قراءة في أبعاد الردع والدمار
اعتُبر السلاح وسيلةً للدفاع عن الذات وجزءًا من مقوّمات بقاء الجماعات البشرية. لكن التطوّر التكنولوجي الذي مثّلَ انتقالًا من أدواتٍ محليّةٍ ومروّعةٍ (مناجيق وزيوت مغلية ووسائل تعذيب) إلى أسلحةٍ نوويةٍ وانشطاريةٍ وفائقة السرعة يجبرنا على إعادة تقييم أحكامنا الأخلاقية والسياسية.
تسعى هذه المقالة إلى فحص مدى مشروعية هذا التطور وما إذا كان يترتب عليه "فضيحة" أخلاقية عندما يصبح السلاح هدفًا بحدِّ ذاته أو يهدِّد قدرة الكوكب والإنسان على الاستمرار، وذلك عبر استعراض النقاط الآتية:
- التاريخُ المختصر لتطوّر الأسلحة: من الضرورة إلى التفوق التدميري
بدأت البشرية بالأسلحة كوسائل بدائية للدفاع والصيد، ثم استُخدمت كأساليب للغزو والهيمنة. ولكنّ الفرق النوعي الذي يهمّنا هنا أن الأدوات الحديثة - لا سيما القنابل الانشطارية والنووية - لم تعد أدوات عسكرية محصورة الأثر، بل باتت قادرةً على إنتاج تأثيراتٍ مستدامةٍ تفوق الأضرار المادية المباشرة (إشعاع، تلوّث بيئي، آثار صحية ممتدة عبر أجيال). وبالتالي فإن هذا التحوّل يغيّر الإطار الأخلاقي والقانوني لاستخدام السلاح.
- الأسلحة النووية والقدرة التدميرية: حالة هيروشيما كنقطة محورية
إنّ الانفجار النووي التاريخي في هيروشيما (1945) قد مثّل - بلا شك - تحوّلًا في تاريخ الحروب - قدرة تدمير مدينةٍ دفعةً واحدة وموجاتٍ من الوفيات الفورية والمتأخرة - فتقديرات القوة والمتسبّبة في الخسائر أظهرت أن قنبلة هيروشيما كانت في نطاق عشرات الكيلوطنات من مكافئ الـ (TNT)، وأن عدد الوفيات المباشرة وغير المباشرة بحلول نهاية 1945 قد بلغ عشرات الآلاف (تُستعمل أرقام مثل ~140,000 في المراجع الشائعة). هذه الحقائق تضع السؤال التالي: هل مثل هذا السلاح مبررًا دفاعيًا حين تؤدي نتائجه إلى تدمير بشري وبيئي يفوق حدود "التكافؤ" في الحرب؟
إنّ الإجابة العملية لدى معظم أهل السياسة والأمن تقول: "إن السلاح النووي خلق منطقًا للردع"؛ لكن هذا الردع نفسه يحمل مخاطرة الانزلاق إلى دمارٍ شاملٍ أو "شتاء نووي" ذي آثار مناخية عالمية محتملة.
- التكنولوجيات الحديثة: الأسلحة فائقة السرعة والأنظمة الذكية
تُعرّف منظومات "فرط/ فائقة السرعة" (hypersonic) بقدرتها على التحرك بسرعات تفوق (Mach 5)، وتعدُّها بعض الدول محورًا جديدًا للتفوق العسكري. لكنّ تقييم قدرة أيّ سلاح على التدمير لا يعتمد على السرعة وحدها، بل على الرأس والشحنة المتفجرة والتكتيك المستخدم. إضافةً إلى ذلك، التكامل مع أنظمة التوجيه الذكية والذكاء الاصطناعي الذي يزيد من دقة القتل لكنه يثير مشكلة المساءلة الأخلاقية والقانونية في حالات الخطأ أو الانحراف.
- الأبعاد البيئية والصحية للاستخدام والاختبار
لا شكّ أن الأسلحة ذات القدرة التدميرية العالية؛ تترك أثرًا يمتد زمنيًّا: تلوث إشعاعي، وتخريب للنظم الإيكولوجية، وتبعات صحية تمتد إلى أجيال (سرطانات، طفرات جينية، اضطراب سلاسل غذائية). كما أن السباق على تطوير واختبار هذه الأسلحة يستهلك موارد مالية هائلة كان يمكن توجيهها إلى احتياجات بشرية أساسية (صحة، تعليم، بنى تحتية)، ما يطرح سؤال العدالة في تخصيص الموارد الوطنية والدولية.
- الردع مقابل الأخلاق والفضيحة
في النظرية الواقعية للأمن، يُبرّر السلاح كوسيلة لفرض التوازن ومنع الاعتداء. بالمقابل، هناك تيارات نقدية وأخلاقية ترى أن خذا التطور يؤدي إلى خلق أدوات قادرة على الإبادة الجماعية يُعدّ "فضيحةً" أخلاقية وتهديدًا لوجودية النوع البشري. بين هذين القطبين يتوسّط نقاشٌ علمي حول: مدى فاعلية الردع، مخاطر الخطأ الكارثي، قابلية السيطرة على التكنولوجيا، وإمكانية التوصل إلى ضوابط دولية فعّالة.
مقاربة قانونية مقترحة
1. تقنين الاستخدام: تعزيز قواعد القانون الدولي الإنساني وتوضيح حظر أو تقنين استخدام التقنيات التي تُحدث أضرارًا لا متناسبة أو أثرًا بيئيًا طويل الأمد.
2. ضوابط التكنولوجيات الحديثة: اتفاقيات دولية لتنظيم تطوير ونشر منظومات فائقة السرعة والأنظمة الذاتية المسلّحة.
3. الحد من الانتشار النووي: نهج متعدّد الأبعاد يجمع بين عدم الانتشار، وخفض الترسانات، وتأمين الضمانات غير النووية للأمن الإقليمي.
4. حوكمة أخلاقية للبحث والتطوير: آليات وطنية ودولية لتقييم أخلاقي للتقنيات العسكرية قبل تمويلها أو نشرها.
5. تحويل الموارد: برامج إعادة توجيه جزء من الإنفاق العسكري نحو التنمية البشرية في أوقات السلم.
في الختام
لا شكّ أن الأسلحة قد كانت جزءًا من تاريخ البقاء البشري، لكن التحوّل إلى أدواتٍ قادرة على تهديد استمرارية الحياة يضعنا أمام فضيحة أخلاقية وسياسية وبيئية. وبالمقابل فإنّنا لا ننكر الحاجة إلى وسائط دفاعية، ولكن ضرورة وضع قيودٍ قانونية وأخلاقية واضحة على الابتكارات التي تتجاوز حدود القبول الإنساني يجب أن تكون الهاجس والمقصد الأوّل قبل كلّ شيء ضمن هذا الإطار الأخلاقي.

