يبدو أنّ أفضل خدمة يقدّمها الرئيس جو بايدن لبلاده، وهي أن يعلن عدوله عن الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وبالمقابل، فإنّ منافسه الجمهوري دونالد ترامب ليس أفضل حالا، فشخصيته المجنونة واهتمامه بمصالحه الذاتية وغروره، عوامل لا تستحق ثقة الجمهور، وبالتالي فإنّ أمريكا واقعة حتى الآن في ورطة تاريخية لا يمكن التكهّن بكيفية الخروج منها. وفي هذا السياق، نشرت صحيفة "تليغراف" مقالا مطوّلا أكدت من خلاله أنّ وزراء بريطانيين دعوا الديمقراطيين الأمريكيين إلى "استبدال بايدن بسرعة"، ووفقا للصحيفة، فإنّ "ثلاثة وزراء في حكومة سوناك، لم يتم ذكر أسمائهم، أكدوا أنهم دعوا بطرق مختلفة إلى التخلص من مشاكل الرئيس الأمريكي الحالي عن طريق اختيار شخص آخر للترشح للرئاسة وهزيمة ترامب". ووصف أنصار الحزب الديمقراطي أداء بايدن في المناظرة الانتخابية أمام منافسه ترامب، بالكارثي. وقال المتابعون إنّ بايدن بدا تائها، وغير قادر على ملاحقة خصمه، لتظهر دعوات داخل الحزب لتنحيته عن السباق الرئاسي. كما أظهر استطلاع رأي أجرته وكالة "مورنينج كونسلت" أنّ 60% من المواطنين الأمريكيين يؤيدون استبدال بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة. يذكر أنه يوم الخميس الماضي، جرت أول مناظرة متلفزة بين الرئيس الأمريكي الحالي بايدن وسلفه ترامب، في أتلانتا بولاية جورجيا، وهي تقام للمرة الأولى في التاريخ الأمريكي من دون جمهور ولا صحفيين، وبلغت مدتها 90 دقيقة. وقال رجل الأعمال المعروف كيم دوت كوم، إنّ المناظرة الانتخابية الرئاسية بين بايدن وسلفه ترامب، أظهرت أنّ الولايات المتحدة تواجه الانهيار الوشيك. وأضاف عبر حسابه على منصة "إكس": "لم يكن الأمريكيون وحدهم هم من شاهدوا المناقشة، بل شاهدها العالم كله. نهاية الإمبراطورية تقترب". وشدد دوت كوم على أنّ سمعة الحكومة الأمريكية تضرّرت بالكامل بعد هذا الحدث، ولا يمكن استعادتها. ويرى رجل الأعمال، أنّ الحروب التي تخوضها واشنطن بالوكالة، والدعاية المستمرة، والزعيم المختل عقليا، سيقودون الولايات المتحدة إلى كارثة. وبالفعل، شعر الديمقراطيون باليأس من أداء بايدن في المناظرة ليل الخميس، عندما توقف في الإجابة عن بعض الأسئلة التي أثيرت حول ما إذا كان ينبغي أن يظل مرشح الحزب، وظهر بايدن على خشبة المسرح بصوت ناعم متقطع ونظرة مفتوحة الفم ومحدقة. وكافح الرجل ذو الـ81 عاما من أجل مواصلة التركيز عند بعض النقاط، وتنازل عن قضايا مثل الإجهاض إذ يتمتع الديمقراطيون بالتفوق. ولم يستغرق الأمر سوى دقائق قليلة حتى أدرك الديمقراطيون مدى السوء الذي أصبح عليه الأمر. وقال ديفيد أكسلرود، كبير المستشارين السابق لأوباما، إنه إذا تم تقييم المناظرة بناءً على السياسات، فقد سجل بايدن نقاطًا في قضايا الإجهاض والاقتصاد. ومع ذلك، فقد أدى بشكل سيء للغاية