أنت في اليمن.. إذا لا تسأل عن المشتقات النفطية

حين تجد رجلا ساندا ظهره إلى جذع شجرة يحملق بناظريه في السماء، ملؤهما التيه وأسئلة لا يسعها وجه الشمس ولا تمطر السحب الحُبلى إجابات شافية، بل دموعا تقاسم البسطاء أوجاعهم على جغرافيا وطن يعيش يومه على إيقاع أواني الماء الفارغة واسطوانات الغاز المتدحرجة تحت قدم أمٍ تبحث عن قليل من غاز تُطهي به وجبة غداء لأسرتها التي تعيشُ في خيمة أقصى المدينة، أو قد تكون غرفة حُشرت فيها العائلة كالأنعام… حينها أنت في اليمن وهذا يوم جديد تصحو فيه المدينة على أنقاض وأنين الجَوعى.

هنا في اليمن، ومنذ مطلع شمس صبيحة الحرب على اليمن التي شُنّت في الثلث الأول من سكون المدينة ولبسها ثياب نومها وحُلّة سلامها ، منذ تلك الصبيحة واليمنيون لا يعرفون أي وجع سيقاسونه، ولا أي أزمة ستنغّص معيشتهم لا سيما مع تسارع الانهيار الاقتصادي، فأزمات المشتقات النفطية المفتعلة – لأسباب عِدّة سنسردها هنا، بعد أن تتبّعت “الأيام نيوز” خيوطها – شكّلت حربا حقيقية على الشعب اليمني من أقصاه إلى أقصاه، مُحدثة مجاعة وثّقتها عديد المنظمات والتقارير بأرقام كبيرة، لكنّها لا تحكي الواقع المرير كلّه وإنما تكتفي بملامح وجه اليمنيين الشاحب وأجسادهم الهزيلة، دون الغوص في تفاصيل دموعهم وموسيقى البطون الخاوية.

بيان الأزمة

أصدرت شركة النفط اليمنية بصنعاء السبت الماضي بيانا جديدا بشأن أزمة المشتقات النفطية، يقضي العمل بخطة الطوارئ بدءا من صباح يوم الأحد، نتيجة استمرار تحالف الحرب على اليمن باحتجاز سفن النفط التي بلغت 9 سفن وما سبّبه ذلك، ولا زال، من أزمة.

وبحسب شهود عيان، فقد شوهدت الطوابير الطويلة للمركبات المختلفة والدرّاجات النارية بشكل مفاجئ أمام محطات الوقود قُبيل إعلان البيان الخاص بشركة النفط بصنعاء.

وأكّد بعض سائقي المركبات لـ “الأيام نيوز”، أن عددا كبيرا من المحطّات أغلقت فور سماعها بيان شركة النفط التابعة لصنعاء والعمل بما أسمته خطة الطوارئ في بيع المشتقات النفطية.

وفي وقت لاحق، أكد عصام المتوكل المتحدث باسم شركة النفط، أن التحالف لم يسمح بدخول أي سفينة وقود من مُخصّصات الهُدنة القائمة إلى ميناء الحديدة، موضحا أن ما وصل مُسبقا من سفن الوقود إلى الميناء هو من استحقاقات التمديد الأوّل للهدنة.

ونوّه المتوكل بأن الاختناق التمويني الذي حدث في ظل الهدنة، يكشف زيف تصريحات المبعوث الأممي وما يزعمه من سلاسة تدفّق الوقود إلى ميناء الحديدة.

ردود أفعال

عقب إعلان أزمة المشتقات النفطية، هدّد رئيس المجلس السياسي بصنعاء مهدي المشاط، دول تحالف الحرب على اليمن بالقول ” إذا لم تدخل سفن الوقود المخصّصة والمتّفق عليها وتصل إلى كل محافظات اليمن، سيتم التشاور مع أعضاء المجلس السياسي الأعلى لاتخاذ القرار المناسب”.

