2025.05.21
حوارات

القانون الجديد يفرض التغيير.. نهاية "أحزاب المناسبات"


يقرأ أستاذ العلوم السياسية بجامعة البليدة 2، الدكتور هشام دراجي، مشروع القانون الجديد المتعلق بالأحزاب السياسية، انطلاقاً من "ظاهرة التجوال السياسي"، ويصرّح أن "هذا القانون يعطي ضمانات لمحاربة التجوال السياسي"، وبالتالي فإن القراءة السياسية، حسبما يراه الباحث، "هي حماية الأحزاب الصغيرة، خاصةً التي سيبرز منها عدد من المنتخبين المحليين"، وبالتالي، كما يقول، "سيمنعهم ذلك من الترشح في أحزاب أخرى كبيرة"، مما سيمكن الأحزاب الصغيرة من الحفاظ على تمثيليتها ومقاعدها في المجالس المنتخبة. وبالنسبة للدكتور دراجي، فإن "ضمان عدم تغيير المنتخبين لانتمائهم السياسي هو ضمانة وحجة كبيرة للأحزاب الصغيرة في إطار المنافسة عبر المشاريع السياسية والمجتمعية". أما عن تحديد عدد العُهد، فيرى الباحث أن ذلك "من أبرز وأقوى ما جاء في هذا القانون"، خاصةً لأن مسألة تحديد العهد "لا تتعلق فقط برئيس الحزب، وإنما تشمل أيضاً أجهزة الحزب". وفي هذا الصدد، يرى الدكتور دراجي أن المشروع "سيكون دافعاً لتغيير كبير في العمل داخل الحزب السياسي، وبالتالي فإن تركيبة الأجهزة الحزبية ستتغير حتماً". ويضيف أن "الأحزاب السياسية التي تحاول ضمان استمراريتها بعد عشر سنوات، ستجد نفسها، بقوة القانون في حال إقراره، ملزمة بالعمل على تجديد الإطارات المشكلة لها"، وبالتالي، يضيف الباحث، "المسألة ستصبح مرتبطة بالتكوين السياسي، ودعم الشباب داخل الحزب"، ولهذا "فرهان الاستمرارية مرتبط بالقدرة على التجديد والتكيف مع هذه القواعد القانونية". وفي قراءة الدكتور دراجي، ترتبط فعالية الأداء الحزبي واستمراريته بمسألة "التكوين السياسي"، الذي سيصبح مرتبطاً بالحزب بشكل وثيق. وهذه الرؤية، يضيف الباحث، "كانت من أهم النقاط التي كان رئيس الجمهورية يؤكد عليها دائماً، خاصةً عندما انتقد العديد من قيادات الأحزاب الذين يدعون إلى التغيير بينما لا يزالون على رأس التشكيلات السياسية منذ أكثر من عشرين سنة". وفي هذا السياق، يرى الباحث أن "هذا سيغير الكثير في المعادلة السياسية مستقبلاً". وعلى هذا الأساس، يعتقد أستاذ العلوم السياسية أن "هذه المادة محورية، لأن الأحزاب السياسية لن يكون لها وجود بعد عشر سنوات إلا إذا نجحت في معركة التكوين". ويفرض ذلك، حسبه، "إعادة الهيكلة وعودة الحزب السياسي إلى العمل وفق وتيرة متواصلة، وليس فقط من خلال نشاطات مرتبطة بالمناسبات الانتخابية". ولا يبدي الدكتور دراجي حرجاً من وصف التشكيلات السياسية في الجزائر بـ"أحزاب المناسبات التي تنشط فقط أثناء الفترات الانتخابية، ثم بعد ذلك تضمحل وتنسحب من الحياة السياسية". وفي حديثه عن تجديد "الديموغرافيا الحزبية"، يحيل الباحث إلى مسألة أخرى، ويرى "أنه يجب إضافة أجهزة أخرى للأحزاب"، ومن بينها، كما هو معتمد في الأحزاب عبر العالم، الجمعية العامة والمكاتب التنفيذية، بالإضافة إلى الرئيس. هذه الأجهزة "غير الرسمية"، يكون أعضاؤها في الغالب من فئة الشباب، وبالتالي، يواصل الباحث، "ربما ستشهد الساحة السياسية في المستقبل، وفق هذا القانون، حركية وديناميكية كبيرة على المستوى الداخلي للأحزاب، وربما سنشهد بروز العديد من الإطارات والقيادات الشابة"، مما قد "يبعث الروح في الأحزاب السياسية، ويجعلها