2025.11.11
من كان يصدّق؟ حديث الساعة

من كان يصدّق؟


من كان يصدّق أن تحتفل الجزائر بالعيد الـ71 لانطلاق ثورتها المجيدة، وأرض فلسطين لا تزال ترزح تحت دنس الصهاينة المغتصبين؟

في أوج ثورتهم، ربط الجزائريون استقلال وطنهم باستقلال فلسطين، وبعد الاستقلال دأبوا على التأكيد أن هذا الاستقلال لن يكتمل إلا بتحرير فلسطين.

العلاقة بين الجزائر والقدس تتجاوز بُعدها العاطفي والوجداني إلى التركيبة الثورية للفرد الجزائري، الذي صقلته تجربة 132 سنة من مقارعة احتلال استيطاني بغيض، فعندما تستميت الجزائر في الدفاع ودعم حقوق الشعب الفلسطيني، فإنما تستحضر شخصيّتها المقاوِمة التي لم تنطفئ جذوتها عبر مختلف محطات تاريخها الزاخر بالبطولات.

في حديث مع المجاهد الحاج محمد الطاهر عبد السلام - ضابط المخابرات السابق الذي كان مسؤولا عن ملف حركات التحرر في العالم ودعم القضية الفلسطينية على وجه الخصوص - أخبرني أن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات اتصل به عام 1988، وأبلغه أن الأرض قد ضاقت بهم لإقامة مؤتمر إعلان الدولة الفلسطينية، وطلب منه أن يوصل رسالة إلى القيادة السياسية الجزائرية مفادها أن منظمة التحرير الفلسطينية تحتاج فقط إلى قبول الجزائر باحتضان المؤتمر، مع استعدادها الكامل لتحمل جميع التكاليف.

أجابه الحاج محمد الطاهر – وهو العارف بشخصية الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد التي تنهل من إرثها الثوري – بأن يتصل مباشرة بالرئيس الشاذلي ويطلب منه أن يمنحه فضاء يحتضن المؤتمر، حتى لو كان في قرية نائية بالأوراس، مؤكّدا له أن الرئيس لن يرضى بذلك وسيكشف عن شهامة الجزائري وكرمه.

وقد حدث ما توقّعه عبد السلام، إذ أمر الرئيس الشاذلي بالتكفّل الكامل بمؤتمر إعلان الدولة الفلسطينية، ووُضعت قاعة وإقامة نادي الصنوبر تحت تصرّف المؤتمرين، ليُعقد المؤتمر في 15 نوفمبر 1988، ويُعلَن من الجزائر قيام الدولة الفلسطينية. وهكذا امتزج، في شهر نوفمبر، عبقُ الثورتين: الجزائرية والفلسطينية.

عندما يتحدّث المجاهدون الجزائريون عن فلسطين، لا يستطيعون حبس دموعهم. وقد ذرف المجاهد الحاج محمد الطاهر عبد السلام دموعه وهو يقول: "ما كنا نظن أن فلسطين ستبقى إلى اليوم تحت الاحتلال."

وفي حوار آخر مع المجاهد الراحل عبد الكريم مشيشي، قال لي: "لو كنت شابا لذهبت إلى فلسطين مجاهدا."

ورغم آلام الفلسطينيين، وخصوصا في غزة التي تعرّضت لأبشع حرب إبادة، فإن الثورة الجزائرية ستبقى نبراسا يُقتدى به عندما تختلط المفاهيم وتضطرب الرؤى، أو يلتبس الاتجاه وتضيع بوصلة الطريق.

إن ثورة التحرير الجزائرية، بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني، هي منبعٌ لا ينضب للأمل، في أشدّ الظروف الفلسطينية يأسا وقتامة وخوفا من المستقبل. فعندما يتأمل الفلسطيني تاريخ احتلال وطنه منذ النكبة عام 1948 إلى اليوم، ويستعيد ما تنطوي عليه هذه العقود من مرارة وقسوة وعذاب، فإنه إنما يستعيد ما يقارب نصف فترة استعمار فرنسا للجزائر (1830-1962).

وإذا ما أجرى مقارنة بين الاستعمار الاستيطاني الفرنسي والاحتلال الاستيطاني الصهيوني، فسيجد كثيرا من أوجه التشابه: الإبادة، والتعذيب، والتهجير، وطمس الهوية، والدعم الغربي للاحتلال. وهنا يجب عليه أن يتمثّل الثورة الجزائرية بكل خصائصها ومميزاتها، ويستمدّ منها إيمانه ويقينه بالانتصار الذي لا ريب فيه، كما يجب عليه ألا يلتفت إلى الأصوات التي تعترض أي خطوة نحو وحدة الصف الفلسطيني، وتسعى إلى زرع اليأس في أعماق الفلسطينيين.

إرادة الشعب من إرادة الله، وهذه هي الحقيقة الأولى التي اعتنقتها ثورة التحرير الجزائرية وهي تجابه الاستعمار الفرنسي المدعوم بالحلف الأطلسي. أما الحقيقة الثانية التي آمنت بها، فهي أن الإيمان بالله والوطن هو السلاح الأقوى الذي لا تستطيع أيّ أسلحة أخرى – مهما بلغ تطوّرها التكنولوجي – أن تهزمه.

إن دعم الشعب الجزائري للشعب الفلسطيني ينطلق من رؤية يقينيّة مستمدّة من تاريخه، بأن الشعب الفلسطيني على موعد مع الاستقلال والحرية مهما طال زمن الاحتلال، لأن عُمر الأوطان لا يُقاس بالأعوام والعقود، ولا يُقارن بعُمر الإنسان الفرد، فكل إنسان يتمنى أن يرى شمس الحرية تُشرق خلال حياته، لكن عمر الأوطان يُؤرَّخ بالحقب والدهور، لا سيما وطنٌ مثل فلسطين.

بقلم: الأستاذ عزالدين بن عطية