الغرب لا يعني التكنولوجيا والتّحضر فقط، بل هو أيضا، “الإمبريالية” التي يجب محاربتها، ولكن قبل ذلك، من الضروري تعريتها وفضحها. وتماما مثل أيّ أغنية بلا معنى، سوف ينسى العالم، عاجلا أو آجلا، الأحداث التالية:
بالتأكيد هذه القائمة ليست شاملة! على مقياس ريختر للذبح الجماعي، حطّمت الديمقراطية الغربية جميع الأرقام القياسية منذ فترة طويلة، وهي بحاجة إلى عكس مسارها. وحان الوقت لكسر الوثن “المعبود”، قبل نثر قطعه، حتى لا يرى وجهه البشع مرة أخرى.
محاربة الإمبريالية تعني تسميتها وإظهار المسؤولين عنها، فهي ليست الأخطبوط المجهول، أو الوحش اللاّمع بلا نار أو مكان، أو كيانًا غامضًا يختبئ في الظل ويتآمر للسيطرة على العالم.
الإمبريالية تتصرف علانية أمام أعيننا: إنها سياسة الهيمنة للثالوث الأمريكي – الأوروبي – الياباني، بقيادة الأوليغارشية المالية التي تسيطر على مراكز القوة. وهذا هو مشروع الهيمنة العالمية لعالم غربي تابع لواشنطن، تُديرُه دولةٌ عميقةٌ، حيث الشركات مُتعددة الجنسيات في المُجمّع الصناعي العسكري، لها الكلمة الفصل والأخيرة.
وكما أظهر أحد المُفكّرين في أربعينيات القرن الماضي، فقد بلغت الرأسمالية الغربية “مرحلتها العليا”، في أوائل القرن العشرين. وبعد محاولة عبثية للسيطرة على العالم في القرن الماضي، وصلت إلى ذروتها مع انهيار الاتحاد السوفيتي.
للتحايل على مصيره، يواصل الغرب، الذي تقوده واشنطن، إيقاد شعلة تفوّقه الأخلاقي المزعوم، كما لو أن هذه الغطرسة يمكن أن تجعلنا ننسى الجوهر: لم يعد العالم يطيع هذا الغرب فحسب، بل توقّف عن اعتباره مثالا “حضاريا”.
“القيم” الرائعة التي ستكون الوصاية عليها من طرف الغرب، وعالمية “الديمقراطية” التي يفتخر بها، والمثال الذي لا غنى عنه لـ “مجتمع مفتوح”.. لا يملك سوى الأوروبيين صولجانه: فهل ما زال في العالم إنسانٌ يؤمن بمثل هذا “التحضّر” أو التدمير؟
بما أنه لا أحد يُحبّ طعم الهزيمة، فإن هذا الغرب المتدهور يأخذ رغباته على أنها حقيقة. غير قادر على التحكم في مجرى الأمور، يهرب إلى الخيال. لا يستطيع أن يفرض إملاءه على بقية العالم، لذا فهو يستخدم حملاته الدعائية.
اليوم، أولئك الذين يتحدّثون أكثر عن حقوق الإنسان، هم أولئك الذين ينتهكونها بشكل يومي. وأولئك الذين يتحدثون عن القانون الدولي، هم الذين يدوسون عليه. ويزعمون أنهم يمثلون المجتمع الدولي، ومع ذلك، فهم يمثلون الأوليغارشية الفاسدة للعالم الغربي المنجرف. وموطنهم الطبيعي هو مستنقعات الجريمة المُنظمة، وأقبية ممارسة “الدّجل” الدولي.
الكاتب: برونو جويج، مسؤول سابق بوزارة الداخلية الفرنسية، مُحلّل سياسي، وأستاذ العلاقات الدولية والفلسفة.