2025.07.08



بين باية وصنصال... فرنسا تُراوغ بالثقافة؟ ثقافة

بين باية وصنصال... فرنسا تُراوغ بالثقافة؟


إيمان بن يمينة
01 يوليو 2025

أطلقت سلطات مدينة مرسيليا الفرنسية اسم الرسامة الجزائرية الراحلة باية محي الدين على مدرسة جديدة في الدائرة الحادية عشرة من المدينة، في إطار خطة "مرسيليا الكبرى" الهادفة إلى تحديث قطاع التعليم.

وتُعد هذه الخطة من أبرز المشاريع الحكومية لإعادة تأهيل البنية التربوية في ثاني أكبر مدن فرنسا، وتشمل بناء أو ترميم 188 مدرسة جديدة في أفق سنة 2031.

هذه المدرسة ، افتُتحت رسميًا وسط حضور ممثلين عن السلطات المحلية وأولياء التلاميذ، يتقدمهم فيرجيني أفيروس، نائبة محافظ المنطقة. 

وقد وُصفت هذه الخطوة بأنها بادرة صداقة ثقافية تتجاوز الخطابات السياسية، وتضع الفن جسراً للتقارب بين الشعبين.

باية... ابنة برج الكيفان التي أسرَت باريس بلوحاتها

لم يكن اختيار اسم باية محي الدين مجرّد تكريم عابر، بل احتفاءً بفنانة تجاوزت حدود الجغرافيا واللغة، لتترك بصمة بصرية لا تزال حية بعد أكثر من ربع قرن على رحيلها.

ولدت باية سنة 1931 بضاحية برج الكيفان شرق العاصمة الجزائرية، اكتشفها المستشرق الفرنسي أيميه مايغ، وفتح أمامها أبواب الفن في باريس، حيث أقامت أول معرض لها سنة 1947 وهي لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها، حينها، لفتت أنظار نقّاد كبار وحتى عمالقة الفن مثل بابلو بيكاسو، الذي قال عنها ذات مرة: "هي لا تقلد أحدًا، إنها ترسم عالمها كما تراه، وليس كما نراه نحن."

ألوان الأنوثة والطفولة والأسطورة

تميّزت أعمال باية بطابعها الفطري والمشرق، حيث مزجت بين الأنوثة والطفولة والحكاية الشعبية، بأسلوب زخرفي مشبع بالألوان، يشبه الحلم أكثر مما يشبه الواقع.

ورغم أنها لم تتلقّ تعليمًا أكاديميًا، فإن ما أنجزته خلال مسيرتها القصيرة نسبيًا لا يزال يُعرض إلى اليوم في كبريات المتاحف بفرنسا والجزائر والولايات المتحدة، كجزء من تراث عالمي لا يُنسى.

وتندرج مبادرة بلدية مرسيليا في ظرف دبلوماسي حساس، إذ تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية توترًا متجددًا، تفاقم مؤخرًا بسبب قضية الكاتب بوعلام صنصال، الذي يواجه حكمًا بالسجن خمس سنوات نافذة أصدرته العدالة الجزائرية بتهمة "المساس بوحدة الوطن"، على خلفية تصريحاته التي تطعن في وحدة التراب الجزائري وتُروّج لروايات استعمارية، إلى جانب مواقفه العلنية المؤيدة للتطبيع مع الكيان الصهيوني.

فالسلطات الجزائرية اعتبرت أن تصريحات صنصال لا تندرج ضمن حرية التعبير، بل تمثل إساءة مباشرة لذاكرة الثورة الجزائرية وتاريخها، ومساسًا بالثوابت الوطنية التي تُعد جزءًا من السيادة. 

وفي ظل هذه الأجواء المشحونة، بدت خطوة تسمية مدرسة باسم الرسامة الجزائرية باية محي الدين كمبادرة محلية معزولة تعبّر عن رغبة بلدية مرسيليا في الحفاظ على الروابط الثقافية مع الجالية الجزائرية، لكنها لا تعكس بالضرورة تغييرًا جوهريًا في طبيعة العلاقات الرسمية بين البلدين، والتي ما تزال رهينة ملفات حساسة عالقة.