2025.07.09



\ حوارات

"الجزائر بحاجة إلى احتياطي صرف بـ 150 مليار دولار على الأقل"


مصطفى بن ميرة
23 يناير 2025

يرى الأستاذ الدكتور حمزة العرابي، أستاذ المحاسبة والمالية بجامعة البليدة 02 علي لونيسي، بأهمية استثمار احتياطي النقد الأجنبي كأداة لدعم التنمية المستدامة في الجزائر. ويؤكد الدكتور حمزة العرابي في تصريح لـ "الأيام نيوز" أن تعزيز هذا الاحتياطي وتحويله إلى محرك اقتصادي فعّال يتطلب استراتيجية متوازنة تجمع بين زيادة العوائد المالية ودعم القطاعات الإنتاجية المحلية. كما يشدد على ضرورة الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة، مثل صناديق الاستثمار السيادية في النرويج والسعودية والصين، لتطوير نموذج جزائري قادر على اقتناص الفرص الاستثمارية العالمية وتحقيق التنمية الاقتصادية على المدى الطويل. ويؤكد حمزة العرابي، أن تحويل احتياطي النقد الأجنبي في الجزائر من مجرد وسيلة دفاع اقتصادي إلى أداة لتعزيز التنمية المستدامة يتطلب استراتيجية مدروسة ومتكاملة، مشيرا إلى  أن الاحتياطي الحالي البالغ 72 مليار دولار، ورغم أنه يُظهر استقرارًا ملحوظًا مقارنة بأربع سنوات مضت عندما كان حوالي 40 مليار دولار، إلا أنه لا يزال أقل من المستوى المطلوب لضمان أريحية اقتصادية في مواجهة المخاطر الدولية، مشيرًا إلى أن الجزائر تحتاج إلى احتياطي يبلغ على الأقل 150 مليار دولار لتأكيد حضورها الاقتصادي في الأسواق العالمية. وأضاف العرابي أن الجزائر اعتمدت على مسارين رئيسيين لتعزيز استدامة احتياطي النقد الأجنبي. المسار الأول يتمثل في الاستثمار في قطاعات اقتصادية قادرة على توليد العملة الأجنبية على المدى القريب والمتوسط، مثل الصناعات التحويلية والصناعات المنجمية، وعلى رأسها مشروع غارا جبيلات. وأكد أن هذه المشاريع، التي تهدف إلى التصدير، ستساهم بشكل مباشر في زيادة تدفقات العملة الصعبة إلى البلاد وتعزيز استقرار الاحتياطي. أما المسار الثاني، فأوضح العرابي أنه يتمثل في تقليل استنزاف العملة الأجنبية من خلال توطين الصناعات التي كانت تعتمد على الاستيراد بشكل كبير. وأشار إلى أن الجزائر اتخذت خطوات هامة في هذا الاتجاه، من خلال الاستثمار في مصانع محلية مثل مصانع الحليب والزيوت، بالإضافة إلى قطاع السيارات، مؤكدًا أن نجاح هذه المشاريع سيُسهم في تقليص فاتورة الاستيراد بمليارات الدولارات. وتابع العرابي بالقول إن الجزائر تسير بخطى إيجابية في إدارة احتياطياتها النقدية، إلا أن تعزيز التنمية المستدامة يتطلب التركيز على الاستثمار طويل الأمد وتنويع مصادر الدخل، مما يجعل الاحتياطي أداة فعّالة لدفع عجلة النمو الاقتصادي وتحقيق الاستقرار على المدى البعيد. هل الجزائر مستعدة لاستثمار احتياطي النقد؟ وأكد الدكتور العرابي، أن استثمار جزء من احتياطي النقد الأجنبي في مشاريع تنموية طويلة الأجل يمثل فرصة واعدة للجزائر، ولكن يتطلب ذلك استراتيجية دقيقة ومتوازنة. وأوضح أن الأولوية يجب أن تكون لتوجيه هذه الاستثمارات نحو قطاعات قادرة على تحقيق هدفين رئيسيين: زيادة العائدات من العملة الأجنبية وتقليل فاتورة الاستيراد. وأضاف العرابي أن الجزائر تمتلك إمكانيات كبيرة في مجال الطاقة المتجددة والصناعات التحويلية، وهو ما يجعلها مرشحة لتكون نموذجًا رائدًا في هذا المجال. إلا أنه حذّر من المخاطرة بمبالغ كبيرة من الاحتياطي الحالي، مشيرًا إلى أن الاحتياطي، رغم استقراره النسبي، لا يزال محدودًا بالمقارنة مع تقلبات الأسواق العالمية وأسعار النفط. وبيّن أن أي انخفاض مفاجئ في أسعار النفط قد يُجبر البلاد على استخدام الاحتياطي لتغطية الاحتياجات العاجلة، مما يُقلّل من هامش المناورة في استثماره. وأشار العرابي إلى أن الجزائر يمكنها الاستفادة من مواردها الطبيعية الكبيرة، خاصة في الصحراء الجزائرية التي تُعد من أغنى المناطق في العالم بالطاقة الشمسية. كما تمتلك الجزائر شريطًا ساحليًا يمتد لأكثر من 1,400 كيلومتر يمكن استغلاله في مشاريع طاقة الرياح وغيرها من تقنيات الطاقة المتجددة. وأوضح أن هذه المشاريع لا توفر فقط عوائد مالية