2025.07.08



كل الجزائريين اسمهم \ نوستالجيا

كل الجزائريين اسمهم "محمّد".. مفردات من العاميّة المحلية.. ولكنها فصيحة! (الجزء الخامس والأخير)


"محمّد" اسمٌ ينادي به الجزائري جزائريًّا آخر لا يعرفه، ليسأله عن حاجةٍ ما، وقد يناديه أيضا: أخي أو خُويَا.. فلا يشعر الجزائري بأنه غريب أينما كان في ربوع الجزائر، فكل الجزائريين إخوته، ومن حقّه عليهم أن يطلب منهم مساعدته بمجرّد أن ينادي على أحدهم: مُحمّد. وقد غنّى المطرب الجزائري المرحوم "عبد الرحمان عزيز" نشيدًا هنّأ فيه الشعب الجزائري باستقلال الجزائر واعتبر فيه أن كل جزائريٍّ هو "محمد"، حينما قال في مطلع نشيده: "أمُحمَّد مبروك عليك -- الجزائر رجعت ليك".

"محمّد"، كلمة بسيطة ولكن مدلولها عظيمٌ جدًّا يؤكّد على عمق وقوّة تلاحم الجزائريين على قلب مُحمّديٍّ واحد، وقد تنبّه المعجمي السوري "هشام النحّاس" إلى هذا الأمر فأورده في دراسته حول "الفِصاح في العاميّة الجزائرية". و"محمّد" الجزائري ينتمي إلى ثقافات شعبية متنوّعة، ويتكلّم لهجات عاميّة عديدة، ولكن جميعها تلتقي في ثقافة واحدة تعتبر أنّ كل جزائريٍّ هو "محمد". ولعل هذا ما يُميّز الثقافة الجزائرية عن غيرها من الثقافات الأخرى..

واللغة العربية الفصحى تجمع الشعوب العربية، فهي "الوحدة اللسانية" وأداة العلم والفكر، بينما اللهجات العاميّة في مختلف أقطار العالم العربي على تنوّعها واختلافها تُثري وتضيف جماليات أخرى في التعبير والتخيّل.. ولا يجب أن تكون مدخلا إلى الفُرقة أو لضرب العربية الفصحى كما سعى إلى ذلك المُستعمرون والمستشرقون ومن والاهم من بعض المثقفين العرب الذين طالبوا بتغليب العاميّة على الفصحى في مجالات التعليم والإعلام والأدب.

نشرت جريدة "الأيام نيوز" مقالا سابقا للمعجمي السوري "هشام النّحاس"، صاحب "معجمُ فِصاح العاميّة"، حول: "الفِصاح في العاميّة الجزائرية"، وتعيد نشر مقالٍ للدكتور الجزائري "عبد المالك مرتاض" كان قد نشره بمجلة "الأصالة" الجزائرية في شهر مارس 1973، وهو يُمثل الفصلَ الخامس من كتاب "العامية الجزائرية بين العربية والفصحى" الذي لم يكن "مرتاض" قد أصدره وقتها..

استعرض "مرتاض" تسميات بعض "الأمراض والعاهات والعيوب" في العاميّة الجزائرية، ولعلها تطوّرت اليوم أو اختفى بعضها، ولكن المقال يبقى جديرا بالقراءة لمتابعة قاموسنا الشعبي ومعرفة أصالته وعمق ارتباطه باللغة العربية الفصيحة. ونترك القارىء مع مقال الدكتور "عبد المالك مرتاض"..

عاميّةٌ خجولة مثل الفصحى!

عاميتنا في هذا الباب، كفُصحانا تقريبًا ففصحانا لا تبرح شديدة الخجل، كثيرة التردّد في تسمية هذه الأدوية الحديثة الكثيرة الأسماء، إذ أن أسماء هذه الأدوية خلقت معها. وولدت يوم استكشافها، فما تصنع العربية والحال أن أهلها لا يخترعون اليوم شيئا من الأدوية ولا من غير الأدوية؟ فالملامة هنا لا تقع على العربية المظلومة، وإنما تقع على الناطقين بها.

