2025.05.22
إضاءات

ما قصة «سيفار» المدينة الغامضة في صحراء الجزائر؟


في خضم التطور التكنولوجي الهائل - الذي نعيشه اليوم - واستخداماته في دراسات علم الأثار والأنثروبولوجيا، قد يعتقد البعض أنه أصبح بإمكان العلم معرفة كل شبر من كوكبنا، إلاّ أنه وفي حقيقة الأمر، لا يزال هناك الكثير من الأماكن الغامضة في العالم التي حيّرت العلماء والباحثين على مر القرون. فلطالما عجّ كوكب الأرض بأماكن غامضة حيكت حولها الحكايات والأساطير، وأثيرت حولها الألغاز والخيالات، ودارت حولها الأسرار والتساؤلات بسبب ظواهر مريبة اشتُهرت بها، وعلى الرغم من محاولة العلماء إيجاد تفسيرات علمية منطقية لما يحدث في هذه الأماكن، إلاّ أنه لم يتم حلها وفك أسرارها، بل ظلّت محتفظة بغموضها حتى اليوم. "برمودا البر" وعلى غرار مثلث برمودا في قلب المحيط الأطلسي - والذي يعتبر من أكثر الأماكن غموضاً في العالم - تحتضن الصحراء الجزائرية مدينة سيفار الغامضة، وتسمى أيضا بالمدينة اللّغز وأعجوبة العالم الثّامنة، موجودة في سلسلة "الطاسيلي ناجر" وسط صحراء "جانت" في ولاية إليزي، قال عنها علماء آثار أمريكيين "كل مثلثات برمودا موجودة في البحر إلاّ مثلث واحد موجود في صحراء الجزائر". لفّت مدينة سيفار، الكثير من الألغاز ورويت عنها الكثير من الأساطير التي نُسجت حول النقوش الغربية التي تحويها كهوفها، ووصفت ببرمودا البر، نظراً لصعوبة التجوّل بها دون دليلٍ، وذلك بسبب كثرة المتاهات التي تحتويها، كما أنّ في مدينة سيفار رسوماتٌ يُعتقد أنّها من إنجاز الجن أو الفضائيين، بينما يعتقد آخرين إنها قارة أتلانتيك المفقودة التي ذكرت للمرة الأولى على لسان الفيلسوف "أفلاطون"، فما قصة هذه المدينة اللّغز؟ أكبر مدينة كهوف بالعالم في قلب سلسلة جبال طاسيلي ناجر، وعلى الحدود الجزائرية الليبية، تقع مدينة سيفار الجزائرية، الملقبة بـ"مدينة الأحجار"، والتي تُعدُّ أكبر مدينة كهفية في العالم. وتضمّ مدينة سيفار، والتي تُعرف بأنها أكبر متحف مفتوح لفن ما قبل التاريخ في العالم، على عشرات الآلاف من الرسومات والنقوش واللوحات الصخرية التي أُعيد اكتشافها في الخمسينيات من القرن الماضي. ووصل عدد تلك الرسومات والنقوش إلى 15 ألف صورة ومنحوتة، تعود إلى 6 آلاف عام قبل الميلاد، وتستمرّ حتى القرون الأولى من عصرنا. هذه اللوحات، التي يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من 12 ألف عام، تصور في الغالب حيوانات ومشاهد الصيد أو الحياة اليومية التي تشهد على أن هذا المكان المعادي لم يكن دائماً صحراء غير مأهولة. زادت من صحة نظرية "الفضائيين القدامى" وتمثل اللوحات الأكثر استثنائية احتفالات غامضة، ناهيك عن مخلوقات مبهمة ذات أشكال غريبة ومظاهر حيّرت العلماء كونها خارج كوكب الأرض، أشهرها "الإله العظيم"، "الرامي الأسود"، "المريخ"، "الرؤوس المستديرة"، "العربات"، "السباحون ذوو الأبواق" و"النساء ذوات الأقنعة"، حسب موقع "عربي بوست". وفسّر بعض علماء الآثار الذين زاروا مدينة سيفار، تلك الرسومات والنقوش، بأنها تزيد من صحة نظرية "الفضائيين القدامى"، التي تزعم قيام كائنات من خارج