من خلال قراءة فاحصة ومعمقة لمشروع القرار الأمريكي المقدم لمجلس الأمن الدولي بخصوص قضية الصحراء الغربية، وبالنظر إلى أبعاده والتعديلات التي طرأت عليه، أرى أن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية هو التوصل إلى توقيف إطلاق النار بين طرفي النزاع، نزولا عند رغبة النظام المغربي، وذلك للسماح لهذا الأخير بخدمة مصالحها وتعزيز نفوذها وضمان مصالح حلفائها، من خلال الاستثمار في الصحراء الغربية ونهب ثرواتها الطبيعية في ظل حالة من الأمن والاستقرار تتجاوز حدود الشرعية، وتجعل البوليساريو تصيح في واد الأمم المتحدة، الذي لا حياة فيه ولا دور لهيئاتها التي أضحت صورية وبلا فاعلية في وجه تغوّل أمريكا وقانون الغاب الذي تتبناه بدلا من الامتثال لقوانين ومواثيق الشرعية الدولية، وأكبر دليل على ذلك مرور خمسين عاما على النزاع في الصحراء الغربية دون ظهور أيّ بوادر فعلية وجادة للتقدم في الحل لهذا النزاع الذي عمّر طويلا، بوصفه آخر مستعمرة في إفريقيا، بل إن انتهاك قرارات هذه المنظمة الدولية من قبل الاحتلال المغربي، وبتواطؤ أمريكي، زاد الطين بلة.
وأوضح برهان على ذلك خرق النظام المغربي لاتفاق وقف إطلاق النار - الموقَّع بينه وبين جبهة البوليساريو منذ العام 1991 - في 13 نوفمبر 2020، والذي من خلاله استحوذ المغرب على حوالي 40 كلم من الأراضي الصحراوية المحررة، ضواحي منطقة "الكركرات"، جنوبي الإقليم، محاذاة للحدود الموريتانية.
وبالتالي أرى أن قبول جبهة البوليساريو بهذه المناورة على توقيف إطلاق النار، ربما يعيد القضية إلى المربع الأول وزيادة، وهذا ما قد تتحفظ عليه جبهة البوليساريو، وقد لا يسمح لها بأن تنجر وراء بعض الإغراءات والأوهام التي تبني عليها أمريكا ونظام المخزن شراكهما ونواياهما الخسيسة، قصد إيقاع القضية الصحراوية في فخّ السلام العابث من جديد، الذي جربّه الشعب الصحراوي ردحا من الزمن دون نتيجة تذكر، ولعل من هذه الخدع والمناورات لفت انتباه البوليساريو إلى ذلك الاهتمام الزائد بوضع اللاجئين الصحراويين دون الأخذ برأيهم في حقهم كشعب في تقرير المصير، الذي تكفلُه قوانين ومواثيق الشرعية الدولية للشعوب المناضلة وقضايا تصفية الاستعمار عبر العالم، لا بل أن التلاعب بالمفردات وصيغ الحل المشبوهة الواردة في مشروع القرار الأمريكي المذكور لن تؤدي سوى إلى تأزيم الوضع وتعقيده، إذا لم تكن النوايا صافية، وهذا ما قد يعرّض منطقة شمال غرب إفريقيا إلى خطر الحرب وجعلها تغلي على صفيح ساخن.
ومما لا شك فيه، والحالة هذه، أن أمريكا تتعامل مع القضية الصحراوية وإرادة الشعب الصحراوي في إطار مجلس الأمن الدولي انطلاقا من مصالحها الإستراتيجية وبسط نفوذها على كل شاردة وواردة في منطقة شمال إفريقيا والساحل والصحراء، ولهذا يرى الصحراويون وجوب أخذ الحيطة والحذر واستخلاص العبرة مما فات، تفاديا لمضيعة المزيد من الوقت جريا وراء سراب السلام العابث، الذي لم يتحقق منذ زمن بعيد رغم صبر الطرف الصحراوي وتعاطيه الجاد والإيجابي مع الهيئات والمنظمات الدولية المعنية بتسوية النزاعات في العالم.
إن قرار توقيف إطلاق النار في العام 1991، كان أحد الشروط التي أقرّتها الأمم المتحدة للشروع في تنفيذ مخطط السلام القاضي بتنظيم استفتاء حر، عادل ونزيه، يعبّر من خلاله الشعب الصحراوي عن حقه الثابت في تقرير المصير، هذا المخطط الذي عرقله الطرف المغربي مرارا وتكرارا، وسعى من خلال التلاعب به إلى إطالة أمد النزاع وربح الوقت في فرض الأمر الواقع، من خلال شل فعالية بعثة المينورسو وجعلها تخرج عن دورها المنوط بها، وتصبح مجرد حارس أمين لمصالح الاحتلال المغربي وأعوانه، وهو الوضع الذي لم تقبل به جبهة البوليساريو واحتجت بسببه مكونات من المجتمع المدني الصحراوي عند الثغرة غير الشرعية بمنطقة "الكركرات"، حيث تم استهداف أولئك المحتجين العزل من قبل القوات الملكية في خرق سافر لذلك الاتفاق، وجعل الحرب تعود مجددا إلى الإقليم، تلك الحرب التي رغم نكران الطرف المغربي لها، إلا أن أضرارها كانت بليغة على الواقع المغربي المتفاقم في الرداءة، لاسيما على مستوى الخسائر العسكرية والاقتصادية وآثارها على الوضع الاجتماعي والسياسي في هذا البلد.
من هنا بالضبط، وفي رأيي الخاص، أرى أن جبهة البوليساريو لن تلدغ من الجحر مرتين، وأن خيار الكفاح المسلح الذي أعلنت عنه منذ بداية تأسيسها في 10 ماي 1973، تعتبره هو المخلص الوحيد والحل الأمثل للقضية الصحراوية الذي تعوّل عليه، بل والأسلوب الناجح والفعال لطرد الاحتلال المغربي وفرض إرادة الشعب الصحراوي الراسخة في تقرير المصير وتجسيد الدولة الصحراوية المستقلة على كامل ترابها الوطني.
بقلم: محمد حسنة الطالب

