بعد أن تحدّث رئيس وزراء سلطة الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو - خلال مقابلة أجرتها معه القناة 14 العبرية - عن اهتمامه بـ"صفقة جزئية" لإطلاق سراح "بعض الرهائن" في غزة، مشدّدا على عبارة "لن أوقف الحرب وأترك حماس واقفة في غزة"، عاد فجأة - على وقع ردود فعل غاضبة من الداخل والخارج - ليقرّر التراجع عن تصريحاته - أمام الهيئة العامة للكنيست (البرلمان) - مدعيا التزامه بالمقترح الذي قدّمه الرئيس الأمريكي جو بايدن، في مشهد أظهر حالة التخبّط في مواقفه وتناقض ردود أفعاله وكأنّ نتنياهو فقد صوابه بعدما اصطدم بجدار الحقيقة التي يصنعها رجال المقاومة في الميدان. والغريب في الأمر، أنّ تصريحات مجرم الحرب بنيامين نتنياهو جاءت بينما كان وزير دفاعه يوآف غالانت يجري مباحثات في واشنطن حول ما يُسمى الانتقال إلى "المرحلة الثالثة" من الحرب على قطاع غزة، وذلك ضمن زيارة غير معلنة المدة بدأها يوم الأحد 23 جوان الجاري، وأعلن خلالها التمسك باستعادة كل الأسرى المحتجزين في غزة. من جانبه، نقل موقع أكسيوس عن مسؤولين صهاينة وأمريكيين أن تصريحات نتنياهو بشأن صفقة جزئية كانت صادمة لمسؤولي إدارة بايدن، وقال المسؤولون إن تصريحاته بعثت رسالة إلى حماس بأن "إسرائيل" لا تنوي تنفيذ كل الاتفاق، وقال مستشار الأمن القومي لدى نائبة الرئيس الأمريكي إن واشنطن تحث نتنياهو على قبول الصفقة التي أعلن عنها بايدن. وبات واضحا أن نتنياهو -الذي يتنكر أمام الحقائق في الميدان التي يصنعها رجال المقاومة- بحاجة لمن يصب على رأسه الماء البارد ليستفيق من غيبوبته، ويمكن القول أن وزير دفاعه غالانت وصف للأمريكيين الوضع الحقيقي في الميدان، في غزة ناهيك عن الوضع في الجبهة اللبنانية التي يفرض فيها حزب الله منطقه. وبالفعل، فإن واشنطن وجدت نفسها مجبرة على إرغام نتنياهو على سحب كلامه بشأن "صفقة جزئية" وإعلان موافقته على مقترح بايدن، وهو بالضبط ما ذكرته صحيفة يديعوت أحرونوت التي قالت يوم الثلاثاء 25 جوان إن نتنياهو اضطر للتراجع عن تصريحه بأنه لن يوافق إلا على صفقة تبادل أسرى جزئية إثر رسائل قاسية من البيت الأبيض، مشيرة إلى أنها المرة الأولى التي يعلن فيها التزامه بمقترح بايدن. وذكر مراسل الصحيفة إيتمار آيخنر أن واشنطن غضبت مما قاله نتنياهو في مقابلة مع القناة الـ14 الإسرائيلية عن قبوله صفقة تبادل جزئية، ما يهدد بتعريض محاولات التوصل إلى اتفاق للخطر، ولفتت إلى أن مقابلة نتنياهو أخافت "مسؤولي البيت الأبيض الذين حرصوا خلال الأشهر القليلة الماضية على إلقاء اللوم على حماس لرفضها الاقتراح الصهيوني"، ما دفعهم أن يطلبوا منه إعلان موافقته على الخطوط العريضة للمقترح. وأضاف المراسل أن تصريح نتنياهو يوم الاثنين 24 جوان في الكنيست بقبوله مقترح بايدن، والذي عرضه في خطاب نهاية ماي الماضي، لا يشكل تغييرا جذريا في مواقف نتنياهو المعلنة، وشدد على أن سلطة الكيان حريصة على الحفاظ على الغموض فيما يتعلق بالصفقة التي قدمها بايدن، والتي ينبغي من حيث المبدأ أن تؤدي إلى نهاية الحرب، ولكن سلطة الاحتلال - بالمقابل - تعطي لنفسها الحق في استئناف القتال إذا فشلت المحادثات. زوجة نتنياهو تتهم "الجيش" بتدبير انقلاب وفي 11 جوان الجاري، سلمت فصائل المقاومة ردها على المقترح الذي عرضه بايدن للوسطاء، شاملا تعديلات تتعلق بوقف إطلاق النار والانسحاب الصهيوني من كامل قطاع غزة بما فيه معبر رفح ومحور فيلادلفيا، مبدية استعدادها للتعاون، غير أن واشنطن قالت إن بعض التعديلات "يمكن العمل عليها وبعضها غير مقبولة للكيان"، متهمة حماس بعرقلة التوصل لاتفاق، مع إن "إسرائيل" لم تكن حينها قد وافقت أصلا –بشكل علني- على الاقتراح حينها. ورغم ما تبذله واشنطن للتغطية على نتنياهو إلا أن هذا الأخير أمعن في الكذب وارتكاب الحماقات وإطلاق التصريحات المتناقضة والتصرف أمام حلفائه بعقلية الابتزاز، وهو ما جعل معظم ساسة الغرب وحتى في الداخل الإسرائيلي يعتبرونه مشكلة عويصة فهو عاجز عن الانتصار في حربه ضد غزة، وبالمقابل يرفض الاعتراف بالهزيمة، وهكذا لم يعد أمامه سوى الاستمرار في إرسال قطعان جيشه لقتل أطفال ونساء غزة. وتصاعدت - في المدة الأخيرة - الخلافات بين (الجيش) الصهيوني ومجرم الحرب نتنياهو، بعد تصريحات المتحدث باسم (الجيش) دانيال هاغاري بأن الحديث عن تدمير حماس مجرد ذر للرماد، بينما هاجم نجل نتنياهو الفتى الأرعن يائير قائد سلاح الجو تومر بار، متسائلا عن مكان تواجده يوم 7 أكتوبر الماضي. وتدخلت زوجة نتنياهو، سارة نتنياهو، متهمة رؤساء "جيش" الاحتلال بأنّهم "يريدون تنفيذ انقلاب عسكري" ضد زوجها، وجاء ذلك، خلال لقاء مع عائلات الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، الأسبوع الماضي، حيث "كررت سارة نتنياهو عدة مرات قولها إنّه ليس لدينا ثقة بكبار مسؤولي (الجيش)". وخلال الحوار، قاطعتها عائلات الأسرى، قائلين لها إنّه لا يمكن لها القول بأنها لا تثق بـ(الجيش)، لأنّ "مصير الأسرى مرتبط به"، وفي ردها عليهم، أوضحت سارة نتنياهو كلامها قائلةً إنّ "عدم ثقتها ليس بـ(الجيش) كله، بل بقادته رفيعي المستوى"، وقالت بحدة إنّهم "معنيون بتنفيذ انقلاب، مكررةً ذلك أكثر من مرة". وتعكس