2025.05.15
حديث الساعة

الماء يتحوّل إلى قنبلة.. حين يعاد تعريف معنى الجحيم في غزة!


على أرض فلسطين، لا يتوقف نزيف الدم بين أنقاض جنين وركام غزة، في مشهد تتراجع فيه القيم وتغيب فيه إنسانية العالم. وأمام آلة صهيونية لا تفرّق بين طفل وشيخ، ولا تميّز بين بيت ومدرسة، يخيّم صمت المجتمع الدولي كعلامة خزي في سجل البشرية. فالعدوان لم يعد مجرّد استخدام للقوة، بل أصبح نهجًا ممنهجًا للإبادة، في ظل عجز دولي يساوي بوقاحة بين الضحية والجلاد.

منذ 21 جانفي 2024، لا يزال الاحتلال الصهيوني يواصل عدوانه على مدينة جنين ومخيمها لليوم الـ106 على التوالي، ما خلف دمارًا هائلًا في البنية التحتية والمنازل. العمليات العسكرية الصهيونية لم تقتصر على القصف فحسب، بل شملت تجريف الأراضي وهدم المنازل، إلى جانب إغلاق المخيم بشكل كامل ومنع دخول المساعدات الإنسانية إليه. وفقًا للمصادر المحلية في جنين، فقد تم تدمير قرابة 600 منزل بشكل كامل، فيما تضرر الآلاف من المنازل الأخرى، ما جعل مئات العائلات في وضع كارثي يواجهون التهجير القسري.

على الرغم من هذا الوضع المتأزم، لم تقتصر عمليات القصف على المنازل فقط، بل امتدت لتشمل المنشآت التجارية والبنية التحتية الأساسية للمدينة، مما أسفر عن شلل اقتصادي شبه كامل. إضافة إلى ذلك، فإن حالة الرعب المستمرة بسبب كثافة الرصاص الحي والاشتباكات اليومية دفعت أكثر من 22 ألف شخص للنزوح عن منازلهم. وكما هو الحال في معظم المناطق التي تشهد الهجوم الصهيوني، يبقى المدنيون الفلسطينيون أكبر ضحايا هذا العدوان المستمر، إذ تفوق أعداد الشهداء والمصابين الرقم 40 شهيدًا في جنين منذ بداية العدوان.

توسع العدوان في غزة: كارثة إنسانية بلا حدود

على الجبهة الأخرى، في قطاع غزة، يواصل الاحتلال الصهيوني توسيع عدوانه في خطوة تهدف إلى تصعيد المعركة العسكرية. ففي تصريح رسمي له، أعرب نائب رئيس وزراء إيرلندا، سيمون هاريس، عن قلقه إزاء الأنباء عن خطط "إسرائيل" لتوسيع العدوان، محذرًا من أنه سيؤدي إلى مزيد من "المعاناة التي لا توصف" للشعب الفلسطيني. لا شك أن هذه التحركات العسكرية التي تشهدها غزة منذ عدة أشهر قد أسفرت عن مقتل أكثر من 52 ألف شخص فلسطيني، إضافة إلى إصابة أكثر من 118 ألف آخرين.

لمعاناة الإنسانية في غزة باتت أكثر عمقًا بعد أن أدت العمليات العسكرية إلى دمار شبه كلي للبنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس، إضافة إلى انقطاع الكهرباء والمياه بشكل تام عن معظم المناطق. وفي ظل هذا التوسع العسكري، يبدو أن "الجيش" الصهيوني مصمم على تكريس الاحتلال الكامل للقطاع، مما يجعل الوضع الإنساني في غزة أسوأ مما كان عليه في أي وقت مضى. فكل يوم يمر يجعل مأساة غزة أكثر تعقيدًا، في ظل تزايد الضحايا المدنيين من النساء والأطفال.

"قنبلة صامتة".. قطع المياه عن غزة كسلاح حرب

من بين الانتهاكات الصهيونية الأكثر فظاعة التي لا تحظى بالاهتمام الكافي على المستوى الدولي، يأتي تدمير البنية التحتية للمياه في غزة. فقد أشار المقرر الأممي لحقوق الإنسان، بيدرو أروخو-أغودو، إلى أن "إسرائيل" تقوم باستخدام المياه كسلاح ضد المدنيين في غزة، من خلال قطع الإمدادات عن أكثر من 2.1 مليون شخص في القطاع. تدمير محطات المياه وتحويل المياه إلى أداة قمع متعمد يضاعف من معاناة الفلسطينيين، حيث لا يصلهم سوى كميات ضئيلة من المياه أو مياه ملوثة بشكل خطير.

إن قطع المياه في قطاع غزة يعتبر بمثابة "قنبلة صامتة"، كما وصفها أروخو-أغودو، إذ يمكن أن تفضي إلى أزمة صحية مدمرة، مع تزايد حالات الإسهال بين الأطفال نتيجة تلوث المياه. وفي الوقت الذي تزداد فيه الأزمة الإنسانية، تتفاقم معاناة الفلسطينيين في غزة بسبب التدمير المتعمد للبنية التحتية الحيوية التي كان من المفترض أن تقدم لهم الحد الأدنى من الخدمات الأساسية.

الإدانة الدولية والعجز عن اتخاذ خطوات حاسمة

ورغم الإدانة الدولية لهذا العدوان المستمر، إلا أن الردود على الصعيد العالمي تظل ضعيفة وغير فعالة. فقد عبرت عدة دول ومنظمات دولية عن قلقها حيال ما يحدث في فلسطين، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي مثل إيرلندا، التي طالبت بوقف فوري لإطلاق النار وفتح المساعدات الإنسانية للقطاع. ومع ذلك، لا يزال المجتمع الدولي يفتقر إلى آليات فعالة للضغط على "إسرائيل" لإنهاء هذا العدوان المستمر، مما يتيح لها مواصلة انتهاك حقوق الإنسان وتدمير البنية التحتية الفلسطينية بلا رادع.

أكثر من ذلك، أظهرت الأبحاث الأخيرة أن الدعم الأمريكي الكامل للكيان في هذه الجرائم يعمق الانقسام الدولي ويضعف الجهود الرامية إلى تحقيق السلام في المنطقة. فمن خلال عدم معاقبة "إسرائيل" على ممارساتها، تظل القوى الكبرى في العالم متواطئة في هذه الانتهاكات، مما يفاقم معاناة الشعب الفلسطيني في كل زاوية من أراضيه.

إن المعاناة المستمرة التي يعيشها الفلسطينيون على أرضهم، سواء في جنين أو غزة، تتطلب تحركًا فوريًا من المجتمع الدولي لوقف العدوان الصهيوني، الذي يعد حربًا شاملة على الإنسانية في الأراضي الفلسطينية. لا يمكن للعالم أن يظل متفرجًا على هذه المجزرة المستمرة. أصبح من الضروري أن تتوحد القوى الدولية لتحمل مسؤولياتها وتضغط من أجل وقف هذا العدوان الجائر، وإلزام "إسرائيل" بالامتثال للقوانين الدولية واحترام حقوق الإنسان.