2025.11.11
الأسير المُحرَّر \ إضاءات

الأسير المُحرَّر "أسامة محمد علي أشقر" (16)


تُعرف الشاعرة الفلسطينية "نهى شحادة عودة" في المجتمع الأدبي العربي باسم "ياسمينة عكَّا"، أبصرت النور في مُخيّمات اللاجئين في لبنان ذات يوم مُندسٍّ بين أعوام ثمانينيات القرن الماضي، وتعود أصولها إلى قرية شعب في قضاء عكّا بفلسطين.. هي ناشطة ومناضلة من أجل الحفاظ على الثقافة والذاكرة الفلسطينية وضمان توريثها لأجيال اللاجئين.. نشرت رواية واحدة وعددا من الدواوين الشعرية، وخصّت جريدة "الأيام نيوز" بمجموعة من القصاصات التي أودع فيها الأسرى المُحرّرون الفلسطينيون بعض ذكرياتهم في رحلة العذاب..

ماذا تعرفون عن فلسفة الإجرام الصهيوني؟

كتب كثيرون وتحدّثوا عن طبيعة الحركة الصهيونية وتركيبتها العنصرية، تلك التي تأسست منذ بداياتها على العنف والتطهير والإرهاب. هذا ليس تحليلًا نظريًا فقط، بل أصبح حقيقة مثبتة بالأدلة والوقائع الممتدة منذ أكثر من مئة عام.

استخدمت الحركة الصهيونية العنف كوسيلة أساسية في نشأتها، وكان العنف مركّبًا جوهريًّا في بناء هذا الكيان على أرض فلسطين المحتلة.

وفي داخل سجون الاحتلال، تبنّت إدارة مصلحة السجون استراتيجيات متعددة في التعامل مع الأسرى، تتغيّر حسب الظرف السياسي والفترة الزمنية.

ما قبل 7 أكتوبر، كانت الأساليب تبدو أكثر "نعومة" من الخارج، لكنها كانت تخترق الحركة الأسيرة ببطء، باستخدام أساليب استخباراتية وأمنية قذرة، تُوظَّف فيها خبرات علماء النفس لفهم التركيبة النفسية والفكرية للأسرى الفلسطينيين. ومن خلال ذلك الفهم، كانت إدارة السجون تضع خططًا لإخضاع الأسرى وترويضهم عبر أدوات خبيثة ناعمة.

هذا النهج استمر لأكثر من 60 عامًا، من بعد احتلال عام 1967 حتى عام 2023. لكن ما بعد 7 أكتوبر، حصل تحوّل كبير وخطير في السياسات.

مع تولي المجرم إيتمار بن غفير وزارة "الأمن القومي"، والتي تشمل ضمن صلاحياتها إدارة السجون، بدأ تطبيق استراتيجية جديدة تمامًا. عَيّن بن غفير مدير مكتبه الخاص ليكون مديرًا عامًا لمصلحة السجون، وهو شخص متورّط في ارتكاب جرائم يومية بحق الأسرى. فمنذ تولّيه، تمّ التخلي تمامًا عن الوسائل الاستخباراتية "الناعمة"، واستُبدلت بأساليب عُنفية شديدة، قائمة على التنكيل والتجويع والتعذيب والعزل وسلب أبسط الحقوق.

لقد أصبحت السجون، كما ذكرنا في سابقًا، "الساحة الرابعة" من ساحات المعركة التي تخوضها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.

وفيما يلي نكشف بشكل أوضح عن طبيعة الإجراءات الجديدة: إجراءات عنف مباشر، متعمّد، لا يراعي أي حدٍّ أدنى من الإنسانية.

الإجراء المتبع والمعمول به في سجون الاحتلال هو العنف، ثم العنف، ثم مزيد من العنف. يمارَس هذا العنف بأشكاله المختلفة: العنف اللفظي، العنف الجسدي، ومحاولات مستمرة لكسر إرادة الأسير.

لقد شهدنا أمثلة لا تُعدّ ولا تُحصى من ممارسات إدارة سجون الاحتلال، التي غالبًا ما تستخدم ما يُعرف في أدبيات الأسرى بمصطلح "القمعة".