ويجب أن تكون هناك مناقشات حول ما إذا كان يجب أن يظل على بطاقة الحزب الديمقراطي. وأضاف أكسلرود: "هناك شعور بالصدمة حول كيف ظهر في بداية هذه المناظرة. حول كيف بدا صوته. لقد بدا مشوشًا بعض الشيء"، وتابع قائلاً: "ستكون هناك مناقشات حول ما إذا كان يجب أن يستمر"، مضيفًا أنه لا يعرف "ما إذا كانت ستؤدي إلى أي شيء". وتجري شخصيات ديمقراطية بارزة محادثات حول ما يجب فعله بشأن الوضع الراهن، وتتضمن بعض هذه المحادثات ما إذا كان يجب التوجه إلى البيت الأبيض وطلب من الرئيس جو بايدن التنحي. وتشمل محادثات أخرى ما إذا كان يجب على الديمقراطيين البارزين الإعلان عن ذلك بشكل علني، نظرًا لأن أداء بايدن في هذه المناظرة كان سيئًا للغاية، وقال أحد الديمقراطيين الذين قضوا بعض الوقت في العمل في إدارة بايدن: "يبدو بايدن فظيعًا. إنه غير متماسك". ووصف ناشط ديمقراطي آخر أداء بايدن بأنه "مروع"، وقال أحد الديمقراطيين الذين عملوا في الحملات الانتخابية صعودًا وهبوطًا في صناديق الاقتراع ببساطة: "لقد أصابنا الجنون". وكان السؤال الذي كان يلوح في الأفق مع اقتراب المناظرة من نهايتها يكاد يكون وجوديًا: هل ينبغي لشخص آخر أن يتصدر قائمة الديمقراطيين؟ وقال أحد الناشطين الذين عملوا في الحملات على جميع المستويات لأكثر من عقد من الزمن: "من الصعب القول بأن بايدن يجب أن يكون مرشحنا"، كانت هذه المناظرة تاريخية لأسباب عديدة، ولكن ليس أقلها أنها جرت قبل أن يتم ترشيح كل رجل رسميًا في مؤتمراته الخاصة. ومن المقرر أن ينعقد المؤتمر الوطني الديمقراطي في 19 أغسطس في شيكاغو. ومعروف أن الديمقراطيين أمضوا معظم العام الماضي في القلق بشأن فرص بايدن في التغلب على ترامب في انتخابات يعتبرها الكثيرون انتخابات وجودية ستقرر بقاء الديمقراطية الأمريكية. لكن بايدن نفسه كان مصمماً على أن يكون الشخص الذي سيواجه ترامب، حتى أنه قال في مرحلة ما بشكل مباشر: "إذا لم يكن ترامب يترشح، فلست متأكداً من أنني سأترشح". وأعلنت حملة ترامب النصر، وبدأت إطلاق حملات لجمع المزيد من الأموال بعد سعادتهم بمخرجات المناظرة، والحديث عن اقتراب الجمهوريين من السيطرة على البيت الأبيض، إضافة لمجلس النواب والشيوخ، كما هو متوقع على نطاق واسع. لم يتمكن فريق بايدن من تجاهل المخاوف، واعترفت كامالا هاريس نائبة الرئيس أن الأمور لم تسر على ما يرام وأن أداء بايدن اتسم بـ"بداية بطيئة"، لكنها رفضت مناقشة ذلك في مقابلة مع قناة "سي إن إن"، وحثت الأميركيين على التركيز على سجل بايدن الناجح وإنجازاته مقابل سجل ترامب. وبعد 12 دقيقة من بدء المناظرة، بدا واضحا أن بايدن فقد ترتيب أفكاره، وتعثر ثم توقف مؤقتا وحدّق في الأرض، قبل أن يرفع رأسه، حيث بدا كأنه استعاد فكره، لكنه بدلا من ذلك، صرخ وقال عبارة لا معنى لها قائلا: "لقد تغلبنا أخيرا على الرعاية الطبية!". وأثار