احتضنت الجزائر، اليوم الثلاثاء في إطار صالون الكتاب الملتقى الدولي "الجزائر في الحضارة"، الذي جمع باحثين ومفكرين من الجزائر وعدّة دول، بغية إعادة قراءة الإرث الحضاري الجزائري ضمن مسار الإنسانية، واستحضار رموز صنعت المعرفة والنضال والروحانية على مدى آلاف السنين.
وقالت وزيرة الثقافة مليكة بن دودة خلال افتتاح الملتقى الدولي إنّ الجزائر تمتلك حضورا راسخا في مسار الحضارة الإنسانية، مستندة إلى تاريخ ممتد عبر ملايين السنين ومجال جغرافي واسع تجاوز مليوني كيلومتر مربع.
وأوضحت بن دودة أن الملتقى يشكل دعوة للتأمل في مسار الجزائر داخل الحضارة، انطلاقا من الرسوم الصخرية الأولى وصولا إلى فكر القديس أوغسطين ومدارس بجاية وتلمسان، ثم تجربة الأمير عبد القادر وفكر محمد أركون وغيرهم ممن أسهموا في بناء الفكر الإنساني. مشددة على أن الجزائر لم تكن يوما مجرد متلق للحضارة، بل مساهما في إنتاج المعنى والمعرفة عبر الفلسفة والتصوف والكلمة الحرة.
وأضافت الوزيرة أن الثقافة الجزائرية تستمد قوتها من التنوع اللغوي والثقافي ومن قدرتها على الحوار والانفتاح، معتبرة أن فكرة التفاعل الحضاري أساس الوجود الثقافي للجزائر، وأن المعرفة لا تكتمل إلا بتبادلها مع الآخر.
وترى الوزيرة أن المرحلة الحالية التي يعيشها العالم تفرض إعادة طرح الأسئلة حول العلاقة بين التراث والحداثة، والتوفيق بين الذاكرة والمستقبل.
وتابعت الوزيرة بن دودة أن الكتاب يظل فضاء أساسيا للحوار العميق رغم تسارع التكنولوجيا وتراجع مساحات الإصغاء، مبرزة أن الكلمة والمعرفة هما جوهر التجربة الإنسانية.
واختتمت بالتأكيد على أن الجزائر لا تتعامل مع الحضارة كمرآة تعكس صورتها فقط، بل كفضاء تشارك في تشكيله، وأن الفكر الجزائري جزء أصيل من التيار الإنساني العالمي.
ووقف الملتقى عند محطات مضيئة في التاريخ الفكري للجزائر، بدءا بمدارس تيهرت وبجاية وتلمسان وتوات، وصولا إلى أعلام الإصلاح والمقاومة الروحية مثل الأمير عبد القادر، ابن باديس، عبد الكريم المغيلي، ومالك بن نبي.
من جهته، أكدّ قدم الباحث بومدين بوزيد مقاربة فكرية حول "النصوص الجزائرية بين المحلية والعالمية" وقال إنّ الإبداع الجزائري لم يكن يوما محدودا بجغرافيا سياسية واحدة، بل امتد عبر عصور وحواضر متعددة. وأوضح أن شخصيات مثل أوغسطين، أبوليوس، الأمير عبد القادر، مالك بن نبي ومحمد أركون لا تمثل فقط أصالة محلية، بل تؤسس لوعي إنساني جوهره كرامة الإنسان، ونبذ الظلم، والدفاع عن العقل والحوار.
واعتبر الباحث التونسي فتحي التريكي في مداخلة حول فلسفة الحضارة النوميدية القرطاجية، أنها تمثل البدايات الأولى للفكر الفلسفي في المنطقة المغاربية.
من جانبه، سلط الباحث الفرنسي أوليفيي غلواغ الضوء على أثر المقاومات المناهضة للاستعمار في الأدب العالمي، مشيراً إلى أن الأمير عبد القادر وتوسان لوفرتور كانا من أبرز رموز الإنسانية في وجه الإمبريالية. وتوقف الدكتور ياسين بن عبيد عند البعد الروحي في مسار الأمير عبد القادر، الذي جمع بين الجهاد المسلح والجهاد الأخلاقي، أمّا الباحث فارس مسرحي فأبرز أنّ مسار الفكر الوطني مرّ عبر 3 دوائر: محلية، إسلامية، وكونية.
وفي الختام أجمع المشاركون على أن استعادة هذه الذاكرة ليست تمجيدا للماضي فحسب، بل تأسيس لوعي حضاري جديد يربط الأجيال بجذورها ويجعل الجزائر فاعلا في حوار الحضارات العالم.

