في فضاءات القصيدة المعاصرة، حيث تتنازع الخطاباتُ الهُويّةَ والوجود، تبرز نصوص الشاعرة الفلسطينية "نهى عودة" كأنامل صوفية تنسج العالم بخيوط من نورٍ وظل. ليست الكتابة لديها مجرد تعبيرٍ عن الذات، بل هي ارتحالٌ وجودي بين الألم والأمل، بين الفقدان والانتظار، بين الصوفي كتجربةٍ روحيةٍ متعالية، والوطني كجرحٍ نازفٍ في الجغرافيا والتاريخ. قصيدتها "اللحن الضائع" من ديوان "أنامل صوفية" ليست مجرد كلماتٍ تُنظم، بل هي كونٌ موسيقيٌ مفتوح، تُسمع فيه أصداءُ "الحلاج" و"ابن عربي"، بينما تُرى على صفحاته آثارُ الكوفية والناي والدمع الفلسطيني. هنا، حيث يضيع اللحن بين طيّات الرفوف، تتحول القصيدة إلى مرآةٍ تعكس ثنائية الضياع والاكتشاف: ضياع الذات في الحب الإلهي، وضياع الوطن تحت وطأة الاحتلال، ثم اكتشافهما معًا في رنينٍ داخليٍّ يبحث عن التكْ (الزمن)، والتُّك (الصمت)، والدّف (الانتفاض). الشاعرة لا تُغنّي، بل تُناجي؛ تُحوّل الحروفَ إلى طقوسٍ وجدانية، والكلماتَ إلى إشاراتٍ وجودية. إنها تكتب بلسان العاشق الصوفي الذي يذوب في المُطلق، وبيد المُقاوم الذي يمسك بيدٍ من حديد. فكيف يُعاد تركيب الذات عبر هذا الانزياح بين الروحي والوطني؟ وكيف تتحول القصيدة إلى فضاءٍ للخلاص من تشظّي الهُوية؟ هذه القراءة التحليلية تحاول اقتفاءَ أثر "اللحن الضائع" في شعر "نهى عودة"، بوصفه نصًّا يُجسّد الانزياحَ من الأنا الفردية إلى الأنا الجماعية، ومن الغياب إلى الحضور، عبر لغةٍ تختزلُ العالمَ في رمزيةِ الناي، الكوفية، والدمع. إنها رحلةٌ من التساؤل عن "الشين المتكررة" في الكلام، إلى اليقين بأن "دحرهم الثاني" قادمٌ كوعدٍ صوفيٍ ووطنيٍ معًا. نص قصيدة "اللحن الضائع" كنّا نُقهر على مدار الحياة نُسأل عن الشين المتكررة في كلامنا وعن اللون الفاتح لبشرتنا لم نرمِ الشال الأصفر خوفًا من الأسقام ولم نعبث بالخلخال المستفز للرقص إذ يقرّب ثعالب الطريق يعبث بديمومة الهوى فيتلفه إن لم يكن رنينه واضحًا اللحن الضائع بين طيّات الرفوف وجدته كان يضفي صوت الـ تِك تَك تُك ينقصه الدّف لينقيه أيا وطني تتوالى نكبتي عاما بعد عام وحزني على عدم رؤياك أيا أيها المكلوم هزّ جذع روحك يتساقطُ عليك الحنين رويدا رويدا كم من وجوه لم تستنشق عبيرها كم من ناي أُتلف وهو يعزف نشيدها كم من صبيّ نقش الحب على جدرانها كم من كهلٍ خانه الدّمع فاستفاض في نحيبها إنّي ضائع ووطني أفتّشُ في ألوانه عنّي لن تسوده النجمة ما حيينا وسيأتي دحرهم الثاني هو عندنا وعدٌ ويقين سأرقص على وقع الناي من جديد أردد: دحرنا عدوّنا بيدٍ من حديد وسأنزع كوفيتي وأرتدي الحبيب وطنا دلالة العنوان العنوان: "اللحن الضائع"، يحمل في طياته دلالات عميقة، فهو يشير إلى فقدان شيء ثمين، ربما هو الهوية، أو الحرية، أو السلام. اللحن يرمز إلى الأصالة، والجمال، والتراث، وضياعه يعكس حالة من الاغتراب والضياع. كما يرمز اللحن الضائع إلى الهوية المفقودة أو الذاكرة الجماعية التي تكاد أن تُطمس بفعل القهر، والتهجير، والاحتلال والقمع. أبرز الرموز والثيمات الرئيسية
-
الوطن والمنفى: تتجلى في القصيدة ثنائية الوطن والمنفى، حيث تعبّر الشاعرة عن حنينها الشديد إلى وطنها فلسطين، وعن معاناتها كما باقي شعبها المُهجّر والمغترب في المنفى.
الهوية والذاكرة: تستكشف الشاعرة قضايا الهوية والذاكرة، وكيف يتم تشويههما أو طمسهما في ظل الظروف القاسية.
المقاومة والأمل: رغم الألم والمعاناة، تتضمن القصيدة روح المقاومة والأمل في مستقبل أفضل، حيث تؤكد الشاعرة على حتمية الانتصار.
الحزن والفقدان: يسيطر على القصيدة جوٌّ من الحزن والفقدان، حيث تعبّر الشاعرة عن ألمها لفقدان وطنها وأحبائها.
-
"الشال الأصفر": قد يرمز إلى التراث أو الهوية الثقافية.
"الخلخال المستفز للرقص": يدل على الفرحة التي يحاول العدو طمسها.
"اللحن الضائع": يرمز إلى الهوية المفقودة.
"ناي أتلف": يدل على ضياع الفرحة والجمال.
"سأنزع كوفيتي وأرتدي الحبيب وطنا": يدل على التضحية والفداء للوطن.