أداء بايدن انهيارا ذا أبعاد واضحة، حيث وحد الديمقراطيين من جميع تيارات الحزب، سواء التقدميين والتقليدين، والمتفائلين والمتشائمين، على حالة من الذعر غير المسبوق، وتحولت المناقشات الخاصة حول أداء بايدن المتوقع ضد ترامب من التفاؤل إلى الصدمة، واتجه النقاش بسرعة مذهلة حول مدى إمكانية مواصلة بايدن حملته. ودفع أداء بايدن الضعيف والمشوش وغير المركز في زيادة الشكوك حول قدرته على هزيمة ترامب، وعن استطاعته أن يخوض المناظرة الثانية المقررة نهاية سبتمبر المقبل، ناهيك عما إذا كان سيتمكن صحيا وذهنيا من أداء مهامه مدة 4 سنوات أخرى في منصب الرئيس. وفي حديث مع شبكة "إم إس إن بي سي" (MSNBC) قال السيناتور الديمقراطي السابق كلير مكاسكيل من ولاية ميسوري إنه كان لدى جو بايدن شيئا واحدا ليفعله ، وهو طمأنة أميركا بأنه على مستوى الوظيفة رغم عمره المرتفع، "لكنه فشل في ذلك". وليست هذه المرة الأولى التي يجري فيها الديمقراطيون مناقشة حول قدرات بايدن، إذ دق عدد من الإستراتيجيين البارزين ومنذ أكثر من عام ناقوس الخطر خلف الأبواب المغلقة، مثل مستشار باراك أوباما السابق ديفيد أكسلرود، ومستشار بيل كلينتون السابق جيمس كارفيل، لكن النقاش أصبح علنيا وصاخبا بعد ليلة أمس. حلفاء بايدن يتراجعون ويخشى المعلقون الديمقراطيون من أن تصبح مناظرة الخميس مثل مناظرة الرئيس السابق ريتشارد نيكسون عام 1960، الذي تصبب عرقا أثناء حديثه، واعتُبر أداؤه الأكثر كارثية في تاريخ المناظرات الرئاسية. وكرر أنصار الرئيس أنه رغم وجود بعض اللحظات الجيدة، وحتى لو تم الربط بين صوت بايدن المهزوز وإصابته بالبرد، لكن لا يمكن تجاهل عمره، أو كيف تحدث بتردد، أو عدد المرات التي تعثر فيها بكلماته. وأدى ضعف بايدن الواضح وإجاباته المتقلبة وزلاته المستمرة إلى قول نيكولاس كريستوف كاتب العمود في صحيفة نيويورك تايمز: "آمل أن يراجع بايدن أداءه في المناظرة وينسحب من السباق، ويدفع باختيار مرشح ديمقراطي آخر للمؤتمر في أوت". وكتب توماس فريدمان، وهو الذي يُعد أحد أقرب الكتاب لبايدن، ومن أصدقائه القريبين، أن المناظرة جعلته يبكي، وقال: "جو بايدن رجل جيد ورئيس جيد، لكنه ليس مؤهلا لإعادة انتخابه، يجب أن ينسحب من السباق". في حين قال مسؤول بالبيت الأبيض لموقع "بوليتكو" واشترط عدم نشر اسمه: "إنه أمر محزن، ولكن أيضا أشعر بالجنون الشديد لتفكير بعض الأشخاص الأذكياء، الذين يكذبون ويحاولون إنجاح هذا الأمر والوقوف خلف ترشح بايدن". ودعت صحيفة نيويورك تايمز" الأميركية الرئيس جو بايدن إلى العدول عن الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة معتبرة ذلك "أكبر خدمة يمكن أن يقدمها لبلاده"، كما شنت في الوقت ذاته هجوما حادا على منافسه الجمهوري دونالد ترامب واعتبرته "شخصية غريبة الأطوار ومهتمة بمصالحها الذاتية ولا تستحق ثقة