2025.05.22
((((حديث الساعة))))

الجريمة التي تخفي الهزيمة.. احذروا من تكتيك اليائس!


يبدو الاحتلال الصهيوني مثل كلب مسعور، مجروح في العمق ومحشور في الزاوية الضيقة، بلا أنياب ولا مخالب، وقد نضبت موارده بسبب حرب الإبادة العبثية التي يواصل تنفيذها ضد المدنيين في قطاع غزة، وفي ظل هذا "المأزق"، يصعب توقّع ردّة الفعل التي يمكن أن يقوم بها هذا الاحتلال - المنهزم عسكريا والمفكّك سياسيا والمنهار أخلاقيا - بعدما استخدم أقذر الأدوات والأساليب في حرب الإبادة دون تحقيق أيّ هدف من وراء ذلك، والآن بات السؤال الأكثر تردّدا وسط الكيان المنبوذ حتى من نفسه: ماذا علينا أن نفعل للنفاذ بجلودنا وأي سلاح يمكننا استخدامه لإنهاء كل شيء وبأي ثمن؟ === أعدّ الملف: حميد سعدون - سهام سوماتي - منير بن دادي === على نحو استنتاجي، يمكن صياغة الإجابة عن السؤال سالف الذكر، من خلال قراءة استشراف وضعته الجزائر - على الأقل مرتين - أمام ضمير المجتمع الدولي، حين نبّهت إلى سيناريو خطير قد يقدم عليه الاحتلال، والأمر، يتعلق هنا بما طرحته ممثلة الجزائر في المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيمائية، "سليمة عبد الحق"، وكان ذلك بمناسبة انعقاد أشغال الدورة الـ 106   للمجلس التنفيذي، خلال الفترة من 9 إلى 12 جويلية في "لاهاي". لقد أعادت الجزائر - على لسان "سليمة عبد الحق" - تأكيد دعمها لمطلب فلسطيني جرى تجاهله ويتمثل في ضرورة التحقيق حول حوادث متعلقة باستخدام مواد كيميائية من طرف قوات الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، مع العلم أن هذا التأكيد جاء قبل يوم واحد من صدور تقارير تشير إلى أن قوات الاحتلال باتت تلجأ إلى استهداف الفلسطينيين في غزة بـ "صواريخ وقنابل غالبيتها من صناعة أمريكية يطلق عليها اسم الأسلحة الحرارية أو الكيماوية، وهي محرّمة دوليا وممنوعة من الاستخدام ضد البشر". مُمثّلة الجزائر، في المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيمائية، دعت، يوم الأحد 14 جويلية، بصفتها نائبا لرئيس المجلس، إلى ضرورة تعزيز التعاون الدولي لمواجهة خطر الإرهاب الكيميائي، كما جدّدت - في الحين ذاته - دعمها مطلب فلسطين من أجل الحصول على المساعدة التقنية من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وكذا التحقيق في حوادث متعلقة باستخدام مواد كيميائية من طرف قوات الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة. وليست هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها الجزائر بطرح هذه القضية الخطيرة، ففي مارس الماضي وجّهت، تنبيها إلى منظمةَ حظر الأسلحة الكيميائية الدولية بشأن احتمال لجوء الاحتلال إلى استعمال الأسلحة الكيميائية في عدوانه على قطاع "غزّة"، في ظل إصرار سلطة الكيان على انتهاك القانون الدولي، وجاء ذلك عقب انتخاب الجزائر عن منطقة إفريقيا في شخص السفيرة "سليمة عبد الحق"، الممثلة الدائمة للجزائر لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، لتولي منصب نائب رئيس المجلس التنفيذي للمنظمة، لعهدة مدتها سنة اعتبارا من 12 ماي 2024. وفي كلمتها تلك، حذّرت السفيرة "سليمة عبد الحق"، خلال نقاش معمق في الدورة 105 للمجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي انعقدت بمدينة لاهاي من 5 إلى 8 مارس الماضي، "من مخاطر إعادة ظهور الأسلحة الكيميائية وتهديد استخدامها من قبل جماعات غير حكومية، خاصة في الظرفية الحالية التي تشهد تنامي الصراعات المسلحة في جميع أقطاب العالم". وفي السياق نفسه، عبّرت الدبلوماسية الجزائرية عن "قلق الجزائر البالغ بشأن المأساة الفلسطينية، وأدانت الأعمال والأفعال الفظيعة والمشينة التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في انتهاك صارخ للقانون الدولي". كما أشارت إلى "مخاطر لجوء القوة المحتلة إلى استخدام الأسلحة الكيميائية في حربها ضد الفلسطينيين، لا سيما أن الاحتلال الصهيوني ليس عضوا في اتفاقية منع الأسلحة الكيميائية ولا تلزمه أحكامها". والنتيجة.. المقاومة بخير والجيش الصهيوني مُنهك يوم الاثنين 15 جويلية - أي بعد يوم بعد يوم واحد من كلمة ممثلة الجزائر - قال المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع "غزة" "إن أكثر من 320 شهيدا ومصابا وصلوا إلى المستشفيات، بأجساد محروقة نتيجة استخدام (إسرائيل) للأسلحة المحرمة دوليا"، وأوضح أنه وفقا لتقديرات طبية فإنّ "الأسلحة التي يستخدمها (جيش) الاحتلال تسبَّبت بحروق من الدرجة الثالثة في أجساد الشهداء والمصابين". وتابع أنّ هذه الأسلحة هي "صواريخ وقنابل غالبيتها صناعة