ولمّا كانت العاميّة بنتًا للفصحى في معظم مفرداتها وتراكيبها، ناشئة عنها، منحوتة منها، فإنها تقوى في الموضوعات أو المجالات التي تقوى فيها الأمّ، وتضعف في المواطن التي تضعف فيها. من أجل كل ذلك، نجد عاميّتنا شديدة القصور في مجال التّطبيب، وذكر أسماء الأمراض وما يتصل بكل ذلك من ألفاظ كثيرة متنوعة دقيقة.

بيد أن عاميتنا لا تبرح محتفظة بمعظم الأمراض والعوارض التي تعتور الجسم، والتي يكثر شُيوعها في فصحانا القديمة. وهدفنا في هذا الفصل أن نذكر ما حضرنا من هذه الألفاظ التي لا تزال جارية على السنة عوامّنا في البوادي والقرى، وحتى المدن.

السّل

(ينطقونها بفتح السين) وقد أشرنا غير مرّة إلى أن عوامَّنا، يعدلون عن الضمّ إلى الفتح لخفّته، ويستعملون من هذا اللفظ اسم المفعول استعمالا فصيحا صحيحا فيقولون: هو مسلول، وهي مسلولة. ولوجود هذا اللفظ في عاميتنا علاقة بوجود المرض نفسه الذي ظل يفتك بحياة كثير من الناس. غير أن هذا المرض كان قليلا في البوادي، بالرغم من عدم وجود أي طبيب أو مستشفى. ونعلل ذلك، لا بالنظافة، وحسن الغذاء، ومراعاة جميع الشروط الصحية المطلوبة وإنما بنقاوة الهواء، وقلة ازدحام السكان.

بوزلوم

يطلقون هذا اللفظ على داء: "الروماتيزم"، والعربية لاتزال في ضيقٍ من تسمية هذا الداء. وإنّا لانقطع بعربية لفظ "بوزلوم"، غير أننا نميل إلى عربيّته، على أنه جاء من لفظ "زلم" الذي معناه "قطع"، لأن هذا الداء يتسرّب إلى جسم الإنسان، وإلى بعض أعضائه خاصة، فيصيبها بالألم وأوجاعٍ تشبه المناشير التي تُقطع.

والعامّة عندنا يتداوون من هذا الداء بطرق ساذجة شتّى، أهمّها ما يشيع في الغرب الجزائري من وضع سلكٍ أصفر رقيق في أسفل الأذنين ولكن ذلك لا يتم إلا بيد شيخ مشهود له بالكرامة والبركة.

الرهصة

(يفتح الراء وسكون الهاء) ينطقها العوّام عندنا على الأصل بدون أيّ تغيير، والرهصة عبارة عن تورّم وتعفّن يحدثان في أسفل القدم إما من أثر شدة الحَفا، وإما من احتكاك القدم بالأحجار والأشواك نتيجة لمشى الشخص حافيا.

الداحوسة

لفظة عربية فصيحة لا تزال جارية على ألسنة كثير من الفلاحين والرعاة لم يُصبها أدنى تغيّر.

المعلول

يقولونه هكذا على مراد الوضع، لأن لفظ "العليل" إنّما أريد به "المعلول"، وهذا جار على باب "جريح" وأراد به مجروح، و"قتيل" والمراد به "قتيل"، وهلم جرا.. وهم يطلقون هذا اللفظ على المريض الذي طال مرضه، دون أن يشتدّ عليه فيؤدي به إلى التلف. غير انهم يستعملون أحيانا لفظ "العليل" أيضا.

مجنون

يستعملون هذا اللفظ لما استُعمل له في الأصل، وهو ضد العاقل.

مجدوب

نطقونه بالدال المهملة وهو نطقه فصيح صحيح، ويريدون بلفظ "المجدوب" إلى الرجل الذي أصيب بخلل ما في عقله، فتغيّر تصرفه، وأصبح الناس ينكرون من أمره بعض ما كانوا لا ينكرون. ورغم أن المعاجم العربية لا تكاد تذكر من هذا المعنى شيئا، فإني افترض عربية المجدوب

على أساس أنه آت من لفظ "الجادب" الذي من معانيه: العيب، والكذب. فكأن "المجدوب" مُعاب، وهو حق.

