جاء الرد الإيراني في ليلة الأحد لينهي جميع التكهنات والترقبات والأقوال المتضاربة بشأن الرد الإيراني من عدمه، ثأرا بمقتل عدد من المواطنين الإيرانيين في الجريمة التي استهدفت المجمع الدبلوماسي الإيراني في دمشق. عملية «الوعد الصادق» كما سماها حرس الثورة استمرت لعدة ساعات من خلال إطلاق المئات من الصواريخ الباليستية وكروز من طراز عماد باوه والمسيرات الانتحارية المطورة من طراز شاهد، واستهدفت أهدافا عسكرية بحتة أهمها قاعدتي نفاطيم وخرمون. "إسرائيل" هدّدت إيران قبل تنفيذ عملية الوعد الصادق برد مدمر إذا قامت طهران بإجراء أي عملية عسكرية داخل أراضيها، لكن حتى اللحظة لم يصدر أي رد فعل عسكري من قبل كيان الاحتلال، بينما طالب بايدن "إسرائيل" بعدم الرد من أجل احتواء الموقف وعدم التصعيد. ماذا حصل بعد الرد الإيراني؟ النقطة البارزة في العملية الإيرانية والتي تستحق الاهتمام هي أن الاشتباك العسكري بين إيران و"إسرائيل" كان مباشرا لأول مرة. الرد جاء مباشرا من الأراضي الإيرانية دون الاستعانة بالحلفاء الإقليميين وضرب العمق الإسرائيلي. بالطبع هذا يكمن في طبيعة العملية العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت القنصلية. عملية غير مسبوقة ومخالفة للمواثيق الدولية ضد طهران استهدفت جزء من أراضيها المتمثلة بالقنصلية. وهذا التصعيد الإجرامي وضع إيران في موقف محرج حول طبيعة الرد. إذ كانت تشير بعض التقييمات ومن المرجح التقييمات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية عن عدم قيام إيران برد مباشر. أو في أسوأ السيناريوهات استهداف إحدى البعثات السياسية الإسرائيلية في دولة ما. أما الرد الإيراني المفاجئ بغض النظر عن حجم الخسائر جاء ليغير قواعد الاشتباك حيث اظهر لكيان الاحتلال وداعميه أن أي ضربة مماثلة لإيران ستواجه رد قوي ممكن أن تصل داخل العمق الإسرائيلي. بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر تعرض الكيان وخصوصا المؤسسة العسكرية والأمنية إلى ضربات غير مسبوقة بسبب الفشل في تحقيق الأهداف والجرائم البشعة بحق المدنيين وصلت إلى إبادة جماعية في غزة. وجاء الرد الإيراني الواسع داخل العمق الإسرائيلي ليكسر الهيبة المتبقية لدولة الاحتلال في الداخل والخارج. وبمقارنة أماكن الاستهداف وحجم السلاح خلال عمليتي دمشق والوعد الصادق، يبدو واضحا أن قوة الرد الإيراني باستخدام أكثر من 200 صاروخ ومسيرة انتحارية داخل العمق الإسرائيلي كانت أكثر من جريمة دمشق وأكثر مما كان يتوقعها الكثير. لذلك الإسرائيليون الآن في وضع متأزم جدا. يمكن القول أن أمام كابينة الحرب في تل أبيب سناريوهين لحفظ ماء الوجه تجاه الرأي العام الداخلي والخارجي وخصوصا أن نتانياهو الذي فشل فشلا ذريعا في غزة لا يريد أن يقدم خسارات أكثر مما هو عليه. السيناريو الأول يتمثل في الاستجابة إلى الدعوات لضبط النفس وعدم الرد المباشر. يبدو أن الإدارة الإسرائيلية المتهورة لا تستطيع أن تغض النظر عن الهجوم الإيراني الواسع وغير المسبوق لذلك من المحتمل جدا أن تقوم بالضغط على حلفاءها الدوليين خصوصا واشنطن لاتخاذ إجراءات سياسية صارمة تجاه طهران أبرزها العقوبات ضد إيران وتصنيف الحرس الثوري في قائمة الإرهاب. بالإضافة إلى ذلك بإمكان "إسرائيل" أن تقوم بتخطيط وتنفيذ عمليات أمنية كبيرة داخل إيران وهذا احتمال وارد جدا. ولا ننسى أن هناك أهداف إيرانية ومقرات عسكرية داخل الأراضي السورية ممكن ان تكون أهدافا لكيان الاحتلال. أما السيناريو الثاني هو الرد المباشر ضد أهداف داخل الأراضي الإيرانية. إذا قامت "إسرائيل" بهذا السيناريو فبالتأكيد لا يمكن لإيران ان تقف وقفة المتفرج تجاه ذلك والرد سيكون أكثر عنفا وأقوى من عملية الوعد الصادق وهذا الموضوع لا يريده الإطراف الدولية والإقليمية بسبب تداعياته السلبية الكبيرة على الجميع. لذلك يبدو أنه من المرجح رضوخ "إسرائيل" إلى الضغوطات التي تطالب الاحتلال بعدم الرد المباشر وبالمقابل التوجه نحو تخطيطات لتنفيذ عمليات أمنية داخل إيران وتوسيع دائرة قصف واستهداف المستشارين الإيرانيين في سوريا بعيدا عن الأماكن الدبلوماسية. وسيترك الرد الإيراني الواسع آثاره السلبية على الذاكرة الإسرائيلية لعدة سنوات كما انه سيرسم عهدا جديدا في المنطقة بقيادة إيران وحلفاءها والمقاومة لا يمكن التراجع عنها. الكثير من الشعب الإيراني يعيش الآن حالة من الشغف وتزايدت توقعاته من قيادته السياسية والعسكرية في أي عدوان عسكري محتمل ضد البلاد. فالقيادة الإيرانية من خلال الوعد الصادق رسمت صورة جديدة عن قدراتها في الرد علی أي عمل عدواني ينتهك سيادة البلاد ولا يمکن التراجع عن شکل وحجم الرد ونحن في عهد جديد من الانتصارات لصالح شعوب المنطقة بعد أن سقطت الخطوط الحمراء.