يفضل الدكتور فؤاد غجاتي، أستاذ محاضر في كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة البويرة، الحديث عن قانون الانتخابات، باعتبار أن العمل الحزبي والنشاط السياسي للمنظمات السياسية موجه في المقام الأول نحو الولوج إلى سدة الحكم، وتفعيل البرنامج السياسي للحزب عبر مشاريع وإنجازات تعبر عن التوجه الإيديولوجي والهدف السياسي الذي يناضل من أجله الحزب. بالنسبة للدكتور غجاتي، قانون الأحزاب وقانون الانتخابات هما وجهان لعملة واحدة، تتعلق بالتنظيم السياسي والقانوني للشأن العام ولشكل الممارسة السياسية في أي بلد. هناك العديد من العيوب التي شابت قانون الانتخابات في الجزائر لسنة 2021، والذي واجه العديد من الانتقادات. أولًا، فيما يتعلق بمسألة الشفافية، يظهر ذلك من خلال عدم وضوح الإجراءات، حيث لم يكن العديد من الناخبين على دراية بالإجراءات الانتخابية، مما أثر بشكل كبير على ثقتهم في العملية. ومن جانب آخر، فإن تقييد حرية الترشح من خلال شروط صارمة، كما ورد في المادة 200، التي تفرض شروطًا متشددة على المرشحين، أدى إلى استبعاد العديد من الشخصيات السياسية والمناضلين المستقلين. وإن كنا نتفهم هدف السلطة من استبعاد أصحاب النفوذ والمال الفاسد، وترسيخ مبدأ التداول وتشجيع الشباب، إلا أن الأهداف المعلن عنها قانونيًا قد تعود بتأثير معاكس وأثر سلبي. ثم إن عدم تمثيل الأحزاب الصغيرة هو قضية أخرى ينبغي الوقوف عندها. فنظام الانتخابات المستخدم لم يكن يعزز التمثيل النسبي، مما أثر سلبًا على فرص الأحزاب الصغيرة في الحصول على مقاعد وفي الولوج إلى المجالس المنتخبة. خاصة وأن السلطة تؤكد أنها بصدد إعادة ترميم الحياة السياسية في الجزائر، ولكن هذا لا يتم إلا من خلال توسيع المجال والفرص لأحزاب جديدة تبدأ فتية، وتكبر قاعدتها النضالية مع الممارسة السياسية على المستويين المحلي والوطني. ضف إلى ذلك غياب الرقابة الفعالة، فقلة المراقبين المستقلين خلال مختلف العمليات الانتخابية أثرت سلبًا على نزاهة العملية. ومع ذلك، يمكن ملاحظة الضغط على الناخبين والتأثيرات الخارجية. فقد تعرض بعض الناخبين لضغوط أو تهديدات من جهات معينة، مما أثر على حرية اختيارهم، خاصة في بعض المناطق التي شهدت مقاطعة قسرية للعملية الانتخابية سابقًا، أثناء الحراك الشعبي 2019. ومما يضعف العملية الانتخابية ويطعن في مصداقيتها هو التأخر في إعلان النتائج لفترة طويلة. إن تأخر إعلان النتائج الرسمية من طرف اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات يثير الشكوك -المنطقية- حول نزاهة الانتخابات. وإذا تحدثنا عن سوسيولوجيا الممارسة الانتخابية والنضال الحزبي، فمن غير الممكن عدم التنبه لظاهرة ضعف مشاركة قطاعات واسعة من الشباب، سواء في القواعد النضالية، أوفي الهيئات القيادية للمنظمات الحزبية، وأيضًا في تقرير حق المشاركة السياسية. ويظهر هذا جليًا من خلال انخفاض نسبة المشاركة في المواعيد الانتخابية. لم تتمكن القوانين من إقناع الشباب بالمشاركة في العملية الانتخابية، مما أثر على تمثيل الفئة الشابة، التي تمثل نسبة كبيرة في المكون الاجتماعي الوطني. بالرغم من تشجيع السلطة الحالية لانخراط الشباب في مسار الحياة السياسية والتأطير الحزبي، ومحاولة ترسيخ الديمقراطية التشاركية عبر فسح المجال للشباب، إلا أن الأمور لا تزال تراوح