كنتُ طفلًا شقيًّا وثرثارًا. أُوقدُ نار الفوضى أينما حللتُ، ضيفًا ثقيل الظلّ كنتُ. في المدرسةِ كانوا ينادونني "تيمور ذو الوجه النَّحس"، نحسٌ وقبيحٌ... فوجهي المشاكس أسودٌ مبرقعٌ، كقطعةِ خشبٍ أكلها السُّوس.
لم تكن حياتي عبارة عن لوحة فنِّية هادئة الملامحِ، كانت أسطورة خلَّدها الشّيطان في دفترِ المشاكسات... كأنَّني ولدتُ لأوقدَ النَّار في الهشيمِ!
آهٍ من أمِّي كم أبغضُ ولادتها لي!!!
ولدتُ وأنا أحملُ فوق كتفيَّ سبعة رؤوسٍ شيطانيّة، كلُّ واحدٍ منها بملامح مختلفة... سبعةُ وجوهٍ لي ولسانٌ طويل!
في صبيحة يومٍ شتائيٍّ قارس، كان صفُّ مدرستنا يرقص من زغردةِ البردِ في عظامنا، وبعينينِ سوداوين كبيرتين كنتُ أراقب الجميع حتى سقطتُ سهوًا في شِباكِ نظراتِ أستاذ الأدب و"سميرة"!
العيون مرتبكة والخجلُ بادٍ فوق وجنتيهما ونظراتٌ متقطِّعةٌ تُحيّي ارتعاشةً في الجسدِ... ليست بردًا بل هي نشوةُ العشقِ بين كلماتِ الدَّرسِ.
لم أترك ذلك الحب ينمو سرَّا كالعنقود المخبَّأ خلف أوراق العنبِ، فقط أردتُ العبث، أردتُ أن يشاهد العالم كيف يُعتَصرُ النَّبيذ من دموعِ المحترقين. استيقظت قريتُنا الضَّيقة بأسرارها فجر اليوم التالي على "فضيحة سميرة" ليقرؤوا فوق حائط المدرسة "الأستاذ يعشقُ سميرة".
وسميرة فتاةٌ خجولة طيبة القلبِ هادئة الملامحِ، أصبحت حديث السَّاعة في أفواهِ النَّاس، ينتقل من غرفةِ معيشةٍ إلى غرفةِ طعامٍ ثم إلى جلساتٍ عائلية بنكهاتٍ مختلفةٍ.
بقيَت الجملة مكتوبة فوق الحائط لسنواتٍ بثوبٍ باهت، سافر الأستاذ وتزوجتُ "سميرة" التي تكبرني بخمسة أعوام لأكفّر عن ذنبي، أنا ذو الوجه النَّحس.
واليوم وهي تغفو بالقربِ منِّي أرى ذلك الحائط ممتدًّا بيننا كحاجزٍ لروحين أرهقهما التَّمثيل؛ لا شيء يمكّن من إخفاء الفضيحة، فقط هي تبدِّلُ ملامحها بمساحيقَ جديدة.

