ينهض الصحافيون الفلسطينيون بدور بطولي في نقل الحقيقة وهم في قلب المعاناة وتحت وطأة الاحتلال؛ إذ يتحدون المخاطر المحدقة بحياتهم، ليكونوا صوتًا للشعب وحُرّاسًا للواقع، ولم تكن الصحافة الفلسطينية يومًا مهنة فقط؛ بل أصبحت سلاحًا في معركة الوعي، وصرخةً في وجه الظلم. وفي هذا السياق، تتجلى صورة الصحافيين كرمز خالد ومُلهم، جسدوا عبر كلماتهم ووجودهم، الصدق والصمود أمام آلة البطش الصهيونية.
يستمدّ فنانو الكاريكاتير أحيانًا رموزهم من رموز فنانين آخرين، وهي ظاهرة متعارف عليها في هذا الفن، خاصة عندما تتحول بعض الشخصيات إلى أيقونات تعبّر عن قضايا كبرى. ومن أبرز تلك الشخصيات الصحافية "شيرين أبو عاقلة" التي أصبحت رمزًا وطنيًا عميق المعنى، كما يظهر في بعض الرسومات الكاريكاتيرية المعاصرة. فقد كانت "شيرين" من ألمع الصحافيين الذين تركوا أثرًا واضحًا في المشهد الإعلامي الفلسطيني، وتحوّلت عبارتها الشهيرة: "كنت معكم، وسأبقى" إلى شعار للحقّ ومقاومة الظلم.
تجسّد صورة الصحافية إرثًا مرئيًا حيًّا يُدين الاحتلال الذي اغتالها بدمٍ بارد أثناء تغطيتها لأحداث مخيم جنين، فغدت صورتها توثيقًا للمأساة وشهادةً على الحقيقة، ويحمل الرسم في طيّاته رمزين أساسيين: الأول: نبات الصبّار تحت المايك، في دلالة على صبر الصحافيين، وثباتهم رغم الألم والخطر، أما الثاني فهو صورة القدس التي تُشير إلى أصول الصحافية المقدسية، وترمز إلى وجوب المقاومة المستمرة من أجل تحرير الأرض والمقدسات.
وتُظهر الصورة الآتية جثمان صحفي مُلقى على الأرض وقد لُطِّخت سترته الواقية التي تحمل كلمة (PRESS) بالدم، وعليه خوذة سقطت بجانبه، بينما نُصب شاهد قبر خلفه كُتب عليه: "شهداء الحقيقة"، وفي الخلفية تظهر قبة الصخرة، رمزًا للقدس وفلسطين عامةً.
إن السترة الواقية من الرصاص التي تحمل كلمة (PRESS) تشير إلى مهنة الصحافة، وهي من المفترض أن تحميهم؛ لكن وجود الدم على السترة يدل على أن هذه "الحماية" غير فعالة في وجه آلة القتل "الإسرائيلية" وهنا، فإن الجسد المُسجّى يمثل كل صحفي فلسطيني استشهد وهو يؤدي واجبه في نقله لواقعه الفلسطيني.
ويحمل التعبير على الصورة الكاريكاتيرية "شهداء الحقيقة" دلالة عميقة جدًا، فالصحفي هنا ليس فقط ضحية؛ بل هو شهيد الكلمة والصورة؛ إذ تبرز الصورة دور الصحفيين كمناضلين بالكلمة، لا يقلّون شجاعة عمّن يحمل السلاح.
وترمز الخوذة الساقطة إلى سقوط الحماية، وانكشاف الصحفيين أمام نيران الاحتلال، كذلك هي رمز لاستمرار الاستهداف رغم وضوح هويتهم كـ "مدنيين".
ووجود قبة الصخرة (القدس) في الخلفية يربط الصورة بكل فلسطين وليس غزّة فقط، وهي تذكير أن قضية الصحافة لا تنفصل عن القضية الفلسطينية الكبرى.
في ظل الأوضاع التي يعيشها الشعب الفلسطيني، لا يزال الصحفي الفلسطيني يقف في الصفوف الأمامية، حاملًا أدواته من مايك وكاميرا وقلم بدلًا من السلاح، لينقل الحقيقة إلى العالم؛ لكن الاحتلال لا يفرّق بين مقاوم وصحفي؛ بل يرى في الحقيقة عدوًّا يجب إسكات صوته، فاستشهاد الصحفيين ليس مجرد خسارة فردية؛ بل جريمة ضد الإنسانية، وضد حرية التعبير والإعلام. إن صورهم، ودمهم الذي يسيل على الزيّ الصحفي، سيظل شاهدًا أبديًّا على جرائم الاحتلال، ورسالةً مدوّية إلى العالم بأن الكلمة أقوى من الرصاصة، وأن الحق لا يموت ما دام هناك من يوثّقه ويصرخ به.