تأتي الزيارات الأخيرة التي قام بها الرئيس عبد المجيد تبون إلى عدد من البلدان الكبرى، على غرارِ روسيا والصين، ثم قطر وتركيا، بالإضافة إلى بلدان أوروبية أخرى مثل إيطاليا والبرتغال، لتؤكد توجّه الجزائر الصريح إلى فتح آفاق جديدة للاقتصاد الوطني وخلق تنويع في الشراكات الاستراتيجية بما يسمح بوضع قدم ثابتة على درب الدول الأكثر ازدهارا في كل المجالات. وعقب زيارة دامت خمسة أيام قادته إلى جمهورية الصين الشعبية، توجّه الرئيس تبون ـ الجمعة ـ إلى جمهورية تركيا في زيارة دولة دامت يومين، التقى خلالها نظيره التركي رجب طيب أردوغان الذي خصه أمس السبت، باستقبال رسمي في مكتب الرئاسة بقصر «دولمة بهتشه» بإسطنبول، حيث بحث الطرفان سبل تعزيز علاقات التعاون الثنائية، فضلاً عن تبادل وجهات النظر حول القضايا الراهنة الإقليمية والعالمية. وتعدّ هذه الزيارة الثانية للرئيس تبون إلى أنقرة بعد الزيارة الأولى في ماي 2022، والتي جاءت في إطار تعزيز العلاقات الجزائرية التركية التي دخلت مرحلة تقارب سياسي وشراكة اقتصادية، إذ تمكنت تركيا من تبوأ المراتب الأولى في لائحة الاستثمارات الأجنبية في الجزائر، كما كان الرئيس التركي أردوغان أول رئيس يزور الجزائر في شهر فيفري 2020، بعد انتخاب تبون رئيساً للبلاد في انتخابات ديسمبر 2019. فتح آفاق جديدة للاقتصاد الوطني وفي هذا الصدد، أبرز الخبير الاقتصادي البروفيسور مراد كواشي، أن زيارة الرئيس تبون إلى تركيا تأتي مباشرةً بعد زيارته إلى كل من روسيا والصين، لتؤكد وبشكل صريح سعي الرجل الأول في البلاد إلى تعزيز وفتح آفاق جديدة للاقتصاد الوطني من خلال خلق تنويع في الشراكات الاستراتيجية التي تجمع الجزائر بدول أخرى رائدة ومتفوقة اقتصاديا على غرار دولة تركيا. وأوضح البروفيسور كواشي في تصريح لـ«الأيام نيوز»، أن العلاقات التي تربط الجزائر بدولة تركيا شهدت على مدار السنوات القليلة الأخيرة زخمًا تصاعديا، إذ ارتفع حجم المبادلات التجارية بين البلدين بنسبة 30 بالمائة تقريبا لتبلغ بذلك ما قيمته 5.3 مليار دولار، فيما اتفق البلدان على رفع قيمة التبادلات التجارية بينهما لتتجاوز سقف الـ10 مليار دولار. في السياق ذاته، أشار الخبير في الاقتصاد إلى أن هذا التطور اللافت في العلاقات الاقتصادية التي تربط الجانبين الجزائري والتركي ترتبط ـ بشكل أساسي ومباشر ـ بمدى التوافق السياسي الكبير بين قيادتي البلدين ممثلةً في الرئيس تبون ونظيره التركي طيب رجب أردوغان، فضلا عن تقارب وجهات النظر حول مختلف القضايا الدولية والإقليمية. وفي حديثه عن حجم الاستثمارات التركية في الجزائر، أوضح المتحدّث، أنها قد شهدت ارتفاعا محسوسا خلال الفترة الأخيرة، حيث تجاوزت قيمة الاستثمارات التركية هنا في الجزائر الـ5 مليار دولار، فيما بلغ عدد المؤسسات التركية الناشطة في الجزائر أزيد من 1500 شركة تنشط في عدة قطاعات مختلفة على غرار البناء، الأشغال العمومية، الري، الصناعة وعدة مجالات