2025.11.11
ومضات من تاريخ معارض الكتاب في العالم ثقافة

ومضات من تاريخ معارض الكتاب في العالم


أحدث اختراع الألماني "يوهانس غوتنبرغ" (1398 - 1468) للمطبعة ثورة كبرى في صناعة الكتاب، انتقلت بالإنسانية من ضفة إلى ضفة أخرى في مجالات العلوم والمعارف والآداب... ومنذ "نبوءة العرافة" الألمانية القديمة - وهو جزءٌ من قصيدة يُعتقد أنها أول نصّ مطبوع - إلى الآن، يصعب إحصاء ما تمّ طباعته من كُتب ودوريات ونشريات في مختلف أنحاء العالم.

وتشير بعض المصادر إلى أنّ الصينيين قد ابتكروا الطباعة قبل "غوتنبرغ" بقرون، وكذلك عرف الكوريون الطباعة واخترعوا المطبعة في عام 1234، لذلك يقول "المنصفون" إنّ "يوهانس غوتنبرغ" هو مخترع الطباعة الحديثة بالحروف المتحرّكة.

اختراع "غوتنبرغ" وتطويره لفن الطباعة بالحروف المتحركة فتح المجال واسعا أمام تجارةٍ كبرى لم يعرفها العالم من قبل، وهي تجارة الكتب، فقد انطلق أوّل معرض للكتاب في ألمانيا، قريبا من بلدة "مينز" التي ظهرت فيها مطبعة "غوتنبرغ"، وهو معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، كان ذلك عام 1439، أي مع بداية الطباعة. وهذا المعرض يمكن اعتباره الانطلاقة الحقيقية للاستثمار في الثقافة من خلال التجارة في الكتب.

لم يتوقّف تنظيم معرض فرانكفورت الدولي للكتاب منذ انطلاقته، وعلى امتداد خمسة قرون، إلاّ خلال الحرب العالمية الثانية، ولكنه سرعان ما عاد إلى النشاط عام 1949، لذلك يُعتبر أهمّ معارض الكتاب في العالم لقيمته التاريخية وارتباطه بموطن صناعة الطباعة الحديثة، إضافة إلى ما امتلكه من تقاليد في مجال ترويج وتسويق الكتب بأكثر لغات العالم.

كان في وسع معرض فرانكفورت أن يكون "إنسانيًّا" وينفرد بخصوصيته التاريخية، غير أن السياسة سرعان ما تسلّلت إليه وأخضعته إلى منطقها وسلطتها، فانحرف وانحاز إلى الغرب الأوروبي، فقد ارتضى أن يتسلّم فيه الكاتب "سلمان رشدي"، صاحب كتاب "آيات شيطانية"، جائزة "السلام" التي منحها له اتحاد تجارة الكتاب الألماني. وأيضًا، ألغى حفل منح جائزة للروائية الفلسطينية "عدنية شبلي" بعد أن تلقَى احتجاجات على عبارات في روايتها "تفصيل ثانوي".. ومن المجدي أن نسجّل ما قاله "يورغن بوس"، مدير معرض فرانكفورت للكتاب: إن المعرض يقف "إلى جانب إسرائيل بتضامن كامل"، وأضاف: أنّ المعرض يعتزم "جعل الأصوات اليهودية والإسرائيلية مرئية بشكل خاص في معرض الكتاب".

فإذا اعتمدنا معرض فرانكفورت للكتاب أنموذجا لمعارض الكتاب في العالم، فإنه يصعب تحديد تعريفٍ لـ"معرض الكتاب" لأنّه يرتبط بمجالات الثقافة والعلوم والتجارة والصناعة والسياسة والدعاية والإعلام... فهو يوحي بأنه متخصص بـ"الكتاب"، غير أن امتداداته تصل إلى المواقف السياسية من القضايا الدولية وخاصة قضية فلسطين!

