جاء اللقاء الذي جمع وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية أحمد عطاف، بوزير خارجية الجمهورية الصحراوية الديمقراطية محمد يسلم بيسط، ليؤكد تمسك الجزائر بالشرعية الدولية كإطار وحيد لتسوية الصراع الممتد منذ عقود. وتزامن هذا اللقاء مع مرحلة جديدة من النقاش داخل مجلس الأمن عقب اعتماد القرار رقم 2797، الذي جدّد ولاية بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) دون تعديل جوهري في مهامها أو تفويضها، وهو ما اعتبره المحللان راشيد رامي والصالح الحبيب الحافظ في حديثهما لـ"الأيام نيوز" تجديدا للثقة في المسار الأممي، مشيرين إلى أن الموقف الجزائري يعكس الالتزام بالقانون الدولي واستراتيجية دبلوماسية متوازنة تعزز الاستقرار الإقليمي.
البيان الصادر عن وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية جاء بصياغة متوازنة، تعكس حرص الطرفين على إبراز الطابع القانوني والسياسي للصراع القائم في الصحراء الغربية بعيدا عن أي لغة تصعيد. وقد شدّد الوزيران خلال اللقاء على أن الحل لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال مفاوضات مباشرة بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، تهدف إلى تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير. كما عبّر الجانبان عن ارتياحهما لاستمرار بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية (المينورسو) في أداء مهامها وفق توصيات الأمين العام للأمم المتحدة، بما يضمن استمرارية الرقابة الدولية على الوضع في الإقليم.
في هذا الإطار، صرح المحلل السياسي المغربي راشيد رامي لـ"الأيام نيوز" بأن "الموقف الجزائري من قضية الصحراء الغربية يعبر عن انسجام دبلوماسي مع القانون الدولي، ويستند إلى رؤية واقعية تدرك أن تجاوز منطق الاستقطاب هو السبيل الوحيد لتقريب وجهات النظر داخل مجلس الأمن". وأضاف في تصريح خاص أن "الجزائر، رغم ما تتعرض له من حملات إعلامية مغرضة، ما تزال ثابتة على دعمها لمسار الحل الأممي، وهي بذلك تُظهر مسؤولية إقليمية نادرة في محيط تتصاعد فيه الخطابات الأحادية والمشاريع الانفرادية".
ويظهر من خلال تحليل مضمون البيان أن الجزائر تسعى إلى نقل النقاش من دائرة المواجهة إلى فضاء التفاهم عبر الأمم المتحدة، في حين تحرص الجمهورية الصحراوية على تثبيت حضورها الدبلوماسي كطرف فاعل في مسار التسوية، وليس كملف تابع أو موضوع صراع ثنائي. ويمكن القول إن اللقاء لم يكن مجرّد مجاملة بروتوكولية، بل كان فرصة لتجديد التنسيق الاستراتيجي، بما يعكس قناعة الجزائر بأن استقرار المنطقة لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال عدالة الحل ووضوح المرجعيات القانونية.
وفي ضوء ذلك، وبينما تحاول بعض العواصم الإقليمية إضفاء طابع "الواقعية السياسية" على مقترحات الحكم الذاتي، يبرز الموقف الجزائري كخيار متوازن يجمع بين الواقعية والشرعية، ويؤكد أن احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها يظل حجر الزاوية لبناء الثقة والأمن الإقليمي. وهذا التوازن يظهر جليا في الرسائل التي حملها اللقاء الأخير، حيث تم ربط البعد القانوني بالبعد الاستراتيجي دون اللجوء إلى خطاب تصعيدي.
في قراءة تحليلية لنتائج اللقاء، يرى البروفيسور نور الدين شعباني أن الاجتماع جاء في لحظة مفصلية من مسار الصراع في الصحراء الغربية، عقب اعتماد القرار الأممي رقم 2797 الذي جدّد ولاية بعثة "المينورسو" لعام إضافي. ويؤكد أن الجزائر أرادت من خلال هذا اللقاء "إعادة تثبيت المرجعية القانونية للصراع، وتوجيه رسالة واضحة مفادها أن أي مقاربة تتجاهل مبدأ تقرير المصير لن تحقق الاستقرار في المنطقة".

ويشير شعباني إلى أن البيان المشترك لم يكن مجرّد موقف تقليدي، بل "وثيقة دبلوماسية محسوبة بدقة، حملت في طياتها إشارات متعدّدة للمجتمع الدولي". فالإشادة بالحفاظ على ثوابت الحل السياسي العادل والدائم تعكس، بحسبه، "نجاح الجزائر في الدفاع عن مركزية الأمم المتحدة في معالجة الصراع، رغم محاولات بعض القوى فرض حلول خارج الإطار الشرعي".
ويضيف شعباني أن التأكيد على المفاوضات المباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو "يؤسس لعودة النقاش إلى مربّعه القانوني، بعيدا عن خطاب الواقعية الموجّه الذي يسعى إلى فرض منطق الأمر الواقع". ويعتبر تجديد ولاية بعثة المينورسو خطوة متسقة مع مقاربة الأمم المتحدة القائمة على الاستمرارية المؤسساتية، مؤكدا أن "الإبقاء على البعثة دون تعديل لمهامها هو انتصار لروح قرارات الشرعية الدولية، ورسالة إلى الأطراف التي تراهن على الزمن لفرض حلول منقوصة".