القمعة هي عملية اقتحام تنفذّها وحدات معززة من إدارة السجون، تقوم خلالها بالهجوم على أسير أو مجموعة أسرى داخل الزنازين، وضربهم بالهراوات، ورشّهم بالغاز، ومن ثم سحبهم إلى خارج الزنازين، وسحلهم على الأرض، وتعريتهم وتكبيلهم للخلف، وتركهم لساعات طويلة في ساحات السجون، إما تحت أشعة الشمس الحارقة أو في البرد القارس. وقد تستمر هذه المعاناة لعشر ساعات، أو اثنتي عشرة ساعة، أو حتى ليلة كاملة.

هذه هي القمعة التي كانت تُمارَس قبل 7 أكتوبر. أما بعد 7 أكتوبر، فقد تضاعف هذا الإجراء مئات المرّات.

اليوم، يمكن لأيّ سجّان، دون الرجوع إلى ضابط أو مدير السجن أو أي جهة مسؤولة، أن يستدعي وحدة اقتحام ويدخل إلى الزنزانة ليضرب الأسرى، حتى دون أيّ سبب واضح.

يُسمح لأيّ سجان أو سجّانة باستخدام الغاز ورشه داخل الزنازين، وقد تكررت مثل هذه الحالات، خصوصًا بحق الأسيرات، حيث تدّعي السجّانة أن الأسير لم ينصع لأمرها، أو لم يولِهَا انتباهًا، أو حتى أشاح بوجهه عنها، فتقوم مباشرة برش الغاز، ومن ثم تأتي الوحدات المساندة للاعتداء على الأسرى بالضرب والسحل.

يتبع ذلك تفتيش قاسٍ للزنازين، وتعريض الأسرى للإهانات، وأحيانًا للتّهم المفبركة.

وقد وثّقنا مئات الحالات والأحداث، خصوصًا في العشرين شهرًا الأخيرة. منها أحداث أدت إلى استشهاد أسرى بسبب الضرب المبرّح، مثل حالة الأسير "ثائر أبو عصبة"، الذي هاجمه 20 سجانًا من الطائفة الدرزية في سجن النقب، وانهالوا عليه بالضرب حتى استُشهد. وفي سجن مجدو، كذلك، تعرّض أسرى للضرب حتى الموت.

روى أحد الأسرى أنه دخل إلى ما كان يُعرف بـ "قاعة توزيع الطعام" في سجن النقب، فوجد الأرض مملوءة بالدماء، ورأى أسنانًا وقطع لحم عالقة على الحائط، نتيجة القمع والتعذيب.

إن العنف اليوم هو الوسيلة الوحيدة التي تتحرك بها إدارة السجون. لا شيء يُمارَس الآن سوى العنف، ثم العنف، ثم العنف. هناك مئات الجرائم، وعشرات الشهداء، الذين ارتقوا نتيجة هذا التعذيب الممنهج.

العنف لا يُمارَس فقط داخل الزنازين أو الأقسام، بل حتى خلال نقل الأسرى في "البوسطة"، وأثناء احتجازهم في منطقة تُعرف بـ "المعبار"، وهي مكان تجميع الأسرى تمهيدًا لنقلهم من سجن إلى آخر.

في سجن الرملة، وتحديدًا في المعبار، تم الاعتداء على مئات الأسرى. يروي العديد أن السجّانين - ومعظمهم من الطائفة الدرزية أو من وحدات "النحشون" - كانوا يُدخلون الأسرى بين بوّابتين عند مدخل القسم، ويعتدون عليهم هناك لأن الكاميرات لا ترصد هذه الزاوية، ما سمح لهم بارتكاب جرائم دون محاسبة. وتم تكسير مئات الأطراف، والأصابع، خلال هذه الاعتداءات.

في "معبار الرملة"، يبقى الأسير أحيانًا ثلاثة أيام بلا نوم، ولا طعام، ولا راحة، فقط بانتظار نقله إلى المحكمة. ويُطلب منه أن يجلس على ركبتيه، ووجهه إلى الحائط، والنور لا يُطفأ، والإهانات والشتائم لا تتوقف.

هذه ليست حوادث فردية، بل سياسة ممنهجة من الإذلال والقمع والإرهاب النفسي والجسدي، يمارسها الاحتلال بحق الأسرى، يومًا بيوم، ولحظة بلحظة.

وفي هذه اللحظة تحديدًا، يُنكّل بمئات الأسرى بالوسائل نفسها، بلا رقيب ولا حسيب.