انتعشت إقامة معارض الكتاب في مختلف بلدان العالم، وقد يأخذ "معرض الكتاب" تسميات أخرى مثل: أسبوع الكتاب، صالون الكتاب، مهرجان الكتاب.. وقد يُنظّم دوريًّا كل عام أو عامين، ويكون وطنيًّا أو دوليًّا. وقد يكون متخصًّصا بالكتب المطبوعة في لغة مُعيّنة مثلما كان عليه الأمر بالنسبة إلى معرض لندن للكتاب الذي انطلق عام 1971 وكان يُعتبر سوقًا للنشر في العالم الغربي الناطق بالإنكليزية. أو معرض بوينس آيرس للكتاب الذي يُعدّ خاصًّا بالدول الناطقة باللغة الإسبانية. وقد يكون المعرض متخصّصا بفئة من القرّاء مثل معرض بولونيا لكتاب الطفل (مدينة بولونيا في شمال إيطاليا بين مدينتي فلورنسا وميلانو)، وهو ينعقد منذ عام 1963، ويختص بكتب الأطفال ويمنح الجوائز القيّمة للناشرين في هذا المجال، وقد تم اعتبار طبعته الحادية والخمسين عام 2014 أنها أكبر "تجمع في العالم للمنشورات والمنتجات متعددة الوسائط الخاصة بالطفل".

العالم العربي لم يتخلّف كثيرا عن إقامة معارض الكتاب، بل إنّ لبنان سبق دولا أوروبية كثيرة في هذا الشأن. فقد سبقت "بيروت" عاصمةً عالمية مثل "لندن"، وأقامت أول معرض للكتاب العربي في 23 أفريل 1956. ورغم ما عرفه لبنان من ظروف الحرب الأهلية، وحروب مع الكيان الصهيوني، فقد استمرّ تنظيم معرض لبنان للكتاب على مدى 65 عاما، غير أنه توقّف في عامي 2019 و2020 لبعض الأسباب. ويعدّ هذا المعرض من أقوى معارض الكتب العربية، لأن بيروت كانت عاصمة النشر وصناعة الكتاب العربي على امتداد عقود طويلة، ولعلها أول مدينة عربية عرفت الطباعة وصناعة الكتاب المطبوع.

بعد معرض بيروت للكتاب في عام 1956، انطلق معرض القاهرة الدولي للكتاب في عام 1969 وذلك بمناسبة "الاحتفال بعيد القاهرة الألفي، وكان في بدايته يقام لمدة أسبوع واحد، ولكن تم تمديده في السنوات التالية إلى أسبوعين، ثم ثلاثة أسابيع، ثم أربعة أسابيع.. جاءت فكرة إقامة معرض القاهرة الدولي للكتاب من الكاتبة والباحثة سهير القلماوي، وقد وافق وزير الثقافة آنذاك، ثروت عكاشة، على إقامة المعرض، وكلف القلماوي بالإشراف عليه"، (استنادًا إلى صحيفة "صدى البلد" المصرية).

في عام 1972، بادرت دار الكتب القطرية إلى إقامة أول معرض للكتاب في دول الخليج العربي، وكان يُعقد كل عامين إلى غاية عام 2002، حيث صار يُعقد كل عام. وفي عام 1975 انطلق معرض الكتاب في الكويت من قبل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. ثم انطلق معرض أبو ظبي للكتاب في عام 1981، ومعرض الشارقة للكتاب في عام 1982. أما في بلدان المغرب العربي، فقد انطلق أول معرض للكتاب في تونس عام 1982. وفي الجزائر انطلق معرض الكتاب عام 1996.

رغم ما للكتاب المطبوع من دور في الثورة العلمية والمعرفية التي حدثت بعد ظهور المطبعة الحديثة، فإن الكتاب العربي على الخصوص لم يحظ باهتمام في تسجيل تاريخه في كل بلد عربي، لاسيما فيما يتعلّق بتاريخ معارض الكتاب وما شهدته من تطوّرات وما حقّقته من إنجازات، والناشرون العرب أنفسهم لم يهتمّوا بهذا الجانب رغم أنه من صميم عملهم ورسالتهم..