غزة والسودان اليوم عنوانان لمعاناةٍ متشابهة وجبهتان منسيتان في ضمير العالم، من ساحل المتوسط إلى قلب إفريقيا، تتكرر المأساة وتتشابه الوجوه في وجعها، بينما يقف العالم متفرّجا على نزيفٍ لا يتوقف.
في غزة حرب لا تهدأ بعد تحوّل كل بيت إلى قصة وجع، وكل شارع إلى شاهد على جريمة. وفي السودان حرب داخلية تلتهم ما تبقى من وطنٍ أنهكته الانقسامات والصراعات تاركةً خلفها ملايين النازحين والضحايا.
غزة تحت الرماد
في غزة لا صوت يعلو فوق صوت القصف، المستشفيات خرجت عن الخدمة، والبيوت سوّيت بالأرض، والمخيمات تحوّلت إلى مقابر جماعية يعيش أهلها بلا أمل بلا استقرار، لكنهم لا يزالون يتمسكون بالحياة كما يتمسك الغريق بخشبة النجاة.
كل طفلٍ هناك يعرف معنى الحرب أكثر مما يعرف معنى الطفولة. كبر أطفال غزة قبل أوانهم، تعلّموا لغة الخوف قبل الحروف ورسموا الحرب في دفاترهم بدلاً من الأحلام. ومع كل هذا الألم، يبقى أطفال فلسطين رمزًا للصمود والإصرار كأنهم يعلنون أن الحياة أقوى من الموت.
السودان حرب الأخوّة
أما السودان، فحربه تحمل وجعًا من نوع آخر حرب بين أبناء الوطن الواحد، تقتل الشعب مرتين: مرة بالرصاص ومرة بالجوع والنزوح.، العاصمة "الخرطوم"، صارت مدينة أشباح، وولايات دارفور وكردفان تعيش تحت سطوة الفوضى والسلاح.
في بلدٍ كان يُعرف بخيراته وتنوّعه الثقافي أصبح اليوم رهينة السلاح والدمار، بلدٌ كان يلقب بـ"سلة غذاء إفريقيا" صار اليوم يبحث عن لقمة تسدّ رمق الجائعين، وعن سلامٍ يطفئ نار الأخوة المتحاربة.
صمت الضمير
العالم الذي يرفع شعارات الحرية وحقوق الإنسان يقف اليوم صامتًا أمام مشاهد الإبادة الجماعية في غزّة ويتعامل ببرود مريب مع مأساة السودان، في المقابل تُمنح بعض الحروب تعاطفا دوليًّا واسعا بينما تُترك حروبٌ أخرى لتُنسى في زوايا النشرات، وكأن دماء الشعوب تقاس بمعايير المصالح لا الإنسانية.
في كلا الجبهتين، تُزهق الأرواح ويُدفن الضمير الإنساني، وتُترك الشعوب تواجه مصيرها وحدها في عالمٍ فقد توازنه الأخلاقي واعتاد على مشاهد الألم والخذلان.
إرادة لا تقهر
ورغم كل هذا الظلام، لا تزال في غزة والسودان أنفاس حياة ترفض الاستسلام. في غزة يعيد الناس بناء بيوتهم بأيديهم رغم الركام كأنهم يزرعون الأمل بين الأنقاض.
وفي السودان يعمل المتطوعون ليل نهار لإغاثة النازحين وتضميد الجراح، حاملين رسالة الحياة في وجه الخراب.
إنها قوة إرادة لا تُقهر، وإيمان الشعوب بأن الفجر سيأتي مهما طال الليل، وأن الحياة ستستمر رغم كل شيء.
ما بين غزة والسودان يمتدّ وجع الإنسان ذاته لكن يظل الأمل ممكنًا ما دام هناك من يؤمن بأن العدالة حق، وأن الإنسانية لا وطن لها، فربما يكون صوت التضامن اليوم هو البداية الحقيقية لنهاية هذا الألم.

