفقدان بانتظار عودة الأم، وكأن أطفالاً في مثل هذه الأعمار مطالبون بدفع ثمن غياب الأم، بينما يحتل الاحتلال كل شيء، يسلبهم حتى حقهم في الأمومة.
على الجانب الآخر، تعيش ريماء في سجن الدامون إلى جانب 33 أسيرة منهن 14 أم، يعانين من ظروف قاسية تفتقر إلى أدنى معايير الحياة الإنسانية، من نقص الغذاء والتنكيل وسوء المعاملة، وضعف الرعاية الطبية، والتي ازدادت سوءاً بعد أحداث السابع من أكتوبر في العام 2023 والحملة الشرسة التي تستهدف الأسيرات والأسرى والتضييق عليهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية بالحياة الكريمة. وكونها حاملًا في شهرها الثالث، فهي تعيش المعاناة مضاعفة، خوفها من أن يولد جنينها في مكان لا يتوفر فيه أي مقومات للحياة الإنسانية، وحرمانها من رعاية طبية تلائم احتياجها كأم حامل، حيث لا توفر لها إدارة السجن فحوصات دورية أو أي اهتمام بصحتها أو صحة جنينها. حتى الماء، كما تقول ريماء، لا تستطيع أن تشربه بسبب رداءته، كما أن الطعام لا يتناسب مع احتياجاتها كأم حامل أو احتياجات جنينها، ولا توفر لها إدارة السجن المدعمات أو الفيتامينات الضرورية لحملها.
الأسير نزيه زيد يدخل عامه الـ23 في سجون الاحتلال
أنهى الأسير نزيه محمد نجيب زيد (41 عامًا)، من قرية نزلة الشيخ زيد جنوب جنين، عامه الـ 22 ودخل عامه الـ 23 في سجون الاحتلال. وكانت قوات الاحتلال قد اعتقلت الأسير زيد في التاسع والعشرين من أبريل عام 2003، بعد مطاردته لعدة شهور، ونقلته إلى مركز تحقيق حيث خضع لتحقيق قاسٍ وطويل استمر عدة شهور. وبعد عامين على اعتقاله، أصدرت محكمة سالم العسكرية حكمًا قاسيًا بحقه بالسجن المؤبد مدى الحياة، بعد أن وجهت له تهمة المشاركة في تنفيذ عمليات عسكرية ضد الاحتلال. وخلال سنوات اعتقاله الطويلة، تعرض الأسير زيد لعدة إجراءات من التنكيل والعقاب، من بينها العزل الانفرادي، كما حُرمت عائلته من زيارته لفترات طويلة.
بقلم: بهاء رحال
عيسى قراقع راهب الأسرى وكليم الألم
في أمسيةٍ تلحمية بامتياز، نكهتها وطنية وروحها من حزنٍ وألم، غنّت فيها زهرات وأشبال فرقة إبداع "الدهيشة" أغاني البلاد، وأنشدت لغزة والقدس حريةً وكرامةً وحُبًّا، أطفالًا يافعين صغارًا، في عمرِ البداياتِ الأولى، وعلى وترِ الفداء عزفوا نشيدَ الوطن، وبحضورِ جمعٍ غفيرٍ قدِم للاحتفاء بغزة التي كتبها عيسى قراقع بقلمه وروحِ فؤاده، ساردًا من بين الجثثِ حكايات، وطابعًا قبلةً على جبين غزة مرسومة من حبرٍ ودم. أمسيةٌ لافتةٌ للأنظار بحضورها الفذ، وقناديلُ أضاءت عتمةَ الوقتِ والزمنِ المحاصرِ بالأشلاء، وفي ميقاتِها لغةٌ عابرةٌ تضيء زمنَ الانكفاءِ بالحضور، وتعيد التوازنَ الطبيعيَّ بين جلاّدٍ وضحية، مثل صرخةٍ تدوي في المدى، فتكشف لثامَ الصمت، وتفضح دمويةَ ما جرى، وتؤسّس لحالةٍ أخرى عنوانُها الحياةُ في مواجهة الموت، والخلودُ والبقاءُ في مواجهةِ النفيِ والشطبِ والإبادةِ والتطهيرِ العرقي. هكذا احتفت بيت لحم براهب الأسرى الذي أصدر كتابه "بقبلة على جبين غزة"، وبهذا الوفاء لغزة حضر الناسُ وجاؤوا لفيفًا من شتّى الأماكن، ولم يكن حضورُهم ليشهدَ صدقَ الإبادة، بل ليؤكّدوا فعلَ النجاة من وحلِ الموتِ والحصارِ والخراب، والقيامةِ من بين الجثثِ والأشلاء. لو رأى "بن غفير" ذلك لجنّ جنونه، ولو شاهد "سموتريتش" علنًا حظَّه في الحكومة وهو يرى عجزَه وضعفَه وسخفَ روايته، ولو علم "نتنياهو" لجاء بالميركافا وطائرات F-16 وهدم المبنى على من فيه، ودمّر المسرحَ الذي احتضن الأمسية، لكن للحظِّ أيضًا مساحةٌ تنصف الضحية، فالمبنى شُيّد قبل سنوات بدعمٍ سخيٍّ من الرئيس بوتين، وحمل اسمَه وهندسةَ بلاده التي انتصرت على جبروتِ الطبيعة. فقد بُني بمحاذاة مخيم الدهيشة للاجئين، وربما لأجلِ ذلك لم تقتحم دباباتُ الاحتلال المبنى أو تقصفه، أو ربما لأنهم وقعوا في المصيدة، بين حبرٍ ودم، ترى من ينتصر في الخاتمة! الضحية أم جلادها؟ كم يزعجهم ذلك السؤال، لأن التاريخَ حافلٌ بالشواهد، فلا ضحايا يموتون إلى الأبد، ولا منتصرَ يحيا حتى الأبد. نحن، وإن كنا الضحايا لغول الاحتلال الكولونيالي الذي يبطش بنا على مرأى العالمِ الواقف إلى جهةِ الانحيازِ أو الحياد، لكننا الضحيةُ التي لا تموت، بل تحيا لتعلن انتصارَها على جلادها، وترفع "مئذنةً للبنفسج أو نخيلاً" لأننا بحقٍّ، "نحبّ الحياة ما استطعنا إليها سبيلًا". بالأمس كانت سماء بيت لحم زرقاء، مضاءةً بالشموع وقناديل الزيت المقدّس، وكان الهواء ملحميًّا من هوى وهوية، بتعويذةِ الصبرِ المرسومة على خدِّ الجدّات، وكان لزامًا علينا أن نقولَ ذلك في وضحِ الزمانِ المرّ، الذي يصرُّ على النهوضِ بأبطاله التراجيديين، الساخرين من أعدائهم، الباحثين عن النجاة، الأحياءِ رغم الموت، الواهبين الحياةَ ضحكتها في شغفِ الشفاهِ التي يبست من قسوةِ الحرب. الكتابة في زمن الإبادة والتطهير العرقي فعل صادق، وتعبير مقاوم، يتعدى مفهوم التدوين والتوثيق ورصد الأحداث، ويفوق كثافة النص المعتاد الحالم، ويتقدم على بلاغة المجاز في وضح الحقيقة، فهو امتداد لمنسوب الألم والفقد، ومحاولة التفاف على الموت نحو النجاة، وتحايل على صور الجثث والأشلاء، ونهوض من تحت ركام القصف والدمار، وانبعاث من خلف خطوط الإبادة. بقي أن نقول مرَّة أخرى يجمعنا عيسى قراقع بهذا الامتداد العاطفي وهذا التلاقي، ويدلي بدلوه في مرافعة الضحية التي تصرخ في وجه جلادها، وهي تعلن قيامتها من بين الجثث، وتخرج كالعنقاء لتحيا ثانية، وتشهد انبعاث المعجزة.