أمريكية يطلق عليها اسم الأسلحة الحرارية أو الكيماوية، وهي محرّمة دوليا وممنوعة من الاستخدام ضد البشر"، وأشار المكتب الحكومي إلى أن هذه الأنواع من الأسلحة "تعمل على تفاعل المواد الكيماوية مع الجلد مُسبِّبة بتآكلٍ كيمائي للأنسجة في أجساد الشهداء والمصابين، فضلا عن آلام شديدة وأضرار جسدية عميقة، مما يجعلها تتسبب بحروق قاتلة ومُميتة خلال 27 ساعة أو أقل". ولفت المكتب الحكومي إلى أنه تم تسجيل "بعض الحالات التي استشهدت نتيجة الإصابة بالحروق القاتلة"، وأدان المكتب في بيانه "الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الاحتلال ضد المدنيين والأطفال والنساء"، داعيا كل دول العالم إلى "إدانة هذه الجرائم الحارقة ضد المدنيين وملاحقة الاحتلال ومحاكمته أمام المحاكم الدولية"، وحمّل المكتب "الإدارة الأمريكية كامل المسؤولية القانونية والحقوقية عن إمداد الاحتلال بهذه الأنواع المتعددة من الأسلحة المحرمة دوليا". وتُشير كل المعطيات الواردة يوميا، أنّ الجيش الصهيوني يعاني بسبب فشله في "غزّة"، إذ يجد نفسه في مأزق حقيقي، في مقابل استمرار المقاومة الفلسطينية في عملياتها التي توقِع خسائر في صفوفه، وقد نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تقريرا جاء فيه أن الجيش الصهيوني مُتعب في "غزة"، بعدما نضبت موارده بسبب الحرب العبثية التي يشنّها على قطاع "غزة"، بينما حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، لا تزال بخير. ولولا الجسر الجوي الأمريكي والدعم الذي يتلقّاه، سواء من الذخيرة أو المعدات، لكان هذا الجيش الصهيوني قد أُجبِر على وقف الحرب بعد 3 أشهر من بدايتها، بحسب ما يقول خبراء كانوا قد حلّلوا أرقام الخسائر التي يتعرّض لها بسبب عمليات المقاومة الفلسطينية في "غزّة"، ومنها تدمير 1400 آلية قتال، حسب ما أعلن قبل شهرين "أبو عبيدة" الناطق باسم "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس". وبات "جيش" الاحتلال غير قادر على حسم حرب غير متناظرة، وغير قادر على التعامل مع مقاومين فلسطينيين يؤمنون بقضيتهم، وهو ما توصّل إلى وصفه رئيس وزراء سلطة الاحتلال الصهيوني الأسبق "إسحاق رابين" حين تساءل: "ماذا أفعل بإنسان يسعى إلى الموت؟"، والواقع أنّ الجيش الصهيوني أصبح لا يدري ما يفعل، ولهذا يجب التحذير دائما من أن يلجأ هذا الجيش المهزوم إلى استخدام أسلحة كيميائية في "غزة". وفي شهر فيفري الماضي، انتقد وزير خارجية سوريا "فيصل المقداد"، في بيان ألقاه عبر الفيديو أمام مؤتمر نزع السلاح في جنيف، تجاهل الدول الغربية "بصورة فاضحة، امتلاك "إسرائيل" قدرات نووية خارج إطار معاهدة منع الانتشار النووي، واتفاق الضمانات الشاملة"، وصمتها عن تصريحات مسؤوليها بإمكانية "استخدام قنبلة نووية ضد الشعب الفلسطيني في غزة". وأشار الوزير المقداد إلى أنّ "سوريا تؤكد أن مؤتمر الأمم المتحدة لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية، وغيرها من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، والذي ترفض الولايات المتحدة و(إسرائيل) المشاركة فيه، لا يشكل مساراً بديلاً عن القرار ذي الصلة الصادر في عام 1995"، وشدّد وزير خارجية سوريا، على أنّ "سلوك الغرب ضاعف خطر الإرهاب الكيميائي، وشجّع التنظيمات الإرهابية على امتلاك أسلحة كيميائية، وتطويرها". وزير القنبلة النووية يتحدث عن "حل ممكن" وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد أكدت أن "الجيش الصهيوني استخدم - يوم 10 أكتوبر 2023- قنابل فوسفورية في هجمات على غزة ومناطق حدودي بلبنان، بعد تعهدات سابقة بالكف عن استخدامها في المناطق السكانية، واعتمدت المنظمة الحقوقية في ذلك على وثائق منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي وقالت إنه "تم التحقق منها". وتؤدي القنبلة إلى انفجار الفوسفور عندما يتلامس مع الأكسجين، ويستمر في الاحتراق حتى تنضب، طالما أن المادة تتلامس مع الأكسجين، وفي حالة الاتصال مع الجلد، يتسبّب الفوسفور بحروق وتعتبر القنابل الفوسفورية "أسلحة حارقة" تخضع لقيود البروتوكول الثالث لاتفاقية حظر أو تقييد أسلحة تقليدية معينة. ولا تقتصر مخاطر القنابل الفسفورية على القتل والحرق الذي يطال ضحاياها، بل يمتد تأثيرها إلى البيئة ‏المحيطة، فتتسبّب بتلويث الماء والتربة، بعد أن تنهي مهمّتها في تلويث الأجواء بدخانها الخانق، وما ينتج ‏عن ذلك من نوبات سعال شديد بين الأفراد، تكون مصحوبة بتهيّج في الجلد والأنسجة المعرّضة للدخان، ‏كما هو الحال بالنسبة للفم والحلق والرئتين. ‏ ويؤكد مُختصون في وكالة المواد السامة وسجلّ الأمراض الأمريكية، أن بقايا مكوّنات قنابل الفسفور ‏الأبيض يمكن أن تنفذ إلى المياه القريبة من مواضع استخدامها، كما وتستقر في رواسب الأنهار ‏والأحواض المائية المحيطة، بفعل مياه الأمطار التي تعمل على سحب المخلّفات الكيميائية من تلك القنابل ‏إلى مجارٍ مائية قريبة، إذ إن قابلية الفسفور الأبيض للتفاعل بسرعة مع الأكسجين في الهواء، تقلل من ‏انتشاره إلى أماكن بعيدة عن مواضع استخدامه.