من جهته، شدّد وزير النفط والمعادن في حكومة صنعاء أحمد دارس، خلال لقائه، مُنسِّق الشؤون الإنسانية في اليمن وليام غريسلي، على أهمية التدخل العاجل لإيجاد حلول ومعالجات تضمن دخول سفن الوقود بكل سهولة، ومنع قرصنة التحالف لها كونها ذات طابع إنساني لا تحتمل أن تكون ورقة سياسية ضمن الحرب.

في المقابل، نفت حكومة المجلس الرئاسي المدعومة من السعودية، استحداث أي شروط أو قيود على دخول المشتقات النفطية إلى موانئ الحديدة، متّهمة حكومة صنعاء باختلاق أزمة مصطنعة لتأجيج الداخل وتسهيل استيراد النفط المُهرّب وبيعه في السوق السوداء بسعر مضاعف عما هو عليه في المحطات الرسمية، على حد تعبيرها.

على وقع الأزمات   

بين فينة وأخرى تستعر نار الأحقاد، ويختلف السّاسة في نقاط توافقيه تحت مِظلة أممية أو في حوار بأرض عربية، فينعكس سلبا على المشتقات النفطية التي سرعان ما تدفع الجهات المختصة إلى رفع حالة الطوارئ، معلنة دخول البلاد في خط أزمة حادّة، فنجد طوابير كبيرة للمركبات المختلفة أمام المحطات النفطية وأخرى أمام المحال والأماكن المخصّصة لتوزيع الغاز المنزلي، حسب كشوفات رسمية، هكذا تحدّث الناشط الحقوقي محمد أمين لـ “الأيام نيوز”.

وأضاف، لم تَستعِد الأسعار عافيتها منذ آخر أزمة للمشتقات النفطية بداية يناير/ كانون الثاني المنصرم، والتي أوصلت سعر الوقود (20 لتر) إلى 14000 ريال يمني أي ما يزيد عن 30$، لتعلن لا حقا شركة النفط اليمنية بصنعاء شهر أغسطس/أوت الماضي عن اقتراب موعد تخفيض التسعيرة بما يتوافق مع السعر العالمي، إلا أن اليمنيين تفاجؤوا منذ يومين ماضيين عن دخول البلاد أزمة جديدة، وهو أمر يُثقل كاهل المواطن اليمني ويقض مضجعه.

انعكاسات الأزمة

يتحدث هنا هاشم السالمي المتخصص في الاقتصاد لـ “الأيام نيوز” بالقول ” دخول الجانب الاقتصادي كورقة ضمن أوراق الحرب الدائرة في البلاد، أدى إلى حدوث أزمات متكررة في المشتقات النفطية، مما ينعكس سِلبا على حياة الناس المعيشية والزراعية والصحية، فارتفاع قيمة المواصلات والسّلع الغذائية والتهديد الذي يحدق بالأراضي الزراعية والمرافق الصحية، كلها مشاكل ناجمة عن أزمة المشتقات النفطية وارتفاع كلفتها أضعاف ما كانت عليه”.

وفي سياق الانعكاسات الناجمة عن أزمة المشتقات النفطية والتي تتزامن مع بدء عام جامعي جديد في الجامعات الحكومية، يتحدث لـ “الأيام نيوز” إبراهيم الذيفاني الطالب بكلية الشريعة بجامعة صنعاء، عن معاناة الطلاب ووقوفهم الطويل تحت هجير الشمس في انتظار باصات النقل والتي سرعان ما سينخفض أعدادها كما هو الحال مع الأزمات السابقة.

هذا وقد شهدت مدينة تعز في الأشهر القليلة الماضية أزمة خانقة للمشتقات النفطية وتضاعف سعرها ما تسبب في حرمان كثير من طلاب الجامعات من مواصلة عامهم الدراسي، لا سيما في ظل إغلاق الطرق الرئيسية وسلكهم طرقا وعرة لمسافات بعيدة.

 

منير صالح - صنعاء

منير صالح - صنعاء

اقرأ أيضا