في ظل ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيون، وخاصة الأطفال، من انتهاكات جسيمة داخل سجون الاحتلال، ومع تصاعد جرائم القمع والتنكيل بحقهم، تعرض "الأيام نيوز" هذا الملف الخاص الذي أعدّه الأسير المحرر والإعلامي خالد عز الدين، بالتنسيق والتعاون مع هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، وأسرى محررين، وكتاب مهتمين بقضايا الأسرى، ضمن مشروع "صوت الأسير". يقدم هذا الملف صورة شاملة عن أوضاع الأسرى، موثقًا شهاداتهم المباشرة، والأرقام الصادمة التي تعكس حجم الاعتداءات والانتهاكات التي يواجهونها، من التعذيب والتجويع إلى العزل والإهمال الطبي. كما يتناول الأبعاد القانونية والحقوقية لهذه الجرائم، وفقًا للتقارير الصادرة عن المؤسسات الحقوقية الدولية، مما يجعله وثيقة مهمة تكشف أحد أكثر فصول الاحتلال "الإسرائيلي" ظلمةً ووحشية. في هذه الصفحات، يتجلى صوت الأسرى الذين يحاول الاحتلال "الإسرائيلي" طمس معاناتهم، لكنها تظل شاهدة على صمودهم ونضالهم من أجل الحرية.
استمرار جرائم الصهاينة في سجون الاحتلال.. 300 أسير شهيد حتى الآن
حذر مركز فلسطين لدراسات الأسرى من استمرار جرائم القتل بحق الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال نتيجة السياسات القمعية والعدوانية للاحتلال بحق الأسرى، وإصرار حكومة الاحتلال المتطرفة على مواصلة جرائمها بحقهم، وتوفير الحماية لمرتكبي تلك الجرائم.وأوضح مركز فلسطين أن عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ عام 1967 ارتفع ليصل إلى (300) أسير شهيد حتى الآن، منهم (63) شهيدًا من المعلومة هوياتهم منذ بدء حرب الإبادة على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، لا يزال الاحتلال يحتجز جثامين 72 منهم ويرفض تسليمها لذويهم.وأكد مركز فلسطين أن الاحتلال أمَّعن بشكل خطير منذ السابع من أكتوبر 2023 في قتل الأسرى الفلسطينيين داخل سجونه بعدة وسائل أبرزها التعذيب، الإهمال الطبي، التجويع، والضرب، مما يشكل جريمة حرب واضحة تستوجب محاكمة قادة الاحتلال الذين أعطوا الضوء الأخضر لتنفيذ تلك الجرائم التي تؤدي إلى قتل الأسرى العُزل. حيث استخدم محققو الاحتلال وسائل تعذيب مميتة بحق الأسرى في معتقلات "سيدي تيمان" ومعتقل "عوفر" و"النقب"، منها الصعق بالكهرباء، الضرب المبرح على كافة أنحاء الجسد، إجبارهم على التعري في البرد لفترات طويلة، وعدم وجود أغطية أو فرشات للنوم، وعدم تقديم الطعام للأسرى لأيام، وغيرها من الجرائم التي فاقت كل التصورات.وأشار مركز فلسطين إلى أن عدد الأسرى معلومو الهوية الذين استشهدوا منذ حرب الإبادة على القطاع بلغ (63) أسيرًا، وهو العدد الأكبر في تاريخ الحركة الأسيرة، بينما هناك عشرات الشهداء مجهولي الهوية لم يعلن الاحتلال عن أسمائهم أو مكان احتجاز جثامينهم وهم من أسرى غزة الذين تم اعتقالهم خلال العدوان على القطاع.