يرى الدكتور لحول عبد القادر، أستاذ جامعي متخصص في الاقتصاد، نائب رئيس المنظمة الدبلوماسية العالمية مكلف بالشؤون المالية، ومدير لجنة التنمية المستدامة التابعة للمنظمة، في تصريح ل "الأيام نيوز" أن الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية أصبحت أداة استراتيجية لتعزيز النفوذ الجيو-اقتصادي للبلاد، خاصة في ظل التحولات الدولية التي تفرض ضرورة تنويع الشراكات الاقتصادية وتقليل التبعية للأسواق التقليدية. وأوضح أن الجزائر تمتلك مقومات قوية لتوظيف علاقاتها الدبلوماسية في دعم اقتصادها من خلال تعزيز التعاون الإقليمي والاستثمار في البنية التحتية والانخراط في التكتلات الاقتصادية الدولية، مما يتيح لها توسيع صادراتها وجذب استثمارات جديدة. كما شدد على أن نجاح هذا التوجه يعتمد على مدى قدرة الجزائر على تنفيذ إصلاحات هيكلية تعزز جاذبية مناخ الأعمال، وتطوير استراتيجيات تكامل اقتصادي مع الدول الإفريقية والمتوسطية، بما يضمن لها موقعًا تنافسيًا في الأسواق العالمية. وأكد الدكتور لحول عبد القادر، أن الجزائر تمتلك إمكانيات واسعة لتوظيف دبلوماسيتها الاقتصادية لتعزيز نفوذها الجيو-اقتصادي في إفريقيا ومنطقة البحر المتوسط، من خلال تبني استراتيجيات شاملة تركز على التعاون الاقتصادي وتطوير البنية التحتية وتفعيل التكامل الإقليمي. وأوضح أن أحد الركائز الأساسية لهذا التوجه يتمثل في توقيع اتفاقيات تجارية واستثمارية مع الدول المجاورة، بهدف تسهيل تدفق السلع والخدمات وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ما يساهم في خلق بيئة اقتصادية أكثر تكاملًا واستقرارًا. وأضاف أن الاستثمار في مشاريع البنية التحتية مثل الطرق والموانئ وشبكات النقل يعدّ عاملًا محوريًا في تعزيز الترابط الاقتصادي، حيث يسهل حركة التجارة ويدعم اندماج الجزائر في الاقتصاد الإقليمي، خاصة مع دول إفريقيا جنوب الصحراء ودول المتوسط. وأشار إلى أن الدبلوماسية الثقافية والتعليمية تلعب دورًا مهمًا في دعم هذا التوجه، حيث يمكن إقامة برامج تبادل ثقافي وأكاديمي لتقوية العلاقات الاقتصادية على المدى الطويل، ما يفتح المجال لتعزيز التعاون مع الدول الإفريقية والمتوسطية في مختلف المجالات. وشدد على أن دعم الجزائر للمبادرات الإقليمية الهادفة إلى تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي يشكل عاملًا آخر في ترسيخ حضورها الاقتصادي، إذ إن المناخ الآمن والمستقر يعدّ عنصرًا أساسيًا لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصة في المناطق التي تعاني من تحديات أمنية تؤثر على النشاط التجاري والاقتصادي. وأضاف أن نجاح الجزائر في تحقيق هذه الأهداف يعتمد على مدى قدرتها على تعزيز شراكاتها الاقتصادية مع دول المنطقة، وإيجاد حلول عملية للتحديات التي تعيق تكاملها الاقتصادي مع جيرانها، سواء من خلال تطوير بنيتها التحتية أو تذليل العقبات الإدارية التي تواجه المستثمرين المحليين والأجانب. التكتلات الاقتصادية.. رافعة لتعزيز النفوذ السياسي والاقتصادي وحول أهمية التكتلات الاقتصادية في دعم المصالح الجزائرية، أوضح الدكتور لحول أن انضمام الجزائر إلى منطقة التجارة الحرة الإفريقية (AfCFTA) يوفر فرصة كبيرة لتعزيز حضورها الاقتصادي والسياسي على مستوى القارة، إذ إن إزالة الحواجز الجمركية بين الدول الإفريقية يسمح بتوسيع نطاق الصادرات الجزائرية، خاصة في القطاعات غير النفطية، ما يساهم في تنويع الاقتصاد الوطني وتقليل الاعتماد على النفط والغاز. وأضاف أن الاندماج في هذه التكتلات يسهم في جعل الجزائر وجهة جذابة للمستثمرين الأجانب، حيث تضع نفسها ضمن شبكة اقتصادية واسعة، مما يعزز من قدرتها على جذب رؤوس الأموال والمشاريع الاستثمارية التي تبحث عن أسواق متكاملة. وأشار إلى أن هذه التكتلات تلعب دورًا في تعزيز القوة التفاوضية للجزائر في المحافل