‏ ولم تكن متفجرات قد ألقيت على قطاع "غزة" تعادل قنبلة نووية بقوة 30 كيلوطنا (الكيلوطن الواحد يعادل ألف طن)، لتتمكن من في كسر إرادة سكان القطاع، الأمر الذي يبدو أنه استفز "عميحاي إلياهو" وزير التراث في حكومة مجرم الحرب "بنيامين نتنياهو"، فطالب باستخدام قنبلة نووية حقيقية في الحرب على القطاع. وبالفعل، فإن الوزير الصهيوني "عميحاي إلياهو" قد قال بأن إلقاء قنبلة نووية على "غزة" هو حل ممكن، مضيفا أن قطاع "غزة" يجب ألا يبقى على وجه الأرض، وعلى (إسرائيل) إعادة إقامة المستوطنات فيه، ورأى أن للحرب أثمانا بالنسبة إلى من وصفهم بـ "المختطفين" الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية. وردا على سؤال في مقابلة مع راديو "كول بيراما" (محلي) عما إذا كان ينبغي قصف "غزة" بقنبلة نووية، أجاب "إلياهو": "هذا أحد الاحتمالات"، وأضاف: "أطمح أن نعود إلى إقامة المستوطنات اليهودية في قطاع غزة ونذهب إلى هناك بكل فخر". وعن المواطنين الفلسطينيين، قال الوزير الصهيوني: "فليذهبوا إلى أيرلندا أو الصحاري، وليتولى الوحوش في غزة مهمة الحل بأنفسهم". وللتدليل على الإجرام الجنوني الذي تنفذه قطعان الجيش الصهيوني، قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" إن قوات الاحتلال استخدمت 8 قنابل زنة كل واحدة منها ألفا رطل في محاولتها اغتيال قائد كتائب الشهيد عز الدين القسام "محمد الضيف" في الغارة التي نفذتها مؤخرا ضد خيام النازحين في منطقة "المواصي" في "خان يونس" جنوبي قطاع "غزة" الأسبوع الماضي. ونقلت الصحيفة عن أشخاص، وصفتهم بالمطلعين على العملية، أنه عندما ظهرت معلومات استخباراتية بأنّ "الضيف" كان موجودا في مجمع في جنوب "غزة"، ضربت قوات الاحتلال الهدف بقوة نيران ساحقة، مشيرين إلى أنّ قوة الانفجار الناجم عن الذخائر الموجهة أدت إلى تحويل الهدف إلى ما وصفتها بحفرة مشتعلة. وبينما قال مجرم الحرب "نتنياهو" إن الغارة استهدفت "الضيف" ونائبه "رافع سلامة"، مشيرا إلى أنه "لا يعلم مصير الضيف"، نفت "حماس" مقتل "الضيف" في الغارة، ويأتي ذلك في وقت قال فيه خبيران في الأسلحة، تحدثا لوكالة الصحافة الفرنسية، إن شظية شوهدت في مقطع فيديو لموقع الانفجار جرى تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي كانت عبارة عن ذيل زعنفة من نظام الذخيرة الهجومية المباشرة المشتركة الأمريكي المعروف اختصارا باسم "جي دي إي إم". وتستعين الذخيرة بنظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس" لتحويل قنابل السقوط الحر التقليدية غير الموجهة والتي تسمى "قنابل غبية" إلى ذخائر ذكية موجهة بدقة يمكن التحكّم بها لضرب هدف واحد أو عدة أهداف، وقد طوّرت الولايات المتحدة هذه المعدات لتحسين الدقة في الأحوال الجوية السيئة بعد عملية "عاصفة الصحراء" عام 1991. التديّن الدموي.. القتل في "اليوم المقدّس" تم تجهيز أول دفعة من أنظمة "جي دي إي إم" عام 1997، ووفقا للقوات الجوية الأمريكية فإن مستوى موثوقية النظام تصل إلى 95%. ويقول الخبير الفني السابق في الجيش الأمريكي والمتخصص في التخلص من الذخائر المتفجرة "تريفور بول" إن صور الغارة على "المواصي" تشير إلى أن الأسلحة المستخدمة من "مجموعة نظام "جي دي إي إم" بنسبة 100%" وهي مصنوعة في الولايات المتحدة. وأضاف أنه بالنظر إلى أنواع القنابل المتوافقة مع نظام التوجيه وحجم شظية الزعنفة فمن المرجّح أن النظام "جي دي إي إم" استُخدم على قنبلة تزن 450-900 كيلوغرام. وقال "بول" إن ذيل الزعنفة يمكن أيضا تركيبه على الرأس الحربي بلو-109 "المدمر للتحصينات" والمُصمَّم لاختراق الخرسانة، وأشار إلى أنه لم يكن من الممكن تحديد مكان صنع الحمولة بشكل قاطع من دون الحصول على "شظايا معيّنة تحديدا من جسم القنبلة"، وأثار الاستخدام المتكرر لهذه القنابل الكبيرة في قطاع "غزة" المكتظ بالسكان احتجاجات منظمات حقوق الإنسان وزادت الضغوط على الرئيس الأمريكي "جو بايدن" لإعادة النظر في ملف الأسلحة التي ترسلها بلاده إلى الكيان. وفي 12 من شهر جويلية الجاري، أعلن "بايدن" المضي قدما في إرسال قنابل زنة 500 رطل للكيان بعد توقف مؤقت جراء مخاوف من احتمال استخدام ذخائر زنة ألفي