الجمهور". وضمن تداعيات مناظرته مع ترامب وتحت عنوان "من أجل خدمة بلاده يجب على الرئيس بايدن أن يترك السباق" كتبت صحيفة "نيويورك تايمز" في افتتاحيتها يوم الجمعة تقول إن بايدن "منخرط في مقامرة متهورة. وهناك قادة ديمقراطيون مجهزون بشكل أفضل لتقديم بدائل واضحة ومقنعة وحيوية لرئاسة ترامب الثانية". وفي لهجة تحذيرية من عواقب أي من المتنافسين الديمقراطي والجمهوري قالت الافتتاحية التي يكتبها مجلس تحرير الصحيفة "لا يوجد سبب يدعو الحزب للمخاطرة باستقرار وأمن البلاد من خلال إجبار الناخبين على الاختيار بين أوجه القصور التي يعاني منها ترامب، وأوجه القصور التي يعاني منها "بايدن". معتبرة ذلك "رهانا كبيرا للغاية"، مؤكدة أن الولايات المتحدة "بحاجة إلى خصم أقوى للمرشح الجمهوري". وترى الصحيفة في قول بايدن إنه المرشح الذي يتمتع بأفضل فرصة لمواجهة تهديد الاستبداد وهزيمة ترامب الذي هزمه بالعمل عام 2020. "لم يعد مبررا كافيا، فبايدن ليس الرجل الذي كان عليه قبل 4 سنوات". وفي تقييمها لأداء بايدن أمام ترامب في مناظرتهما قالت إن الرئيس ظهر مساء الخميس "كظل لموظف حكومي كافح لشرح ما سيحققه في فترة ولاية ثانية وكافح للرد على استفزازات ترامب وناضل من أجل محاسبة ترامب على أكاذيبه وإخفاقاته وخططه المخيفة، مضيفة في عبارة ساخرة "وكافح أكثر من مرة للوصول إلى نهاية الجملة". وترى الصحيفة في انسحاب بايدن من المنافسة وإيجاد منافس ديمقراطي آخر "أفضل فرصة لحماية روح الأمة. وأفضل خدمة نبيلة يمكن أن يقدمها بايدن لبلاده لفترة طويلة". وحول تطبيق ذلك عمليا قالت نيويورك تايمز إن عزاء السيد بايدن وأنصاره هو أنه لا يزال هناك وقت للحشد خلف مرشح مختلف. مضيفة أن الحملات الانتخابية في العديد من الديمقراطيات يتم تنظيمها في غضون بضعة أشهر. كما اعتبرت نيويورك تايمز أن الدعوة إلى مرشح ديمقراطي جديد في هذا الوقت المتأخر من الحملة الانتخابية ليس استخفافا بالأمر، لكنه يعكس حجم وخطورة تحدي ترامب لقيم ومؤسسات هذا البلد وعدم قدرة بايدن على المواجهة. واستشهدت الصحيفة باستطلاعات الرأي والمقابلات، حيث يقول الناخبون إنهم يبحثون عن أصوات جديدة لمواجهة ترامب. وعادت الصحيفة إلى التحذير من أفكار ترامب وتصريحاته مؤكدة أنها "تضر بالاقتصاد الأميركي، وتقوض الحريات المدنية وتضر بعلاقات أميركا مع الدول الأخرى، كذب بوقاحة وبشكل متكرر بشأن أفعاله وسجله كرئيس". وخلصت الصحيفة في افتتاحيتها إلى دعوة الديمقراطيين إلى أن يجدوا الآن الشجاعة لقول الحقيقة الواضحة لزعيم الحزب. وقالت "يجب على المقربين والمساعدين الذين شجعوا ترشيح الرئيس والذين قاموا بحمايته من الظهور غير المكتوب في الأماكن العامة أن يدركوا الضرر الذي لحق بمكانة بايدن وعدم احتمالية أن يتمكن من إصلاحه"، وعزاء بايدن وأنصاره هو أنه لا يزال هناك وقت للحشد خلف مرشح مختلف.