"أن تقتل طائرًا بريئًا" للكاتبة الأمريكية "نيللي هاربر لي" من أشهر الرّوايات التي حقّقت مبيعات تجاوزت الثلاثين مليون نُسخة وتُرجمت إلى حوالي عشرين لغة، صدرتْ طبعتُها الأولى سنة 1960، ورصَدت تناقضات المُجتمع الأمريكي في ثلاثينيات القرن الماضي، وما كان فيه من تمييز عنصري وعِرْقيّ وشيوع الخرافة وترَدّي التعليم والقِيَم المُجتمعية.. الكاتبة الأردنية "صالحة خليفة" تُقدّمُ قراءةً نقديّة في هذه الرواية إلى قرّاء "الأيّام نيوز". "أن تقتل طائرًا".. إبحارٌ في عوالمِ الرّواية "أن تقتل طائرًا بريئًا أو ساخرًا أو مُحاكيًّا" هذا هو عنوان الرِّواية التي حقّقت مبيعات بأكثر من ثلاثين مليون نسخة حول العالم، للرّوائية الأمريكية "نيللي هاربر لي". من يقرأ عنوان الرواية يَلمس الصُّورَتيْن المتقابلتيْن فيها، القتل والبراءة، الكبار والصغار، وما بينهما من نبض حياة، وأنَّ هناك جريمةٌ قد تحدثُ أو قد حدثتْ بالفعل، فيجِدُ القارئ نفسَه يُبْحِر في الرواية للبحث عن القتل والبراءة معًا. ورغم الأحداث المُؤلمة، وجُرعة القتل النفسي والجسدي إلاَّ أنّ القارئ قد يجِد نفسَه أمام صُوَر فَكِهَة، وعفْويّة وبساطة. كما أن الحكاية تُرْوَى على لسان طفلة عن أبٍ يبذل قُصارى جهده في تربية وتنشئة طِفليْه تربيةً سليمة، وأن يضع أقْدامهما على المسار الصحيح في هذه الحياة.. وقد زرَع والدهما "أتيكوس" في داخلهما المُثُلَ والقِيَم ونصرة المُستضعفين في الأرض والدفاع عنهم، ونبذ العنصرية. تعيش "سكاوت" وأخوها "جيم" في بلدة قديمة بولاية "ألاباما" الأمريكية، وكان لديْهما صديقٌ مُشترك، هو "ديل"، حيث كانوا ثلاثتهم يلهون صيفًا ويشنُّون حملات مشاكسة من أجل دفْعِ جارهم "بو رادلي"، وهو مُصابٌ بالتَّوحُّد، إلى الخروج من منزله واللّعب معهم. أما والدهما "أتيكوس" فقد كان محاميًّا وقَبِلَ الدفاع عن رجل "أسْوَد" يُدْعى "توم" والمُتّهم بضرب واغتصاب امرأة بيضاء تُدْعى "مييلا أويل"، ورغم الأدلة التي تثبت براءَته من هذا الجُرم إلاَّ أنّ معظم سُكان البلدة اقتنعوا بأنّه مُذنب، وقد بدؤوا في ازدراء "أتيكوس" لالتزامه بالدفاع عن هذا "الأسْوَد" ضد تلك المرأة البيضاء. ولم يقف التّنمُّر هنا، بل تجاوز إلى محاربة الطفلين "سكاوت" و"جيم" في المدرسة، لتصل إليهما الحقيقة المؤلمة أن أهل القرية مُتحامِلون على "توم" ليس لأنه مُذنبٌ حقًّا، وإنما لأنه من الزّنوج ذوي الأصول الإفريقية، مما أحْزن قلبيْهما. وقَف الطّفلان، رغم صِغَرهما، على حقيقة كان من الصعب عليهما استيعابُها وفَهْم كيف يكون الناس بهذا التّوحّش والاستبداد وظُلم الآخر بسبب لون بشرته وانتمائه إلى أصول إفريقيّة. والصدمة الكبيرة التي ألمّتْ بهما عندما وجَدَا أنّ المحكمة، التي يُفترضُ أن تُقيمَ العدل بين النّاس، هي ليست كذلك.. واستمرَّ الظّلم عندما تمَّ إطلاق النار على "توم" وقتْله لمحاولته الهروبَ من السجن، لأنّه رغم تبرئته من طرف قاضي المحكمة فإنّه لم يُفرَج عنه. والمُفارقة أنّ والد الضحيّة البيضاء "مييلا" قام بتهديد المُحامي "أتيكوس" والانتقام منه لأنه تسبّب بإحراجه في قاعة المحكمة، وقد تعرّض إلى الطّفلين بسكِّين ليلةَ الهالوين، فكسر ذراعَ "جيم" وكاد أن يقتل سكاوت. والمفاجأة التي أذْهلتْ الطفلين هو "رادلي" الطّفلُ المُصاب بالتوحّد فقد أنقذهما من يد والد الضحيّة البيضاء. وهنا بدأت "سكاوت" تستكشف عالم "رادلي"، وتتصوَّرُ الحياةَ من منظوره، فقد تصرَّف بنُبْل وأخلاق على عكْس الآخرين من "الأصِحّاء". أما مَوقف عُمدة المدينة "هيك" فقد كشَفَ عن اختلال العدالة والمساواة بين الناس في مدينته بسبب لون البشرة والأصول التاريخية. وأيْضًا عندما فَرَض على الطفل المُتوّحد "رادلي" أن يبقى سجينًا في بيته بعيدًا عن دائرة الضّوء بسبب موقفه النّبيل.. وهذه المفارقات أو المقارنات جميعُها جسَّدت الصُّورةَ الحقيقيّة للمجتمع في هذه البلدة وما فيها من تناقضات في التّعامل مع النّاس واختلال في العدالة وتمييزها بين إنسان أبيض وآخر أسْوَد.