الاقتصادية الدولية، إذ يتيح لها التواجد في هذه المنظمات صياغة سياسات اقتصادية مشتركة تحقق مصالحها الوطنية وترفع من قدرتها التنافسية على الساحة العالمية. وأكد أن التواجد النشط في هذه التكتلات يمنح الجزائر نفوذًا سياسيًا أكبر، حيث تمكنها مشاركتها الفعالة في هذه الهيئات من تعزيز موقعها كدولة قيادية في إفريقيا والمتوسط، والمساهمة في اتخاذ القرارات الاقتصادية التي تؤثر على مستقبل القارة. وشدد على أن الجزائر، من خلال مشاركتها في هذه المنظمات، قادرة على تعزيز شراكاتها الاقتصادية مع مختلف الدول الأعضاء، مما يتيح لها فرصًا جديدة لتنويع علاقاتها التجارية والاستثمارية، خاصة في ظل التنافس الإقليمي والدولي على النفوذ الاقتصادي في إفريقيا. تنويع الشراكات وتقليل التبعية للأسواق التقليدية وفيما يتعلق بالاستراتيجية الجزائرية لتقليل التبعية للأسواق التقليدية وتنويع شراكاتها التجارية والاستثمارية عالميًا، أكد الدكتور لحول عبد القادر أن الدبلوماسية الاقتصادية تشكل أحد أهم الأدوات التي يمكن من خلالها فتح أسواق جديدة وتعزيز شبكة الشركاء التجاريين، ما يتيح للجزائر مرونة أكبر في مواجهة تقلبات الأسواق العالمية. وأوضح أن الاتجاه نحو آسيا، أمريكا اللاتينية، وأوروبا الشرقية يمثل خطوة ضرورية لتقليل المخاطر المرتبطة بالاعتماد على أسواق محددة، خاصة في ظل التغيرات الاقتصادية العالمية التي قد تؤثر على استقرار العلاقات التجارية التقليدية. وأضاف أن تحسين مناخ الأعمال وتقديم حوافز استثمارية في قطاعات واعدة، مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة، يجعل الجزائر وجهة مفضلة للمستثمرين الأجانب، ما يساهم في تنويع مصادر الاستثمار وتعزيز التنمية المستدامة. وأشار إلى أن تعزيز الإنتاج الصناعي والصادرات غير النفطية يعدّ خطوة حاسمة في هذا المسار، حيث أن دعم الصناعات المحلية، وتشجيع الابتكار، وتحسين جودة المنتجات الوطنية سيمكن الجزائر من تحقيق استقلال اقتصادي أكبر، بعيدًا عن تقلبات أسعار الطاقة العالمية. وأكد أن التعاون مع التكتلات الاقتصادية الدولية، مثل الاتحاد الأوروبي ومنظمة التجارة العالمية، يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة أمام الجزائر للوصول إلى أسواق متنوعة وتعزيز شراكاتها التجارية. كما شدد على أن التحول نحو الدبلوماسية الاقتصادية الرقمية، واستغلال التكنولوجيا الحديثة في التجارة الإلكترونية والتواصل مع الشركاء الدوليين، يمثل ركيزة أساسية في العصر الحالي، حيث باتت الأسواق العالمية تعتمد بشكل متزايد على التقنيات الرقمية في إدارة الأعمال والتجارة الدولية. وشدد على أن إيجاد التوازن بين تعزيز العلاقات الاقتصادية التقليدية والانفتاح على أسواق جديدة يتطلب استراتيجية متكاملة تجمع بين الإصلاحات الداخلية والانخراط النشط في المشهد الاقتصادي العالمي. وأضاف أن الجزائر مطالبة اليوم بتحقيق قفزة نوعية في سياساتها الاقتصادية، من خلال توجيه استثماراتها نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، والاستفادة من الفرص التي توفرها التحولات الاقتصادية الدولية لتعزيز مكانتها كلاعب اقتصادي إقليمي ودولي. وختم الدكتور لحول عبد القادر حديثه بالتأكيد على أن الدبلوماسية الاقتصادية أصبحت أداة استراتيجية لتحقيق الاستقلال الاقتصادي وتعزيز الأمن القومي، حيث أن بناء اقتصاد متنوع ومستدام يعدّ اليوم أحد أهم عوامل الحفاظ على السيادة الوطنية والتأثير الفاعل في النظام الاقتصادي العالمي. وأوضح أن الجزائر، بفضل موقعها الجغرافي وإمكاناتها الاقتصادية، تمتلك كل المقومات اللازمة لتوسيع نفوذها الاقتصادي عالميًا، وأن نجاحها في هذا المسار يعتمد على مدى قدرتها على تنفيذ إصلاحات هيكلية، وتعزيز تكاملها مع الأسواق الدولية، وتطوير علاقاتها التجارية والاستثمارية بما يتماشى مع متطلبات العصر الحديث.