رطل كانت موجودة في الشحنة ذاتها، في مناطق مأهولة، وانتقد "البيت الأبيض" مرارا سلطة الكيان بسبب ارتفاع عدد القتلى المدنيين في قطاع "غزة" حيث تقول سلطة الاحتلال إنها تسعى إلى القضاء على حماس. وتعتبر الغارة الصهيونية على منطقة "المواصي" الأكثر دموية خلال أكثر من 9 أشهر من الحرب، وأدّى قصف ما صنفته سلطة الاحتلال على أنه "منطقة آمنة" طلبت من النازحين التوجه إليها؛ إلى تحويل مخيماتهم قرب شاطئ البحر الأبيض المتوسط إلى أرض منكوبة ومتفحّمة وإلى اكتظاظ المستشفيات بالضحايا. وقالت وزارة الصحة في "غزة" إن الغارة أدت إلى استشهاد 92 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من 300 آخرين. لم يكد غبار الغارة الصهيونية على خيام النازحين في منطقة "مواصي خان يونس" جنوبي قطاع "غزة" ينقشع حتى بدأت أبواق النصر تعزف داخل أستوديوهات وسائل الإعلام في الكيان، بحسب مقال في صحيفة "هآرتس"، سخر من خلاله الكاتب "جدعون ليفي" من المراسل العسكري للقناة الثانية الإخبارية الإسرائيلية "نير دفوري" الذي أعلن بـ "وجه متوهج" أن "محمد الضيف" القيادي في كتائب القسام قد "مات"، و"كأنه هو من أمر باغتياله". وقال "ليفي" إن مراسل القناة "بشّر" هو الآخر بأن "الأمر يبدو جيدا"، في إشارة إلى ادّعاء سلطة الكيان مقتل القيادي الفلسطيني، أما "موريا أسرف وولبيرغ" المراسلة الدبلوماسية في القناة ذاتها فقد انتهكت عطلة السبت - وهو اليوم المقدس في الديانة اليهودية الذي يُحرّم فيه الصيد والقتل – لتقول: "نأمل جميعا أن يكون الضيف قد مات". ويوم السبت 13 جويلية، استهدفت قوات الاحتلال الصهيوني خيام نازحين بمنطقة "مواصي خان يونس" التي صنّفتها في وقت سابق "آمنة"، واستُشهد خلال الاستهداف عشرات الفلسطينيين، كما أسفرت غارة أخرى عن مجزرة ثانية في مخيم الشاطئ راح ضحيتها 17 شهيدا. وأكد مراسلون صحافيون أن الجيش الصهيوني نفّذ غارات عنيفة بـ 5 صواريخ على مخيمات نزوح غربي "خان يونس" جنوبي القطاع، ما أسفر عن عشرات الشهداء والمصابين. وتوقّع "ليفي" أن تنطلق الأفراح في الفترة ما بين كتابة مقاله هذا ونشره كما لم يحدث من قبل، وهو غالبا ما يعكس - في نظره - مدى عمق المرض الذي يعاني منه المجتمع، ووفقا له، لم تحقق سلسلة الاغتيالات الصهيونية التي لا نهاية لها إنجازا كبيرا سوى "فرحة" الجماهير ورغبتها في الانتقام واحتفالها بـ "النصر".

تاريخ حافل بالإرهاب الصهيوني..

هل أَلِفَ العالم حفلات الشّواء البشري في غزّة!

بقلم: السيد حمدي يحظيه - كاتب من الصّحراء الغربية رعب وعنف فظيعان لم تشهدهما الكرة الأرضية من قبل، ولا عرفت لهما البشرية مثيلًا في التّاريخ. غزّة تحوّلت إلى فرن عظيم، أو محرقة مشتعلة في الهواء الطّلق تفوح منها رائحة جلود ولحم البشر المشوي ورائحة عظامه المتفحّمة. هذا العالم المتوحّش الذي لا ضمير له، حُقن دمه بفيروس مسموم لا شفاء منه، واكتسب مناعة ضدّ أعمال العنف والقتل التي تحدث في غزّة؛ العنف حول هذه المدينة الصّامدة إلى مخبر تجريب بشري يجرّب فيه كلّ أنواع أسلحته التي اخترعت عبقريته الشرّيرة. على مدى الشّهور الماضية تمّ تجريب القنابل المحورية المضادة لاختراق الأنفاق التي تمّ اختراعها من طرف الولايات المتّحدة و"إسرائيل" لضرب أنفاق إيران التي تضمّ المفاعلات النّووية. لقد وجدت الولايات المتّحدة الأمريكية و"إسرائيل" فرصة سانحة في غزّة لتجريب ذلك النّوع من القنابل لتختبر مدى فعاليتها ضدّ أنفاق مشابهة لأنفاق إيران. لقد أُسقط على غزّة خلال الشّهور الماضية حوالي 400 طن من القنابل المضادة للأنفاق، وبعد مرحلة تدمير الأنفاق بالقنابل الجديدة التي تخترق الأرض، حدث الانتقال إلى استعمال القنابل الوازنة التي تدمّر المربّعات السّكنية وتقتل البشر جماعيًّا وتفتّت أجسادهم، وبعد هذه المرحلة، بدأ استعمال القنابل الأمريكية و"الإسرائيلية" الكيميائية التي تقتل بطريقة مزدوجة: من لم تقتله الشّظايا تقتله المواد الكيميائية التي تطلقها تلك القنابل الحارقة. المشكلة الكبيرة أنّ العالم تآلف مع حفلات الشّواء البشري في غزّة، وأصبح يفتح التّلفاز وحين يشاهد تلك القنابل الكيميائية تحرق أجساد الأطفال يلتفت إلى الجهة الأخرى ويطفئ الجهاز. إذًا، البشر فقدَ حِسَّ وصفةَ الإنسان، وهو يتفرّج على هذه المشاهد وكأنّها تحدث في كوكب آخر ليس كوكب الأرض؛ وكأنّه لا يوجد قانون ولا عرف ولا دين يستطيع أن يقول كفى، لا تنزعوا عنّا صفة البشر. التّقارير ولجان حقوق الإنسان تتحدّث عن القنابل الكيميائية الحارقة، لكن لا أحد باستطاعته أن يوقف استعمالها أو ينهي جنون هؤلاء المجرمين.

حرق غزّة بشرًا وحجرًا!..