كبيرة، بل تُعزز أيضًا من مكانة الجزائر كمصدر رئيسي للطاقة النظيفة لدول الاتحاد الأوروبي وأسواق عالمية أخرى. وقال العرابي إن التركيز على تطوير الصناعات التحويلية والطاقة المتجددة ليس مجرد خيار اقتصادي، بل هو ضرورة استراتيجية لتعزيز استدامة النمو الاقتصادي للجزائر، وتحقيق تحول تدريجي نحو تنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد المفرط على المحروقات. التحدي الأكبر كما أكد العرابي، أن إعادة توجيه احتياطي النقد الأجنبي نحو التنمية دون التأثير على دوره التقليدي كخط دفاع اقتصادي يمثل تحديًا كبيرًا للجزائر. وأوضح أن الجزائر كدولة نامية تبقى مطالبة بالحذر الشديد عند التعامل مع احتياطي النقد الأجنبي في ظل التحولات الاقتصادية العالمية، مثل تزايد تأثير العملات الرقمية واحتمالية تقلب قيمة الدولار واليورو في المستقبل. وأضاف العرابي أن التحدي الأكبر يتمثل في إيجاد توازن بين الحفاظ على حد أدنى من الاحتياطي النقدي يكفي لتغطية الأزمات الاقتصادية المفاجئة، واستثمار الفائض بشكل مدروس لتحقيق عوائد مستدامة. وأشار إلى أن الجزائر يمكنها تحقيق ذلك عبر توجيه الاستثمارات إلى قطاعات اقتصادية واعدة، مثل القطاع الخاص، الذي أثبت قدراته العالية في الابتكار، خاصة في مجالات الصناعات الغذائية، الحلويات، والمشروبات. وأوضح أن المرحلة الحالية تُعد انتقالية، حيث بدأت العديد من المؤسسات الجزائرية في تقليل اعتمادها على استيراد المواد الأولية وتوجهت إلى إنتاجها محليًا، وهو ما يُقلل من استنزاف العملة الصعبة. وشدد العرابي على ضرورة دعم الحكومة لهذه الجهود، مشيرًا إلى أن الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة والصين قدمت نماذج ناجحة لدعم القطاع الخاص، الذي أصبح فيما بعد مصدرًا رئيسيًا لجلب العملة الأجنبية وتعزيز الاقتصاد الوطني. وتابع إن الجزائر تمتلك فرصًا كبيرة لتحويل احتياطي النقد الأجنبي إلى أداة للتنمية الاقتصادية، لكن ذلك يتطلب رؤية استراتيجية متوازنة تُركز على دعم القطاعات الإنتاجية وتحقيق الاكتفاء الذاتي، مع الحفاظ على دور الاحتياطي كصمام أمان في مواجهة الأزمات المستقبلية. صناديق الاستثمار السيادية.. هل تستفيد الجزائر من التجارب الدولية؟ وحسب الدكتور حمزة العرابي، فإن الجزائر تمتلك فرصة كبيرة للاستفادة من التجارب الدولية الرائدة في مجال صناديق الاستثمار السيادية، مثل السعودية، النرويج، والصين، لتحويل احتياطي النقد الأجنبي إلى أداة اقتصادية فعّالة تدعم التنمية المستدامة. وأوضح أن هذه الصناديق تُعد نموذجًا ناجحًا لتحقيق العوائد المالية وتنمية الاقتصاد الوطني من خلال الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية والأسواق العالمية. وأشار العرابي إلى أن الجزائر لديها حاليًا مجلس مساهمات الدولة، الذي يُشرف على إدارة المؤسسات العمومية الاقتصادية، لكنه يفتقر إلى البعد الاستثماري العالمي الذي تتمتع به الصناديق السيادية في الدول الأخرى. وأضاف أن الجزائر بحاجة إلى تطوير هذا المجلس ليصبح أداة استراتيجية تُركز على اقتناص الفرص الاستثمارية الدولية، مثل شراء المؤسسات الاقتصادية الرائدة، أو نقل التكنولوجيا من الدول المتقدمة عبر تفكيك المصانع ونقلها بالكامل إلى الجزائر، بما في ذلك العمالة المؤهلة والخبرات. وأوضح أن تخصيص جزء من فائض الإيرادات لصندوق استثماري سيادي يُمكن أن يُحدث نقلة نوعية في الاقتصاد الجزائري، شرط أن يُدار هذا الصندوق بعقلية خاصة ومهنية بعيدة عن النمط التقليدي للإدارة الحكومية. ودعا إلى استقطاب الكفاءات الوطنية والدولية، حتى كمستشارين، لضمان تحقيق عوائد مالية مرتفعة، واستخدام هذه العوائد لدعم الاقتصاد الوطني وجلب التكنولوجيا المتقدمة. وختم العرابي بتسليط الضوء على أن الدول المتقدمة تستخدم هذه الصناديق ليس فقط لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، بل أيضًا لتعزيز النفوذ السياسي في بعض الحالات. وأكد أن الجزائر إذا تبنت نموذجًا مشابهًا، يمكنها تحقيق التنمية المستدامة، وتنويع اقتصادها، وتعزيز مكانتها على الساحة الدولية.