مكانها. طبعًا لا يمكن تجاهل الظروف الاقتصادية للمواطن، والتي تؤثر على الرضى العام، حيث تدفع به إلى أن يعبر عن رأيه ويتفاعل مع الحدث الانتخابي عبر المشاركة الفعالة. (أكثر من 1 مليون ونصف أصوات ملغاة، و54 بالمئة من الناخبين لم يشاركوا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة). الأمر يدعو حقًا إلى إجراء بحث اجتماعي معمق لدراسة ظاهرة العزوف عن المشاركة الفعالة، وعن الحضور النضالي لقطاعات شعبية واسعة. ضف إلى ذلك، أن القانون لم يتناول قضايا الفساد أو تحسين الظروف الاقتصادية، باعتبارها من بين المتغيرات التي تؤثر على المشاركة السياسية، ولكن ينبغي في المقابل الإشارة إلى جملة القوانين والقرارات التي اتخذتها الحكومة في سبيل تهيئة الظروف الملائمة لتفعيل الحس المواطني. وانطلاقًا مما سبق، تعتبر هذه العيوب من العوامل التي قد تؤثر على مصداقية النظام الانتخابي في الجزائر، مما يستدعي مراجعة شاملة للقوانين والإجراءات لضمان انتخابات أكثر نزاهة وشفافية في المستقبل. تحليل مجمل القوانين المتعلقة بالنظام الانتخابي وتنظيم الحياة السياسية يدفع إلى تقديم بعض الاقتراحات التي يمكن أن تسهم في تحسين النظام الانتخابي. أولًا، فيما يخص تعزيز الشفافية، يجب نشر النتائج الانتخابية بشكل سريع وشفاف عبر وسائل الإعلام المختلفة، والعمل على توفير المعلومات وتسهيل الوصول إليها، بحيث يجب على الهيئات المسؤولة تقديم معلومات واضحة حول العملية الانتخابية، بما في ذلك كيفية التصويت وعدد الناخبين. وينبغي التذكير هنا بأن التصريح بنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة اكتنفه غموض كبير، وتضارب بين الأرقام ونسبة المشاركة والنتائج. هذا ما يدفعنا، من جهة أخرى، إلى القول بأهمية تعديل القوانين الانتخابية من خلال تحديد شروط الترشح. يجب أن تكون هذه الشروط واضحة وعادلة، بما يمنح للمرشحين من مختلف الخلفيات السياسية والاجتماعية الفرصة للمشاركة، والتنافس حول مشاريع سياسية تخدم الصالح العام، وليس فقط تحقيق هدف الوصول إلى السلطة والهيمنة على مسار اتخاذ القرار. كما أن إعادة النظر في الدوائر الانتخابية أصبحت ضرورة قصوى، مع التغير الديموغرافي والتقسيم الإداري الجديد، لضمان تمثيل عادل لجميع المناطق. أما عن تطوير آليات الرقابة، فهي قد تأخذ أشكالًا متعددة، فمثلًا يجب السماح لمراقبين مستقلين بمراقبة العملية الانتخابية لضمان نزاهتها. ضف إلى ذلك أهمية تفعيل دور المجتمع المدني، وتشجيع المنظمات الناشطة على المشاركة في مراقبة الانتخابات وتأطير المطالب الشعبية في قالب ديمقراطي درءًا لأي انحدار نحو العنف. وفي نفس سياق تعزيز المشاركة الشعبية، فإن تنظيم حملات توعية لتشجيع المواطنين على المشاركة في الانتخابات هو دور أساسي يجب أن تضطلع به وسائل الإعلام، باعتبارها إحدى ركائز المجتمع المفتوح. كما لا يمكن تجاهل استخدام التكنولوجيات الحديثة، وفقًا للتعهدات التي تقدم بها الرئيس حول الرقمنة وتوسيعها، وذلك من خلال توفير آليات التصويت الإلكتروني، والتفكير في إمكانية استخدام أنظمة التصويت الإلكتروني لضمان سرعة ودقة النتائج، ولكن أيضًا شفافية العملية برمتها. ولنا في حلول تطبيقات الهواتف الذكية والبرمجيات والتطبيقات المختلفة التي تتيح للناخبين معرفة مواقع الاقتراع والمعلومات الضرورية مثال على ذلك.