الفضاء، بزيارة كوكب الأرض في فترات ما قبل التاريخ. كما يتداول سكان المنطقة رواية مفادها بأن الرسومات على صخور المدينة، لم يرسمها أهل الأرض بل سكان الفضاء. ومن جهته، قال المؤرخ التاريخي فريد ايغيل احريز، في تصريح صحفي سابق: إن بعض الرسوم تمثّل أجسامًا غريبة ولا يعرفونها ولهذا قالوا إن الكائنات الفضائية رسمتها. وأضاف: "جاؤوا من الفضاء في هذه المنطقة ولهذا نجد هذه الرسومات". أحد أهم الاكتشافات وللعلم، هذه الرسومات أخرجها إلى العلن بعد ما بقيت مستترة لآلاف السنين المستكشف وعالم الآثار الفرنسي هنري لوت سنة 1956 بعد أن كشف له عن أسرارها ابن منطقة الطاسيلي جبريبن مشاراق محمد. لكن أول شخص تحدث عن هذه الرسومات الرحالة برينان الذي اكتشفها سنة 1938 خلال رحلته في الصحراء الجزائرية متوجها نحو ليبيا، عندما لفتت انتباهه كهوف في داخلها نقوشا ورسومات لتكشف عن حياة أناس عاشوا في هذه المنطقة ومعالم ومظاهر الحياة المتعاقبة ما قبل التاريخ، واعتبرت آنذاك أحد أهم اكتشافات هذا العصر. نشر برينان مقالاً حول الكهوف في أحد أشهر المجالات العلمية آنذاك، لكن ما كتبه المستكشف برينان لم يكن له أي صدى يعكس حجم وقيمة ما اكتشفه، لأنه لم تكن هناك صور تبرز حقيقة وقيمة الإنجاز. غير أن العالم الفرنسي هنري لوت المختص في تاريخ الشعوب، خلال زيارته إلى منطقة الطاسيلي، قام بتصوير وتوثيق ما وقف عليه من رسومات ونقلها إلى العالم، وكتب كتابا حولها يحمل عنوان "رسومات الطاسيلي" وتقدر عدد الرسومات المتكشفة إلى حد الآن حوالي 30 ألف رسم و4 آلاف شكل صخري. لم تكن صحراءً خالية الرسومات المكتشفة التي اختلفت المصادر العلمية حول تاريخها فهناك من يؤكد أن بعضها يزيد عمرها عن 12 ألف عام وآخرون يقدمون عمرا أطول يناهز 30 ألف سنة، لكنها كلها ترصد نمط حياة أهل المنطقة ومن سكنوا سيفار ومنطقة الطاسيلي، حيث تمثل في الغالب حيوانات ومشاهد الصيد أو الحياة اليومية، وأهم ما تبرزه هذه المشاهد أن المنطقة لم تكن صحراء خالية تنعدم فيها الحياة، بل أقرب إلى المناطق الاستوائية في القارة حيث تظهر الحيوانات المختلفة مثل الأبقار والزرافات، والفيلة ووحيد القرن، والماشية، والنعام، والظباء، وهو ما يؤكد أن المنطقة كانت رطبة وعاش فيها عدد كبير من السكان قبل أن تدفعهم التغييرات الطبيعية إلى هجرة المنطقة التي تحولت مع مرور الأزمنة إلى صحراء قاحلة. الشجرة الفريدة ويوجد أيضاً في مدينة سيفار شجرة يعود تاريخها إلى آلاف السنين، وهي غير موجودة في العالم والوحيدة الموجودة في الصحراء، ويتراوح عمر هذه الشجرة ما بين ألفي إلى 3 آلاف سنة، وهي مسجلة ومحمية في منظمة اليونيسكو. سميّت سيفار على اسم نوعٍ من التمر أما أصل تسمية سيفار، فقد اختلف فيه كثيراً، لكن الرواية الأقرب للحقيقة حسب سكان المنطقة، فتعود إلى التمر الأصفر المنتشر في النيجر، بحيث كانت المدينة عبارة عن جبالٍ بها أحجار صفراء، تشبه التمر الأصفر، ومن هنا جاء اسم سيفار الذي أطلق على المدينة الحجرية. وتختلف الروايات حول أصل المدينة وتشكلها الأول، حيث يقدر عمرها بحوالي 20 ألف سنة، ويعزى للظروف المناخية