2025.05.15
حوارات

الـ (5G) في الجزائر.. اختبار جديد لعدالة التغطية الرقمية


يشرح العيد كحلول، متخصص في المعلوماتية والذكاء الاصطناعي - بمخبر المعلوماتية الذكية بجامعة بسكرة، في حوار مع "الأيام نيوز"، أن مستقبل التحول الرقمي في الجزائر مرهون بقدرتها على تجاوز الفجوة التكنولوجية بين المدن والمناطق الداخلية، مؤكدًا أن تحقيق عدالة رقمية فعلية يتطلب تبنّي سياسات شاملة تضمن تغطية متوازنة لشبكة الجيل الخامس، وتوفير التعليم الرقمي المنصف، وتمكين الفئات الهشة، إلى جانب إشراك المجتمع المدني والقطاعين العام والخاص في بلورة حلول مبتكرة تواكب رؤية الجزائر الرقمية 2030.

الأيام نيوز: بدايةً، هل يمكنك أن تشرح لنا ما هي شبكات الاتصالات اللاسلكية؟

العيد كحلول: بكل تأكيد. شبكات الاتصال اللاسلكية هي البنية التي تمكّن الأجهزة المحمولة، مثل الهواتف الذكية، من تبادل المعلومات عبر إشارات الراديو. ببساطة، هي نظم تقنية تنقل البيانات، الصوت، وحتى الفيديو عبر الهواء، من خلال أبراج خلوية أو أقمار صناعية، أو أحيانًا باستخدام شبكات الألياف البصرية.

الأيام نيوز: هذا واضح، شكرًا. لكن كيف تطورت هذه الشبكات عبر الزمن؟

العيد كحلول: تطورها كان عبر ما يُعرف بـ "الأجيال". بدأ الأمر في الثمانينات مع الجيل الأول، الذي كان يعتمد على الاتصالات التناظرية، ويسمح فقط بالمكالمات الصوتية بجودة ضعيفة. ثم جاء الجيل الثاني في التسعينات، وقدم اتصالات رقمية، مكنتنا من إرسال الرسائل النصية ونقل بعض البيانات. مع بداية الألفية، ظهر الجيل الثالث، الذي سمح بإنترنت أسرع ومكالمات الفيديو والتطبيقات الذكية الأولية. ثم جاء الجيل الرابع سنة 2009، وقدم تدفقًا عالي السرعة للإنترنت، فمكن من بث الفيديو بجودة عالية، وأتاح اللعب أونلاين. وفي 2020، دخلنا عهد الجيل الخامس، بسرعات فائقة واستجابة شبه فورية، ما ساعد على تطوير تقنيات مثل السيارات ذاتية القيادة. أما المستقبل، فيحمل لنا الجيل السادس، المتوقع ظهوره في 2030، حيث ستكون الشبكات ذكية ومدعومة بالذكاء الاصطناعي، وسنعيش معها تجربة "إنترنت الحواس" وواقعًا افتراضيًا ممتدًا بسرعات لم نعرفها من قبل.

الأيام نيوز: بعد أن فهمنا مراحل تطور الشبكات، نود أن نعرف ما هو وضع شبكات الاتصالات اللاسلكية حاليًا في الجزائر؟

العيد كحلول: الوضع في الجزائر يُظهر تقدّمًا واضحًا، خصوصًا على مستوى الجيل الثاني (2G) الذي يعتمد على تقنية GSM. شركات كبرى مثل موبيليس وأوريدو قدمت تغطية واسعة. فعلى سبيل المثال، في عام 2024، بلغ معدل تغطية GSM لدى موبيليس حوالي 98٪، ولدى أوريدو 93.6٪، بينما وصلت تغطية جيزي إلى 91.61٪.

الأيام نيوز: وماذا عن وضعية تغطية الإنترنت والجيل الثالث في الجزائر؟

العيد كحلول: بالنسبة لتغطية الإنترنت، وتحديدًا الجيل الثالث (3G)، فالأرقام تشير إلى تفاوت بين المتعاملين. موبيليس تقدمت بنسبة تغطية وصلت إلى 98٪، تليها أوريدو بـ86.2٪، ثم جيزي بـ78.32٪. ويجدر بالذكر أن موبيليس حصلت على جائزة أفضل تغطية للهاتف المحمول في الجزائر، من طرف منصة "Ookla" العالمية المتخصصة في تقييم الشبكات، وهذا يُعدّ إنجازًا مهمًا للقطاع العمومي في مجال الاتصالات.

الأيام نيوز: ما هي أبرز التحديات التي قد تواجه الجزائر في ضمان وصول شبكة الجيل الخامس إلى المناطق الداخلية والنائية؟

العيد كحلول: التحديات متعددة ومعقدة. أولًا، هناك مشكل البنية التحتية، خاصة في المناطق التي تعاني من نقص في الكهرباء، أو غياب الألياف البصرية، أو حتى ضعف في أبراج الاتصال. هذا النقص يُصعّب كثيرًا من عملية نشر 5G التي تحتاج إلى تجهيزات وتقنيات عالية. كما أن تحديث الشبكات الحالية نحو الجيل الخامس يتطلب استثمارات ضخمة، وهو أمر غير بسيط، خصوصًا في المناطق البعيدة.