ثورة في السجون الإسرائيلية: تغييرات جذرية في أوضاع الأسرى الفلسطينيين
صحيفة "معاريف" – تقرير مترجم
كتب كالمان ليبسكيند مقالًا في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية يوم الجمعة الموافق 25/04/2025، يستعرض فيه التغيرات الجذرية التي طرأت مؤخرًا على أوضاع الأسرى الأمنيين الفلسطينيين في سجون الاحتلال. وأشار الكاتب إلى أن هذه الأوضاع كانت، حتى وقت قريب، تشبه "منتجعات" تقدم تسهيلات كبيرة للأسرى.
النقاط الرئيسية:
• الوضع السابق : لسنوات، عاش الأسرى الأمنيون في ظروف مريحة للغاية داخل السجون الإسرائيلية، حيث استفادوا من العديد من الامتيازات مثل الحصول على تلفزيونات، مكتبات، تعليم أكاديمي، إمكانية الطهي داخل الزنازين، التسوق من الكانتينا (المتجر الداخلي)، وحتى انتخابات داخلية لتنظيم حياة السجن. كما كان لكل تنظيم "إرهابي" قسمه الخاص، مع قيادة ودبلوماسيين يتفاوضون باسمهم مع إدارة السجن.
• الانتقادات : وفقًا لكاتب المقال، جعلت هذه المعاملة السجون الإسرائيلية مكانًا غير رادع، بل على العكس، أصبحت مشجعة في بعض الحالات. إذ كان بعض الشباب الفلسطينيين يتعمدون ارتكاب مخالفات بسيطة ليُسجنوا ويكملوا تعليمهم داخل السجون.
• التغيير الجذري : بعد تعيين إيتمار بن غفير وزيرًا للأمن القومي في نهاية عام 2022، وتعيين كوبي يعقوبي مفوضًا جديدًا لمصلحة السجون، بدأت ما يسميه الكاتب بـ "ثورة". فقد تم إلغاء الامتيازات، وتغيير نظام الأقسام بما يتوافق مع التنظيمات، ومنع الصلوات الجماعية، كما أُزيلت الكانتينات ومرافق الطبخ، وتم تفكيك القيادات الداخلية داخل الزنازين.
تدابير صارمة جديدة:
1. تقييد كمية الطعام والماء (لا زيادة ولا نقصان).
2. إزالة الدش من الزنازين وتحديد وقت محدد للاستحمام.
3. فصل الأسرى من تنظيمات مختلفة في نفس الزنازين لمنع التنظيم والقيادة.
4. إزالة الهواتف العمومية، وتفعيل أجهزة تشويش على الاتصالات.
5. إلغاء التعليم الأكاديمي، وتقليل المحتويات الشخصية داخل الزنازين.
الخلاصة:
يرى الكاتب أن هذه التغيرات تمثل "ثورة حقيقية" في إدارة السجون الأمنية، حيث تُفرض لأول مرة انضباط حقيقي وسلطة داخل السجون، مما يعيد الردع ويضع حدًا لما كان يُعتبر سابقًا إذلالًا للأمن الإسرائيلي.
حوار مع الأسير المحرر رائد عبد الجليل.. 23 عامًا من الأمل والمقاومة في سجون الاحتلال
أجرى المقابلة: محمود بركة
مؤسسة الدراسات الفلسطينية
في داخل السجون، حيث تكتظ الأيام بالفراغ وتواجهنا جدرانٌ من القسوة واللامبالاة، لم يكن لدينا خيار آخر سوى أن نُربيَ الأمل في قلوبنا. فالأمل هنا ليس مجرد كلمة، إنما هو الحياة ذاتها، هو القوة التي تجعلنا نتنفس على الرغم من العدم. في السجون، كان الأمل هو الذي يحمينا من العنف والتعذيب، وهو الذي يجعلنا نتحمل القسوة من دون أن نفقد إنسانيتنا. وعندما تمر سنوات المعاناة، تكتشف أن الأمل هو ما يصنع الفرق بين الحياة والموت. ولولاه لما تحملنا، ولما استطعنا أن نواجه هذا الاحتلال الذي يعصف بكل شيء حولنا.
وفي تلك اللحظات القاسية في الأَسر، في تلك الفترة الممتدة منذ لحظة الأسر حتى نيل الحرية، وما بين لحظات من الموت والحياة، والكرامة واليأس والأمل، كنت أتذكر صديقي الأسير ناصر أبو سرور، الذي رفض أن يترك اليأس ليسيطر عليه. إذ إن الموت لم يكن هو الخيار، وكان الأمل هو الطريق. وفي كل لحظة من الزمن، كنا نعيد معاً زرع الأمل في أنفسنا وفي الآخرين، كنت أتذكر حديثاً دار بيننا إذ قال لي حينها: "رائد ما تفعله ليس مجرد صمود، بل أيضاً هو بيع الأمل للآخرين. أنت تمنحهم الحياة عبر كلماتك هذه."
في السجون يولد الأمل كل يوم في قلب الأسير، حتى وإن كانت السماء ضبابية، وتلك اللحظات التي يرى فيها الأسرى الشمس تشرق لأول مرة من خارج السجون؛ هي لحظات تستدعي التضحية وتعيد تشكيل الأمل فينا.
أول يوم في الأسر ويوم للحرية:
مع اللحظات الأولى من دخول السجن، تحوّل المعتقل إلى فرصة للاستفادة من الوقت والفراغ، فقد سعينا لتعبئتها بالكثير من الإيجابية والانشغال، عبر أسئلة كنا نطرحها وكانت كالآتي: ما الذي يجعلنا نتعلم وندرس من أجل نيل الشهادات الجامعية، ونقرأ ونكتب، ونلتزم بقوانين وطنية تنظيمية معينة ونمارس الرياضة؟ كل هذه الأسئلة يمكننا أن نرد عليها بكلمة واحدة "الأمل".
ماذا فعلت لرائد عبد الجليل؟
منذ اليوم الأول، اعتبرت الأَسر فرصة لا أريد ضياعها. وكان لبعض القادة الوطنيين كالأسير مروان البرغوثي (أبو القسام) تأثير كبير في كثير من الأسرى في سجن هداريم. فقد كان الأسرى يعيشون آنذاك لحظات قمع من سلطات الاحتلال، فجاء أبو القسام إليّ في غرفة الأَسر وطلب مني النزول في اليوم التالي إلى "الفورة"، بعد أن أعطاني اللائحة التنظيمية. وفعلاً، بدأت بتنظيم وقتي في المعتقل، وكانت أولى وأهم نصائحه مقولته الأكيدة: "إحنا مروحين، بكرة بعد سنة بعد سنين إحنا مروحين، بدك تبني نفسك على هذا الأساس، اهتم بالتعليم والقراءة وعلاقاتك الجيدة مع الناس." وفعلاً، أبو القسام هو أول مَن اهتم بتدريسنا، ووضعنا على أول درب التعليم، وله فضل فيما وصلنا إليه من اجتهاد ومثابرة طوال حياتنا في السجن. فقد أصبح السجن مدرسة وجامعة بالمفهوم النضالي والتعبئة الوطنية، إذ استطاع أبو القسام تحويل الأَسر إلى جامعة بالمفهوم الأكاديمي، ليتخرج أكثر من 300 أسير من مختلف الفصائل الوطنية في السجون ويحملوا شهادة الماجستير، بالإضافة إلى عدد كبير من الأسرى الذين تمكنوا من استكمال درجة البكالوريوس.