من رياح وسيول السبب في نحتتها وجعلها في الشكل المعروف حالياً. بينما تذهب الروايات الشفوية المتناقلة بين سكان الطاسيلي ناجر، إلى أن هذه المدينة من صنع الإنسان، وعرفت حضارات متقدمة. مدرجة في لائحة اليونسكو للتراث تم إدراج مدينة سيفار على لائحة التراث العالمي منذ عام 1982، وذلك بعد إضافة منظمة اليونسكو، منطقة طاسيلي ناجر في الجزائر إلى اللائحة، كون مدينة سيفار مصنفة ضمن المنطقة نفسها. وسُجلت منطقة طاسيلي ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو بوصفها أقدم وأكبر مدينة صخرية أو "غابة صخرية" في العالم بمساحة تُقدَّر بـ 89342 كيلومترا مربعا، حيث تساوي مساحة دولة الأردن. وأوضحت منظمة اليونيسكو أن تلك المنطقة تحتوي على ما يزيد على 15 ألف رسم ونقش على جدران الكهوف. أما فيما يخص التكوين الجيولوجي للمنطقة، فيذكر الباحثون أن منطقة طاسيلي قديمة التكوين، حيث تعود مجموعة الهضاب التي تُشكِّل المنطقة إلى حقبة الباليوزويك، أي الزمن الجيولوجي الأول بين 550 مليون سنة و370 مليون سنة. الطريق إليها بالحمير وبالرغم من شهرة المدينة والأساطير التي نسجت حولها المستمدة من الاكتشافات غير المسبوقة، إلاّ أنها تبقى من المناطق التي لا تعرف إقبالاً كبيرا من طرف السياح لصعوبة تضاريسها والمسالك المؤدية إليها، والطريقة الوحيدة للوصول إلى الممر المؤدي إلى الهضبة هي السير على الأقدام في طرق ضيقة شديدة الانحدار أو على ظهر الحمير وتبقى مغامرة في حد ذاتها وليست في متناول الجميع. إلاّ ّأنه وبمجرد قطع هذه المسافة والتي تتطلب عدة ساعات من الزمن، وعبور مسالك عبارة عن متاهات غير سالكة، تترآى مدينة سيفار الطبيعية غير العادية الممتدة على مد البصر. لكن يتجرأ أحد حتى الآن دخول هذه المدينة كاملة، واكتفوا بزيارة جوانبها واكتشاف أجزاء منها فقط، لأنها تشبه متاهة وفي حالة دخول أي شخص فيها لم يستطع الخروج إطلاقًا. الساحر "كراولي" الوحيد الذي دخل "مدينة الجن" وتؤكد المصادر، أن بعض المعلومات الموجودة في وثيقة بأحد متاحف بريطانيا، تشير إلى أن الوحيد الذي دخل إلى المدينة وتجول في كل أزقتها هو السّاحر "أليسر كراولي" أشهر ساحر في التاريخ، والفريق الذي دخل معه -المتكون من 30 شخصاً- كلهم ماتوا، أمّا هو مات بعدهم بسنوات وترك مخطوطات تتضمن رسومات غير مفهومة، وأخرى لحيوانات غريبة ومألوفة، كالأبقار والخيول والزرافات تعيش وسط مروج ضخمة وأنهار وحدائق. أقرب من الأسطورة منه إلى الواقع ويذهب باحثون إلى كون ما نسج حول مدينة سيفار أقرب من الأسطورة منه إلى الواقع، ويؤكد الباحث والمعماري الجزائري الدكتور عاطف أحريز على أن ما "تحتويه المنطقة من كنوز فنية وتاريخية فهذا شيء لا يعتبر ضرباً من الخيال إنما هي حقيقة مرئية وملموسة"، أما جانب الإشاعات والتي تصنف ضمن الخرافات، فتبقى حسبه الخرافة اعتقادا بشريا بالأمور الخارقة والتي يعجز العقل عن تفسيرها. أما عن التأويلات والتفاسير المختلفة التي وضعها علماء الآثار، والتاريخ والأنثروبولوجيا فهي علمياً تسمى فرضيات قد تحتمل الصحة مثلما تحتمل الخطأ، لأنها مبنية على أسس علمية متعارف عليها.