2025.05.15
حديث الساعة

الرئيس تبون في الذكرى الـ 80 لمجازر 8 ماي.. لا نسيان ولا غفران


في رسالة استحضر فيها ماضي الجزائر العريق وجرحها العميق، جدّد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بمناسبة الذكرى الـ 80 لمجازر 8 ماي 1945، تمسك الدولة بموقفها الثابت من ملف الذاكرة، رافضًا أي تسويات على حساب الحقيقة التاريخية، ومشددًا على أن الجرائم المرتكبة في حق الشعب الجزائري لا تسقط بالتقادم، وأكد أن الجزائر، بتاريخها وصمودها، لن تسمح بطمس الذاكرة أو المتاجرة بها، ولن تقبل بأن يكون تاريخها عرضة للإنكار أو التناسي.

في رسالته، اعتبر الرئيس تبون أن مظاهرات 8 ماي شكلت لحظة فاصلة في مسار الكفاح الوطني، دفعت بالشعب الجزائري إلى التحول نحو الكفاح المسلح، بعدما أغلقت فرنسا كل أبواب الحوار، ولجأت إلى المجازر الجماعية لقمع طموحات شعب أعزل خرج مطالبًا بحقه في الحرية والكرامة.

وشدد رئيس الجمهورية على أن إحياء هذه الذكرى الأليمة هو "وفاءٌ لأمانة الشهداء" الذين واجهوا أبشع جرائم الإبادة الحديثة، مؤكّدًا أن دماء أكثر من 45 ألف شهيد سقطوا في سطيف وخراطة وقالمة وغيرها، ستبقى شاهدة على همجية الاستعمار، وعلى عزم الجزائريين الذي لا يُكسر.

وأضاف رئيس الجمهورية: "إن الجزائر، سيدة قرارها، ماضية في تعزيز مكانتها إقليميًا ودوليًا، مستندة إلى رصيدها التاريخي وثوابت شعبها، ولن توقفها المؤامرات ولا حملات الحقد التي تستهدف مشروعها الوطني المستقل"، مضيفًا أن الشعب الجزائري تعلّم من تاريخه كيف يحوّل المحن إلى انتصارات، وكيف يرد على محاولات النيل من هويته باستثمار مقدّراته وبناء مستقبله بيديه.

وأكد تبون أن الجزائر الجديدة تبنى اليوم على قاعدة الوفاء للذاكرة والتمسك برسالة نوفمبر، وأن المساس بالذاكرة الوطنية هو خط أحمر، موضحًا أن الذين "ناصبوا الجزائر العداء ويحاولون عبثًا تزوير التاريخ"، لن يجدوا من الشعب الجزائري سوى الصمود والرفض، والقدرة على تحويل الأزمات إلى فرص للنهوض.

وختم رئيس الجمهورية رسالته بتجديد العهد مع الشهداء، داعيًا إلى استحضار تضحياتهم في كل خطوة تُبنى فيها الجزائر بسواعد أبنائها وبعقول مخلصة لوطنها.

لا مساومة ولا ابتزاز

ورغم محاولات التعتيم والمراوغة الفرنسية، تواصل الجزائر بكل سيادة وثبات تمسكها بمسار استعادة الذاكرة الوطنية، رافضة أي طيّ لهذا الملف دون اعتراف صريح ونهائي بجرائم الاحتلال الفرنسي. فمنذ انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون، أُدرج ملف الذاكرة ضمن الثوابت الوطنية، لا كموضوع تاريخي، بل كقضية سيادية ذات أولوية في العلاقات الخارجية. وتجسّد ذلك في مواقف رسمية متكررة ترفض منطق "الصفح المجاني"، خاصة بعد التصريحات الاستفزازية لمسؤولين فرنسيين ومحاولات باريس فرض قراءة أحادية للتاريخ. وفي الأشهر الأخيرة، ومع تعمّق الأزمة الدبلوماسية بين البلدين على خلفية قضايا سيادية كالصحراء الغربية واعتقال موظف قنصلي جزائري في باريس، بدا جليًا أن باريس تُراهن على الابتزاز السياسي، وهو ما ردّت عليه الجزائر بحزم من خلال خطوات دبلوماسية تصعيدية، أكدت أن عهد "العلاقات الرمادية" قد انتهى. وفي خضم ذلك، حافظت الجزائر على خطاب سيادي متزن، رافض لأي تجاوز أو تساهل فيما يتعلّق بالإبادة الجماعية التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية في حق شعب أعزل. وفي ذكرى مجازر 8 ماي 1945، كرّس رئيس الجمهورية هذا الموقف الوطني الصارم، مؤكدًا أن الملف سيظل مفتوحًا إلى أن يتحقق اعتراف فرنسي واضح بمسؤولية الدولة الاستعمارية. إن الجزائر اليوم لا تُفاوض على الذاكرة، ولا تسمح بابتزازها عبر ملفات سياسية أو اقتصادية، بل تفرض معادلة الاحترام المتبادل والندية، تأسيسًا لعلاقات دولية تُبنى على الحقيقة، لا على الإنكار.