ميسرة أبو حمدية.. مؤسس الكتيبة الطلابية:
عرض عليّ ميسرة أبو حمدية فكرة قراءة الرواية، بعد نقاش معه بشأن ماهية الكتابة الروائية. وبعد قراءة عدد من الروايات كان لذلك انعكاس واضح فعلاً على تفسيري لمعنى الوطن وتعاملي معه، وذلك بعد أن استفدت من طريقة الكاتب الروائي في عرض الأفكار الوطنية والإنسانية في حوارات تجمع أبطال الرواية، تفيد بمعنى الوطن "أنا وأنت، ونحن جميعاً نشكل الوطن."
البداية مع الكتابة في الأَسر:
بدأت بالكتابة عن طريق مجموعة قصص قصيرة، وكان هدفي من الكتابة الوصول إلى صفحة الإهداء لأسجل أسماء مَن أحبهم حتى يذكرهم الآخرين، مخلداً وجودهم بالكتابة عبر الزمن. حاولت تجسيد الأفكار التي أحملها في الكتابة، وخصوصاً في الرواية، وهي أفكار تتعلق بمواضيع مقاومة الاحتلال والعملية السليمة والقضاء والقدر. فأنا أعتقد أنه إذا كان الاحتلال قضاء فالمقاومة قدر. ويجب ألاّ يكون هناك استسلام للواقع الذي نعيشه، فعلى الإنسان مقاومة الظلم حتى يسير الكون في الاتجاه الصحيح. وقد وجدت العديد من الدورات المكثفة في السجن للشباب المتلقيين تحمل الأفكار ذاتها؛ بخصوص استمرارية مسيرة مواصلة الصمود وحماية الوعي..
إن الحركة الصهيونية حركة إحلال تحمل فكرة محاربة وجودنا، فالوجود الفلسطيني في فلسطين وفي المنفى هو فشل مستمر للحركة الصهيونية التي ترفض العيش مع الآخر وترفض السلام. نحن نعرف مَن نحارب ونقاوم، فمَن ناضل وعاش تجربة الكفاح المشروع، يعرف معنى السلام الذي يضمن الحقوق الأساسية المسلوبة. وإذا سألتني فأنا أكثر مَن يتمنى تحقيق السلام. فالمناضلون والمقاتلون يدركون معنى السلام. فقد عشت الحرب وبكاء أمي، وفقدت أصدقائي وتعرّضت للتعذيب في السجون، وما يهمني هو العيش بسلام، لكن مَن لم يعش التجربة النضالية والفكرية، لا في القلم ولا في الحجر، فهو لم يعش الوجع الأساسي، فالمناضل يبحث عن السلام، ويحمل البندقية وهو ليس خياره. إذ لا يمكن أن يروق لي أن تفقد أمّ أبناءها على سبيل المثال، لكن أُجبرنا أن نقاتل ونقاوم قدَر الاحتلال المفروض علينا، وذلك واجب. وللأسف يسألنا بعض المنهزمين أصحاب الواقعية السياسية، وهو أبعد ما يكون عن الواقعية، وأقرب ما يكون إلى الرجعية، عن نجاعة فعل المقاومة، فنردّ بأن قرارنا يأتي بهدف الدفاع عن الكرامة الوطنية والوجود الفلسطيني قدر المستطاع، وذلك من أجل حماية أرضي وأمي وشعبي من الاحتلال، وتوفير حياة أفضل للأجيال القادمة التي ستدرك حتماً ما قمنا به.
سنوات مع وليد دقة ورسائله:
في المعتقل، هناك طريقة لتقسيم الأمور: منها الفصائل الوطنية في غرف منفصلة، وإجراء انتخابات كل 6 أشهر، من يقرر الإضراب المفتوح عن الطعام، ومن هو مسؤول عن الجوانب اليومية والإشراف عليها، وكل ذلك عن طريق فعل منظم بين الأسرى.
يلتقي الأسرى الجدد عند دخولهم إلى سجون الاحتلال، وتنقل الأسرى الموجودين بين المعتقلات وأقسام السجون، بالأسرى القدامى، وهنا تبدأ بصورة عاجلة عملية إعطائهم التوجيهات اللازمة واللائحة التنظيمية التي تقودهم نحو رؤية واضحة وتفيدهم بشأن طبيعة الحياة داخل المعتقل. في سنة 2013، التقيت بوليد دقة داخل سجن هداريم، وكان ذلك أول لقاء بيننا، وكان قد مرّ على اعتقالي عشر سنوات. في ذلك العام، انتقلت إلى سجن هداريم بعد أن شجعني أبو القسام على استكمال درجة البكالوريوس، وكان وليد دقة من المحاضرين الذين عملوا على تدريس الأسرى في المعتقل، إذ تخصص بتدريس مساق "الدين والقومية والفلسفة". ومع مرور الوقت، انتقلت إلى سجن جلبوع، وفي سنة 2017 انتقل وليد دقة من سجن هداريم إلى سجن جلبوع كذلك. جاء وليد دقة ومعه رسائل كتبها بالمشاركة مع أبو القسام وكانت تحثّ على التوجه نحو إضراب الحرية والكرامة. كان وليد بحد ذاته رسالة كبيرة لنا في الأسر، فقد أكد على ضرورة التحضير للإضراب والعمل على تهيئة وتعبئة الأوضاع اللازمة لذلك الأمر. أصبحت علاقتي بوليد دقة أكثر قوة داخل سجن جلبوع في ذلك العام، وتلك الأيام كانت من أصعب اللحظات في مسيرة وليد دقة، نتيجة لوضعه الصحي الصعب. فاقترحنا عليه ألا يدخل معنا في الإضراب عن الطعام، حفاظًا على صحته التي يلزمها العناية وتناول الأدوية باستمرار، لكنه رفض بشدة. كانت لي جلسات طويلة معه امتدت إلى ساعات، وكانت أقرب إلى لقاءات يومية، الأمر الذي جعل العلاقة بيننا أكثر قوة. والعلاقات في السجن تُبنى على الكثير من المتغيرات؛ منها الجغرافيا والتنظيم، والفكر والثقافة والمعتقدات. ومن منطلق النقاش والحوار والأفكار تأسست علاقتي به، فقد كان لديه ذاكرة قوية وقدرة معرفية وثقافية وطنية هائلة في تعريف وربط الأحداث والمفاهيم مع بعضها بعضًا. فعلى سبيل المثال، حين يتسنى لنا طهي وجبة طعام، كان وليد دقة يأخذ بتعريفها بوعي ثقافي صادق وواضح، فيناقش وجبة الطعام ودلالاتها وارتباطاتها الثقافية بالإرث الشعبي في فلسطين وعلاقتها بأهلها لساعات.
