2025.11.11
خبر عاجل.. فضيحة! مقالات رأي

خبر عاجل.. فضيحة!


والآن فضيحة من العيار الثّقيل! تشخص أبصارنا، وتسبقنا آذاننا نحو صوت المذياع، الحماسة تتآكلنا وكأنّنا جمر بانتظار نفخة شعلة. لا يهم ما هي الفضيحة، ولسنا نمتلك مكيالًا يحدّد ثقلها، لسنا نهتمّ أصلًا بنوعيّة الفضيحة، المهم أنّ هناك حدثًا جديدًا يكسر روتيننا اليومي، خبر يهزّ إحساسنا بالملل ليفجّر طاقاتنا المكبوتة، ونحن شعب بطبعنا يحبّ (اللألأة)، وها هو خبر ساخن طازج يملأ جلسات النّميمة الشعبيّة، ويحرّك عجلة التّحليلات الاستراتيجيّة من على الشّرفات.

هل خانت "ميني ماوس" "ميكي"؟ هذا الثّنائي الذي يعكس الصّورة المثاليّة لمجتمع العلاقات السّعيدة الذي نحتذي به، ونتّخذه سبيلًا في تطلّعاتنا العاطفيّة، هل هو أيضًا تعرّض للخيانة؟ أليست ميني أظرف الكائنات الكرتونيّة وأكثرها رومنسيّة؟ كيف لها أن ترمي بنا في صدمات الخيانة؟ واو! حتى "ميني" ترتدي قناع النّعومة لتداري الوحش الكامن داخلها. ليست سهلة هذه الأنثى، هل تعرفون من تلك التي تشبهها؟ هي شبيهة بعض النّساء المكّللات بمزايا تبيح لهنّ اللّامبالاة، وهو يشبه أمثاله من الذّكور المغيّبين عن الحقيقة، وبالعكس. وليست الخيانات مقتصرة على فئة من دون أخرى، والأخبار، مفبركة أم لا، تشكّل دسامة على مائدة (اللّألأة).

في الحقيقة ليس مهمًّا إن تحقّق فعل الخيانة بينهما أم لا، لم يعد مهمًّا إثبات براءتها وشرفها وعفّتها، كل هذا غير مهم، المهم الآن، ركوة قهوة والقليل من البزر، وهيّا يا صديقتي لبعض الدّردشة القصيرة، (نميمة عالخفيف). وعلى طريقة "سعيد صالح"، ممثّلًا شخصيّة "مرسي الزّناتي" في مسرحية "مدرسة المشاغبين"، حين قال: "قاعد أنا وأمي على دودودو، فلانة عملت، وفلانة سوّت، وفي الآخر نقول ملناش دعوة، دعوا الخلق للخالق!".

هل هذه الجلسات عيبٌ فينا؟ هل نحن السلّاخون الذين ننتظر وقوع البقرة؟ ربّما البعض يراها هكذا، فبعض النّاس بطبعهم يوجّهون سلاحهم صوب المستضعفين، ليس لأنّهم الأقوى، بل لأنّهم أُنقذوا من عالم الفضيحة، وما زال كسبهم لصّرة من السّتر يغطّي تكاليف حياتهم. ولكنّي أراها من زاوية مختلفة تمامًا، ففي المسرحيّة ذاتها، هناك مشهد ربّما لم يفشل لحظة في إطلاق قهقهاتنا الممزوجة بالألم، لأنّه ببساطة يمثّل واقعًا عالقًا في كينونتنا الإنسانيّة، حين كسر "مرسي الزّناتي" يده، وقال: "سمعتو إذاعة البي بي سي؟ مرشات عسكريّة وقرآن، وراح المذيع واقف على حيله وقال: مرسي ابن المعلّم الزّناتي اتهزم يا رجالة".

ربّما يكون المشهد مضحكًا، ولكن إذا تعمّقنا في رمزيّته، لوجدناه إسقاطًا للفضائح العسكريّة على هزيمة "مرسي" الحياتيّة، فشله أمام مدرّسته كان بالنّسبة إليه يوازي سقوط دولة وانهزام جيشها أمام العدوّ، وكم من الفضائح العسكريّة وازنت انكساراتنا في حدودنا الدّاخليّة.

وهذا تمامًا ما نقوم به في جلسات (اللألأة) وتبنّي الفضيحة، بغضّ النّظر عن صحّتها، فنحن لا نريد الحقيقة بقدر ما نريد أن نُشعر أنفسنا بالرّضى نتيجة المقارنة. نحن في الحقيقة نطبطب على جراحنا، ونأخذ من الفضيحة حجّة نداري بها مأساتنا.

إذ ليس الهدف متابعة الفضائح بقدر ما هو مقارنة حقيقة محيطنا مع هذه الأخبار، لنيل الرّضى، وربّما لأنّ البعض لا يرى في حياته إلّا الزّوايا السوداويّة، فتأتي الفضيحة الغيريّة لتعكس بعض النّور الذي لم يكن ليراه وحده.

فهل الشّماتة من نصيب المفضوحين؟ ربّما، فالبعض ينتظر أن يرى نظرة الانكسار في عين الإنسان الذي انتهى رصيد السّتر عنده، وليس بالضّرورة بسبب الكره، وإنّما فقط لينظر في المرآة ويقول في نفسه: أنا أفضل منه!