تصريحات سارة نتنياهو الانقسامات والخلافات بين المستويين العسكري والسياسي، على خلفية مجريات الحرب على قطاع غزة، واختلاف الآراء بشأنها، وفي وقتٍ سابق هذا الشهر، هاجم نتنياهو قادة (الجيش) في اجتماع للحكومة، وقال إنّ "إسرائيل" دولة لها جيش وليس العكس"، مضيفاً: "من أجل الوصول إلى هدف القضاء على قدرات حماس، اتخذت قرارات لم تكن دائماً مقبولة لدى (الجيش)". وبدت زوجة نتنياهو كأنها فقدت أعصابها مثلما يحدث مع زوجها، فقد أفادت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن نتنياهو فقد أعصابه خلال جلسة للحكومة، وذلك في ظل تصاعد الخلافات الداخلية، إذ أخذ يصرخ في وجه وزير "الجليل والنقب والحصانة القومية" يتسحاق فاسرلاف لأنه سمع أنه يعارض تعييناته السياسية لمسؤولين جدد لإدارات في منطقتيْ الشمال والجنوب، وينوي التصويت ضدها. وتصاعدت الخلافات بين نتنياهو وأعضاء بالحكومة، وسط حديث عن بلوغ التوتر بينه ومؤسسة (الجيش) ذروته في ظل عدم تحقيق الحرب على غزة أهدافها التي وضعتها الحكومة، وزيادة التوتر في جبهة الشمال على الحدود اللبنانية، وقالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إن قيادات أمنية وعسكرية ومسؤولين انتقدوا -في اجتماعات مغلقة- عدم وجود إستراتيجية سياسية لإنهاء الحرب بغزة. كما نقلت القناة 14 الإسرائيلية -عن تقرير لمراقب الدولة- أن سلطة الاحتلال فشلت في الاهتمام بالجبهة الداخلية بداية الحرب دون مبرر، كما اتهم الوزير السابق بمجلس الحرب، بيني غانتس، نتنياهو بالتخلي عن مستوطني مناطق شمال الأراضي المحتلة قرب الحدود مع لبنان، واعتبر أنه لا يمكن شن حرب على حزب الله بهذه الطريقة. مباراة صراخ داخل الكنيست نقلت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية أجواء جلسة من داخل "الكنيست"، تحوّلت إلى ما وصفته بـ"مباراة صراخ" بين نتنياهو، ورئيس المعارضة، يائير لابيد، ونقلت الصحيفة أجواء الجلسة من داخل "الكنيست"، حيث استعرض نتنياهو حالة الحرب وهاجم "أولئك الذين يحاولون إضعاف الروح المعنوية"، وقال: "إنهم يكررون بكل الطرق الممكنة أن (الجيش) لا يستطيع الفوز. إنهم يهينون ويجعلون العنف أمرا طبيعياً، إنها مجرد أقلية صوتية". وتابعت الصحيفة الإسرائيلية أنّ عضوا "الكنيست"، يوحاي لاهاف وميكي ليفي، من حزب "هناك مستقبل" أدارا ظهرهما لنتنياهو خلال خطابه، وصرخت عضو "الكنيست"، شاران هاشيل، في وجهه قائلةً: "أنت لا تسمح للجيش بالفوز"، وبعد ذلك، صعد لابيد ليلقي كلمة، وهاجم نتنياهو، بالقول: "أنت لم تستوعب أنّه لن يتبقى منك شيء، لن يكون هناك متحف باسمك، لن يكون هناك ساحة، أو جسر أو مطار، سيكون هناك سوى شيء واحد - 7 أكتوبر، وسيحمل اسمك". وأضاف لابيد أنّ "كل محاولات نتنياهو لتحويل مسؤولية إخفاق 7 أكتوبر إلى من هم تابعون له وكل الافتراءات بشأن القوات الصهيونية والشاباك لن تجدي نفعاً"، وتابعت "يديعوت أحرنوت" أنّ نتنياهو عاد مرة أخرى إلى منصة "الكنيست" لـ "مباراة صراخ حقيقية بين الاثنين"، وهاجم لابيد قائلاً "أنت استسلمت لحزب الله باتفاق استسلام مشين"، في إشارة إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية. وصعد لابيد إلى المنصة مرّة ثانية، وفق الصحيفة، ليرد على نتنياهو بالقول: "أنت تكذب بقدر ما تتنفس"، وتطرق إلى قضية الغواصات متهماً نتنياهو بأنّه وافق على الغواصات لمصر من وراء ظهر "(الجيش) الصهيوني" ووزارة الأمن؟ ورداً على كلام نتنياهو بشأن استسلام لابيد أمام حزب الله، قال رئيس المعارضة: إن ما قتل الردع الصهيوني هو أن حزب الله نصب خيمة وأنتم صمتّم ولم تفعلوا شيئاً ضده". وبسبب الخلافات الداخلية، ومع استمرار الحرب على غزة دون تحقيق الأهداف منذ نحو 9 أشهر، حلّ نتنياهو –في وقت سابق- الفائت "كابينت" الحرب بعد استقالة العضوين بيني غانتس (وهو أحد زعماء المعارضة) وغادي آيزنكوت، كما يشهد الائتلاف الحاكم ذاته خلافات على خلفية أزمتي قانون الحاخامات وقانون تجنيد الحريديم، اللتين تعززان بدورهما أزمة الكيان الصهيوني المهزم عسكريا وسياسيا وأخلاقيا. وفي "ضربة" موجعة لائتلاف نتنياهو، أصدرت المحكمة العليا للاحتلال الصهيوني، يوم الثلاثاء 25 جوان، حكماً بإلزام طلاب المدارس الدينية "الحريديم" بالتجنيد في (الجيش)، وطلبت من الحكومة قطع الدعم المالي عن المدارس الدينية التي لا يتجند طلابها، مؤكّدةً أنّه "لا يوجد صلاحية للدولة لإعفائهم"، وذلك في قرار قد يصيف بنيامين بالجنون الكامل. وصدر قرار المحكمة بإجماع أعضائها التسعة، فيما وقّع القائم بأعمال رئيس المحكمة، عوزي فوغلمان، القرار عن القضاة كافة، بحسب "القناة الـ12" الإسرائيلية، وأوضحت المحكمة، في قرارها، أنّ هناك "حاجة ملموسة وعاجلة إلى إضافة أفراد إضافيين في خضم حرب صعبة، إذ بات عبء عدم المساواة أكثر حدة من أي وقت مضى، ويتطلب تعزيز حل مستدام للقضية"، وقالت: "ليست هناك مقارنة بين احتياجات (الجيش) في الأوقات العادية واحتياجات (الجيش) في أوقات الحرب". وبالتالي، فإنّ "الوضع الحالي للمنظومة الأمنية يتطلب حاجة ملموسة وعاجلة لأفراد إضافيين، في ظل تعدد المهام الأمنية والقتال العنيف في ساحات متنوعة"، ويُلزم القانون معظم الإسرائيليين بالخدمة في (الجيش) على