وليد ودروس الفلسفة الثقافية:
كان يبدأ وليد من أدق التفاصيل ويُبسط في شرحها وتفسيرها، فاتحًا الحوار والنقاش بشأن "الحداثة" وصولًا إلى رأي الفارابي في "الحضارة" إلى شرح وصف الحضارة العربية والغربية والفرق بينهما. وقد كان يرى أن الحضارة العربية دائرية تقترب وتبتعد أحيانًا عن الأخلاق والقيم، أما الحضارة والحداثة الغربية فتسير في اتجاه واحد، فكلما تطورت ابتعدت عن القيم والأخلاق. اهتم وليد دقة ببناء محاضراته والأحاديث التي تدور معه والعلاقات مع الآخرين، على أساس الخير والشر والعدالة والعطاء، كما اهتم ببناء الفعل الدال على الخير. كانت الرسائل بيني وبين وليد دقة وسيلة التواصل بعد أن فرقتنا السجون. فكان يرسل إليّ رسائل من سجن ريمون، وحملت الرسالة الأولى عناوين كتب طلب مني قراءتها. فقد اهتم بالمقام الأول حين كان ينتقل من سجن إلى آخر بنقل الكتب معه، وتخليه بالمقابل عن مستلزماته الشخصية إذا اضطر إلى ذلك. لقد شهدت داخل السجن تحول بعض الأسرى بسبب القراءة والنقاشات التي كانت تجري والتعليم، وهو ما يدلل على الاستثمار في توسيع ثقافتهم الشخصية، والتفكير في السياسة والاقتصاد والفلسفة والشريعة والأدب والشعر والفنون والمسرح.
ناصر أبو سرور:
ناصر أبو سرور إنسان عظيم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولديه القدرة على تفسير أي واقع نعيشه عبر عالم الفلسفة. فهو يملك القدرة على طرح القضايا بعمق كبير، ويعطي الأحداث والمواقف تعريفها النظري والتطبيقي، ويقرأ بشغف غير موصوف، كان يقول لي: سجون الاحتلال لديهم سياسات ومنهجية واضحة لتجهيل الأسرى. ولدى ناصر أبو سرور رؤية وقناعة بأنه يتوجب الامتناع عن نزع الإنسانية من العدو حتى نتمكن من محاكمته على الجرائم التي يرتكبها باستمرار بحق الأسرى وبحق شعبنا.
الحب والبندقية:
حاولت في روايتي "الحب والبندقية" أن أكتب لصديق عمري رامي نور (أبو الفضل)، وهو لا يزال على قيد الأسر ومحكوم بمؤبَدين و40 عامًا.. وقد مضى في السجن حتى الآن 24 عامًا. في الحقيقة، أعطاني رامي روحه بالمعنى الفعلي وليس بالمجاز والبلاغة. وقد كُتِبت له الحياة والعيش بعد أن قدّم الفداء والتضحية النضالية من أجل وطنه. الرواية واقعية، وقد استخدمت الخيال قليلاً وفق أهمية الاستدعاء والحاجة. وجسّدت فيها حوارًا مبنيًا على الأمل والحرية والحب بين رامي نور وكريم يونس داخل غرف التحقيق، كما اهتمت أفكار الرواية بمعالجة القضاء والقدر والتضحية من أجل الآخرين والأفكار الانهزامية. سأستمر في الكتابة بكل تأكيد، وخصوصًا عن أعوامي الأخيرة في السجن، وحياة المعتقل التي نقلتني إلى عالم أوسع؛ فلسطين والنضال الذي أعطانا أكثر بكثير مما نحن أعطيناه، ولو يعود الزمن إلى الوراء سأختار نفس الطريق؛ طريق الفداء والنضال.
التجربة والنهج والثورة:
ياسر أبو بكر: من الشخصيات الفاعلة في تحريك السجن من أجل تحقيق هدف. أما القدوة الكبيرة التي تعلمنا منها، فهي زكريا الزبيدي: إنسان من نوع مختلف، فهو المناضل الذي مرّ بحياة قاسية، لكنه استمر في اختياره النضال والمقاومة. فهو لا يعرف العيش إلاّ ثائرًا، وعلاقته بوليد دقة كانت صلبة ومميزة، وانعكست في النقاش والحوار والجلسات التي طرحت الأفكار وشارك فيها أشخاص قابلتهم في المعتقل. أما داود الزبيدي، فهو إنسان كبير تشعر معه بالأمان والمرح، وقد تعلم الكثير من الصبر داخل السجن. بينما مثل كمال أبو وعر مجموعة من القيم والمبادئ الثورية والأخلاق، في حين تميز سامي العمور بقلبه النقي وكان لي شرف لقائه في بداية الاعتقال.
آخر يوم في السجن أول أيام الحرية:
في آخر يوم في السجن انتابني الخوف الذي لا يزال مستمرًا معي حتى هذه اللحظة. فأنا إلى اليوم أستخدم المصطلحات ذاتها، تلك التي كنت أستخدمها في المعتقل. إذ إننا لم نتحرر في صفقة تبادل بالواقع الفعلي، نحن تحررنا بفداء ودماء أبناء شعبنا في غزة، وهذه مسؤولية حقيقية تقع على كاهلنا. وسيرة النضال والاعتقال على الرغم من كل ما يمر بها، فهي تجعل من يعيشها يتحمل المسؤولية ليكون قدوة ونموذجًا أخلاقيًا ونضاليًا للآخرين من أبناء شعبه.
عن الكاتب:
محمود بركة: فلسطيني يحمل درجة الدكتوراه في الإعلام السياسي، وباحث إعلامي في الشأن الثقافي والفلسطيني. أصدر كتاب "الأطر الإعلامية للسياسة الفلسطينية الخارجية"، وكتب العديد من المقالات الثقافية.
الصحفي الأسير علي السمودي: نُكل به على مدار 72 ساعة
أكدت مؤسسات الأسرى، أن الزميل الصحفي علي السمودي تعرض على مدار (72) ساعة لعمليات تنكيل متواصلة. وأوضح نادي الأسير وهيئة شؤون الأسرى، في بيان مشترك، أنه من المفترض أن يعقد الاحتلال له جلسة محكمة يوم غدٍ الثلاثاء، وهي الجلسة الأولى له. وقالت مؤسسات الأسرى: "إن السمودي احتجز في بداية اعتقاله في ثكنة عسكرية في جنين، ثم نقل إلى مركز تحقيق (الجلمة) ثم أعيد مجددًا إلى الثكنة العسكرية، ونقل مجددًا إلى (الجلمة)، وأخيرًا إلى سجن (مجدو)". ونوهت مؤسسات الأسرى إلى أنه حتى هذه اللحظة لم يقدم الاحتلال أي ادعاءات واضحة بشأن عملية اعتقاله، كما لم يتم منحه أي نوع من الأدوية الخاصة به. وأشارت إلى أنّ الاحتلال اعتقل الصحفي السمودي، قبل نحو أسبوع من منزله، ويعاني من عدة مشكلات صحية، وهو بحاجة إلى أخذ أدويته بشكل منتظم، وإلى متابعة صحية. يذكر أن الصحفي السمودي هو من بين 49 صحفيًا يواصل الاحتلال اعتقالهم، منذ بدء الإبادة الجماعية في السابع من أكتوبر عام 2023.
تدهور صحي بعد الاعتقال ونقل إلى المستشفى
وفي متابعة لحالة الزميل الصحفي علي السمودي، نقل إلى إحدى مستشفيات الاحتلال بعد تدهور حالته الصحية بشكل مفاجئ وتعرض لعدد من الإصابات على يد الاحتلال خلال تغطيته الصحفية على مر السنين، يعاني من عدة مشاكل صحية مزمنة، بما في ذلك مرض السكري وارتفاع ضغط الدم، إضافة إلى معاناته من آثار عملية قسطرة قلبية أجراها مؤخرًا. ويُذكر أن السمودي قد أصيب في العديد من المرات جراء قصف الاحتلال وإطلاق الرصاص أثناء تأديته واجبه الصحفي، آخرها في مايو 2022 خلال اغتيال الزميلة شيرين أبو عاقلة. إضافة إلى ذلك، يعاني الزميل السمودي من شظايا متواجدة في جسده، من بينها في العمود الفقري والدماغ والقدمين، مما يزيد من تعقيد وضعه الصحي. ومن المتوقع أن يتم عرضه على المحكمة يوم الثلاثاء القادم، في وقت يُواجه فيه تحديات صحية كبيرة.
