يرى المحلل الاقتصادي الدكتور جمال الدين نوفل شرياف، في تصريح خص به "الأيام نيوز"، أن مضيق هرمز بات يمثل ورقة ضغط سيادية بامتياز في يد إيران، التي تنظر إليه كجزء لا يتجزأ من مياهها الإقليمية، بالرغم من خضوعه من الناحية القانونية لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، والتي تصنّف المضيق كممر مائي دولي يخضع لنظام "المرور العابر". هذه القراءة الإيرانية تكشف عن رؤية استراتيجية عميقة، لا تقتصر فقط على الاعتبارات القانونية، بل تمتد إلى أبعاد جيوسياسية واقتصادية، تعزز من قدرة طهران على استخدام المضيق كأداة ضغط عند الحاجة، خصوصًا في أوقات التوترات الإقليمية أو التصعيدات العسكرية.
ويشير شرياف إلى أن هذا الفهم الإيراني للمضيق يضعه ضمن قائمة الأدوات السيادية القابلة للتفعيل في أي لحظة تراها طهران مناسبة، خاصة في ظل متغيرات إقليمية معقدة مثل الحرب الأخيرة مع "إسرائيل". فإيران لم توقّع على اتفاقية قانون البحار، وترى أن بنودها تقيّد من سيادتها، لا سيما في منطقة تعتبرها شريانًا حيويًا لصادراتها من النفط والغاز، وكذلك لصادرات جيرانها الخليجيين. هذا التباين في تفسير القانون الدولي يمنح إيران مساحة واسعة للمناورة السياسية والاقتصادية، ويجعل من تحكمها بالمضيق أداة استراتيجية للتأثير على المواقف الدولية.
وفي ظل انتهاء العدوان الإسرائيلي الأخير على إيران، يرى شرياف أن طهران ستستثمر ما حدث لإعادة ترتيب أوراقها، وتعزيز موقعها الجيوسياسي، خصوصًا أن التجربة أثبتت أن تهديداتها بإغلاق المضيق ليست مجرد تصريحات إعلامية، بل خيارات مدروسة يمكن تفعيلها حسب مقتضيات المرحلة. فالمضيق، بحسب شرياف، لم يعد مجرد ممر ملاحي، بل أصبح "نقطة ارتكاز استراتيجية في معادلة الردع الإيرانية"، ويُنظر إليه داخل المؤسسات السيادية في طهران كوسيلة ضغط قابلة للاستخدام متى اقتضت موازين الصراع.
ويضيف شرياف أن غلق المضيق، أو حتى التلويح بذلك، يُربك الأسواق العالمية ويؤثر على ثقة المستثمرين في استقرار إمدادات الطاقة. كما أن للمضيق أهمية كبرى، كونه يُستخدم في نقل ما يقارب 20% من إمدادات النفط العالمية، بما يشمل صادرات إيران، العراق، السعودية، الكويت، وقطر. وبالتالي، فإن أي تهديد للمضيق لا يؤثر فقط على خصوم إيران، بل يمتد ليشمل حلفاءها وشركاءها الاقتصاديين، مما يُكسب الورقة الإيرانية طابعًا جماعيًا لا يُستهان به.
مضيق هرمز... بين السيادة والمواجهة الاقتصادية
ويؤكد شرياف أن ما يُعقّد المشهد هو أن إيران تدمج بين منطق السيادة وضرورات الردع الاستراتيجي، وهو ما يجعل من كل خطوة تتخذها في المضيق ذات أبعاد قانونية وسياسية متداخلة. ففي الوقت الذي يرى فيه المجتمع الدولي أن المضيق يجب أن يبقى مفتوحًا أمام الملاحة الدولية، ترى طهران أن لها الحق في تنظيم المرور، أو حتى منعه، في حال تعرّض أمنها القومي للخطر.
وبحسب شرياف، فإن توقيت تفعيل ورقة "هرمز" يعتمد على معيارين رئيسيين: الأول هو حجم التهديد الذي تواجهه إيران، سواء على المستوى العسكري أو الاقتصادي، والثاني هو مدى التأثير الذي ترغب في تحقيقه. فإذا شعرت طهران بأن الضغط الدولي أو الإقليمي تجاوز الخطوط الحمراء، فإنها قد تلجأ إلى استخدام المضيق كأداة ردع مباشرة، أو كورقة مساومة في المفاوضات، وهو ما يجعل من هذه الورقة عنصراً فاعلاً في هندسة التوازنات الإقليمية.