عكس طلاب المدارس الحريدية الذين يتم إعفاؤهم منها منذ عقود، ويعتمد ائتلاف نتنياهو على دعم "الحريديم" للبقاء في السلطة، الذين يعدّون الإعفاء من التجنيد الإلزامي الذي يُنفذ منذ فترة طويلة أساسياً لإبقاء ناخبيهما في المدارس الدينية بعيداً من (الجيش). المزيد من الضربات على رأس نتنياهو وبات إعفاء "الحريديم" من الخدمة العسكرية أكثر إثارة للجدل، لأنّ قوات الاحتلال الصهيوني تتألف في الغالب من جنود في سن المراهقة وعدد من المدنيين الأكبر سناً، الذين يجري استدعاؤهم للخدمة العسكرية الاحتياطية، فضلاً عن أنّها خدمة منهكة بسبب الحرب متعددة الجبهات. وفي أولى ردود الفعل على القرار، اعتبر رئيس أحد الأحزاب أفيغدور ليبرمان أن قرار تجنيد الحريديم خطوة مهمة وتغيير تاريخي، وقال ليبرمان إن (الجيش) الصهيوني "يحتاج لقوة بشرية بعدما فقد لواء كاملا من الجنود سقطوا بمعارك غزة أو أصيبوا بجروح خطيرة". بدوره، قال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد إن عدم اتباع قانون تجنيد اليهود المتدينين يعد "خيانة لجنود (الجيش)"، مطالبا بالبدء الفوري لتجنيدهم. ونقلت صحيفة معاريف عن مصدر حريدي قوله إن قرار المحكمة العليا لن يؤدي إلى أزمة في الائتلاف، وفق تعبيره. من جانبها، نقلت القناة الـ7 الإسرائيلية عن وزير التراث الصهيوني مئير بوروش تأكيده أنه لا توجد قوة في العالم تستطيع أن "تجبر إنسانا معلقا بدراسة التوراة على الامتناع عنها"، وسط اتهامات للمحكمة بأن "قضاتها لا يفهمون معنى التوراة". وأكد ذلك أيضا رئيس حزب شاس أرييه درعي، الذي علق على القرار قائلا إن "كل من حاولوا في الماضي منع شعب الكيان من دراسة التوراة فشلوا فشلا ذريعا"، مضيفا أن دارسي التوراة هم من يحافظون على قوة "إسرائيل"، بحسب قوله، وكان الكنيست الصهيوني صوّت في 11 جوان الجاري لصالح استمرار العمل بقانون التجنيد الذي تم طرحه في البرلمان السابق ويعفي شباب الحريديم من الخدمة العسكرية. ومنذ 2017 فشلت الحكومات المتعاقبة في التوصل إلى قانون توافقي بشأن تجنيد "الحريديم"، بعد أن ألغت المحكمة العليا قانونا شرّع عام 2015 قضى بإعفائهم من الخدمة العسكرية، معتبرة أن الإعفاء يمس بـ"مبدأ المساواة". ويعتمد ائتلاف نتنياهو لبقائه على اليمين المتطرف الذي يعتقد بعدم وجوب تجنيد الحريديم، وأن ذلك ما سيحافظ على ناخبيه. يذكر أن معظم الإسرائيليين ملزمون بموجب القانون بالخدمة في (الجيش)، في حين تم إعفاء طلاب المعاهد الدينية اليهودية المتطرفة من الخدمة لعقود، وفي حين يتكون (الجيش) الصهيوني حاليا بمعظمه من المجندين والمراهقين الأكبر سنا الذين تم تعبئتهم للخدمة الاحتياطية مع حرب غزة. وفي هذه الأزمة المركبة التي تكاد أن تفجر الكيان من الداخل، لا تزال مختلف الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية تتصدى للاحتلال الصهيوني في محاور القتال في قطاع غزة، مكثّفةً استهدافها تجمعاته عند محور "نتساريم"، جنوبي مدينة غزة، ضمن ملحمة "طوفان الأقصى". فقد أكدت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، أنّها استهدفت مقراً لقيادة قوات الاحتلال في موقع أبو عريبان في "نتساريم" بقذائف "الهاون"، وبدورها، استهدفت كتائب شهداء الأقصى غرف القيادة والسيطرة الصهيونية وتموضعاً لجنود الاحتلال وآلياته في "نتساريم" بصاروخين من نوع "107" وقذائف "الهاون". واستهدفت في المنطقة ذاتها –ضمن عملية ثانية- مقر قيادة الجيش الصهيوني، وذلك بعدد من قذائف "الهاون"، وفي غضون ذلك، نشرت كتائب شهداء الأقصى مشاهد توثّق عمليةً نفّذتها يوم الاثنين ضدّ قوات الاحتلال في "نتساريم"، إذ استهدفت تجمعاته وخط إمدادٍ تابعاً له برشقة صواريخ من نوع "107". أما كتائب الشهيد أبو علي مصطفى، الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فاستهدفت دبابةً صهيونيةً بقذيفة "R.P.G" في محيط سوق الحلال في حي البرازيل، جنوبي شرقي مدينة رفح، جنوبي القطاع، ليعود مقاتلوها بعد ذلك من خطوط القتال. وفي إطار التعاون بين مختلف الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية، دكّت سرايا القدس وكتائب الشهيد عز الدين القسّام، الجناح العسكري لحركة حماس، جنود الاحتلال وآلياته في مخيم يبنا في رفح بقذائف "الهاون". ونشرت كل من السرايا و"شهداء الأقصى" وألوية الناصر صلاح الدين، الجناح العسكري للجان المقاومة الشعبية، مشاهد عن استهدافها موقع "كيسوفيم" العسكري التابع للاحتلال بقذائف "الهاون"، في عملية مشتركة. يُذكر أنّ كتائب القسّام كشفت يوم الاثنين 24 جوان امتلاكها قدرات عسكرية جديدة، ونشرت مشاهد توثّق استهدافها آليةً هندسيةً صهيونيةً من نوع "أوفك" في غربي منطقة تل زعرب في رفح بصاروخ موجّه، هو "السهم الأحمر"، وأعلنت كتائب القسّام عبر هذه المشاهد، وللمرة الأولى، امتلاكها هذا النوع من السلاح. ومنظومة "السهم الأحمر" هي سلاح صيني قاذف للصواريخ المضادة للدروع تم إنتاجه في الثمانينيات، في أواخر الحرب الباردة، ليضاهي منظومة "تاو" الأمريكية و"ميلان" الفرنسية. وبينما تواصل المقاومة تصدّيها للقوات الصهيونية في القطاع، موقعةً في صفوفها الخسائر الفادحة في العتاد والأرواح، أقرّ "جيش" الاحتلال، الجمعة الماضي، بمقتل ضابط وجندي وإصابة 5 آخرين، بينهم 3 أُصيبوا بجروح خطرة، خلال معارك قطاع غزة. وبهذا، يزيد عدد قتلى (الجيش) الصهيوني على 664 بين ضابط وجندي منذ بدء "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023. وبحسب الأرقام التي أعلنها الاحتلال، أُصيب أكثر 3860 عسكرياً منذ بداية الحرب، بينهم ما يزيد على 1947 أُصيبوا منذ بداية المعارك البرية في قطاع غزة. وإذ يتكتّم الاحتلال على خسائره ويفرض رقابةً شديدةً بشأنها، فإنّ البيانات والمشاهد التوثيقية التي تصدرها المقاومة في غزة تؤكد أنّ قتلاه ومصابيه أكبر بكثير مما يعلن.