33 أسيرة في سجون الاحتلال يعانين ظروف اعتقال قاسية
تقرير/ إعلام الأسرى
مع استمرار سلطات الاحتلال في استهداف النساء والفتيات الفلسطينيات بالاعتقال والتنكيل، ارتفع عدد الأسيرات في سجون الاحتلال مؤخرًا إلى (33) أسيرة، يقبعن في سجن "الدامون" بظروف إنسانية صعبة وقاسية. وأوضح مكتب إعلام الأسرى أن الاحتلال صعّد بشكل كبير من حملات الاعتقال بحق النساء منذ السابع من أكتوبر، حيث سُجّل أكثر من (500) حالة اعتقال طالت مختلف الفئات العمرية، بما في ذلك القاصرات، في انتهاك صريح للحماية الخاصة التي تكفلها القوانين الدولية للنساء في أوقات النزاعات. وأشار المكتب إلى أنه رغم إطلاق سراح (71) أسيرة خلال المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة والاحتلال، إلا أن استمرار سياسة الاعتقال أدى إلى ارتفاع عدد الأسيرات مجددًا، وبينهن أسيرتان مصابتان بمرض السرطان. وكشف إعلام الأسرى أن سلطات الاحتلال تمارس جريمة الإهمال الطبي بحق الأسيرات، مستشهدًا بحالة الأسيرة حنين جابر، وهي والدة شهيدين من طولكرم، والتي أُصيبت بمرض السرطان بعد معاناتها من آلام في الصدر، حيث تجاهل الاحتلال تشخيص حالتها أو علاجها، ما أدى إلى تدهور وضعها الصحي لاحقًا، وحالتها اليوم صعبة. وأكد المكتب أن الأسيرات يعانين من ظروف اعتقال غير إنسانية، ويُحرمن من أبسط الحقوق التي نصّت عليها الاتفاقيات الدولية، إذ يفرض الاحتلال عليهن سياسة العقاب الجماعي، ويواظب على التنكيل والإهمال، حيث تُقدَّم لهن كميات طعام قليلة ورديئة الجودة، ما تسبب في انتشار أمراض وضعف عام في البنية الجسدية. وأضاف أن الاحتلال ينتهك خصوصية الأسيرات بوضع كاميرات مراقبة في الزنازين وساحات الفورة والممرات، إضافة إلى الاقتحامات المفاجئة للغرف، التي تتخللها شتائم واعتداءات لفظية وجسدية، ورش غاز، وأحيانًا عزل الأسيرات بحجج واهية، فضلًا عن حرمانهن من الزيارة والكتب وأدوات الطعام والطبخ. كما أكد إعلام الأسرى أن الأعداد المُعلنة للأسيرات لا تشمل المعتقلات من قطاع غزة اللواتي اعتُقِلن خلال عدوان الاحتلال المتواصل، حيث تُمارَس بحقهن سياسة الإخفاء القسري. ويوجد في سجن الدامون أسيرة مسنّة واحدة من غزة معلومة الهوية، هي سهام أبو سالم (66 عامًا)، بينما لا يزال العدد الحقيقي للأسيرات الغزّيات مجهولًا. وقد أفرج الاحتلال مؤخرًا عن أسيرتين من جنوب القطاع بعد اختفاء أثرهما، ما يعزز الشكوك بوجود أخريات يرفض الاحتلال الكشف عن هويتهن أو أماكن احتجازهن.
وسط تحذيرات من "محاولة تصفية".. الاحتلال يمنع زيارة محامي النائب الأسير محمد النتشة
منعت إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلي محامي النائب الأسير محمد جمال النتشة من زيارته في مستشفى سجن الرملة، حيث يُحتجز في حالة صحية حرجة عقب تعرضه لتعذيب شديد منذ لحظة اعتقاله. وبررت سلطات الاحتلال المنع بذريعة نقله إلى مستشفى آخر، دون تقديم أي معلومات عن وجهته أو وضعه الصحي. النتشة، وهو نائب في المجلس التشريعي وأحد أبرز القامات الوطنية في الخليل، أُصيب بنزيف دماغي وفشل كلوي، ودخل في غيبوبة نتيجة التعذيب، بحسب مصادر حقوقية. ورغم خطورة حالته، لم يُنقل إلى مستشفى مدني بل إلى مستشفى سجن الرملة الذي يفتقر للرعاية الطبية اللازمة. مكتب إعلام الأسرى حمّل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياة النتشة، مؤكدًا أن ما يتعرض له "محاولة اغتيال وتصفية" متعمدة، وطالب بتدخل عاجل من المؤسسات الدولية وعلى رأسها اللجنة الدولية للصليب الأحمر للكشف عن حالته، والسماح لعائلته ومحاميه بزيارته، وتوفير الرعاية الطبية اللازمة لإنقاذ حياته.
محكمة الاحتلال تقرر تشريح جثمان الأسير الشهيد مصعب عديلي
أصدرت محكمة الصلح التابعة للاحتلال في بئر السبع قرارًا بإجراء تشريح لجثمان الأسير الشهيد مصعب عديلي (20 عامًا) من نابلس، والذي ارتقى في 17/4/2025، قبل أيام من موعد الإفراج عنه. وجاء قرار التشريح خلال جلسة عقدت صباح اليوم في المحكمة بعد تقديم طلب للتحقيق في ظروف استشهاده. يُذكر أنّ الشهيد عديلي اعتقل في 22/3/2024، وصدر بحقه حكم بالسّجن الفعلي لمدة عام وشهر. الشهيد عديلي واحد من بين 65 أسيرًا استشهدوا في سجون الاحتلال منذ بدء الإبادة وهم فقط المعلومة هوياتهم. هذا ويشار إلى أنّ الاحتلال يواصل احتجاز جثامين (74) شهيدًا من شهداء الحركة الأسيرة، من بينهم (63) ارتقوا منذ بدء حرب الإبادة المستمرة.
الاعتقال الإداري.. سياسة انتقامية من الاحتلال وخرق للقانون الدولي
بقلم /عبد الناصر عوني فروانة - أسير محرر، ورئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين وعضو المجلس الوطني الفلسطيني.
