2025.11.12
\ ثقافة

"شَعري المجعّد"… رحلة أنغولية بين الهوية والوطن والغربة


شيراز بومدين
منذ 3 ساعات

صدرت حديثا عن دار "العربي" بالقاهرة رواية "شَعري المجعّد" للكاتبة الأنغولية جاميليابيريرا دي ألميدا، في ترجمة فاطمة محمد، لتقدّم للقارئ العربي نافذة مميزة على تجربة نسائية إفريقية تعيش بين عالمين: أنغولا البرية والبرتغال الأوروبية. الرواية، التي تقع في 138 صفحة من القطع المتوسط، تنتمي إلى نوعية النصوص القصيرة أو "النوفيلا"، وتتميز بأسلوب سردي قريب من كتابة اليوميات، ما يمنح القارئ إحساسا مباشرا بعالم البطلة الداخلي وأفكارها اليومية.

تتناول الرواية قصة شابة سمراء من أنغولا، هاجرت بصحبة والدها إلى البرتغال عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها. ومن خلال ضمير المتكلم، يصطحبنا النص في رحلة شعورية ومعرفية، حيث تتقاطع أحداث الهجرة مع صراعات الهوية والانتماء والغربة الثقافية. يستخدم السرد لغة بسيطة لكنها مشبعة بالسخرية والمرح الخفي، ليعكس شعور البطلة بالغربة والتحديات التي تواجهها كامرأة إفريقية في بيئة أوروبية، وما يصاحب ذلك من تصورات نمطية عن سكان إفريقيا.

واحدة من أبرز سمات الرواية هي اعتماد الكاتبة على شعر البطلة المجعّد كرمز مركزي لفهم الذات والهوية. يشكل الشعر هنا أكثر من مجرد مظهر خارجي؛ فهو وسيلة للتعبير عن الحرية والتمرد على المعايير الجمالية الغربية، ومرآة للتاريخ الشخصي والارتباط بالوطن الأم.

عبر صالونات تصفيف الشعر أو محال "الكوافير"، تقدم البطلة نقاشات نسائية حميمية تمزج بين المرح والوعي، وتفتح الباب أمام الحديث عن قضايا أكبر، مثل العِرق، والتجربة المهاجرة، والتمييز الثقافي، والبحث عن الذات. هذه اللحظات اليومية البسيطة تتحول إلى متن سردي غني يربط بين الفرد والمجتمع، بين الذات والعالم الخارجي، ويكشف عن قوة الروابط الاجتماعية النسائية في مواجهة التحديات الثقافية.

في مقدمة الرواية، تهدي الكاتبة النص لشخص يدعى "أومبرتو"، وتشير إلى أن الكتابة وسيلة للهروب من القيود المفروضة على التعبير:"يشبه شعورنا بالامتنان لوجود الوطن الامتنان لأن لدينا ذراعا، فكيف نكتب إذا فقدنا ذراعنا؟ إن الكتابة بقلم رصاص عالق بين أسناننا هي إحدى وسائلنا للهروب من تبعات الكتابة".

يعكس هذا التصريح فلسفة أعمق تتعلق بالصمت، والتسويف، والبحث عمن يهتم بما يُكتب، وهي مشاعر مشتركة لدى المهاجرين والمهمشين الذين يسعون لصوت لهم في فضاء المجتمع الأوسع، كما تشير المؤلفة إلى المخاوف الثقافية التي يفرضها المجتمع المضيف، مستحضرة صورة مارغريت ثاتشر ومخاوفها من غزو المهاجرين للثقافة الإنجليزية، بما يعكس الصدام بين الثقافات والهوية.

الرواية ليست مجرد نص أدبي حول الهجرة والغربة، بل هي أيضا دراسة للعلاقات بين الإنسان ووطنه، وعن كيفية مواجهة الصور النمطية والتمييز في المجتمع الأوروبي. وفي الوقت نفسه، يقدم النص نافذة على تجربة نسائية عميقة، حيث يتحول الشعر المجعّد من مجرد مظهر جسدي إلى أداة احتجاج وتمرد، وسلاح رمزي يعكس القوة الداخلية للمرأة في مواجهة المجتمع والثقافة السائدة.

جاميليابيريرا دي ألميدا، المولودة عام 1982، تحمل شهادة في الدراسات البرتغالية من كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية بجامعة "نوفا دي لشبونة"، وماجستير في نظرية الأدب، إضافة إلى دكتوراه في الدراسات الأدبية من كلية الآداب بجامعة لشبونة. خلفيتها الأكاديمية القوية في الأدب والنقد تبرز في روايتها من خلال الاهتمام بالرموز والتقنيات السردية، والقدرة على المزج بين الواقعية اليومية والتحليل النفسي والاجتماعي للشخصيات.

"شَعري المجعّد"، رواية قصيرة لكنها غنية بالمعاني، تقدم نموذجا فنيا وأدبيا لتجربة الهجرة والهوية من منظور نسوي إفريقي، وتطرح أسئلة مهمة عن الانتماء والوطن والحرية والتواصل بين الثقافات، فمن خلال أسلوبها اليومي الهزلي، تتحدى الكاتبة الصور النمطية السائدة عن إفريقيا، وتفتح نقاشا حول كيفية الحفاظ على الذات والكرامة في مواجهة عالم معقد ومتعدد الثقافات.

تقدم الرواية قراءة عميقة وحساسة لتجربة المرأة الإفريقية المهاجرة، متجاوزة حدود القصة الفردية لتصبح انعكاسا لتحديات الهوية والانتماء في عالم معولم. فعبر لغة سردية بسيطة ومباشرة، ولحظات يومية مليئة بالمرح والسخرية، تكشف الكاتبة عن صراعات الإنسان في مواجهة الصور النمطية والقيود الثقافية، وتؤكد على قدرة الفن والأدب على التعبير عن الذات ومقاومة الهيمنة الثقافية.

الرواية بذلك لا تعالج مسألة الغربة فقط، بل تدعو القارئ للتأمل في معنى الوطن والهوية والحرية، وتجعل من الشعر المجعّد رمزا للكرامة والتمسك بالجذور في عالم متغير، مما يجعلها إضافة قيّمة للمشهد الأدبي الإفريقي والعالمي على حد سواء.