أوروبا والصين في قلب العاصفة
ويشير شرياف إلى أن المستوردين الكبار للطاقة، مثل الصين ودول الاتحاد الأوروبي، سيكونون الأكثر تأثرًا بأي تصعيد في مضيق هرمز. فهذه الدول تعتمد بشكل أساسي على واردات تمر عبر هذا الممر البحري، وأي خلل في حركة الملاحة سيؤدي حتمًا إلى ارتفاع تكاليف النقل، وزيادة أسعار التأمين، وتراجع القدرة التنافسية في الأسواق العالمية، خصوصًا في قطاعات التصنيع الثقيلة والطاقة.
ويضيف أن سقف أسعار النفط في حال اندلاع أزمة حقيقية في المضيق قد يصل إلى 200 دولار للبرميل، خاصة إذا اقترن ذلك بذعر المستثمرين وارتباك الأسواق، ما ينذر بحدوث رجّات قوية في النظام المالي العالمي. هذا السيناريو، في نظر شرياف، ليس ضربًا من الخيال، بل احتمال وارد إذا استمر تجاهل الضغوط الإيرانية وتواصلت السياسات الغربية التي تعتبرها طهران تهديدًا مباشرا لسيادتها ومصالحها الاستراتيجية.
ويرى الدكتور جمال الدين نوفل شرياف أن انتهاء العدوان الإسرائيلي على إيران لا يعني بالضرورة عودة الاستقرار في المنطقة، بل قد يكون إيذانًا ببداية مرحلة جديدة تتّسم بتصاعد استخدام الأدوات غير التقليدية في الصراع الجيوسياسي، وفي مقدمتها ورقة مضيق هرمز. فطهران، التي خرجت من المواجهة الأخيرة بحسابات استراتيجية جديدة، تدرك أن امتلاكها لنقاط ارتكاز حساسة مثل المضيق يمنحها قوة تفاوضية وتأثيرًا مباشرًا على الاقتصاد العالمي.
ويضيف شرياف أن إيران قد تسعى في المرحلة المقبلة إلى فرض معادلة إقليمية جديدة تقوم على الربط بين احترام سيادتها الوطنية وأمن تدفقات الطاقة، بحيث تتحوّل هذه السيادة من مفهوم قانوني إلى أداة ضغط عملية في وجه أي تدخل أو تهديد. فهي ترى أن أمنها لا ينفصل عن أمن الملاحة في الخليج، وأن تجاهل هذا الترابط سيؤدي إلى ردود فعل أكثر صرامة، قد لا تقتصر على التصريحات أو التحذيرات، بل تشمل إجراءات ميدانية تؤثر على استقرار خطوط التجارة الدولية.
كما يشير شرياف إلى أن طهران تدرك تمامًا حساسية المرحلة الحالية، وأن العالم يعاني من اختلالات اقتصادية مركبة، أبرزها اضطراب سلاسل التوريد وارتفاع أسعار الطاقة. وبالتالي، فإن استخدامها الورقة الاقتصادية من خلال التلويح – أو حتى التلميح – بإمكانية التحكم بمضيق هرمز، يمثل وسيلة ضغط ذات تأثير يتجاوز بكثير الوسائل العسكرية التقليدية، ويطال مباشرة المراكز الاقتصادية الكبرى، وفي مقدمتها أوروبا والصين والهند.
ويُبرز المحلل الاقتصادي أن الرؤية الإيرانية للمضيق، باعتباره ورقة سيادية قابلة للتفعيل حسب الحاجة، تعني أن أي تصعيد مقبل في المنطقة لن يكون معزولًا عن البُعد الاقتصادي، بل سيكون في جوهره صراعًا على ممرات الطاقة ومفاتيح الأسواق. فالمعركة في نظر طهران لم تعد فقط عسكرية أو استخباراتية، بل أصبحت مرتبطة بالقدرة على التحكم في مفاصل الاقتصاد العالمي، وهو ما يضيف طبقة جديدة من التعقيد على المشهد الإقليمي والدولي.
ولذلك، يختم شرياف بالتأكيد على أن مرحلة ما بعد العدوان قد تشهد تحولات جوهرية في موازين الردع، يكون فيها الاقتصاد والمضائق الحيوية، مثل هرمز، أدوات تأثير رئيسية، تتجاوز جغرافيا إيران لتطال معادلات الطاقة العالمية، وترسم ملامح جديدة لتوازن القوى في الشرق الأوسط.