غير أنهم يطلقون لفظ "المجدوب" على كل رجل يزعم أنه يعلم شيئا من الغيب، فيتكلم بالألغاز، ويُعمي في أحاديثه، فيصعب تأويلها. فهذا فرق ما بين لفظي المجنون والمجدوب. أما الأحمق فهو عندهم كل شخص كان ناقص العقل على نحو ما. غير أنهم يتصرفون في لفظ الأحمق ما لا يتصرفون في غيره، فهم يستعملون منه الفعل والمصدر والتعجب على أسلوبهم الخاص.

عيّان

يريدون بهذا اللفظ إلى معنى "مُتعب"، وهي عربية فصيحة عالية، ولكن تُستعمل في الأصل للعجز المطلق، لا للتعب، ومنه قوله تعالى: "أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ" (سورة ق، الآية: 15). وهذا اللفظ من مرادفات "عيان"، فان العرب تقول: عيان، وعي، وعياء، وعيي، وتجمعه على أعياء، وأعيياء.

الشقيقة

الشقيقة من الأمراض التي كانت تعتور النبي عليه الصلاة والسلام، وهي عبارة عن وجع يصيب الرأس أكثر ما يكون خفيفا نسبيا، وأكثر

ما يكون عارضا قصيرا سرعان ما يذهب. واللفظة عربية فصيحة وهي لا تبرح قائمة مستعملة في بوادينا وقُرانا خاصة.

الطبيب

لا يقول أهل القُرى والبوادي غير هذا اللفظ لهذا المعنى. ولكن أهل المدن عندنا كثيرا ما يستعملون لفظا من هذه الألفاظ الأجنبية الدالة على هذا المسعى، وربما قالوا، هم أيضا "الطبيب"، ولكن بنطق فرنسي بحت، بحيث تصبح الطاء تاء مضمومة، بعدها باء رقيقة. ومن الغريب أن لفظ "الطبيب"، دخل إلى الفرنسية الحديثة والمعاصرة نفسها، في حين أن بعض الجزائريين من المتفرنسين لا يبرحون يستعملون غيره.

الدّواء

معظم الناس عندنا يصطنعون هذا اللفظ العربي.

دواء العرب: يقصدون به الدواء التقليدي الذي يشيع استعماله بين من لهم تجربة في هذا الشأن، كالشيوخ والعجائز في البوادي خاصة، فهم يتطبّبون بأدوية من العشب، لا نزعم أنها ساذجة، ولكن نقول: أنها تقليدية قديمة. وهذه الأدوية كثيرًا ما تدور على محور واحد غالبا، هو العسل.

الدّاء

ينطقونه صحيحا بدون تحريف، إذ ليس في هذا اللفظ ما ينبغي أن يُحرّف.

الفارماسيان

لا يعرف العوام عندنا لفظ "الصيدلي"، وان كانوا يعرفونه فإنهم لا يصطنعونه، ويستعملون في الأغلب اللفظ الفرنسي المذكور· غير أن لفظ "الصيدلي" أخذ يشيع في مجتمعنا قليلا بفعل التعليم والإذاعة.

العملية

الواقع أن لفظ "العملية"، أخذ يدور على الألسنة في مجتمعنا دورانا يدعو إلى التفاؤل.. فإنك قلّما تسمع الذين يحبّون العربية غيره. ومن العوام عندنا من أخذوا اللفظ الفرنسي وعرّبوه بحيث ينطقونه بدون عناء، فإذا هم يقولون: "الباراسيون ".

فوَّت لافيزيت

لا يقال في أوساطنا الشعبية غير هذا، أي لا يقولون: "الزيارة"، مع أن هذه اللفظة بالذات كثيرة الشيوع في عاميّتنا، وربما قالوا: "فيزيتا"، وهم حين يستعملون هذا اللفظ الأخير كأنهم يعتقدون أنه أقرب إلى العربية، مع أنه إسباني. وكل ما فيه من العربية هذا التحريف النُّطقي.

العماش

يريدون بهذا "العمش"، فيشبعون الميم بالألف. أعمش: ينطقونه نطقا صحيحا.

