2025.11.11
المدرسة التطبيقية للدفاع المضاد للطائرات بالأغواط..  بوابة الصحراء تُكوّن حُماة الأجواء من الداخل

المدرسة التطبيقية للدفاع المضاد للطائرات بالأغواط.. بوابة الصحراء تُكوّن حُماة الأجواء


الأيام نيوز
04 نوفمبر 2025

تشكّل المدرسة التطبيقية للدفاع المضاد للطائرات "الشهيد قدور شنين" بالناحية العسكرية الرابعة، صرحا تكوينيا متخصصا يزاوج بين الامتداد التاريخي والدور البيداغوجي داخل الجيش الوطني الشعبي، فمن موقع عسكري عرف تحولات متتالية منذ الاستقلال إلى مؤسسة قائمة بذاتها منذ 1991، تواصل المدرسة أداء مهمتها في إعداد الضباط والإطارات وضباط الصف في اختصاص الدفاع المضاد للطائرات، مستفيدة من تموقعها في مدينة الأغواط التي تُعد بوابة الصحراء وفضاء استراتيجيا يجمع بين الطبيعة السهبية والموارد الباطنية والمناخ شبه الصحراوي، بما يتيح للمدرسة بيئة ملائمة للتكوين والتدريب.

منذ السنوات الأولى للاستقلال، بدأ الموقع الذي يحتضن المدرسة التطبيقية للدفاع المضاد للطائرات يشق طريقه داخل المنظومة العسكرية الوطنية، في رحلة طويلة ممهّدة لولادة مؤسسة تكوينية متخصّصة. فبين 1962 و1970 استُخدم الفضاء كموقع لتجمّع وحدات المشاة، وهي مرحلة كان فيها الجيش الوطني الشعبي يعيد ترتيب بنيته الأولى ويؤسس لهياكل قاعدية تحتاجها دولة فتية خارجة لتوّها من حرب تحريرية طويلة.

ومع مطلع السبعينيات، انتقلت طبيعة المهمة إلى مستوى آخر، إذ أصبح الموقع مركزا لإنشاء وتجمّع وحدات الدفاع المضاد للطائرات بين 1970 و1974، وهو تحوّل يعكس بداية الاهتمام ببناء قدرات السلاح داخل الجيش. هذا التغيير شكّل خطوة أولى نحو تخصّص أكبر ظهرت ملامحه تدريجيا في السنوات التالية.

وجاءت محطة جديدة سنة 1974 حين احتضن الموقع مدرسة أشبال الثورة إلى غاية 1982، في فترة اكتسب فيها المكان بعدا تربويا وتكوينيا مختلفا، قائما على إعداد جيل جديد يجمع بين التعليم العسكري والانسجام مع روح الانضباط. هذا الاستخدام منح الموقع طابعا متعدد الوظائف، وزاد من جاهزيته للتحوّل إلى مؤسسة تكوينية أكبر.

ثم عرف الموقع نقلة نوعية بين 1982 و1991 باستقبال مدرسة مدفعية الميدان والمدفعية المضادة للطائرات، إضافة إلى تمركز الفوج الرابع للمغاوير. هذه المرحلة منحت الفضاء صبغة عملياتية أوسع، ورفعت من مستوى النشاط العسكري داخله، بما أعاد تشكيل بنيته التنظيمية والبيداغوجية وفق متطلبات تكوين أكثر عمقا.

ومن هذا التراكم، وابتداء من سنة 1991، برزت المدرسة التطبيقية للدفاع المضاد للطائرات في صورتها الحالية، مؤسسة قائمة بذاتها ومتخصصة في تكوين الإطارات في السلاح م/ط، مستفيدة من كل المراحل السابقة التي راكمت خبرات حولت الموقع إلى فضاء ناضج وقادر على احتضان مدرسة بمقاييس احترافية.

الأغواط… بوابة الصحراء التي تحتضن المدرسة

وعلى مسافة انتقال زمني وجغرافي قصيرة من التاريخ العسكري للموقع، تمتد مدينة الأغواط لتشكّل الإطار الطبيعي الذي يحتضن المدرسة التطبيقية للدفاع المضاد للطائرات. هذا الامتداد الجغرافي كان جزءا من هوية المدرسة نفسها، فالأغواط تُعرف بكونها بوابة الصحراء، وتقع على بعد 400 كيلومتر جنوبي العاصمة، في موقع يوازن بين طابع الهضاب العليا وملامح الجنوب العميق.