بينما الانقسامات السياسية تعصف بالكيان..
نتنياهو يترنح في شوارع غزة
أبرز الناطق الإعلامي باسم حركة حماس، جهاد طه، أنه وبعد مرور نحو تسعة أشهر على العدوان الصهيوني السافر على أبناء شعبنا الفلسطيني في قطاع غزّة، وتمادي الاحتلال الجائر في ارتكاب مئات المجازر وحرب الإبادة الجماعية بحق المدنيين والأبرياء العزل في القطاع، لم تتمكن الحكومة الصهيونية ومن ورائها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، من كسر إرادة الشعب الفلسطيني الذي برهن على رباطة جأشه وعزيمته وثباته وصمود مقاومته الباسلة في الدفاع عن الحق الفلسطيني في أرضه كاملة غير منقوصة. وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ طه، في تصريح لـ "الأيام نيوز"، أن الضغوط المُمارسة على رئيس الحكومة الصهيونية الفاشية العنصرية والمتطرفة، بنيامين نتنياهو، لا تزالُ حدّتها تتزايد وتتضاعف يوماً بعد يوم، والتي تنحصر بين ضغوطٍ داخلية وأخرى خارجية، فإذا تحدثنا عن الضغوط الداخلية، فنقصد بها تلك التي يفرضها ويمارسها أهالي الأسرى المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية، والذين يتظاهرون ويحتجون بشكلٍ يومي أمام مراكز الحكومة والدفاع الصهيونية وأمام منزل نتنياهو تحديداً، مُطالبين بضرورة وقف العدوان وإبرام صفقة تبادل جديدة وشاملة من أجل إطلاق سراح أبنائهم وذويهم الذين لا يزالون محتجزين في القطاع. في السياق ذاته، أشار محدثنا إلى وجود تباين وانقسامات بالجملة في الموقف السياسي الصهيوني ما بين أعضاء المجلس الحكومي المصغر، الأمر الذي انعكس سلباً على القرارات التي يحاول أن يتخذها رئيس الحكومة الصهيونية المتطرفة بنيامين نتنياهو، بالإضافة إلى التباين الموجود والانتقادات من قبل اليمين المتطرف والمعارضة تجاه رئيس الحكومة الصهيونية وتحميله المسؤولية عن الفشل الذريع وعن نتائج عملية "طوفان الأقصى"، التي حققت من خلالها المقاومة الفلسطينية انتصاراً تاريخياً برهنت من خلاله على قدراتها على كسر هيبة الجيش الذي لا يقهر، وقد دفعت كل هذه التفاصيل والمعطيات الداخلية بشكلٍ أو بآخر نتنياهو إلى ممارسة أقصى درجات الإجرام والجرائم التي لم تسلم منها حتى مراكز الإيواء من خلال استهدافها وقصفها أو من خلال اعتقال المدنيين العزل، وذلك من أجل خلق أي إنجاز ميداني يُحسب للاحتلال بعد مرور نحو تسعة أشهر عن بداية عدوانه الجائر على غزة. أما فيما يخصُ الضغوط الخارجية، فيقول الناطق الإعلامي باسم حركة حماس: "ممّا لا شك فيه أن هناك مواقفَ دولية متقدمة ومنتقدة للسياسة المؤيدة لمواصلة العدوان على غزة، إذ بدا أن هناك تحولا في موقف بعض الدول التي كانت داعمة لهذا العدوان مع بدايته، من خلال المطالبة بضرورة أن يكون هناك وقف مباشر للعدوان الصهيوني على قطاع غزة". في سياق ذي صلة، أشار الأستاذ طه إلى أن هذه الضغوط تمارس أيضا على مستوى الأمم المتحدة وعلى مستوى بعض الدول الأوروبية وبعض المنظمات الإنسانية والحقوقية، فكل هذه الضغوط المنتقدة لسياسة المجازر والإجرام والعدوان على القطاع تزداد وتيرتها، وبالتالي نتنياهو والكيان الصهيوني بكامله هو اليوم أمام استحقاق من أجل أن يحقق إنجازا ميدانيا يُحاول من خلاله أن يخرج ببعض الصور من قطاع غزة التي تكون في صالحه، ولكن المقاومة مازالت حاضرة في الميدان ومازالت تبرهن على أنها تمتلك أوراق قوة أكثر من أي وقت قد مضى، كما أن المواجهات على الأرض كثيرا ما تظهر رجاحة كفة المقاومة التي نجحت في تكبيد الاحتلال الصهيوني للمزيد من الخسائر البشرية وخسائر في العتاد وفي آلياته ومدرعاته، وهذا الأمر انعكس سلبا وضاعف من حجم الضغط على الكيان الصهيوني من أجل ايجاد حلول لوقف الخسائر البشرية التي يتكبدها جيش الاحتلال. وخِتاما، قال الناطق الإعلامي باسم حركة حماس، جهاد طه: "إنّ الكيان الصهيوني بكامله يتحمل مسؤولية حرب الإبادة في قطاع غزة، وفشل فشلا ذريعا في كسر شوكة المقاومة وسحقها كما كان يدعي بنيامين نتنياهو عندما خطط ووضع أهدافه في بداية العدوان، عندما كان يُمني النفس باحتلال قطاع غزة وسحق المقاومة وإطلاق سراح أسراه، كل هذه الأهداف ذهبت أدراج الرياح، وسيخرج الشعب الفلسطيني ومقاومته منتصرين من هذه المعركة رغم التضحيات الجِسّام التي قدمها الشعب الفلسطيني من الأطفال والنساء والشيوخ وحالة الدّمار الهائل التي طالت المنازل والبنى التحتية في القطاع، وسيكون هذا الانتصار مؤسسا لمرحلة قادمة تكون فيها معركة كبيرة جدّا من أجل إزالة نهائية لهذا الاحتلال المستبد الجاثم على أرض فلسطين".نتنياهو يصطدم بالحقيقة المرّة..