وكشف مركز فلسطين أن أكثر من 63% من شهداء الحركة الأسيرة المعلومة هوياتهم منذ السابع من أكتوبر هم من سكان قطاع غزة، وعددهم (40) شهيدًا ممن تم اعتقالهم خلال حرب الإبادة على القطاع، ومارس الاحتلال بحقهم كل أشكال التعذيب والتنكيل واحتجزهم في ظروف لا تمت إلى الإنسانية بصلة، إضافة إلى ممارسة أشكال لا أخلاقية من التعذيب وصلت إلى حد الاغتصاب للمعتقلين.وبين مركز فلسطين أن آخر شهداء الحركة الأسيرة هو الأسير الفتى وليد خالد أحمد (17 عامًا) من سلواد شرق رام الله، وكان قد اعتقل في سبتمبر من العام الماضي، ولم يكن يعاني من أية مشاكل صحية قبل اعتقاله، حيث أصيب بعدة أمراض داخل الأسر منها مرض "سكابيوس"، ونتيجة الإهمال الطبي المتعمد وعدم متابعته، تدهورت صحته مؤخرًا في سجن مجدو وارتقى شهيدًا قبل يومين، ليضاف إلى سجل الشهداء الذين ارتقوا نتيجة للجرائم الممنهجة التي تُمارسها سلطات الاحتلال بحق الأسرى.وأشار مركز فلسطين إلى أن خمسة شهداء للحركة الأسيرة ارتقوا خلال الشهر الأخير فقط، بالإضافة إلى الأسير القاصر "أحمد" الذي ارتقى أيضًا، وهم "مصعب هاني هنية"، و"رأفت عدنان أبو فنونة"، و"علي عاشور البطش" من قطاع غزة، والأسير "خالد محمود عبدالله" من جنين.ونوه مركز فلسطين إلى أن الأسرى الشهداء منذ حرب الإبادة هم من عرفت أسماؤهم فقط وكشف الاحتلال عن شخصياتهم، بينما يؤكد المركز من خلال المتابعة الميدانية لجرائم الاحتلال وشهادات المحررين أن عشرات الأسرى إن لم يكن المئات من قطاع غزة تم إعدامهم سواء بإطلاق النار عليهم أو من خلال التعذيب، الإهمال الطبي، والتجويع. ولا يزال الاحتلال يرفض الكشف عن أسمائهم مع استمرار سياسة الإخفاء القسري التي يتبعها الاحتلال مع أسرى غزة، وغالبيتهم ارتقوا بعد اعتقالهم لساعات أو أيام أو أسابيع، والتحقيق معهم، ثم إطلاق النار عليهم بشكل متعمد وإعدامهم بدم بارد وهم مقيدون من أيديهم وأقدامهم، مما يدل على السيطرة الكاملة عليهم دون أن يشكلوا خطرًا على الاحتلال، فيستخدمهم كمبرر لإعدامهم.وأشار مركز فلسطين إلى أن سياسة قتل الأسرى جاءت نتيجة للدعم اللامحدود من وزراء حكومة الاحتلال المتطرفين، وفي مقدمتهم المتطرف "بن غفير"، إضافة إلى إعطاء الضوء الأخضر دون رقابة أو محاسبة لمحققي الشاباك بممارسة كل أشكال التعذيب المحرم دوليًا ضد الأسرى، وتوفير غطاء قانوني وتشريعي لهم لحمايتهم من العقاب في حال فقد الأسير حياته.وطالب المركز المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية بالتدخل الفوري وتشكيل لجان تحقيق لتوثيق جرائم القتل والتعذيب بحق الأسرى، والضغط على الاحتلال لوقف تلك الجرائم، ومطالبة محكمة الجنايات الدولية بتقديم قادة الاحتلال إلى محاكم مجرمي الحرب لمسؤوليتهم عما يجرى من جرائم وتوفير الضوء الأخضر لمرتكبيها.
