التدخل السعودي في مسار عملية التحول الديمقراطي، وإسقاط نظام الحكم باليمن، يلاحظ على مستوى محاولة احتواء الأزمة وتسويتها المتمثلة في المبادرة الخليجية، ومؤتمر الحوار الوطني، ومخرجاته وعلى مستوى ميولات أطراف النزاع الداخلية، ما جعل الصراع في اليمن، ذا أبعاد عقائدية واقليمية ساهمت بها الطبيعة الاجتماعية والتاريخية اليمنيةـ وعليه أدى ذلك إلى انحراف أهداف الثورة الشبابية عن مسارها وعرقلة عملية الدمقرطة المنشودة والاتجاه نحو العنف وانهيار الدولة اليمنية.
تقول الباحثة في المركز العربي اليمنية أفراح ناصر، إن السعودية "غرقت في المستنقع اليمني منذ عشر سنوات". قامت الرياض في 2015 بالدعوة إلى "بدخّل عسكري مع عدد من الدول المحسوبة على ما يسمى "التحالف"، مدفوعة بحسابات "سياسية واستراتيجية واضحة في البداية".
السبب الرئيسي للتدخّل السعودي، "لم يكن سوى وهم قديم يرتدي قناعاً جديداً"؛ فالهدف هو إضعاف اليمن" ورؤية الحوثيين كأداة إيرانية شرّيرة تحرّكها طهران". في نظر السعوديين، مثل "صعود أنصار الله إلى الحكم خطرا يقترب من أبواب الرياض، ولهذا اندفعت السعودية، نحو اليمن في تدخل عسكري لم تعرف بعد كيف تنجو منه".
تحول التدخل السعودي الذي يصل سنته العاشرة إلى صراع طويل وحلقة أخرى في حرب مزمنة" بعد أن كان السعوديون يتوقّعون أن تُحسم معركتهم في غضون أسابيع قليلة" بدأ التحالف السعودي في 26 مارس 2015 عبر غارات جوية على المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، "مما أشعل فتيل صراعٍ استمر لسنوات" وانهارت معها استراتيجيات الرياض الأولية بعملية عسكرية سريعة، لهزيمة "أنصار الله" إلى تورط طويل ومكلف كان من آثاره أزمة انسانية كبيرة في اليمن. تتأسف الباحثة أن هذا التدخل العسكري "قد حول اليمن إلى حقل تجارب للسياسات والمصالح المتضاربة". تجزم الباحثة أن كثيرا من البلدان والقوى يرتبط مصيرها بمستقبل الصراع في اليمن".
في تحليل الباحثة "حتى لو قدم الإيرانيون الدعم للحوثيين، فإن هذا لا يعني أن هؤلاء كانوا بيادق وإمّعات، في أيدي طهران" التي لم تكن لتسيطر على القرار اليمني أبدا. وتضيف أن "السردية السعودية هي التي مهدت لغرس فكرة ولاء الحوثيين لإيران بسبب القرب العقائدي". وتشرح قائلة "الحوثيون لم يكونوا مجرّد بيادق على رقعة شطرنج إيرانية، بل هم أبناء جغرافيا اليمن، وأبناء معركة محلّية، ونتاج لتحالفات محلّية وقبلية، وبروزهم على الساحة اليمنية هو تحصل حاصل لديناميكيات داخلية أكثر تعقيدا". وهذا ما لا يريد الإعلام ذكره على اعتبار أن دعاية "الأوامر التي تصدر من العواصم الكبرى، المتحكمة في صناعة الإعلام، هي التي تصور الحوثيين على أنهم لعبة في يد أطراف سياسية أكبر".
بالنسبة للباحثة ناصر" "عشر سنوات من الحرب تعني أن اليمن أصبح أكثر من مجرّد ساحة لصراع عسكري إقليمي، بل رمزاً لفشل استراتيجيات القوى الكبرى في فرض أجندات سياسية في هذا البلد، وعبره على المنطقة برمتها".
وحتى لو استمرت السعودية في "تصدير دعايتها حول دور الحوثيين وتسويقها السياسي لعدائها كحرب على النفوذ الإيراني"، إلا أن هذا "لم يؤدِ إلى إضعاف إيران، بل إلى تعزيز نفوذها أكثر، وتقوية تحالفاتها مع الجماعات المقاومة".
من اللحظة التي سيطر فيها الحوثيون على صنعاء في 2014، "بدأت لعبة الشطرنج الإقليمية تتّخذ منحى غير متوقّع"، الرياض التي حلمت بدخول سريع - كما صرّح قادتها العسكريون- إلى "ساحة المعركة"، كانت "تظنّ أنها ستتمكّن من فرض سيطرتها بسهولة، كما لو أن اليمن مجرّد رقعة على الخريطة"، لكن هذا البلد الصغير، المتواري خلف الجبال، ليس كغيره، هناك شيء غريب في هواء اليمن، حيث لا تسير الأمور كما هو متوقّع، وحيث التدخّلات الخارجية، مهما كانت أهدافها، تؤدّي غالباً إلى نتائج كارثية وغير محسوبة".
تغير مبرر السعودية للتدخل بمرور الوقت مع تطور الصراع. في البداية، قدمت الرياض تدخلها العسكري على أنه استجابة مباشرة لنداء الرئيس عبد ربه منصور هادي، إلى دول الخليج وحلفائها الدوليين والذي نقله في رسالة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في مارس 2015. دعا الرئيس هادي الدول إلى "تقديم الدعم الفوري بكل أشكاله واتخاذ التدابير اللازمة، بما في ذلك التدخل العسكري، لحماية اليمن وشعبه". تصور السعوديون في البداية التدخل على أنه جهد حاسم لإعادة الحكومة الشرعية في اليمن إلى العاصمة صنعاء. ومع تقدم الوضع، أعادت السعودية صياغة هدفها على أنه "استعادة العملية السياسية في اليمن في إطار مبادرة مجلس التعاون الخليجي، والتي سهلت في عامي 2011-2012 نقل السلطة من الرئيس السابق علي عبد الله صالح إلى هادي".
الحرب لم تكن بسيطة، ترى الباحثة أن الحرب كانت إيديولوجية بصفة أكبر، "لم تكن الأطراف المتصارعة مجرّد جيوش متقاتلة بالحديد والنار، بل كانت أيديولوجيات متصارعة". فالسعودية ترى نفسها على أنها زعيمة العالم السُنّي. أما الحوثيون، من جهتهم، يتبنّون خطاباً معادياً للسعودية وموالاتها للغرب، ويقدّمون أنفسهم كحركة “مقاومة” ضد الهيمنة السعودية والأميركية. وهكذا فإن كل طرف ينطلق من فلسفة ايديولوجية مناقضة للطرف الآخر، وكل يحمل "شعاراً سياسيا مختلفاً".
الحقيقة المرة، حسب الباحثة، هي أن الحرب لم تفض إلى أي منتصر" بل "جعلت من كل شيء هزيلاً وممزقاً، فالشعب اليمني يرزح تحت نير أزمة إنسانية لا سابق لها". والأطراف الأخرى، من الحوثيين إلى التحالف السعودي، والقوى الغربية، همّها الوحيد هو الحفاظ على ماء الوجه وعدم القبول بإعلان الهزيمة، ودون تحقيق نصر واضح".