وتُضفي الإحداثيات الجغرافية للمدينة - خط الطول 330.48.00 وخط العرض 020.53.00 - طابعا مميزا على موقعها، إذ ترتفع بـ700 متر فوق مستوى البحر على السفح الجنوبي للهضاب العليا. هذه الخصوصية تمنحها بيئة مناخية شبه صحراوية معتدلة، تجعلها فضاء ملائما للتدريب والانضباط العسكري، وتضفي على نشاط المدرسة طابعا ميدانيا يتماشى مع طبيعة السلاح الذي تتخصص فيه.

كما تحتفظ الأغواط بطابع سهبي رعوي وفلاحي يمنح المنطقة تنوعا اقتصاديا طبيعيا، وهو ما يشكّل خلفية اجتماعية وجغرافية مريحة للعاملين والمتدربين. وتكمن إحدى أهم ميزاتها في احتضانها لأكبر حقل غاز طبيعي في الجزائر، الواقع بمنطقة حاسي الرمل، وهو ما جعلها عبر السنوات مدينة ذات وزن اقتصادي واستراتيجي معتبر داخل الخريطة الوطنية.

وتزخر الولاية بمناطق سياحية ذات جمال طبيعي خلاب، مثل الغيشة، لالماية، مادنة وغيرها، وهي فضاءات تضيف لمحيط المدرسة هواء بصريا ونفسيا مختلفا يساعد على التوازن بين الحياة التدريبية والراحة الذهنية. هذه المواقع الطبيعية تجعل الأغواط أكثر من مجرد مدينة عسكرية، فهي فضاء يجمع بين الواحة والطابع السهبي والبعد السياحي.

وتتسع ولاية الأغواط على مساحة 26,941 كيلومترا مربعا، ويبلغ عدد سكانها 466.882 نسمة موزعين على 10 دوائر و24 بلدية، ما يعكس حيوية سكانية وجغرافية تمنح المدرسة محيطا مستقرا ومتعدد الوظائف. وبهذا التموقع، تصبح المؤسسة جزءا من ديناميكية مدينة واسعة ومفتوحة، تجمع بين تاريخ المكان وخصوصية الموقع وعمق الامتداد الصحراوي.

القاعدة البيداغوجية… هندسة تكوين حديثة وفضاءات متعددة

تقوم المدرسة التطبيقية للدفاع المضاد للطائرات على قاعدة بيداغوجية متكاملة، صُممت لتجسيد مبدأ التكوين النظري الممزوج بالتدريب الميداني. ومن داخل قاعات دروس مختصة مجهزة بلوحات تعليمية حديثة، يتلقى المتربصون تكوينا دقيقا يواكب متطلبات السلاح، في بيئة تعليمية تُشرف عليها طواقم تكوين مؤهلة تسهر على ضمان أعلى مستويات الفهم والتطبيق.

وتتوزع داخل المدرسة قاعات الإعلام الآلي التي تسمح بالتعليم بواسطة الحاسوب، بما يتيح للمتكوّنين التفاعل مع برامج المحاكاة الإلكترونية والبرمجيات التدريبية الخاصة بمنظومات الأسلحة. هذه الوسائل تتيح التعلم الذاتي وتسرّع من استيعاب المفاهيم التقنية المعقّدة التي يتطلبها تخصص الدفاع الجوي.

كما تضم المدرسة مقلدات لمختلف منظومات الأسلحة، تُستخدم في محاكاة سيناريوهات حقيقية للرماية والتشغيل، وهي خطوة أساسية في تكوين الطلبة على العمل في ظروف قريبة من الواقع العملياتي. وتُكمّل هذه التجهيزات مخابر اللغات الأجنبية، وعلى رأسها اللغة الإنجليزية، التي تُعد أداة ضرورية في فهم المصطلحات التقنية والمراجع العسكرية الحديثة.

أما المكتبة العلمية والعسكرية، فهي تشكل فضاء للبحث والاطلاع، مزودة بمراجع متخصصة تغطي مختلف فروع العلوم العسكرية والتقنية. وإلى جانبها، توفّر المدرسة وسائل سمعية بصرية تُستخدم في الدروس والعروض الميدانية، ما يجعل من عملية التكوين تجربة تفاعلية تجمع بين الشرح النظري والدعم البصري.

وتكتمل المنظومة بميادين المناورة التي تشمل حقل الرمي بالأسلحة الخفيفة والأسلحة المضادة للطائرات، إضافة إلى ميادين وأنشطة رياضية وقاعة ومسبح نصف أولمبي، وهو ما يمنح التكوين بعدا بدنيا شاملا يوازي التحضير الذهني والتقني. بهذه البنية المتكاملة، ترسّخ المدرسة مفهوم "التكوين الشامل" الذي يجمع بين العلم والممارسة والانضباط.