السلاح الكيميائي في مواجهة صمود المقاومة 

بقلم: محمد آدم المقراني - محام وناشط حقوقي جزائري تؤكّد الجزائر مجدّدًا دعمها الثّابت للقضيّة الفلسطينيّة، وخاصّة فيما يتعلّق بالتّحقيق في استخدام مواد كيميائية من قِبل قوّات الاحتلال الصّهيوني ضدّ الشّعب الفلسطيني في الأراضي المحتلّة. هذه المواقف تأتي في إطار سياسة جزائرية واضحة تعكس التزامًا ثابتًا ودعمًا غير مشروط للحقوق الفلسطينية، في ظلّ استمرار الانتهاكات الصّارخة للقوانين الدّولية من قِبل الاحتلال "الإسرائيلي". جاءت التّحذيرات الجزائرية من إمكانية استخدام الاحتلال للأسلحة الكيميائية في قطاع غزّة في ظلّ تقارير متزايدة تشير إلى استخدام صواريخ وقنابل حرارية وكيميائية ضدّ الفلسطينيين، وهي أسلحة محرّمة دوليًّا. وقد أدلى السّفير الجزائري لدى منظّمة حظر الأسلحة الكيميائية، سليمة عبد الحق، بتصريحات قوية خلال الجلسة الـ 105 للمجلس التّنفيذي للمنظّمة، حيث أشارت إلى المخاطر المتزايدة لعودة استخدام الأسلحة الكيميائية من قِبل قُوى غير دوليّة في ظلّ النّزاعات المسلّحة الجارية في العالم. الجزائر، التي انتخبت نائبًا لرئيس المجلس التّنفيذي لمنظّمة حظر الأسلحة الكيميائية، استغلّت هذه الفرصة لتأكيد دعمها للطّلب الفلسطيني المقدّم إلى الأمانة الفنية للمنظّمة لفتح تحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية في فلسطين. وأكد السّفير الجزائري على ضرورة توفير معلومات دوريّة عن نتائج هذه التّحقيقات للدّول الأعضاء في المنظّمة، مشدّدة على أهمية الجهود المستمرّة لضمان شمولية اتفاقية الأسلحة الكيميائية، والتزام جميع الدّول ببنودها. وجاءت التّحذيرات الجزائرية بعد تقارير منظّمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش، التي أشارت إلى استخدام جيش الاحتلال "الإسرائيلي" للفوسفور الأبيض في غزّة، وهو مادّة كيميائية تسبّب حروقًا شديدة وإصابات مميتة، حيث يُستخدم الفوسفور الأبيض عادةً لإنشاء سواتر دخانية لتغطية تحرّكات القوّات العسكرية، لكنّ استخدامه في المناطق المدنية يشكّل انتهاكًا صارخًا للقوانين الإنسانية الدّولية بسبب تأثيراته المدمّرة على المدنيين والبنية التّحتية. تتنزّل هذه التطوّرات في وقت تشهد فيه الجزائر دعمًا شعبيًّا واسعًا للقضية الفلسطينية، يعكس إجماعًا وطنيًّا على دعم الفلسطينيين، وتبرز أهمية القضيّة الفلسطينية في السّياسة الدّاخلية والخارجية الجزائرية. في الختام تعمل الجزائر على تعزيز دورها في المحافل الدّولية لدعم القضية الفلسطينية، من خلال التّنسيق مع منظّمات إقليمية ودولية مثل الجامعة العربية ومنظّمة التّعاون الإسلامي. ويسعى وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطّاف، إلى تفعيل الجهود المشتركة لإيجاد حلّ عاجل يخدم الاحتياجات الإنسانية لسكّان غزّة، وتعزيز المواقف الدّاعمة لفلسطين على المستوى الدّولي. تؤكّد الجزائر من جديد، من خلال دعمها للتّحقيقات المتعلّقة باستخدام الأسلحة الكيميائية في فلسطين، على مسؤوليتها الدّولية وحرصها على حقوق الإنسان. وتعكس هذه المواقف التزام الجزائر الدّائم بالقضيّة الفلسطينية وسعيها المستمر لتحقيق العدالة والسّلام في المنطقة. هذا الموقف يعزّز من دور الجزائر الرّيادي في العالم العربي والإسلامي، ويبرز أهميتها كدولة داعمة للحقوق الفلسطينية في مختلف المحافل الدّولية.

الجزائر ترفع صوتها: أوقفوا هذا الجنون قبل أن يحترق العالم !