الأيام نيوز: وهل هناك عوامل أخرى يمكن أن تعيق تعميم الشبكة الجديدة في هذه المناطق؟

العيد كحلول: نعم بالتأكيد. هناك التكلفة العالية لإنشاء بنية 5G التي تتطلب كثافة كبيرة في الأبراج مقارنة بالجيل الرابع. وفي المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة، لا يبدو العائد الاستثماري مشجعًا. أيضًا، التضاريس الجغرافية الصعبة كالمناطق الجبلية والصحراوية تُعيق تركيب وصيانة المعدات. نُضيف إلى ذلك النقص في الكفاءات التقنية محليًا، وغياب سياسة عمومية واضحة تُراعي عدالة التوزيع. دون أن ننسى أن ضعف الطلب على تقنيات متقدمة مثل الواقع المعزز وإنترنت الأشياء يجعل الشركات أقل تحمسًا للاستثمار في هذه المناطق.

الأيام نيوز: ما هي السياسات العملية التي يمكن أن تعتمدها الجزائر لتوسيع تغطية شبكة الجيل الخامس في المناطق النائية؟

العيد كحلول: من بين الحلول الأساسية التي يجب التفكير فيها هو إنشاء "شبكة وطنية موحدة للبنية التحتية"، أي أن تتشارك شركات الاتصال نفس البنية التحتية، خاصة في المناطق البعيدة، مما يُقلل التكاليف ويُسرّع وتيرة التغطية. كما أن تقديم حوافز ضريبية واستثمارية سيساهم في تشجيع الشركات، سواء عن طريق إعفاءات ضريبية أو قروض بدون فوائد. بالإضافة إلى ذلك، إشراك المجالس البلدية والمجتمع المحلي في اختيار مواقع الأبراج وتسهيل الإجراءات الإدارية من شأنه تسريع التنفيذ، خاصة إذا تم توفير الأراضي أو مصادر الطاقة البديلة مثل الطاقة الشمسية.

الأيام نيوز: وهل هناك آليات أخرى يمكن أن تساهم في دعم انتشار 5G بطريقة عادلة وشاملة؟

العيد كحلول: بالتأكيد. الجزائر يمكنها بناء شراكات تكنولوجية وتمويلية مع جهات دولية مثل الاتحاد الإفريقي أو البنك الدولي لتوفير حلول منخفضة التكلفة. كما أن إطلاق مشاريع "5G تجريبية" في قرى نموذجية يمثل فكرة عملية لاختبار البنية والتطبيقات في ظروف محلية حقيقية. ولا يمكننا أيضًا إغفال أهمية التكوين، فنجاح هذه المشاريع يتطلب برامج تدريب مهني وتقني في مجالات الشبكات الحديثة، بشراكة مع الجامعات. وأخيرًا، يجب أن يكون كل هذا ضمن إطار تخطيط استراتيجي عادل يربط توزيع التغطية بالرؤية الوطنية 2030 ويأخذ بعين الاعتبار البعد الاجتماعي وليس فقط الجدوى الاقتصادية.

الأيام نيوز: برأيكم، كيف يمكن ضمان عدالة رقمية بين المدن والمناطق الداخلية في الجزائر؟

العيد كحلول: لضمان العدالة الرقمية وتفادي اتساع الفجوة بين المناطق، من الضروري تبني سياسات إدماج رقمي فعالة. يجب أن تنطلق هذه السياسات من خريطة وطنية لتوزيع البنية التحتية الرقمية بشكل متوازن، مع إعطاء الأولوية للمناطق المحرومة. كما ينبغي ضمان أسعار إنترنت معقولة لكل الفئات الاجتماعية، إما من خلال الدعم الحكومي أو اعتماد تسعيرة تدريجية تراعي القدرة الشرائية للمواطنين.

الأيام نيوز: وماذا عن الجوانب التعليمية والاجتماعية في هذا المسار؟

العيد كحلول: التعليم الرقمي المنصف ركيزة أساسية، لذلك يجب تعميمه في المدارس الريفية، وتوفير أجهزة متصلة للمتعلمين. كما أن إدماج المهارات الرقمية في المناهج التعليمية من الابتدائي إلى الجامعي أمر حتمي. ولا نغفل أهمية برامج محو الأمية الرقمية، خصوصًا للكبار والفئات الهشة. من جهة أخرى، من المفيد إنشاء مراكز نفاذ عمومي في القرى بتكاليف منخفضة أو مجانية، ودعم الجمعيات المحلية لتسييرها، بما يضمن وصول الجميع إلى الوسائل الرقمية.