وفي هذا السياق، يوضح شعباني أن الجزائر تحرص على عدم تسييس البعثة الأممية، بل تتعامل معها كأداة لضمان الأمن والاستقرار، وليس كوسيلة ضغط على أي طرف. ويشير إلى أن التنسيق الجزائري–الصحراوي "يتجاوز البعد التضامني ليعبّر عن شراكة استراتيجية في الرؤية الأمنية والإقليمية"، موضحا أن الجزائر تنظر إلى حل قضية الصحراء الغربية "كمفتاح لتوازن شمال إفريقيا والساحل، إذ لا يمكن بناء فضاء مغاربي مستقر في ظل صراع مفتوح ومتجدد".
ويؤكد أن استقبال الوزير الصحراوي في الجزائر العاصمة "يحمل بعدا رمزيا ورسالة سياسية موجهة للعواصم الغربية، مفادها أن الجزائر ثابتة في مواقفها، لكنها منفتحة على كل المبادرات الأممية الجادة". وبالنظر إلى تأثير اللقاء على المسار الدبلوماسي المقبل، يرى شعباني أن المرحلة القادمة ستشهد تنسيقا أوسع بين الجزائر والجمهورية الصحراوية داخل الاتحاد الإفريقي، مع توسيع دائرة الدعم في المنظمات غير المنحازة. ويضيف أن الجزائر تعتمد دبلوماسية هادئة وفعالة، تقوم على تراكم المواقف المبدئية بدل الانخراط في حملات دعائية.
وفي هذا الإطار، يشدد شعباني على أن "الموقف الجزائري يُحرج الخطاب المغربي الذي يحاول تصوير الصراع كقضية داخلية، في حين أن القرارات الأممية تؤكد باستمرار أنه مسألة تصفية استعمار خاضعة للقانون الدولي". ويخلص إلى أن اللقاء الأخير "جاء ليرسّخ معادلة الجزائر الدبلوماسية: دعم مسار الشرعية الدولية دون الانخراط في الاستقطابات"، معتبرا أن "القوة الحقيقية للجزائر تكمن في اتساق مواقفها عبر الزمن".
وبينما تراهن بعض الأطراف على تغيّر المزاج الدولي، تواصل الجزائر دعمها الثابت لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، بوصفه خيارا استراتيجيا يعبر عن رؤية للسلام العادل، وليس مجرد اصطفاف سياسي عابر.
وفي المقابل، يشير المحلل الصحراوي الصالح الحبيب الحافظ لـ"الأيام نيوز" إلى أن القرار الأممي يعكس وعي المجتمع الدولي بأن أي حل للصحراء الغربية يجب أن يرتكز على مبادئ النزاهة والمساءلة، ويؤكد أن التوازن بين طرفي الصراع هو شرط لنجاح أي مفاوضات مستقبلية. ويضيف أن المرونة في صياغة القرار تمنح الأطراف فرصة لمواصلة الحوار ضمن الإطار الأممي دون ضغوط سياسية أحادية.

أما بالنسبة لدور الجزائر في دعم المسار الأممي، فيرى الحافظ أنها "لا تكتفي بالمواقف السياسية، بل تساهم عمليا عبر دعم آليات البعثة الأممية، وتوفير معلومات دقيقة حول الوضع الميداني، وتسليط الضوء على الانتهاكات التي قد تعيق سير العملية السياسية". ويشرح أن الجزائر تعمل على "تسهيل التواصل بين المراقبين الأمميين وطرفي الصراع، بما يضمن أن تكون المفاوضات شفافة وقائمة على معطيات حقيقية، وليس على سياسات تضليلية أو شعارات سياسية".
وفيما يخص التنسيق الجزائري–الصحراوي على الصعيد الإقليمي، يرى الحافظ أن المستقبل قد يشهد تحركات مشتركة داخل الاتحاد الإفريقي وحركة عدم الانحياز، لتعزيز الموقف القانوني والسياسي للجمهورية الصحراوية وضمان إشراك الدول غير المنحازة في مراقبة الالتزام بالقرارات الأممية. ويضيف أن هذه الاستراتيجية الإقليمية "تعكس فهم الجزائر والصحراء الغربية لأهمية بناء تحالفات دولية متينة تدعم استقرار المنطقة دون الانجرار وراء المصالح الأحادية للدول الإقليمية".
وحول التأكيد في البيان على "عقيدة الأمم المتحدة في تصفية الاستعمار"، يوضح الحافظ أن هذا التأكيد يحمل رسالة رمزية وعملية في الوقت نفسه: "المغرب يسعى لتقديم الحكم الذاتي كحل نهائي، لكن العقيدة الأممية تضع حماية حق تقرير المصير في صدارة الأولويات، وتفرض على كل الأطراف احترام الشرعية الدولية. أي تجاوز لذلك سيكون محل رفض دولي واضح".
وفي الختام، يشير البروفيسور شعباني إلى أن اللقاء بمثابة طمأنة الجزائر لجبهة البوليساريو بأن نضال الدبلوماسية الجزائرية يكون دائما في تغليب صوت الحق والقانون الدولي، وإبطال كل المؤامرات مهما كان مصدرها، مؤكدا أن هذا المسار يعكس رؤية استراتيجية طويلة المدى لضمان الاستقرار الإقليمي وحقوق الشعوب.

