تحدث يزيد مقران، أستاذ متخصص في الإحصاء والاقتصاد التطبيقي بكلية العلوم الاقتصادية، التجارية وعلوم التسيير - جامعة أمحمد بوقرة بومرداس، في تصريح ل "الأيام نيوز" عن الدور الذي تلعبه الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية في تحقيق مكاسب ملموسة، مستندًا إلى مؤشرات إحصائية توضح مدى تأثير العلاقات الخارجية على التجارة والاستثمار. وأكد أن الجزائر استطاعت، من خلال تعزيز شراكاتها الدولية، تحسين صادراتها خارج قطاع المحروقات، وزيادة تدفقات الاستثمارات الأجنبية، إلى جانب تحقيق تحسن في بيئة الأعمال بفضل الإصلاحات الاقتصادية التي أقرها الرئيس تبون منذ توليه رئاسة البلاد سنة 2019. كما تطرق إلى كيفية استخدام النماذج الاقتصادية لتقييم فعالية الاتفاقيات الدولية، والقطاعات التي استفادت بشكل واضح من هذه الديناميكية الجديدة، مما يعكس نجاح الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية في تنويع الاقتصاد الوطني وتعزيز التنمية المستدامة.
وأكد يزيد مقران، أن الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية أثبتت فعاليتها خلال السنوات الأخيرة، وهو ما تعكسه المؤشرات الاقتصادية التي تسلط الضوء على مدى نجاح العلاقات الخارجية في تحقيق مكاسب اقتصادية فعلية. وأوضح أن أحد أبرز المؤشرات التي تعكس هذا النجاح هو ارتفاع الصادرات الجزائرية خارج قطاع المحروقات بنسبة 15%، وهو تطور يعكس توجه الدولة نحو تنويع الاقتصاد الوطني وتقليل الاعتماد على الموارد الطاقوية التقليدية. وأضاف أن هذا الارتفاع شمل المنتجات الزراعية مثل التمور وزيت الزيتون، إضافة إلى المنتجات الصناعية التحويلية، مما يعكس تحسن القدرات الإنتاجية المحلية وانفتاح الأسواق الخارجية أمام المنتجات الجزائرية. وأشار إلى أن تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة بلغت 1.5 مليار دولار في سنة 2023، وهو ما يعكس تزايد اهتمام الشركات الأجنبية بالسوق الجزائرية، خاصة بعد توقيع عدة اتفاقيات تعاون مع شركاء دوليين، من بينهم الصين، تركيا، وإيطاليا. واعتبر أن هذه الاستثمارات تعكس نجاح الإصلاحات القانونية والإدارية التي سهلت إجراءات إنشاء الشركات وقلّصت العقبات البيروقراطية التي كانت تعيق تدفق رؤوس الأموال الأجنبية نحو الجزائر. وأضاف أن تحسن ترتيب الجزائر في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال إلى المرتبة 157 عالميًا يعكس التقدم الذي أحرزته الدولة في تحسين بيئة الاستثمار، مشيرًا إلى أن الإصلاحات التشريعية الأخيرة، وعلى رأسها قانون الاستثمار الجديد وتبسيط الإجراءات الإدارية، ساهمت في جعل السوق الجزائرية أكثر جاذبية للمستثمرين. توسع العلاقات الدبلوماسية يعزز المبادلات التجارية والاستثمارية من جهة أخرى، شدد يزيد مقران على أن توسع العلاقات الدبلوماسية الجزائرية كان له أثر مباشر على التجارة والاستثمار، خاصة مع دول القارة الإفريقية. وأوضح أن الانضمام الفعلي للجزائر إلى منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (ZLECAF) فتح المجال لزيادة المبادلات التجارية مع الدول الإفريقية، حيث شهدت هذه المبادلات ارتفاعًا بنسبة 20%، وهو ما انعكس بشكل واضح على قطاعات المنتجات الزراعية والسلع الغذائية، التي أصبحت تجد طريقها بسهولة أكبر إلى الأسواق الإفريقية. وأضاف أن التعاون مع الصين وتركيا لعب دورًا حيويًا في تنفيذ مشاريع استثمارية كبرى في مجالات الطاقة والبنية التحتية، وهو ما ساهم في تعزيز قدرة الجزائر على تنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على تصدير النفط والغاز. وأكد أن مثل هذه الشراكات تمنح الجزائر ميزة تنافسية، حيث تسهم في نقل التكنولوجيا وتعزيز قدرات الإنتاج المحلية، بما يساعد في تحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض القطاعات وتحسين الجودة التنافسية للمنتجات الجزائرية الموجهة للتصدير. التحليل الإحصائي لقياس فعالية الاتفاقيات التجارية والاستثمارية وفيما يتعلق بآليات قياس مدى فعالية الاتفاقيات التجارية والاستثمارية، أوضح يزيد مقران أن استخدام الإحصاءات والنماذج الاقتصادية يعد أمرًا ضروريًا لتحديد الأثر الفعلي لهذه الاتفاقيات على الاقتصاد الجزائري. وأشار إلى أن تحليل البيانات الاقتصادية قبل وبعد توقيع الاتفاقيات يُظهر أن الاتفاقيات الثنائية مع الدول الأوروبية ساهمت في زيادة الصادرات الجزائرية غير النفطية بنسبة 12% سنويًا، مما يعكس نجاح هذه الاتفاقيات في إيجاد أسواق بديلة وتعزيز الحضور الجزائري في السوق الأوروبية. وأضاف أن نماذج المحاكاة الاقتصادية تُستخدم لتقدير التأثير المتوقع لأي اتفاقيات مستقبلية على الناتج المحلي الإجمالي، حيث تتيح هذه النماذج لصانعي القرار وضع سياسات اقتصادية أكثر استباقية وفعالية. وأكد أن هذه الأدوات التحليلية توفر نظرة أكثر دقة حول مدى استدامة هذه الاتفاقيات على المدى الطويل، وما إذا كانت تحقق مصالح الجزائر الاقتصادية فعليًا أم تحتاج إلى مراجعة وتعديل. القطاعات الاقتصادية الأكثر استفادة من الاتفاقيات الدولية أما فيما يتعلق بالقطاعات الاقتصادية التي استفادت بشكل مباشر من الاتفاقيات الاقتصادية والدبلوماسية الجزائرية، فقد أكد مقران أن قطاع الطاقة كان أحد أكبر المستفيدين، حيث أبرمت الجزائر شراكات استراتيجية مع شركات أوروبية وآسيوية في مجالات التنقيب، والإنتاج، ونقل التكنولوجيا، مما ساعد في تعزيز القدرات الإنتاجية الوطنية وتحقيق مردودية اقتصادية أعلى. وأضاف أن القطاع الزراعي شهد نموًا ملحوظًا بفضل التسهيلات التي قدمتها الاتفاقيات التجارية، حيث ارتفعت صادرات التمور والزيوت بنسبة 18% خلال سنة 2023، وهو ما يعكس تحسن فرص المنتجات الزراعية الجزائرية في الأسواق الإفريقية والأوروبية. أما على مستوى الصناعات التحويلية، فقد شهد هذا القطاع تطورًا كبيرًا من خلال استثمارات مشتركة في الصناعات الدوائية والغذائية، مما ساهم في خلق فرص عمل جديدة وزيادة الإنتاجية الصناعية داخل الجزائر. وأشار إلى أن هذه التطورات تمثل خطوة مهمة نحو تنويع مصادر الدخل الوطني وتقليل الاعتماد على عائدات المحروقات، مما يعزز من استقرار الاقتصاد الجزائري على المدى الطويل. وفي ختام حديثه، شدد المتحدث على أن الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية أصبحت ركيزة أساسية في تحقيق التنمية الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل الوطني. وأوضح أن نجاح الجزائر في توظيف علاقاتها الخارجية لتعزيز التجارة والاستثمار يعكس أهمية تبني سياسات قائمة على البيانات الاقتصادية، مما يضمن استدامة النمو الاقتصادي. وأكد أن تعزيز التعاون مع الأسواق الإفريقية، وتنويع الشراكات الاقتصادية، وتحسين البيئة الاستثمارية، كلها عوامل ستساهم في جعل الجزائر لاعبًا اقتصاديًا أكثر قوة على الساحة الإقليمية والدولية. وأضاف أن استخدام الإحصاءات والنماذج الاقتصادية سيظل عاملًا رئيسيًا في توجيه القرارات المستقبلية، بما يضمن تحقيق التكامل الاقتصادي الإقليمي والدولي، ويسهم في تحقيق التنمية المستدامة على المدى الطويل.