الطمسة

يريدون بهذا اللفظ إلى المرض الحاد الذي

يصيب العين فيطمسها، فلا يدع شقًّا بين جفنَيها. وهي عربية فصيحة عالية لا تبرح قائمة إلى يومنا هذا. ويقولون للمصاب بهذا المرض من الأطفال خاصة، في فصل الخريف إبّان جني الرمّان خاصة: أنه "مطموس"، بدون تغيير ولا تبديل.

الدّمعة

لا يريدون بهذا اللفظ هنا البكاء، وإنما يريدون به إلى ما يصيب العين العليلة من دموع غير طبيعية، فيقولون: عينه مريضة، فهي حمراء تدمع.

السّعلة

يقولون هذا، ويقولون أيضا: "الكحّة".. ولا أدري من أين جاءوا بهذا اللفظ.

الحمّى

ينطقون هذا اللفظ بفتح الحاء بدل ضمها، على دأبهم في مثل هذه الحالات، ولكنهم ينطقون حرفا من هذه المادة نطقا صحيحا فيقولون: فلان محموم.

الجدري

ينطقونه بفتح الجيم وسكون الدال المهملة، مع أن الأفصح هو غير ذلك. وهم إنما صنعوا ذلك لفرارهم أبدا من الضم إلى الفتح، ومن الفتح إلى السكون، أي فرارهم من الثقيل إلى الخفيف، ومن الخفيف إلى الأخف.

البواسر

يريدون بهذا اللفظ، كما هو واضح، إلى "البواسير".. وهي كلمة على صيغة منتهى الجموع يصعب على العامّة نطقها نطقا صحيحا، إلى ما كَلفوا به من حب التغيير، وحبّ التخفيف.

المَسكون

يريدون به الشخص الذي أصيب بصرعة جنونية مفاجئة، وأرادوا أنه سكنته الجن، فبنوه للمجهول.

أعوج

يريدون به إلى الأعرج. وهم لا يستعملون

إلا هذه الصفة عند إرادة هذا المعنى بالذات، فإذا تصرفوا واصطنعوا الفعل، فإنهم يقولون: وفلان يعرج. وهم أكثر ما يستعملون لفظ "العرج" للبهائم والمواشي، أما العوج فهو عندهم للإنسان فقط.

أعور

يطلق لفظ "أعور" في عاميتنا على كل أعمى، لا على كل إنسان فقد عينًا واحدة، وبقي يبصر بواحدة أخرى فقط. فهم يستعملون هذا الحرف في غير موضعه اللغوي غالبا.

أعمى

يُستعمل عندهم لمعنى الأعور أيضا. وهم يرونهما مترادفتين لشيء واحد مع أنهما مختلفان. وهم حين يدعون على الشخص يقولون: "العمى" أي: سلط الله عليك آفة العمى، فيختصرون ولكنهم كثيرا ما يقلبون هذا الحرف، فيقولون: "معمي" (على وزن مكوي ومروي) وهم إنما يريدون "أعمى"، ويؤنّثونه فيقولون: معمية.

أطرش

يريدون به أصمّ. وأطرش لفظ عربي، ولكنهم لا يقولون: أصم، أبدا.

بكّوش

يريدون به "أبكم". وهو حرف ليس عربيا، غير أنهم إذا أرادوا إظهار العطف والشفقة على الماشية قالوا: "بكماء مسكينة"، فاذا أرادوا الإنسان قالوا: "بكوش".

والذي يتتبّع عاميّتنا في مجال الأوصاف السيئة المذمومة، وغير المذمومة، يجد عوامّنا ينطقونها نُطقًا عربيًّا سليما في الغالب، كما في هذه الألفاظ التي تحضرني مثلا: أحول، أحمق، أصلع، أقرع، أفطس، أعمش.

ويتصل بهذا أسماء المفعول الدالة على مرض أو داء أو آفة عارضة، كقولهم قولا صحيحا فصيحا: مجروح، مقتول، ملسوع، مسموم، ملعون، مدفون، مجنون، مسعور، محموم، مظلوم، وهلم جرّا. فمثل هذه الأوصاف لا تزال تحتفظ بفصاحتها ونقاوتها في عاميّتنا إلى اليوم.