ثَمّة علاقةٌ شائكةٌ بين الرِّواية والسينما، أو إذا شئنا القول، ثمّة علاقة مُلتبِسة بين الروائي والمُخرج، كيف ذلك؟ الرِّوائي يعتمد على المشهد المرسوم بالكلمات، وهو بذلك يقوم بعمل المخرج الذي ينْقل الكلمات إلى صُوَر، والتّداخل الذي يحصل بينهما، هو أن الروائي - غالبًا - ما يُقدّم نصّه الروائي باللغة العربية الفصحى، باستثناء الحوار، والذي أيضا يُقدَّم في الغالب بلغة فصيحة.. فريق العمل السينمائي من السيناريست والمخرج والمنتج.. كُلٌّ له دوره ورؤيته في التعامل مع النصّ الروائي الأصلي ومع اللغة تحديدا. السيناريست؛ طرفٌ مهمٌّ وأوّلي من أطراف عملية إنتاج الفيلم، ومن وجهة نظره - المشروعة - أنه لا ينبغي عليه أن يأخذ كل الرواية، بلغتها والمقاطع السردية الثانوية التي تُعبّر عن روح الروائي وشخصيته وانسجامه مع الشخصيات والمكان والزمان، فهو يريد أن يقدم نصًّا موازيا للرواية يصلحُ تحويله إلى صورة تُقدَّم إلى المشاهد العربي، بكل تفاصيله الشعبية، وأهم هذه التفاصيل هو تحويل اللغة الأصلية في الرواية، إلى لغة محكية مألوفة متداولة للجمهور المستهدف، تناسب مُيوله وتطلّعاته، وآخر ما يفكر به السيناريست هو الحفاظ على اللغة الأم! أما بالنسبة للمخرج؛ فهو أيضا صاحب رؤية إبداعية مستقلة، ويرى أن من حقّه عدم الالتزام بالرواية ولغتها وشخصياتها، وكيف يُقدّمهم إلى المشاهد العربي.. فهو يرى أن الحوار، والسيناريو الذي سيعمل عليه، هو كلّه حوار من أول كلمة إلى آخر كلمة، ولا يمكن أن يقدم بلغة عربية فصيحة، طبعا الحديث هنا عن الأعمال السينمائية الـ "مُودَرْن" وليس الأعمال التاريخية. المُنْتِج؛ من الصعب واقعيًّا، أن يقوم المنتج بتمويل الفيلم السينمائي بمبالغ ضخمة، ولا ينتظر أرباحًا ومردودًا ماديًّا، هذا واقع وليس تجمُّلاً، وهو في النهاية يمثل شركة رِبْحية. والمُنتج هو عَصَب العمل السينمائي ولولاه لبقي أيّ فيلم نصًّا سرْديًّا في الرواية، لذلك لن يقوم بتمويل فيلم سينمائي يعالج قضية مجتمعية حديثة بلغة عربية فصيحة، لأنه ببساطة وحسب خبرته المسبقة، يعرف أن العمل لن ينجح حين عرْضه. الآن يقف الروائي أمام كل تلك العقبات التي أمامه، هل يرفض المَساس بهيكل الرواية السردي المكتوب بلغة عربية فصيحة، قال فيها كل رؤيته، قلقه، وانسجامه مع الشخصيات والمكان والزمان والحوار.. أن يتمَّ التَّعدي - من وجهة نظره - على حقّه الروائي، أم يرضى بتحويل روايته الى عمل سينمائي حسب رؤية أقطاب العمل الثلاثة (المخرج والمنتج والسيناريست)؟ هذا السؤال لا يمكن الإجابة عليه بالمطلق. من هنا أرى، أن تكون اللهجة المَحْكية في الفيلم، هي لهجة (بيضاء) أي قريبة جدًّا للغة العربية، ويفْهمُها المشاهد العربي في الشرق والغرب.. بذلك قد يحصل ذلك التوازن، وقد يُمثّل تسْوية ما بين عناصر إنتاج الفيلم العربي السينمائي.