من سماوات الغرور إلى صخرة الواقع الصلبة
بقلم: محسن صالح - كاتب وباحث أردني يُعاني نتنياهو وتحالفه الحاكم من "حالة إنكار" غير مسبوقة في تاريخ الكيان الإسرائيليّ في تعاملهم مع الحرب على قطاع غزّة، لم يتعوّد قادة الاحتلال على فكرة الهزيمة والفشل، بعد رصيد تاريخي طويل من "النجاحات" وفرض الهيمنة إقليميًا وعالميًا، وبعد أن ظنّوا أنهم صاروا قاب قوسين أو أدنى من إغلاق الملف الفلسطيني، ودخول المنطقة في العصر “الإسرائيلي الأميركي". نتنياهو، الذي كان يظنّ نفسه "الملك" غير المتوَّج لـ "إسرائيل" وكان يعيش حالة من الغرور والعجرفة، لم يستوعب بعد حجم الخسائر التي تعرض لها جيشه على يد قلَّة "مستضعفة" من كتائب القسام، وسرايا القدس، وقوى المقاومة، وأن يعيش هو وحكومته "فجوة" تزداد اتساعًا بين رغباته وأهدافه وبين قدراته وإمكاناته في التنفيذ على الأرض. والنتيجة أن الوقوع في حالة "الإنكار" وعدم الواقعية لا يؤدي إلا إلى مزيد من التخبّط وفقدان الاتجاه، ودفع مزيد من الأثمان والخسائر، إلى أن يضطر لـ "النزول عن الشجرة"، وهذا ما دفع الرئيس الأميركي للتدخل المباشر في الدفع نحو عقد صفقة مع حماس، في محاولة لإنقاذ "إسرائيل" من نفسها كما ذكر بعض المحللين! أولًا: الفشل في تحقيق الأهداف: تبدو حالة التخبّط الإسرائيلي في عدد من المظاهر، أبرزها فشل الاحتلال في تحقيق أيّ من الأهداف المعلنة للحرب بعد نحو تسعة أشهر على إعلانها، هناك فشل ذريع في "سحق حماس"، وفي احتلال قطاع غزة، وفي تحرير "الرهائن"، وفي فرض التصور الإسرائيلي لليوم التالي في القطاع، وفي تهجير الفلسطينيين، بالرغم من استخدام كافة أشكال القتل والتدمير الوحشية، بينما استمرت المقاومة في شموخها وأدائها "الأسطوري" مع هذا الفشل، سقطت أبرز ثلاث فرضيات بنى عليها الاحتلال توقعاته: فرضية سحق حماس والمقاومة. فرضية عزل وفصل الحاضنة الشعبية، وتحويلها إلى بيئة معادية للمقاومة. فرضية المراهنة على الزمن لإنهاك المقاومة. فلا المقاومة ضعفت، ولا الحاضنة الشعبية تخلَّت عن المقاومة بل ازدادت حولها التفافًا، وأداء المقاومة في اليوم 260 لا يقل كفاءة وفاعلية عن أدائها في اليوم الأول. هذا ما يجعل الاحتلال الإسرائيلي يقف عاجزًا محبطًا، مع حالة غرور وغضب تدفعه للاستمرار، ولكن مع حالة من التخبّط وفقدان الاتجاه. ثانيًا: استنفاد "بنك الأهداف" صاحب هذا الفشل استنفاد "بنك الأهداف"، فلم تعد هناك مناطق لم يتم اجتياحها، ولا أهداف عسكرية وأمنية ومدنية وبنى تحتية إلا وتم ضربها أو استهدافها، استنفد الاحتلال وسائل مخابراته وذكاءه الاصطناعي وتحالفاته العالمية في عدوانه، كما أصبح واضحًا أن الهجوم على رفح مصيره الفشل، ولعل "الذهول" سيد الموقف لدى الكثير من القادة الإسرائيليين والغربيين السياسيين والعسكريين، لأنه بحسب التقارير فإن الأسلحة والمتفجرات التي استُخدمت في العدوان تكفي لتدمير غزة عشر مرّات، وتوازي استخدام نحو سبع قنابل نووية من تلك التي ألقيت على هيروشيما. ثالثًا: قدرة حماس على التّعافي من ناحية ثالثة، فإن ظهور العديد من الأدلة على استمرار حماس في القدرة على الإمساك بمنظومة "التحكّم والسيطرة" في إدارة العمل المقاوم، وفي إدارة البيئة الشعبيّة، مع ظهور المزيد من الأدلة على تعافي حماس واستعادتها زمام السيطرة في الأماكن التي انسحب منها المحتل، بعد شهور من المجازر والتدمير والاحتلال – بعد أن ظنّ الاحتلال أنه حقق أهدافه، ورأت القيادة الإسرائيلية ذلك بعينيها في شمال غزة ووسطها، بل وظهور تقارير إسرائيلية تقدر أعداد رجال المقاومة في شمال غزة بأكثر من سبعة آلاف مقاتل – هذا يعني عبثية العملية العسكرية الإسرائيلية، بحسب ما توصل إليه الكثير من السياسيين والعسكريين والخبراء والمتخصصين. رابعًا: الأزمة الداخلية من جهة رابعة، فالأزمة الداخلية الإسرائيلية في حالة تصاعد، غير أن أسوأ ما فيها هو فقدان الرؤية والاتجاه لدى صانعي القرار (في الحكم وحتى المعارضة) تجاه التعامل الأفضل مع قطاع غزة، ليس ثمة رؤية عملية واقعية بشأن اليوم التالي للحرب، وليس ثمة تصور يمكن فرضه لمنع حماس من السيطرة في القطاع ونزع أسلحتها، ولا لتوفير الأمن لمناطق غلاف غزة. وحتى غانتس، المرشح