يُعرَّف الاعتقال الإداري بأنه: عملية قيام السلطة التنفيذية باعتقال شخصٍ ما، وحرمانه من حريته، دون توجيه أي تهمة محددة ضده، بصورة رسمية، ودون تقديمه إلى المحاكمة وذلك عن طريق استخدام إجراءات إدارية. ويُعتبر الاعتقال الإداري موضوعاً بحثياً قائماً بحد ذاته، سواء لجهة الجدل القانوني حوله، أو لجهة ارتباطه بشكل أو بآخر بنهج الاعتقال السياسي، وبحكم كونه إجراء يتراوح اللجوء إليه ما بين الضرورة الشرعية (قانوناً) أحياناً، والتعسف أو العقاب أحياناً أخرى. وتوضح اتفاقية جنيف الرابعة، بما لا يدع مجالاً للشك، أن الاعتقال الإداري يُعد تدبيراً شديد القسوة، للسيطرة على الأمور، والوسيلة الأكثر تطرفاً، التي يسمح القانون الدولي للقوة المحتلة بإتباعها، تجاه سكان المناطق المحتلة. (اتفاقية جنيف الرابعة، المادة 42-78). فالإجازة الاستثنائية للاعتقال الإداري، تسمح للسلطات القائمة باحتجاز الأشخاص المحميين، وحرمانهم من حريتهم، رغم عدم توجيه دعاوي ضدهم، على اعتبار أنهم يعدون تهديداً حقيقياً لأمنها، في الوقت الحاضر، أو في المستقبل. وعلى عكس الإجراء الجنائي، فإنّ الاعتقال الإداري لا يهدف إلى معاقبة شخص على مخالفة قد اقترفها، بل يهدف إلى منع وقوع المخالفة مستقبلاً. وعلى هذا، يعتبر الاعتقال الإداري إجراءً شاذاً واستثنائياً، لأن المبدأ العام للقانون يقول بأن حرية الأشخاص هي القاعدة. وذلك على افتراض أن نظام العدالة الجنائية، قادر على معالجة مسألة الأشخاص المشتبه في أنهم يمثلون خطراً على أمن الدولة. وفي الوقت الذي أجاز فيه القانون الدولي اللجوء إلى الإجراء الأشد قسوة -الاحتجاز أو الاعتقال الإداري - كإجراء شاذ واستثنائي، فإنه وضع قيوداً وشروطاً صارمة على تنفيذه، وحدد مجموعة من المبادئ والإجراءات القضائية، والضمانات الإجرائية التي تتعلق بوسائل الاعتقال الإداري وظروف الاحتجاز وحقوق المعتقل الإداري، على أن تكون فترة الاحتجاز لأقصر فترة ممكنة. كما حظر الاحتجاز الجماعي، أو تطبيقه بشكل جماعي، لأن ذلك يصل إلى مستوى العقاب الجماعي والذي يُعتبر جريمة. لكن سلطات الاحتلال "إسرائيل" أساءت استخدام إجراء الاعتقال الإداري، فاستغلت الإجازة القانونية المسموح بها في الظروف الاستثنائية، وتوسعت في تطبيقها، دون التزام بالمبادئ والإجراءات القضائية المنصوص عليها، ولا بالضمانات الإجرائية التي حددها القانون الدولي، تلك الضمانات التي أكدت على أولوية المبادئ والحقوق الإنسانية في كل الأحوال. وإذا كان قانون الانتداب قد نظم الاعتقال الإداري، وحدد في نطاق ضيق حالاته، فإن دولة الاحتلال "إسرائيل" توسعت في استغلاله بشكل لافت، حين لجأت إلى إصدار عدة أوامر عسكرية، تشرعه أكثر من كونها تنظمه، وتساعد على توسيع تطبيقه بما يخدم ظروف الاحتلال ويكرسه، حتى وصل عدد الأوامر بهذا الخصوص إلى (12) أمراً عسكرياً.
لقد توسعت دولة الاحتلال "إسرائيل" في استغلال أمر الاعتقال الإداري، الموروث من عهد الانتداب البريطاني، حتى أصبح على يديها، إجراءً عقابياً جماعياً، ضد الفلسطينيين. بل إنها ذهبت إلى حد استعماله بديلاً مريحاً عن الإجراءات الجنائية العادية لتبرير استمرار احتجاز المواطنين دون تهمة أو محاكمة استناداً لما يُسمى بـ "الملف السري" الذي يشكل أساس الاعتقال، حيث السرية المفروضة على الأدلة والمواد، والتي لا يسمح للمتهم أو لمحاميه بالاطلاع على محتواها- مما يجعل من المستحيل رد التهم المنسوبة أو مناقشتها-. لذا فإن الواقع يقول: أن الممارسة العملية لإجراءات الاعتقال الإداري، لدى دولة الاحتلال "إسرائيل"، قد جعل منه حجزاً غير قانوني ولا إنساني، ومخالفاً لروح ونصوص الاتفاقيات الدولية، بل وروح قانون الانتداب نفسه. ومن الناحية الفعلية، ومنذ العام 1967، جعلت دولة الاحتلال "إسرائيل" من الاعتقال الإداري قاعدة، لا استثناء، وسياسة ثابتة في تعاملها مع الفلسطينيين، ووسيلة للانتقام والضغط والعقاب الجماعي بما يخالف قواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. لقد اتسم السلوك الإسرائيلي بالتصعيد في استخدام هذا الإجراء من الاعتقال بحق الفلسطينيين حتى بلغ عدد قرارات الاعتقال الإداري منذ العام 1967، ما يزيد على (54) ألف قرار، سواء منها ما كان قراراً جديداً أو ما تم تجديده، وأن من بين تلك القرارات نحو (834) قراراً منذ مطلع العام الحالي 2020، وأن ما نسبته (37.4%) كانت أوامر اعتقال جديدة، فيما شكّلت أوامر تجديد الاعتقال الإداري نحو (62.6%) من إجمالي الأوامر الإدارية الصادرة منذ مطلع العام الحالي. وما زالت سلطات الاحتلال "إسرائيل" تحتجز في سجونها قرابة (350) معتقلاً إدارياً، بينهم نواب منتخبون وأكاديميون وكُتّاب وإعلاميون ومحامون ومثقفون وقيادات مجتمعية. إن كثيراً من الفلسطينيين، اعتقلوا إدارياً لأكثر من مرة، وأن العديد منهم جُدد لهم الاعتقال الإداري مرات عديدة دون رادع.
وقد أمضى بعض المعتقلين خمس سنوات، بل عشر سنوات وما يزيد في سجون الاحتلال رهن ما يُسمى بـ "الاعتقال الإداري"، حتى أصبح الكثيرون من المعتقلين الإداريين سجناء إلى أمد غير معلوم، جراء تجديد أوامر الاعتقال. لقد مررت بالتجربة، واعتقلت مرتين إدارياً، وأمضيت سنة كاملة في السجن، بلا تهمة أو محاكمة، ومررت على ما تُسمى محاكم الاستئناف الصورية، دون معرفة أسباب الاعتقال، وعايشت المعتقلين الإداريين وكنت شاهداً على أساليب الاعتقال وظروف الاحتجاز وقسوة الظروف المناخية، صيفاً وشتاءً، وسوء المعاملة وتدني الخدمات المقدمة وتردي الطعام كماً ونوعاً، وانعدام الزيارات العائلية أو الاتصالات الهاتفية، فيما كان يُسمح لنا أحياناً بالمراسلة عبر الصليب الأحمر. كان هذا في معتقل النقب الصحراوي خلال انتفاضة الحجارة. ولم يتغير الوضع كثيراً. فلقد تابعت هذا الملف منذ عقود، من خلال عملي ونشاطي واهتماماتي، وقرأت تقارير عديدة واطلعت على شهادات مؤلمة، ويمكنني في هذا المقام التأكيد على أن "الاعتقال الإداري" بات سياسة ومنهجاً ووسيلة للانتقام والعقاب الجماعي وقد طال كل الفئات العمرية والاجتماعية: ذكوراً وإناثاً، رجالاً وشيوخاً وأطفالاً، مرضى وأصحاء. كما ولم يقتصر استخدام "الاعتقال الإداري" على المعتقلين الجدد، بل استخدم كذلك ضد كل من لم تُثبت إدانته في غرف التحقيق- رغم صنوف التعذيب المختلفة - عقاباً له على صموده. فلطالما تمت إحالة شخص ما إلى الاعتقال الإداري، من داخل زنازين التعذيب. ولطالما عوقب بالاعتقال الإداري معتقلون فور انتهاء مدة محكومياتهم، أو بعد خروجهم من السجن مباشرة أو بوقت قصير للغاية. وفي أحيان أخرى استخدمت سيف التهديد بإحالة المعتقل للاعتقال الإداري بهدف الضغط والابتزاز أو لغرض المساومة. لقد دفع هذا الواقع المرير المعتقلين الإداريين إلى اللجوء لخطوات احتجاجية عديدة للتعبير عن رفضهم لهذا الشكل من الاعتقال التعسفي، ورفضهم البقاء في السجون لفترات طويلة، ومن بين تلك الخطوات كان "الإضراب عن الطعام" والذي لجأ إليه المعتقلون، بشكل جماعي وفردي، كشكل من أشكال النضال في مواجهة سياسة الاعتقال الإداري، وحتى كتابة هذه السطور، ما زال من بين المعتقلين الفلسطينيين يخوضون إضرابات فردية عن الطعام رفضاً لاعتقالهم الإداري، بلا تهمة أو محاكمة. الأمر الذي يستدعي دعمهم وإسنادهم من جانب، ومن جانب آخر يتطلب حراكاً مستمراً ودعماً متواصلاً على المستوى الرسمي والفصائلي، القانوني والحقوقي، والإعلامي والشعبي، لإنهاء سياسة "الاعتقال الإداري".