أبرز الأستاذ والباحث في الشؤون الدولية، عبد الرحمان بوثلجة، أنّه ومنذ بداية العدوان الصهيوني الجائر على قطاع غزّة، بَقيَ موقف الجزائر كما هو، موقفًا واضحًا وصارمًا ومساندًا للشعب الفلسطيني في غزّة وللقضية الفلسطينية بشكلٍ عام، وتجلى ذلك في تصريحات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في لقاءاته الصحفية المختلفة، ومن خلال تصريحات وزير الخارجية أحمد عطاف، وكذلك من خلال موقف الجزائر منذ بدء عضويتها في مجلس الأمن السنة الجارية، حيث كان للجزائر صوتها المسموع من خلال ممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة بنيويورك، عمار بن جامع، الذي كانت له وفي العديد من المرات كلمات قوية سيخلدها التاريخ، تُبرز مدى دعم الجزائر للفلسطينيين والتنديد بالهمجية الصهيونية على قطاع غزة. وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ بوثلجة، في تصريح لـ "الأيام نيوز"، أنّ الجزائر كانت قد نجحت في تمرير مشروع قرار يقضي بوقف إطلاق النار خلال شهر رمضان الفضيل، لكن للأسف الشديد لم ينفذ هذ القرار بسبب عدم التزام الكيان الصهيوني بذلك، إلا أنّ هذا الأمر يُحسب للجزائر، في ظل الدعم المطلق الذي تقدمه أمريكا وبريطانيا للكيان الصهيوني، واستخدامها لحق "الفيتو" أمام أيّ مشروع قرار يتضمن وقف إطلاق النار في قطاع غزّة. أمّا فيما يتعلق بدعم الجزائر مطلب إجراء تحقيقٍ دولي بشأن استخدام الكيان الصهيوني لأسلحة محرمة دوليًّا، كاستعمال الأسلحة الحرارية أو الكيماوية ضد الفلسطينيين، أكّد محدثنا أنّ ذلك يأتي في إطار مواصلة الجزائر لجهودها الرامية إلى دعم الفلسطينيين ومحاولة التخفيف من حدّة ما يتعرضون له من جرائم حرب مكتملة الأركان في ظل صمت دولي مطبق، وكذلك من أجل تقديم المجرمين الصهاينة في المحاكم الدولية، رغم أنّ هذا الأمر أصبح شبه مستحيل بالنظر إلى ما لامسناه من عرقلة واضحة من طرف الغرب لأيّ محاولة تهدف إلى تحقيق العدالة في هذا الشأن، سواء في محكمة لاهاي أو في المحكمة الجنائية الدولية. في السياق ذاته، أشار الباحث في الشؤون الدولية، إلى أنّ الكيان الصهيوني استخدم كل أنواع الأسلحة المُتاحة والمتوفرة لديه، وبطبيعة الحال هي أسلحة أمريكية متطورة جدّا، حتى إنّ الولايات المتحدة لا تقدّمها إلا لـ "إسرائيل"، التي لها الأولوية القُصوى عندما يتعلق الأمر بتصدير الأسلحة الأمريكية الحديثة، وقد لحظنا مؤخرا الضجة التي أُثيرت حول وقف إدارة بايدن تصدير بعض الأسلحة التي يتجاوز وزنها واحد طن إلى "إسرائيل"، من خلال ذلك يتضح جليّا أنّ كل الأسلحة التي تستعملها "إسرائيل" في حربها الشعواء التي تشنها على القطاع، هي أسلحة أمريكية، وبدون أمريكا ما كان الكيان الصهيوني قادرًا على الصمود طوال هذه المدة، وما كان قادرًا على إلحاق كل هذا الدمار بالقطاع، وما تمكن من ارتكاب مجازر بالجملة بحق الأبرياء والعزل في غزّة. لا حدود لأمريكا في دعم "إسرائيل" إلى جانب ذلك، أفاد الأستاذ بوثلجة، أنّ أمريكا ليس لها حدود عندما يتعلق الأمر بدعم "إسرائيل"، فإذا كانت أمريكا قد قدمت العام الماضي بعض القنابل العنقودية المحرمة دوليا إلى أوكرانيا، فعلى الأغلب أنّها تقدم اليوم أكثر من ذلك للكيان الصهيوني، هذا الكيان الذي لا يوجد لديه أي رادع يمنعه من استخدام هذا النوع من الأسلحة ضد البشر، وقد سمعنا من بعض السياسيين الإسرائيليين والأعضاء في الحكومة المتطرفة وهم يتحدثون ويدعون إلى قصف غزّة بالسلاح النووي، وهو الأمر الذي يُمكن اعتباره كأوّل اعتراف رسمي من الكيان الصهيوني بامتلاكه للأسلحة النووية، رغم أنّ العالم كله يعلم يقينًا بأنّ "إسرائيل" تمتلك أسلحة نووية، وبما أنّ الأمور وصلت إلى الدعوة إلى استخدام هذا النوع من الأسلحة، فالأكيد أنّ ما دونها يكون قد استخدم في إبادة الشعب الفلسطيني الأعزل في القطاع، سواء تعلق الأمر بالأسلحة الكيمياوية أو الحرارية أو غيرها من الأسلحة المحرمة دوليا. وأردف محدث "الأيام نيوز" قائلا: "الأكيد أنّ الكثير من الدول الداعمة للحق الفلسطيني تندد بهذا الأمر، وفي مقدمتهم الجزائر التي لا تدخر جهدا في إسناد الشعب الفلسطيني وتُسمي الأمور بمسمياتها، وتعتبر الفلسطينيين أصحاب حق ومن حقهم المقاومة بالسلاح، هذا الحق الذي يكفله لهم القانون الدولي، وفي الوقت ذاته تعتبر الصهاينة معتدين، ودائما ما تدعو وتطالب بوقف إطلاق النار ووقف العدوان الصهيوني على القطاع". في سياق ذي صلة، أوضح المتحدث أنّ الجزائر لا تتحدث عن السلام في الوقت الذي يقصف فيه الكيان الصهيوني الآمنين في بيوتهم في القطاع، على غرار ما يفعله الكثير من المتواطئين، فبعد كل ما اقترفه ويقترفه العدو الصهيوني من مجازر مروعة في حق الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، نجد أنّ بعض الأشقاء العرب يتحدثون عن السلام وأنّ المقاومة لا تريد السلام، والكثير من الأمور التي نسمعها وتتداولها بعض الأبواق الإعلامية في عدد من الدول العربية المطبعة. هذا، وأكّد الخبير في السياسة، أنّ دعم الجزائر المُطلق للحق الفلسطيني كان واضحا منذ بداية العدوان الصهيوني على القطاع، سواء من خلال الدعم الدبلوماسي والسياسي، أو من خلال الدعم الإنساني، حيث قدمت بلادنا مبلغا مهمًّا إلى وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" مؤخرا، في وقت حاولت فيه الكثير من الدول توقيف دعمها للوكالة، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية الاستعمارية، كما قامت الجزائر بإرسال مساعدات إنسانية مهمّة واستعجالية إلى القطاع، فالجزائر تفعل كل ما يجب فعله من أجل وقف هذا العدوان المستبد ووضع حدّ لمعاناة المدنيين العزل في غزّة. خِتاما، أبرز الأستاذ بوثلجة، أنّ موقف الجزائر الداعم للشعب الفلسطيني في القطاع، ودعمها لإجراء تحقيق دولي بشأن استخدام مواد كيميائية ضد الفلسطينيين، ليس بالأمر الجديد ولا الغريب بالنسبة إلى دولة بحجم الجزائر عُرف عنها باعها الطويل في النضال والمقاومة في سبيل استرجاع سيادتها واستقلالها بقوة السلاح والنار، بلد دفع ملايين الشهداء إبّان ثورة التحرير من براثين الاحتلال الفرنسي الغاشم، فهذا هو موقف الجزائر الذي يحترمه الجميع بما فيهم الخصوم، لأنّ الجزائر لم تبع القضية المركزية للأمة، ولم تتفاوض سرا تحت الطاولة من أجل مصالحها الشخصية الضيقة كما فعلت دول أخرى في المنطقة وفي الجوار، فالجزائر لطالما كانت وستبقى داعمةً للحق الفلسطيني منذ نشأة هذا الكيان المستبد على الأراضي الفلسطينية العربية من سنة 1948.