القادم لرئاسة الحكومة، ولبيد، زعيم المعارضة الحالي، ليس لديهما بدائل يمكن تسويقها لدى ما يسمى بـ"المجتمع الصهيوني"، لأن الكلّ يتجنب الاعتراف بالواقع الجديد الذي فرضته المقاومة، والأثمان الكبيرة التي عليهم دفعها، مشروع النقاط الست الذي أعلنه غانتس لإنقاذ الوضع لم يكن مشروعًا عمليًا ولا واقعيًا؛ لأنه يخرج من العقلية المتعجرفة نفسها، وإن كان أقل سوءًا من موقف نتنياهو. في ضوء ذلك، ندرك خلفية انسحاب غانتس وآيزنكوت من الحكومة الإسرائيلية، وكلاهما سبق لهما أن توليا منصب قيادة الجيش الإسرائيلي (رئاسة الأركان)، كما ندرك دلالات اضطرار نتنياهو إلى حل مجلس الحرب المُصغَّر، هذا الارتباك يترافق مع تسريبات عن نوعٍ من الفوضى في إدارة الحكومة، كالتراشق الإعلامي بين حزب الليكود الحاكم، وبين الجيش حول الأداء العسكري في رفح، وحديث نتنياهو (بحسب مراسل قناة 14) أنه لا يعلم من أصدر قرار الهدنة التكتيكية جنوب قطاع غزة، ولا من أصدر قرار الإفراج عن عزيز الدويك. خامسًا: الأزمة الاقتصادية من ناحية خامسة، لا يبدو ثمة علاج للأزمة الاقتصادية الإسرائيلية المتفاقمة وللأثمان الناتجة عن استمرار العدوان على القطاع، وبالتالي القدرة على تمويل الحرب، مع تحويل البيئة الإسرائيلية إلى بيئة طاردة، وليس ثمة مجال للدخول في تفصيلات هذه الأزمة، حيث تزيد فاتورة الحرب عن ستين مليار دولار، مع تعطّل السياحة، وتدهور النشاط الاقتصادي، وتراجع "الدخل القومي"، وهروب الاستثمارات. سادسًا: إنهاك الجيش الإسرائيلي الإنهاك الذي يعاني منه الجيش الإسرائيلي يعطي مؤشرًا سادسًا على مدى الاضطراب والارتباك الذي تعاني منه المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، وهي حالة يرافقها فشل ذريع في أطول حرب يخوضها الجيش في تاريخه، وليس ثمة "إنجاز" سوى أسوأ وأقبح صورة دموية يمكن أن يُشكلها جيش عن نفسه، بعدما استنفد كل وسائله الوحشية.. ولم يبقَ لديه سوى متابعة "مناطحة الحيطان". يحاول الجيش الإسرائيلي إخفاء خسائره الكبيرة المتواصلة، لئلا تؤثر سلبًا على التجمّع الصهيوني في الأرض المحتلة، ويتحكم بشكل مسبق بمصادر المعلومات، غير أن التسريبات بين فترة وأخرى تدل على الخسائر المضاعفة بشريًا وماديًا، وتكثر التصريحات عن صعوبة توفير وحدات عسكرية لمتابعة العدوان في القطاع، وعن أزمة في قوات الاحتياط. كما أن سعي الحكومة لإطالة فترة خدمة الاحتياط، وسعي الجيش والعديد من القوى الحزبية لإدخال الحريديم في الخدمة الإجبارية، وكذلك تشكيل فرقة عسكرية جديدة (الفرقة 96) من المتطوعين الذين تخطوا سنّ الاحتياط، وعدم قدرة الجيش على استمرار السيطرة على المناطق التي يحتلها في القطاع، كلها مؤشرات على ذلك الإنهاك، مع عدم وجود أفق للخروج من "المستنقع". سابعًا: ارتباك دولي من ناحية أخرى، فإن القيادة الإسرائيلية تجد نفسها في حالة إرباك غير مسبوقة على الصعيد الدولي نتيجة حربها على قطاع غزة، إذ إن حالة الاطمئنان إلى نفوذها العالمي الكبير، وحالة العجرفة نتيجة وضعها "دولة فوق القانون" طوال 75 عامًا، قد أغوتها لممارسة أشرس المذابح والمجازر وأسوأ أشكال التدمير، وممارسة إبادة جماعية وحرب تجويع قذرة لأهل غزة على مرأى من العالم. وهذا أدّى إلى إثارة غضب عالمي واسع، بالرغم من كلّ أدوات النفوذ الإعلامي والسياسي والمالي التي تملكها "إسرائيل" واللوبي الصهيوني، فتحوّلت إلى كيان منبوذ عالميًا، وتمّ تصنيفها من الأمم المتحدة كقاتلة أطفال، وسِيقَت إلى محكمة العدل الدولية، وسِيقَ قادتها إلى المحكمة الجنائية الدولية، وسقطت الذرائع التي طالما سوّقها الكيان، وبنى صورته عالميًا على أساسها، مثل "احتكار الضحية"، و"العداء للسامية"، و"الدفاع عن النفس"، و"واحة الديمقراطية" في الشرق الأوسط، أصبحت "إسرائيل" عبئًا على الولايات المتحدة والعالم الغربي. تحولت المعركة في غزة إلى "فخ" وورطة، إذ إن الاستمرار في المعركة يصب في تآكل وتدمير الوضع الإسرائيلي العالمي، ويخدم صعود التعاطف والتأييد للمقاومة، بينما يؤدي وقف الحرب عمليًا إلى فشل إسرائيلي غير مسبوق، وإلى فرض المقاومة شروطَها والإعلان عن انتصارها. ثامنًا: قوى المقاومة في الخارج تعاني "إسرائيل" ومن ورائها