عن المؤلف - قائمة بأسماء معتقلين صدرت بحقهم أوامر اعتقال إداري بين أوامر جديدة وأوامر تجديد:
- أدهم خالد فوزي طنجي-طولكرم-6 شهور
- محمد بركات عطيه إطرش-الخليل-3 شهور
- محمد محسن رجا شحاده-نور شمس-6 شهور
- محمد فتحي محمود خير الله-طمون-5 شهور
- محمود محمد محمود شاهين-الرام-6 شهور
- خليل أحمد خليل زعول-بيت لحم-6 شهور
- عمار عبد الله أسعد نعسان-المغير-6 شهور
- موسى مصطفى موسى أسمر-بدرس-4 شهور
- أحمد محمود جنازرة-مخيم الفوار-6 شهور
- يزن محمد نضال خليل أبو عواد-ذنابة-4 شهور
- عماد الدين بلال عبد الجبار عمارنه-ذنابة-6 شهور
- جهاد عطا محمود فلنه-صفا-6 شهور
- جهاد أيمن محمد خليل-أريحا-6 شهور
- إياد عصام حربي عودات-أريحا-6 شهور
- حبيب علي عبد الله طه-الخليل-4 شهور
- شاكر عبد الله أحمد خضير-4 شهور
- أحمد فؤاد أحمد أبو رجب-روجيب-4 شهور
- محمد نضال محمد دار الحداد-العبيدية-4 شهور
- نجيب حاتم نجيب نزال-قباطية-6 شهور
- محمد لؤي ياسين ريان-بيت دقو-4 شهور
- محمد فؤاد عبد القادر أعبيد الله-مخيم الدهيشة-شهرين
- عبد الله نايف داود سالم-مخيم الدهيشة-6 شهور
- إبراهيم نجاح سالم اكتيفي-عقبة جبر-4 شهور
- بلال محمد عمر-دورا-6 شهور
- علي محمد علي شنطي – عقبة جبر – 6 شهور
- أحمد بشار أحمد حجبلي-رفيديا-6 شهور
- جمعة عبد الله خليل تايه-سطح مرحبا-6 شهور
- أحمد محمد علي حسين خطيب-قلقيلية-6 شهور
- علي محمد علي عمارنه-يعبد-4 شهور
- علي خالد داوود قفيشة-الخليل-6 شهور
- محمد رياض عبد القادر الزبن-المزرعة الشرقية-6 شهور
- يزن إسحاق كمال النتشة-الخليل-6 شهور
-مفيد سليمان عبد صلاح-بيت لحم-4 شهور
- محمد أكرم أحمد سليميه-إذنه-4 شهور
- بلال محمود طه غيظان-قبيا-6 شهور
- محمد إبراهيم عبد الله المسالمه-بيت عوا-6 شهور
- نور الإسلام أدهم ماجد هندي-رام الله-6 شهور
- عبد الرحمن عبد الله حماد-مخيم قلنديا-6 شهور
الاحتلال الإسرائيلي يفرج عن 10 أسرى فلسطينيين من قطاع غزة
تقرير - قدس برس - غزة (فلسطين)
أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، الاثنين الموافق 05/05/2025، عن عشرة أسرى فلسطينيين من قطاع غزة، حيث وصلوا إلى مستشفى "شهداء الأقصى" في دير البلح وسط القطاع، وهم في حالة صحية صعبة. ووصل الأسرى المفرج عنهم من سجن "سديه تمان" الإسرائيلي العسكري عبر سيارات تابعة للصليب الأحمر، حيث نُقلوا مباشرة إلى المستشفى لتلقي العلاج. وأفاد "مكتب إعلام الأسرى" (تابع لحركة حماس) في تصريح مقتضب، نقلاً عن مصادر طبية، وصفت أوضاع المعتقلين المفرج عنهم بالصعبة، بسبب الإجراءات التعسفية التي تنفذها إدارة سجون الاحتلال بحقهم.
ووفق مكتب إعلام الأسرى، فإن الأسرى المفرج عنهم هم:
1 - بد الله محمد علي مسعود (42 عامًا) سكان بيت لاهيا
2 - محمد محمود حسين عزيز (47 عامًا) سكان معسكر جباليا
3 - محمد حسين محمد أبو دان (31 عامًا) سكان بيت لاهيا
4 - إسماعيل فضل أحمد عويضة (30 عامًا) سكان بيت لاهيا
5 - سمير محمد علي العرقوب (54 عامًا) سكان معسكر جباليا
6 - أحمد سعيد خميس حمدونة (43 عامًا) سكان بيت لاهيا
7 - بكر شعبان أحمد عويضة (47 عامًا) سكان بيت لاهيا
8 - صلاح أحمد رمضان الداعور (40 عامًا) سكان معسكر جباليا
9 - أحمد حاتم عبد رجب (24 عامًا) سكان بيت لاهيا
10 - محمد تحسين صالح صلاح (22 عامًا) سكان معسكر جباليا
وبين الفينة والأخرى، تفرج سلطات الاحتلال عن أعداد قليلة من الفلسطينيين الذين اعتقلتهم من غزة منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على القطاع، وتبدو عليهم علامات التعب والتعذيب والجوع نتيجة السياسة العنصرية التي يتبعها الاحتلال بحقهم في السجون.
وبلغ عدد الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال أكثر من 9900 أسير حتى بداية شهر أبريل 2025، من بينهم 3498 معتقلًا إداريًا، وما لا يقل عن 400 طفل، إضافة إلى 29 أسيرة، وفق مكتب إعلام الأسرى. وتُصنّف سلطات الاحتلال نحو 1747 أسيرًا من قطاع غزة كمقاتلين "غير شرعيين"، بحسب إدارة السجون، وهو تصنيف خطير يستثني العديد من المعتقلين الذين يُحتجزون في معسكرات عسكرية مغلقة، بعيدًا عن أي رقابة حقوقية أو قانونية. ومنذ بداية حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، حوّل الاحتلال سجونه إلى مسلخ بشري، تمارس فيه أقسى أنواع التعذيب والانتقام بحق الأسرى، بمن فيهم النساء والأطفال والمرضى، وسط ظروف لا إنسانية وممارسات ممنهجة تهدف إلى كسر إرادة المعتقلين. وتحتجز سلطات الاحتلال مئات الأسرى في معتقلات استُحدثت بعد معركة "طوفان الأقصى"، أبرزها معتقل "سديه تيمان" وسجن الرملة تحت الأرض، والتي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة والكرامة الإنسانية.