تكوين الضباط العاملين… مسارات دقيقة تؤسس للخبرة

بعد المرور عبر القاعدة البيداغوجية المتكاملة، ينتقل المسار داخل المدرسة إلى أحد أهم فروعها: تكوين الضباط العاملين. ويبدأ هذا المسار بدروس الإتقان، الموجهة إلى الضباط الذين يملكون خبرة ميدانية ويرغبون في تعميق تكوينهم في السلاح. وتدوم هذه الدروس ستة أشهر كاملة، تُنظّم على دفعتين في السنة، وتُعد مرحلة أساسية تمنح الضابط قدرة أكبر على استيعاب الجوانب التقنية والعملياتية لمنظومات الدفاع الجوي.

ويتواصل المسار مع دروس التطبيق، وهي محطة موجهة إلى الضباط حديثي التخرّج في الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال. وتمتد هذه الدروس على سنة دراسية كاملة، يتم خلالها مزج ما تلقّاه الضباط من تكوين قاعدي مع تدريب عملي مرتبط مباشرة بطبيعة مهام السلاح المضاد للطائرات. ويمنح هذا المزج انتقالا سلسا بين التعليم الأكاديمي والعمل الميداني.

وتعمل هذه الدروس التطبيقية على منح الضابط قدرة عملية على التعامل مع التجهيزات، وفهم أساليب التشغيل، واستيعاب إجراءات القيادة والسيطرة داخل منظومة الدفاع الجوي. هذا التدرّج يجعل الضابط قادرا على الاندماج بسرعة داخل وحدات الدفاع بعد تخرجه، وهو ما يمنح السلاح إطارات جاهزة للمهام العملياتية.

كما تُشكّل مدة التكوين الطويلة فرصة لتعزيز الجانب الانضباطي والبدني إلى جانب الجانب التقني، إذ تعتمد المدرسة على برنامج شامل يوازي بين المعرفة النظرية والتطبيق الميداني. هذا التوازن يخلق ضابطا يمتلك القدرة على اتخاذ القرار، وفهم خصوصيات السلاح، والتصرف في مختلف المواقف التي يفرضها الميدان.

وفي ختام هذه المسارات، يحصل الضباط على شهادات معتمدة تثبت مستوى الكفاءة الذي بلغوه، وتفتح لهم الباب للالتحاق بوحدات الدفاع الجوي في مختلف النواحي العسكرية. وبهذا ترتسم صورة تكوين مضبوط بدقة، ينتقل فيه المتربص بين مستويات متدرجة، تقوده خطوة خطوة نحو الخبرة المطلوبة داخل هذا السلاح المتخصص.

ضباط الصف والمتعاقدون… اختصاصات دقيقة ومسارات متدرّجة

وفي امتداد طبيعي لمسار تكوين الضباط، تفتح المدرسة مجالا تكوينيا موازيا موجّها لضباط الصف المتعاقدين، وهم الفئة التي تشكل الدعامة التقنية والعملياتية لوحدات السلاح م/ط. ويبدأ هذا المسار بعد إتمام التكوين القاعدي على مستوى مدرسة ضباط الصف العاملين، لينتقل المتربصون إلى سنة دراسية كاملة داخل المدرسة التطبيقية، يتعمقون خلالها في خصوصيات منظومات الدفاع المضاد للطائرات.

ويُعدّ هذا التكوين فرصة لتوجيه ضباط الصف نحو أحد اختصاصات السلاح م/ط، من خلال دروس نظرية وتطبيقية تتيح لهم التحكم في التقنيات والأنظمة المتخصصة. ويستفيد المتربصون من المقلدات والوسائل البيداغوجية الحديثة التي تمكّنهم من اكتساب مهارات دقيقة في التشغيل والصيانة، بما يضمن تأهيلا متينا قادرا على مواكبة متطلبات الميدان.

كما تمنح المدرسة تكوينات مهنية محددة تتمثل في أهلية عسكرية مهنية "درجة أولى"، التي تدوم ستة أشهر كاملة وتُنظم على دفعتين في السنة. ويُعَد هذا المسار خطوة أساسية تمنح المتكوّن مستوى أول من التأهيل التقني، يتيح له الاندماج بسرعة داخل وحدات الدفاع الجوي والاستجابة لمتطلبات التشغيل اليومي للمنظومات.