نتنياهو من تضييق الخناق عليها نتيجة تصاعد دور حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، مما يسهم في إنهاك الكيان وإضعافه وتشتيته. وبالرغم من الغضب الإسرائيلي والرغبة في الانتقام وتكرار التهديدات بفتح وتوسيع "الجبهة الشمالية"، فإن الاحتلال الإسرائيلي يعيش حالة ارتباك وعجز عن تنفيذ تهديداته، بسبب حالة الإنهاك التي يعيشها في قطاع غزة، وعدم توفر الإمكانات التعبوية والبشرية والمادية الحقيقية لفتح جبهة مع الشمال، بالإضافة إلى معارضة الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين لتوسيع الحرب لتأخذ طابعًا إقليميًا. الخلاصة وعلى ذلك، فإن حالة "التخبّط" ستحكم السلوك الإسرائيلي مادام أنه مُصرّ على حالة "الإنكار". وسيحاول الاحتلال القفز إلى الأمام وشراء الوقت على أمل تحسين وضعه العسكري والتفاوضي، وهو ما يتوافق مع رغبة نتنياهو في البقاء في الحكم لأقصى أمد. وسيواصل الاحتلال "إدارة التَّخبط" لمحاولة الحصول على فرص مُتخيَّلة، ولكن بالرغم من المعاناة الهائلة لأهلنا في قطاع غزة، فإن الزمن على ما يبدو يلعب لصالح المقاومة، والتي ربما تجد نفسها في وضع أفضل لفرض شروطها مادام أن أداءها القوي مستمر بالشكل الذي نراه. لن يخلو الأمر من محاولات أميركية وغربية (وحتى من أطراف عربية) لإسناد الموقف الإسرائيلي، لتفريغ إنجازات المقاومة من محتواها، ووضعها من جديد تحت الحصار والابتزاز. وهو ما يقتضي أن تخوض المقاومة معركتها السياسية بالكفاءة نفسها التي تخوض بها معركتها العسكرية.في زمن التضليل السياسي..
"بايدن - نتنياهو".. أيهما يكذب على الآخر؟
بقلم: عبد الله المجالي - كاتب وإعلامي أردني قلت وأقول وسأظلّ أقول إنّ الصّهاينة لا يرقبون في أحد إلّا ولا ذمّة، وأحدهم مستعدّ للتّضحية بأقرب حلفائه أو من يقدّم له خدماته ليل نهار إذا وجد أنّ ذلك في مصلحته. ما سبق ليس كلامًا أيديولوجيًا، ولا ديباجة أدبية، بل هو كلام سياسي بحت، ورغم أنّ السّياسيين يدركونه جيّدًا، إلّا أنّه ومثل كثير من القوانين الدّولية والأخلاقيات والنّظريات السّياسية فإنّها تتوقّف عن العمل إذا كان الطّرف المقابل هو الكيان الصّهيوني!! نتنياهو لم يتورّع، أوّل أمس، عن إحراج الرّئيس الأمريكي جو بايدن وكبير دبلوماسييه أنتوني بلينكن ويكشف كذبهم وخداعهم للعالم كلّه، حين قال بعظمة لسانه إنّه ليس معنيًّا بأيّ صفقة لوقف إطلاق النّار، وأنّه "مستعدّ (فقط) لصفقة جزئية نعيد بها بعض المختطفين، لكن سنستأنف الحرب بعد الهدنة لاستكمال أهدافها". بهذه التّصريحات أهال نتنياهو التّراب على مقترح بايدن الذي سعى لحشد الدّعم له من الأسرة الدّولية كافّة، واستصدر قرارًا من مجلس الأمن الدّولي بدعمه، وكان قد قال إنّ هذا مقترح "إسرائيلي"، وأنّ الكيان موافق عليه، بل ذهب إلى حدّ اتّهام حركة حماس بأنّها هي العقبة الوحيدة أمام نجاح المقترح. وهو ما كرّره وزير خارجيته أنتوني بلينكن الذي لم يبق إلّا أن يقسم على التوارة أنّ نتنياهو أبدى موافقته على المقترح، رغم أن لا أحد في العالم سمع من نتنياهو شيئًا من هذا. وتبرّع الرّجلان بايدن وبلينكن، للتحدّث باسم نتنياهو، وكان الهدف هو إحراج حركة حماس أمام المجتمع الدّولي والعربي وأمام الشّعب الفلسطيني خصوصًا في قطاع غزّة. كرّر بلينكن وكذلك مسؤولون آخرون في إدارة بايدن ذات الكذبة؛ نتنياهو موافق على المقترح والعقبة الوحيدة هي حركة حماس. لكن نتنياهو يأبى أن يخرج عن طبيعته الصّهيونية، وها هو يسدّد ضربة قوية لبايدن وإدارته أمام المجتمع الدولي والعربي والشّعب الفلسطيني خصوصًا في غزّة، وها هو يكشف أنّه ليس في وارد الموافقة على مقترح بايدن الذي حظي بكلّ هذا الدّعم الدّولي، كما حظي بترحيب من حركة حماس علنًا. نتنياهو في خلاف واضح مع إدارة بايدن، لكنّ الأخيرة آثرت أن تلقي الكرة بمرمى حركة حماس في خطوة طبيعية متوقّعة من الإدارات الأمريكية تجاه حليفها المدلّل في الشّرق الأوسط، لكن ما لم يتوقّعه هؤلاء مقدار الجحود والنّكران والخبث واللّؤم الذي يتحلّى بها نتنياهو! كلّ من يتعامل مع نتنياهو والمسؤولين الصّهاينة سيذوق من نفس الكأس، وقد ذاقه بعضهم، لكنّهم يكابرون على تلك الإهانات!لابتزاز بايدن!