أخرى. وفي ختام حديثه لـ«الأيام نيوز»، جدد الخبير الاقتصادي البروفيسور مراد كواشي، تأكيده على أن زيارة الرئيس تبون إلى تركيا تأتي كذلك من أجل إعطاء دفع جديد للعلاقات الاقتصادية الجزائرية التركية التي تسعى بلادنا دائما ـ من خلال السياسة التي يطرحها رئيس الجمهورية ـ إلى تنويع شركائها الاقتصاديين والبحث عن تعزيز مصالحها، وإحداث تطور كبير وملموس في الشراكة بين البلدين في شتى القطاعات بما يساهم وبشكل فعلي في ترقية الاقتصاد الوطني وتعزيزه أكثر مستقبلاً. تجدر الإشارة، إلى أن الشق الاقتصادي كان الحاضر الأبرز وأخذ حصة الأسد خلال هذه الزيارة، وهذا ما ترجمه العدد الهام للوزراء والمتعاملين الاقتصاديين الجزائريين الذين رافقوا الرئيس تبون في زيارته إلى تركيا، على غرار وزير التجارة الطيب زيتوني، وزير الصناعة علي عون ووزير السكن محمد طارق بالعريبي. وعلى هامش زيارة العمل التي قام بها رئيس الجمهورية إلى تركيا، جرت أمس السبت، لقاءات ثنائية بين الوفد الوزاري الجزائري ونظيره التركي، برئاسة الرئيس تبون ونظيره التركي أردوغان، تم خلالها مناقشة عدة قضايا مشتركة تخص البلدين في الشقين الاقتصادي والسياسي. تنسيق تام وبتاريخ 10 ديسمبر 2022، قال وزير الخارجية التركي السابق مولود تشاووش أوغلو، الذي توجه إلى الجزائر حينها لحضور اجتماع مجموعة التخطيط المشتركة بين البلدين، "إن عدد الشركات التركية في الجزائر تجاوز 1400 شركة وتجاوز إجمالي الاستثمار 5 مليارات دولار". وأوضح تشاووش أوغلو أن التعاون بين الجزائر وتركيا سيكون مفيداً للمنطقة بأسرها وقال: "نحن نعمل معاً لزيادة ليس فقط تجارتنا ولكن أيضاً استثماراتنا هنا إلى مستوى 10 مليارات دولار". وخلال السنوات القليلة الأخيرة وتحديدًا منذ تولي تبون رئاسة الجزائر في نهاية 2019، تعرف العلاقات التركية الجزائرية المدعومة باتفاقية الصداقة والتعاون الموقعة بين البلدين عام 2006، تطورًا لافتًا وزخمًا متصاعدًا على كافة الأصعدة والجوانب، بما في ذلك، الجانب السياسي، إذ يجري تنسيق تام بين البلدين فيما يتعلق بإيجاد حلول سياسية للقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك على غرار مسألة استتباب الأمن في منطقة الساحل. جدير بالذكر، أن زيارة الدولة التي قادت الرئيس تبون إلى تركيا بدعوة من نظيره التركي، في ماي 2022، كانت قد شكّلت هي الأخرى محطةً هامة تم خلالها توقيع العديد من الاتفاقات ومذكرات التفاهم التي ساهمت وبشكل جليّ في تسريع وتيرة التعاون في جميع المجالات، حيث تم حينها التأكيد على توافق وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك. هذا، وقد عرفت جميع زيارات الرئيس تبون التي قام بها مؤخرًا، برنامجًا جمع بين الشقين السياسي والاقتصادي، من خلال تنظيم ملتقيات لرجال الأعمال، سعيا إلى إبرام شراكات اقتصادية، فضلاً عن كونها تندرج في إطار استرجاع المكانة الحقيقية للجزائر، التي لطالما كانت لها كلمتها في مختلف القضايا.