ويتواصل التدرج مع أهلية عسكرية مهنية "درجة ثانية"، وهي مرحلة تمتد على سنة دراسية كاملة، وتشكل مستوى أكثر تقدما من حيث التحكم في التقنيات والأنظمة. ويُعدّ هذا المسار بوابة لترقية خبرة ضباط الصف، بما يسمح لهم بتولي مهام أكثر دقة داخل الوحدات، خصوصا في ما يتعلق بالمتابعة التقنية والإشراف على الفرق الصغرى.

وتمنح هذه التكوينات، بتنوّعها وصرامتها، مسارا تصاعديا يضمن أن ضباط الصف المتعاقدين يغادرون المدرسة وهم يمتلكون قاعدة معرفية صلبة، ومهارة ميدانية مستندة إلى تدريب متدرّج ومتخصص. وبهذا التكامل، تضمن المدرسة إعداد الإطار التقني القادر على مواكبة الضباط، ودعم الوحدات بمهارات أساسية في تشغيل وصيانة معدات الدفاع المضاد للطائرات.

تكوين الاحتياطيين… مسارات مكثّفة وشهادات تثبّت الكفاءة

وموازاة مع تكوين الضباط وضباط الصف، تفتح المدرسة التطبيقية للدفاع المضاد للطائرات أبوابها لفئة أخرى لا تقل أهمية داخل المنظومة الدفاعية: فئة الاحتياطيين. ويبدأ هذا المسار مع ضباط الاحتياط الذين يستفيدون من تكوين قاعدي وتخصصي في السلاح م/ط، يمتد على ستة أشهر كاملة، موزعة على دفعتين في السنة الدراسية، بما يضمن توفّر إطارات احتياطية مؤهلة وقادرة على الالتحاق بالوحدات عند الحاجة.

ويشكّل هذا التكوين مرحلة محورية، إذ يزوّد الضباط الاحتياطيين بالمعارف النظرية الأساسية، إلى جانب تدريب عملي يمنحهم القدرة على التعامل مع خصوصيات السلاح المضاد للطائرات. ويأتي هذا المسار ليعزز الجاهزية الدائمة، من خلال توفير قاعدة بشرية مدرَّبة يمكن تعبئتها بسرعة في مختلف الظروف العملياتية.

كما يشمل المسار التكويني ضباط صف الاحتياط، الذين يخضعون بدورهم لتكوين قاعدي وتخصصي في السلاح م/ط لمدة ستة أشهر على دفعتين في السنة. ويركّز هذا التكوين على المهارات التقنية الأساسية التي تسمح للمتربصين بفهم تشغيل المنظومات واكتساب خبرة عملية في بيئة تدريبية تعتمد على المحاكاة والتطبيق.

ويترافق هذا الجهد التكويني مع منظومة شهادات تمنح في نهاية كل مسار، إذ يتحصل المتربصون على شهادات دروس الإتقان، ودروس التطبيق، ودروس التخصص، إلى جانب أهلية عسكرية مهنية بدرجتيها الأولى والثانية (B.M.P-1 وB.M.P-2). وتختتم المدرسة مساراتها بمنح الشهادة العسكرية المهنية رقم 02 (C.M.P-2)، التي تُعدّ دليلا على مستوى المعارف والكفاءات المكتسبة.

وتُكرّس هذه الشهادات، بتنوعها وتدرج مستوياتها، المكانة التكوينية للمدرسة باعتبارها مؤسسة تمنح الاحتياطيين القدرة على الالتحاق السريع والفعّال بالوحدات الميدانية. وبهذا التكامل، يكتمل الدور البيداغوجي للمدرسة، التي لا تقتصر على تكوين الفئات العاملة فقط، بل تمتد لتشمل القوة الاحتياطية، ما يعزز جاهزية السلاح م/ط ويضمن استمرارية الكفاءة عبر مختلف الظروف.

بهذا المسار المتكامل الذي يجمع بين التاريخ العريق، والتموقع الجغرافي المميز، والبنية البيداغوجية الحديثة، وبرامج التكوين المتدرّجة، تواصل المدرسة التطبيقية للدفاع المضاد للطائرات "الشهيد قدور شنين" أداء رسالتها في إعداد كوادر عسكرية متخصصة قادرة على مواكبة متطلبات السلاح م/ط. ومن خلال تعدد التكوينات، ودقة البرامج، وتنوّع الشهادات، ترسخ المدرسة دورها كصرح تدريبي وطني يمدّ وحدات الجيش الوطني الشعبي بإطارات ذات كفاءة تقنية وانضباط عال، في مؤسسة تجمع بين الإرث العسكري والاحترافية الحديثة، وتواصل بناء أجيال متعاقبة تسهم في تعزيز قدرة الدفاع الجوي وحماية المجال الوطني.

أنور خيري