هكذا يلعب نتنياهو على حبال المتناقضات
بقلم: علي أبو حبله - محامي فلسطيني
لا تغيير يذكر بوقف الحرب "الإسرائيلية" على قطاع غزّة رغم الإخفاقات "الإسرائيلية" وتعثّرها في تحقيق أهداف الحرب والقضاء على قوى المقاومة والإصرار المطلق على تحقيق الانتصار وأنّ هذا الانتصار الذي وعد بتحقيقه نتنياهو لم ولن يتحقّق في ظلّ معطيات الحرب نتائجها وتداعياتها على "إسرائيل". وفي ظلّ تزايد الخسائر البشرية من الفلسطينيين، يتفاقم المأزق "الإسرائيلي" على أكثر من مستوى، إذ بدأت الإنجازات التّكتيكية للحرب تتآكل، فيما يتأكّد للمكوّن "الإسرائيلي" العجز عن تحقيق إنجاز استراتيجي..، فيما تزداد المؤشّرات أنّ نتنياهو بات مرتبط وبشكل تام باليمين المتشدّد، بهدف بقائه في السّلطة. إنهاء الحرب سيفضي إلى تشكيل لجنة تحقيق لتقصّي الحقائق حول الإخفاقات وفشل الحكومة "الإسرائيلية"، بما في ذلك عدم إحراز تقدّم ملموس في هذه الحرب وعدم إعادة المختطفين إلى ديارهم، وعدم تحقيق الأهداف المعلنة التي وضعت بسقف عالٍ جداً. من الصّعوبة بمكان التنبّؤ بدقّة المدى الفعلي للأضرار التي ألحقها نتنياهو بسمعة "إسرائيل" لدى الإدارة الأميركية، فضلاً عن حجم التوتّر وسوء العلاقات غير المسبوق بين الجانبين، حيث يتعرّض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لانتقادات من مختلف الأطياف السّياسية، بما في ذلك التيّار اليميني "الإسرائيلي". تُعبّر هذه الانتقادات عن القلق بشأن تآكل هيبة "إسرائيل" ومكانتها الدّولية، وتحويل القضية "الإسرائيلية" إلى مسألة حزبية ضيّقة يشكّل خطراً بالغاً على موقف "إسرائيل" على السّاحة العالمية. رغم ذلك فإنّ رئيس الحكومة نتنياهو، يريد الحرب لذاتها وإنْ راوحت مكانها، في انتظار وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض -وهو ما لمّح إليه كبار مستشاريه أخيراً -، إلّا أنّ المعنى ليس في تغيير رأس الهرم السّياسي في واشنطن: فلا الرّئيس المقبل -حتى في حال كان ترامب- قادر على تغيير ميزان القوى، ولا "إسرائيل" ستكون قادرة -بمعزل عن هوية ذلك الرّئيس- على تحقيق أهداف حربها. لكن ثمّة ما يشاع أيضاً عن أنّ الحديث عن انتظار ترامب، يمثّل في جانب منه تهديداً للجانب الفلسطيني وللمقاومة الفلسطينية والسّلطة الفلسطينية، بأنّ الحرب ستتواصل لأشهر طويلة مقبلة، في ما يُعدّ نوعاً من الردّ على مَن يراهن على إمكانية تداعيات الحرب عسكريّاً وسياسيّاً واقتصاديّاً على "إسرائيل"، وهذا عكس توقّعات المتابعين والمحلّلين باستطاعة حكومة نتنياهو مواصلة الحرب لأشهر طويلة مقبلة. كذلك، يمثّل هذا الانتظار تهديداً لإدارة الرّئيس الأميركي، جو بايدن، وإنْ كان الأخير حريصاً على ألّا يلحق أيّ أذى بـ"إسرائيل" وألّا يضرّ بمصالحها، وهو ما يستغلّه نتنياهو جيّداً، لدفع مصالحه الخاصّة قُدماً؛ إذ إنّ ما من شأنه أن يفرمل نتنياهو ويضغط عليه فعلياً، ليس إزعاجه شخصيّاً، بل الإضرار بالكيان ومصالحه، وهو ما لا تريده إدارة بايدن ولا تقوى عليه. في الوقت نفسه، إنّ حديث مستشاري نتنياهو عن انتظار ترامب، يُعدّ إقراراً غير مباشر بأنّ الانتصار في الحرب، كما يروَّج له نتنياهو الانتصار المطلق: لا يتحقّق إلّا بالقضاء على حكم حماس والحركة نفسها، وكذلك إعادة الأسرى "الإسرائيليين" عبر الخيار العسكري، وهذا برؤية العديد من المحلّلين العسكريين لن يتحقَّق إلّا بعد أشهر طويلة. وهو يمثل إقراراً أيضاً بأنّ العملية العسكرية في رفح، والتي تركّزت في الوعي الجمعي "الإسرائيلي" على أنّها إشارة النّصر، لن تكون مغايرة للمراحل التي سبقتها: ألا وهو العجز عن تحقيق أهداف الحرب. وهكذا، إذا قرّرت "إسرائيل" مواصلة العملية العسكرية هناك، فستكون النّتيجة تهديداً لها، أكثر من كونها فرصة؛ فالضّغط العسكري سينتهي من النّاحية العملية ومن ناحية التّأثير بعد هذه المعركة، فيما ستبقى "إسرائيل" بلا روافع ميدانية تهدّد بها المقاومة الفلسطينية. ووفقاً للرّئيس السّابق لشعبة العمليات في هيئة أركان جيش الاحتلال "الإسرائيلي"، اللّواء يسرائيل زيف، فإنّ "طموح نتنياهو للبقاء، بطريقة ما، لسبعة أشهر أخرى في الوضع الحالي، ومن دون أيّ قرار في شأن نهاية الحرب، في انتظار وصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض (دونالد ترامب)، هو طموح منفصل تماماً عن واقع خطورة تدهور الوضع. فحتّى ذلك الحين، يرجّح أن تؤدّي هذه الخطّة الخيالية إلى انهيار إستراتيجي. فـ "إسرائيل"، في وضعها الحالي، لا تمتلك القدرة على الصّمود لثمانية أشهر أخرى، في ظلّ الوضع السّيئ الذي يعيش فيه الجيش، وفي ظلّ التّدهور الاقتصادي والانهيار السّياسي الذي يعيشه الكيان. هذا في الوقت الذي يعوّل عليه نتنياهو بشكل كبير على فوز ترامب في الانتخابات الأميركية ويأمل بأن تتبنّى الولايات المتّحدة سياسة أكثر ودية ومرونة تجاه "إسرائيل" تحت إدارة يمينية جديدة. ويراهن على الدّعم المشترك من الحزبين الأميركيين لـ "إسرائيل"، إلّا أنّ هذا الرّهان يبدو خاسراً أمام وجود مظاهرات حاشدة في مختلف أنحاء الولايات المتّحدة التي تنتقد "إسرائيل"، لا سيما داخل المعسكر الدّيمقراطي وهو ما أدّى بمساعد وزير الخارجية الأمريكي ميلر لتقديم استقالته.