وتؤكد شهادات الأسرى المحررين ارتكاب الاحتلال جرائم مروّعة تشمل التعذيب الوحشي، والإهمال الطبي، والاغتصاب، ونشر الأمراض المتعمد، وكل ذلك يجري تحت رعاية مباشرة من وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير. وأدت هذه السياسات إلى استشهاد 66 أسيرًا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ما يرفع عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى 303 شهيدًا منذ عام 1967، في مشهد يُشكّل وصمة عار على جبين المنظومة الحقوقية الدولية الصامتة.
بقلم: سامي إبراهيم فودة
الإهمال الطبي في سجون الاحتلال.. تهديد مباشر لحياة فداء عساف المصابة بالسرطان
في حضرة القامات الباسقة عزيزات النفس والشموخ والكبرياء الأسيرات الفلسطينيات الماجدات جنرالات الصبر والصمود القابعات في عرين الأسود تنحني الهامات وتطأطئ الرؤوس لهن إجلالاً وإكباراً لصمودهن الأسطوري، وهن يسطرن أروع الملاحم البطولية في الصمود والتضحية والفداء والإقدام في مواجهة قوى البغي والشر والعدوان في ساحات المواجهة بقلاع الأسر. إخوتي الأماجد أخواتي الماجدات أعزائي القراء أحبتي الأفاضل، فما أنا بصددِه اليوم هو تسليط الضوء على الفلسطينيات الماجدات المعذبات والمنسيات في غياهب سجون الاحتلال، واللواتي يتجرعن المرارة والألم وقسوة السجن وجبروت السجان ورطوبة الزنازين وبرودتها المظلمة التي تنخر عظامهن، وقضبان الحديد التي تأكل من أجسادهن الضعيفة، وسنوات العمر التي تفنى زهرة شبابهن وتذوب أعمارهن وآمالهن وأحلامهن خلف قضبان السجون والمعتقلات "الإسرائيلية". فمنهن الأُم والأخت والجريحة، ومن هي في عمر الزهور من سن الطفولة. يتعرضن لأبشع أنواع التعذيب والتنكيل والإهانة والعزل والابتزاز والتهديد والاعتداء الوحشي والتحرش الجنسي والتفتيش المذل تحت وقع سياط الجلادين، دون مراعاة لأنوثتهن واحتياجاتهن الخاصة. معاً وسوياً أصحاب الإعلام والأقلام الحرة في إعلاء صوت الأسيرات الفلسطينيات الماجدات ورفع أسمائهن في كل مكان من أجل نصرتهن ومساندتهن والوقوف إلى جانبهن في مواجهة الاحتلال "إدارة مصلحة السجون النازية"، ومن أجل إزالة اللثام عن وجوههم القبيحة وفضح ممارسات إدارة السجون بحقهن. والأسيرة فداء عساف هي أحد الأسيرات الفلسطينيات الماجدات اللواتي يتجرعن الألم في غياهب سجون الاحتلال ويعيشن واقعاً مريراً جداً ما بين مطرقة المرض الذي يهدد حياتهن وسندان تجاهل الاحتلال لمعاناتهن اليومية، والقابعة حالياً في سجن "الدامون".
الأسيرة: فداء سهيل عساف
العمر: 49 عاماً
مكان الإقامة: بلدة كفر لاقف، محافظة قلقيلية
الحالة الاجتماعية: متزوجة وأم
تاريخ الاعتقال: 24/2/2025
مكان الاعتقال: الدامون
التهمة الموجه إليها: التحريض عبر مواقع الفيس بوك
اعتقال الأسيرة: فداء عساف
اعتقلت الأسيرة فداء سهيل عساف من منزلها في بلدة كفر لاقف، محافظة قلقيلية، بتاريخ 24/2/2025 بتهمة التحريض عبر الفيسبوك، ونقلت إلى سجن الدامون بعد خضوعها للتحقيق على يد ضباط مخابرات "الشين بيت".
الحالة الصحية للأسيرة: فداء عساف
تعاني الأسيرة فداء من مرض سرطان الدم منذ اعتقالها ولم يتم عرضها على طبيب مختص أو مستشفى أو إعطاؤها الدواء بالرغم من وجود قرار محكمة صادر بتاريخ 6/3/2025، والذي يقضي بإلزام مصلحة السجون في سجن الدامون بعرض الأسيرة فداء على طبيب. لكن إدارة السجن تعمدت عدم إعطائها حبة الدواء التي كانت تأخذها. وحالتها الصحية حالياً مستقرة وتخضع للعلاج بالأدوية منذ أسبوعين وهي بانتظار جلسة محكمة مقررة في 21/مايو/أيار/2025. حيث اشتكت الأسيرة فداء من سوء نوعية وكمية الطعام السيء والشحيح في سجن الدامون مما سبب للأسيرات أمراضاً في الجهاز الهضمي، وجميعهن فقدن الكثير من أوزانهن.
الحرية كل الحرية لأسرانا البواسل، وأسيراتنا الماجدات، والشفاء العاجل للمرضى المصابين بأمراض مختلفة.
الجرائم الممنهجة في سجون الاحتلال.. شهادات الأسرى على لسان أمجد النجار
قدم أمجد النجار، مدير عام نادي الأسير الفلسطيني، ورقة عمل خاصة في المؤتمر التاسع للتحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين الذي يعقد في بروكسل، استعرض فيها العديد من شهادات الأسرى حول جرائم الاحتلال "الإسرائيلي" المتصاعدة في سجون الاحتلال وغير المسبوقة منذ بدء حرب الإبادة في أكتوبر 2023. وأكد النجار أن الاحتلال "الإسرائيلي" حوّل السجون إلى ساحات للتعذيب والإذلال الممنهج، خاصّة بحق معتقلي غزة، مشيراً إلى شهادات صادمة حول التّعذيب الجسديّ والنفسيّ، وعمليات الاغتصاب، والقتل المتعمد، والتّجويع، والجرائم الطبية، وتوثيق أكثر من (66) شهيداً من الأسرى كان آخرهم اليوم، واحتجاز جثامين 75 أسيراً، مشيراً إلى أن الاحتلال "الإسرائيلي" يواصل إخفاء هويات العديد من شهداء غزة. كما كشف النجار عن اعتقال أكثر من 9900 أسير حتى نيسان 2025، من بينهم 28 أسيرة و400 طفل، ونحو 3500 معتقل إداري، مشيراً إلى أن آلاف معتقلي غزة يُحتجزون ضمن ظروف قاسية ومعزولة، في معسكرات وسجون خاصة مثل "سديه تيمان" و"عوفر" و"الرملة"، وسط قيود مشددة على زيارات المحامين، واستمرار جريمة الإخفاء القسري بحقّ العديد منهم حتى اليوم. وأبرز النجار تصعيد الاحتلال "الإسرائيلي" في استخدام "الاعتقال الإداري" و"قانون المقاتل غير الشرعي"، كأدوات لقمع الفلسطينيين دون محاكمات عادلة، بالإضافة إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كذريعة لاعتقال النشطاء، والصحفيين وفئات أخرى فاعلة في المجتمع الفلسطيني بهدف تقويض دورهم. واختتم النجار دعوته للمجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان بتحمل مسؤولياتها، والعمل العاجل على وقف هذه الجرائم، ومساءلة الاحتلال "الإسرائيلي" على الانتهاكات الجسيمة التي تُرتكب بحق الأسرى، والتي تمثل نموذجاً لإرهاب دولة منظم، تمارسه حكومة المستوطنين المتطرفة.