2025.11.11
هكذا عرى نائب فرنسي النفاق الرسمي تجاه الجزائر

هكذا عرى نائب فرنسي النفاق الرسمي تجاه الجزائر


إيمان بن يمينة
02 يوليو 2025

في زيارة شخصية تحوّلت إلى موقف سياسي جريء، اختار النائب الفرنسي عن حزب "فرنسا الأبية"، سيباستيان ديلوغو، أن يواجه علنًا ما وصفه بـ"الحملة الممنهجة لتشويه الجزائر"، مهاجمًا مسؤولين فرنسيين ووسائل إعلام اعتبرها تُعيد إنتاج الخطاب الاستعماري بأسلوب مغلّف ومضلّل.

ومن وهران، حيث زار قبر جده الذي أنقذه جيش التحرير الوطني من بطش منظمة الجيش السري (OAS)، أطلق ديلوغو تصريحات قوية ربط فيها بين ماضي الاستعمار وحاضر العلاقات المتوترة، مؤكدًا أن ما يجري اليوم ليس سوى امتداد لعقلية الهيمنة التي لم تُهزم بعد داخل دوائر النفوذ في باريس.

وفي رسالة مباشرة من قلب الجزائر، وجّه ديلوغو انتقادات حادة لما سمّاه بـ"الإعلام الحاقد"، ولأصوات سياسية فرنسية وصفها بأنها تعيش على تغذية الكراهية تجاه الجزائريين، محذرًا من محاولات عزل الشعبين عبر أدوات ناعمة تخفي نوايا استعمارية صريحة.

"لن أسكت... جدي أنقذه جيش التحرير الوطني وهرب من OAS"

وفي حديثه لقناة كنال ألجيري، كشف ديلوغو أن زيارته انطلقت من مدينة وهران، حيث يرقد جده الذي أنقذه جيش التحرير الوطني من ملاحقات منظمة الجيش السري (OAS) الفرنسية، التي كانت تمارس الإرهاب في حق الجزائريين وكل من تعاطف معهم خلال الحقبة الاستعمارية. وقال: "لا يمكنني السكوت أمام من يكرّرون اليوم نفس خطابات الانقسام والكراهية تجاه الشعب الجزائري".

وأضاف أن هذه الخلفية هي التي دفعته لرفع العلم الجزائري في مظاهرة مؤيدة لفلسطين العام الماضي في مرسيليا، ليؤكد مرة أخرى أن نضاله السياسي لا يتجزأ: "ضد الاستعمار، ضد العنصرية، ضد النفاق الفرنسي".

هجوم مباشر على الحكومة الفرنسية: "منهم من يحنّ لأيام OAS"

وفي نبرة حادة، وجّه ديلوغو انتقادات مباشرة لوزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، واصفًا إياه بأنه يُغذي خطابًا عدائيًا ممنهجًا تجاه الجزائر، مضيفًا أن هذا الخطاب لم يعد محصورًا في أوساط اليمين المتطرف، بل أصبح "ينبع من داخل الحكومة نفسها".

وتابع: "منذ دخولي إلى الجمعية الوطنية، التقيت بمن يحنّون إلى فترة منظمة الجيش السري، ومن بينهم من يُعدّ من ورثة مؤسسي تلك المنظمة الإرهابية."

"إعلام بولوري" تحت النار

كما لم يُفوّت ديلوغو الفرصة لتوجيه نقد لاذع لوسائل الإعلام الفرنسية، لا سيما تلك التابعة لرجل الأعمال فينسان بولوري، والتي اعتبرها تقود حملة ممنهجة لتشويه صورة الجزائر وترويج خطابات استعمارية جديدة.

وقال: "هذا الإعلام لم يعد حرًا، بل صار بولوريزيًا بالكامل... هم كلاب حراسة، يجيزون لأنفسهم إهانة شعب بأكمله، وتبرير الأكاذيب التي ترددها حتى الحكومة".

ورغم ذلك، أكد أن هذا الخطاب لا يعكس موقف الشعب الفرنسي عمومًا، مشيرًا إلى أن "الأغلبية الصامتة ترفض هذا الخطاب، لكنها لا تملك الصوت العالي".

"في الجزائر شعرت بالاحترام.. والصورة غير التي يروّجها الإعلام"

وفي ختام زيارته، عبّر النائب اليساري عن انبهاره بكرم الجزائريين وترحابهم، قائلاً: "لم أُستقبل بهذا الاحترام في أي مكان آخر. الصورة التي يروّجها الإعلام الفرنسي عن الجزائر خاطئة تمامًا."

وأشار إلى أن العلاقات الجزائرية-الفرنسية يجب أن تُبنى على الاحترام المتبادل، وليس على عقد التفوق والاستعلاء، مضيفًا أن من يروّجون للعداء "لن يدوموا"، وأن الانتخابات المقبلة ستكون مناسبة للتغيير.

خلفية نضالية.. من الجزائر إلى فلسطين

وتأتي تصريحات ديلوغو الأخيرة في سياق مسيرته السياسية المبدئية التي لم ترضخ للتيار العام، فقد كان قد تعرّض العام الماضي لعقوبة تعليق عضويته 15 يومًا في الجمعية الوطنية بعد أن رفع العلم الفلسطيني في البرلمان، احتجاجًا على دعم الحكومة الفرنسية المستتر لآلة الحرب الصهيونية في غزة.

ففي ظرف إقليمي يتّسم بتصاعد خطاب التحريض والتضليل ضد الجزائر، وسط أزمات هوية تعصف بالمشهد السياسي الفرنسي، يخرج صوت مثل سيباستيان ديلوغو ليحاول إعادة التوازن، فمواقفه لا تأتي من فراغ، بل من إدراك عميق لخطر الانزلاق نحو قطيعة مفتعلة بين الشعبين، تغذيها دوائر إعلامية وسياسية لا تزال أسيرة ماضٍ استعماري لم تُصفِّ حسابه مع التاريخ.

وإذا كانت حملات التشويه ضد الجزائر اليوم تُقدَّم على أنها "مواقف سيادية"، فإن ديلوغو يفضح زيفها من الداخل، ويضعها في سياقها الحقيقي: امتداد مباشر لبروباغندا قديمة، تُعاد صياغتها بمفردات جديدة.

وفي زمن تتداخل فيه حسابات السياسة بالإيديولوجيا، يصبح لموقف واضح وصريح مثل هذا قيمة مضاعفة، فهو لا يكتفي بالدفاع عن الجزائر، بل يكشف طبيعة التوتر العميق داخل المجتمع الفرنسي نفسه، بين من يريد المصالحة الحقيقية، ومن لا يزال يُؤْمِن بالتفوق والوصاية.