من القنابل الفسفورية إلى قاطعات الأرجل..

"إسرائيل" تضع إصبعها في عين العالم

بقلم: شادي عبد الحافظ - كاتب وصحفي مصري عادةً ما تدّعي "إسرائيل" في وسائل الإعلام العالمية أنها تستهدف بعملياتها العسكرية حركات المقاومة الفلسطينية فقط، وتتجنب المدنيين حينما توجه القصف إلى قطاع غزة، بالطبع هناك دلائل واضحة من المستشفيات الفلسطينية تصدر كل ساعة، نراها في التلفاز وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، تؤكد خطأ وتضليل ذلك الادعاء. لكن أحد أهم الدلائل على أن "إسرائيل" لم تهتم لأرواح المدنيين في قطاع غزة -أو أي منطقة أخرى تقصفها- هو استخدامها من قَبل لأسلحة التدمير الشامل التي لا تميز بين العسكريين والمدنيين من الأساس، بل ويرجح ذلك أن الاحتلال لا يضرب بلا تمييز فحسب، بل يتعمد استهداف المدنيين للضغط على خصومه وعلى رأسهم حركة المقاومة الإسلامية "حماس". ولنبدأ على سبيل المثال لا الحصر من الحرب على غزة بين ديسمبر 2008 وجانفي 2009، حيث كانت هناك أدلة قاطعة من الأرصاد على الأرض وحالة المرضى الذين وصلوا إلى المستشفيات وقد قُطعت أرجلهم، إلى جانب جثث الشهداء التي كانت متفحمة في بعض الأحيان، على أن "إسرائيل" قد استعملت عددا من الأسلحة المحرمة دوليا ضد المدنيين العزل في القطاع، في عملية راح ضحيتها قرابة ألفي شهيد فلسطيني مع إصابة أضعاف هذا العدد. من الفسفور إلى قاطعات الأرجل قصف إسرائيلي بقنابل الفسفور على المناطق المأهولة بالسكان في مدينة غزة، 11 أكتوبر 2023. بشكل خاص، عادة ما يكون التركيز على قنابل الفسفور الأبيض بوصفها أداة مفضلة تستخدمها قوات الاحتلال الإسرائيلي بكثافة في معاركها ضد سكان قطاع غزة، وهي أسلحة حارقة تحتوي على الفسفور الأبيض حمولة أساسية، صُمِّمت لتوليد حرارة شديدة تبلغ قرابة ألف درجة مئوية إلى جانب قوتها التدميرية. عند ملامسته الجلد، يسبب الفسفور الأبيض حروقا مؤلمة جدا من الدرجة الثانية إلى الدرجة الثالثة، وخاصة أن الفسفور الأبيض يذوب بسهولة في الدهون، وقد يُمتَص بسهولة عبر الجلد إلى بقية الجسم، حيث يمكن أن يسبب أعراضا خطيرة أخرى تصل إلى الوفاة بسبب الأضرار التي تلحق بالكلى والكبد والقلب. وقد طالت "إسرائيل" اتهامات دولية بإقدامها على جرائم حرب لاستخدامها أسلحة محرمة دوليا، مثل قنابل الفسفور الأبيض، ضد المدنيين في غزة عام 2009. إلى جانب ذلك، وجد عدد من التقارير، أشارت إلى أنّ "إسرائيل" استعملت من قبل "المتفجرات المعدنية الخاملة الكثيفة" (DIME) في غزة، سواء بإسقاطها من مسيرات أو وضعها رأسا حربيا للصواريخ، المتفجرات المعدنية الخاملة الكثيفة هي من المتفجرات التي تُحدث نصف قطر انفجار صغير نسبيا ولكنه مدمر جدا، تُصنَّع عن طريق ضبط خليط متجانس من مادة متفجرة مع جزيئات صغيرة من مادة خاملة كيميائيا مثل التنغستن. تتسبب هذه النوعية من القنابل في تمزيق الأنسجة البشرية بشكل مختلف تماما عن الشظايا المعروفة عادة ما يؤدي إلى بتر الأطراف غالبا، وكانت مجموعة من العلماء الإيطاليين المنتسبين إلى لجنة مراقبة أبحاث الأسلحة الجديدة قد أعلنت أن جروح هذه النوعية من القنابل غير قابلة للعلاج لأن مسحوق التنغستن لا يمكن إزالته جراحيا، كل هذا ولم نتحدث عن التأثيرات السرطانية لسبائك التنغستن المعدنية الثقيلة، حيث وجدت دراسة أجرتها وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية في عام 2005 أن هذه الشظايا تحفز بسرعة "الساركومة العضلية المخططة " (Rhabdomyosarcoma) في فئران المختبر. يكفيك أن تعرف فقط أن أكبر استخدامين معروفين لهذه القنابل حول العالم كانا في 2006 غزة، وحرب 2008-2009 غزة، وقد طالت "إسرائيل" اتهامات دولية بإقدامها على جرائم حرب عبر التعامل مع المدنيين في غزة بتلك القنابل. ترسانة من السلاح المُحرَّم تعمل دولة الاحتلال على استكمال ترسانتها النووية بأسلحة بيولوجية وكيميائية، فالسلاح الكيميائي -بقدراته الغازية على الانتشار- يقتل مَن يقابل بلا تمييز، وخاصة الأطفال. (الصورة: الفرنسية) بل ويمتد الأمر لما هو أعمق من ذلك، ففي عام 1983 أشار تقرير صادرعن وكالة المخابرات المركزية الأميركية إلى أن "إسرائيل" أطلقت ونفَّذت برنامجا واسعا للحرب الكيميائية، ويوضح التقرير أن أقمارا اصطناعية أميركية للتجسس رصدت منشأة محتملة لإنتاج غاز الأعصاب في منطقة التخزين الحساسة في ديمونا في النقب جنوبي فلسطين المحتلة، ويعتقد الخبراء في هذا النطاق أن الأمر لا يتوقف عند غاز الأعصاب فحسب، بل يعمل الاحتلال على استكمال ترسانتها النووية بأسلحة بيولوجية وكيميائية متطورة. وفي عام 1998 اعترفت "إسرائيل" بأن طائرة الشحن "إل عال" التي اصطدمت بمبنى سكني في أمستردام عام 1992 كانت تحمل مواد كيميائية لكنها "غير سامة"، في هذه الحادثة اكتُشف 190 لترا من ثنائي ديميثيل فوسفونيت، وهو مادة كيميائية مدرجة في جدول اتفاقية الأسلحة الكيميائية تُستخدم في تصنيع غاز الأعصاب "السارين". الآثار الضارة لكل هذه العوامل تتّصف بأنّها "غير محكومة"، أولا لأنّها يمكن أن تتركز في مكان دون آخر (الأماكن المغلقة على سبيل المثال)، وهنا يمكن أن تؤدّيَ جميعها إلى الوفاة المباشرة لجميع من يتعرضون لها، أضف إلى ذلك أنها عشوائية، بمعنى أن الرصاص العادي غالبا ما يُستخدم ضد جنود محددين من أعداء يحاربونك (ونقول هنا "غالبا" بنوع من التحفظ)، لكن السلاح الكيميائي -بقدراته الغازية على الانتشار- عشوائي تماما، يمر بين جنبات البيوت والحواري الضيقة فيقتل مَن يقابل بلا تمييز، وخاصة الأطفال. والواقع أن الفرصة لو حانت لـ "إسرائيل" بدون مُساءلة دولية لربما استعملت السلاح الكيماوي ضد المدنيين، وقد تورطت من قبل بشكل غير مباشر في استعمال هذا السلاح، فالغارة الجوية الإسرائيلية على مخزن للكيماويات الزراعية خلال حرب عام 2021 على غزة كانت بمنزلة "نشر غير مباشر للأسلحة الكيميائية"، وفقا لتقرير يحلل الهجوم وتأثيره أصدرته منصة "فورنسيك أركتيكشر"، وهي وكالة أبحاث في جامعة لندن، حيث أصابت قذائف المدفعية عن عمد مستودع خضير الكبير للأدوية والأدوات الزراعية في شمال قطاع غزة في 15 ماي، مما أدى إلى إشعال النار في مئات الأطنان من المبيدات الحشرية والأسمدة والمواد البلاستيكية والنايلون، تسببت في مشكلات صحية بما في ذلك تقريران عن حالات إجهاض. وهذه ليست الضربة الوحيدة التي استهدفت نشرا غير مباشر للسلاح الكيماوي، ففي 17 ماي بعد يومين من تدمير مستودع الخضير، ضُرب مصنع للإسفنج في غزة بطريقة مماثلة، وفي اليوم نفسه أيضا قُصفت ستة مصانع ومستودعات أخرى من النوع نفسه، مما كشف عن نمط من الضربات المتعمدة يوضح أن الإسرائيليين أرادوا أن تنتشر الأبخرة السامة في تلك الأماكن لتقتل أكبر عدد ممكن من الناس، دون تمييز. ماذا عن السلاح البيولوجي؟ تُشكِّل الجمرة الخبيثة أكبر خطر على البشر بوصفها سلاحا بيولوجيا، فهي تنتقل في الهواء ولا يمكن اكتشافها بسهولة. ولا يقف الأمر عند السلاح الكيماوي المحرم دوليا فحسب، ففي التسعينيات من القرن الفائت أفادت خدمة أبحاث الكونغرس الأميركي أن "إسرائيل" تمتلك بعض القدرات في مجال الأسلحة البيولوجية، واستشهدت صحيفة "صنداي تايمز" في عام 1998 بمصدر عسكري إسرائيلي يفيد بأن أطقم طائرات "إف-16 الإسرائيلية" تلقّت تدريبا على تحميل رؤوس حربية كيميائية وبيولوجية نشطة على الطائرات. ورغم التكتم الشديد من ناحية الكيان الصهيوني حول مشروعه للأسلحة البيولوجية، فإن علماءه ينشرون أبحاثا علمية في نطاقات عدة متعلقة بالأمر، حيث يعملون على تجارب في نطاق "أبحاث الاستخدام المزدوج المثيرة للقلق"، وهي أبحاث يمكن استعمالها لأغراض تجنب مخاطر الأمن البيولوجي، ولكن يمكن كذلك أن تمثل مصادر لمخاطر الأمن البيولوجي نفسها. خلال 75 سنة مضت، استهدفت "إسرائيل" المدنيين في كل صراع ينشأ بينها وبين المقاومة، ثم خرجت للإعلام الدولي لتقول إنها تستهدف المسلحين فقط، رغم أنه ثبت استخدامها في أكثر من مرة لأسلحة محرمة دوليا لا تميز بطبيعتها بين العسكري والمدني، أو بين المقاتل والمرأة وحتى الطفل.