مكوناً أساسياً لإطارات المستقبل". ومن جانب آخر، يحيل الدكتور دراجي إلى التعديل الذي "مس الجانب المؤسساتي داخل الأحزاب". وفي تصوره، "سنشهد لأول مرة تقنين مجموعة من اللجان داخل الأحزاب السياسية"، وذلك لأجل توحيد الهياكل، ويسوق لذلك بـ"ضرورة وجود لجنة استشارية تتولى الإدلاء بالآراء والتصريحات والاقتراحات بشأن المسائل المتعلقة بالحزب"، بالإضافة إلى لجنة الانتخابات التي تتولى كافة المسائل المتعلقة بمشاركة الحزب في الاستحقاقات الانتخابية. إلى جانب ذلك، يرى الباحث أن "لجنة التكوين" ستكون "مهمة جداً"، خاصةً "في ظل التعديل الذي مسّ العهدات"، وذلك "لمنع احتكار الهيئات الحزبية". أما التعديل الآخر المرتبط بحل الحزب السياسي، فقد نصّ مشروع القانون الجديد على إمكانية حلّ أي تنظيم سياسي في حال عدم تقديم مرشحين لموعدين انتخابيين متتاليين. وبنبرة متفائلة، يقول الباحث إن هذا التعديل "سيمنح إضافة كبيرة للعمل السياسي في الجزائر"، ويستبق بالقول إن الجزائر ستشهد بروز عدد كبير من القوائم الانتخابية الحزبية مستقبلاً، مما سيجبر "الأحزاب على فرض وجودها الدائم في الاستحقاقات الانتخابية من أجل المحافظة على استمرارية بقائها". لكن من جهة أخرى، يضيف الباحث أن "هذا القانون سيشكل عائقاً أمام الأحزاب الصغيرة، التي لا تستطيع المشاركة في الانتخابات"، مما سيدفعها لا محالة إلى "خانة الحل". وبصفة واقعية، يرى الدكتور دراجي أنه "لا يمكن لهذا العدد الكبير من الأحزاب في الجزائر أن يستوفي هذا الشرط مستقبلاً"، ومنطقياً "ستشهد الخريطة الحزبية في الجزائر تقلصاً معتبراً، بانحصار الكثير من الأحزاب في المشهد السياسي". واعتباراً للبراغماتية التي تفرضها اللعبة السياسية، يقول الدكتور دراجي إن "اندماج وتكتل الأحزاب قد يكون مساراً يمكن أن تتخذه التشكيلات الحزبية الصغيرة للمنافسة في الساحة السياسية، وتحقيق نسبة التمثيل الولائي". أما بخصوص نسبة التمثيل، فيعتبر الباحث أن "هذه الفكرة مقبولة جداً على المستوى السياسي". وبالنسبة له، "سيتم البحث عن ضمان الانتشار الواسع لأي حزب سياسي على المستوى الوطني"، فمن غير المعقول، يضيف الباحث، "أن يتم تأسيس أحزاب لا تستطيع تحقيق الانتشار على المستوى الوطني". واستخلاصاً لما سبق، يصل الدكتور دراجي إلى الاعتقاد بأن "هذا المشروع يتميز بالكثير من الإيجابيات التي يمكن أن تحرّك المشهد السياسي الراكد مستقبلاً"، وأنه "سيدفع نحو تشبيب المشهد السياسي، خاصةً في ظل الركود والتصحر الذي شهدته الساحة السياسية خلال سنوات عديدة سابقة". ويضيف في السياق ذاته أن "هذا المشروع سوف يبعث الروح في العمل الحزبي، ويعطي قيمة كبيرة للتكوين السياسي، باعتبار الأحزاب مؤسسات تنشئة اجتماعية". ويلاحظ الدكتور دراجي أن "تراجع النشاط الحزبي، دفع في المقابل إلى بروز حركية معتبرة للمجتمع المدني"، مما يدل على أن "الاهتمام الشعبي بممارسة حق المواطنة لم يخبو". وبتكريسه للديمقراطية الداخلية على مستوى التشكيلات السياسية، سوف يعيد مشروع القانون "تنظيم المشهد السياسي، وعودة الأحزاب بأوجه وقيادات جديدة"، ويؤكد الباحث مختتماً بالإشارة إلى عدم إمكانية الحديث عن "المسار السياسي الأصيل، دون الحديث عن المسار الديمقراطي داخل الأحزاب السياسية نفسها، وهو الأمر ذاته حتى في أعرق الديمقراطيات".