على شكشك
أسْرُ الوعي
مرّت سنواتٌ كثيرة كانت فيها دولة الاحتلال "الصهيونية" تمارس أبشع أنواع التعذيب والقهر، وتنتهك كلَّ حقوق الإنسان، وترتكب جرائم حربٍ وجرائمَ سلم دون أن يسمعَ أحد ودون أن يعترض أحد. ولم يكن هذا يحدثُ فقط مع المعتقلين داخل السجون، بل مع كلّ الفلسطينيين. فكم من فلسطينيٍّ كان يُختطفُ من بيته ويُعذَّب ويُقتل، وكم من المذابح الجماعية ارتُكِبَتْ مما يستدعي أرشيفاً كبيراً لسرد بعضها. وما زال هذا الكيان يُمارس كلّ هذه الممارسات، محاولاً أن يكون ذلك بعيداً عن عيون وسائل الإعلام، لكي يبقى في مأمنٍ من الإدانة، ولكي يُبقيَ صورته "نظيفة" في عيون المجتمعات التي ضلّلها وما زال لعقودٍ طويلة. كما لجأ إلى تشويه صورة المناضل المقاوم، وألحّ في التشويه بكافّة الأساليب النفسيّة والإعلامية في خطّةٍ مثابرةٍ لتشويه العقل وأسرِ الوعي العالمي، وجعله رهينةً لأهدافه وصفحةً قابلةً ليكتبَ عليها ما يشاء.وقد طوّر العدوُّ أدواته مع سطوة الإعلام وانتشار وسائله، بل لقد أصبح يُقنّنُ جرائمه، ويُكرِّسُ وعياً إنسانيّاً عاماً يبرر سلوكه وجرائمه، حتى أصبحت المقاومة إرهاباً وأصبح المجرمُ المغتصِبُ حملاً وديعاً. لقد تمّ احتلال الوعي الإنسانيّ، وأصبح مطلوباً تحريرُ هذا الوعي من تضليل هذا الكيان وآلته الإعلامية. ولا بدّ من جهدٍ كبير وعملٍ دؤوب مثابرٍ وعقلٍ يقظٍ وفطنة رشيقة وصبرٍ واسعٍ لإنجازِ هذه المهمّة.وفي هذا السياق يجب فهم الملتقى الدولي لنصرة المعتقلين في سجون الاحتلال، كخطوةٍ لفضح ممارسات الاحتلال، ونقطة انطلاق لخطّةٍ مدروسةٍ ومنهجٍ جادٍّ لنزع الشرعية عن هذا الكيان الخطأ، الكيان المرهون بالخطيئة. علماً بأنّ توقفه عن خطيئته لا يتحقق إلا بنهايته الكاملة. ولن يكون هذا سهلاً، لأنّ العدوّ يدرك جيداً أنّ مطلقَ وجودِه قائمٌ على أسرِ الوعي الإنساني. وستكون المنازلة شاقّة ومضنية، لكنه يعرفُ أيضاً أنها حاسمة، وأننا إن أنجزنا الخطوات الأولى فسوف تكون لاحقاتُها أيسر بكثير، لأنّ سلاحنا هو جلاء الحقيقة، بينما سلاحُه هو طمسها.ويكفي أن نُجلي أوّل الحقيقة حتى يسعى العالم لمعرفة ما تبقّى منها. وهناك شواهد كثيرة مشجّعة وواعدة، فالكثيرون في العالم يستيقظون وحدهم ويستدركون ويتحولون إلى أنصارٍ متحمسين لنا. يبقى ألا نركن للحظة وألا نغفل، فلا يكفي لكي ننال حقوقنا أن نكون على حق، لا بد من العمل على فكّ أسرِ الوعي.
سامي إبراهيم فودة
سياسة التجويع حكم بالإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين
أمام صمت العالم الظالم والفاقد للقيم الأخلاقية والضمير الإنساني، وتواطؤ وتخاذل وخنوع المجتمع الدولي الساقط أخلاقياً وعجز مؤسساته الصورية تجاه ما يحدث من انتهاك صارخ وفاضح لا يقبله المنطق ولا العقل البشري من فظاعة جرائم عصابات الكيان "الصهيوني" المسخ في مواصلة اقتراف حرب الإبادة والتطهير العرقي بحق شعبنا الفلسطيني العزل من السلاح في قطاع غزة والضفة الغربية. هذا ناهيك عن تجاهل القانون الدولي والإنساني والحقوقي ومعاهدات جنيف لحقوق الأسرى المعتقلين الفلسطينيين في غياهب سجون الاحتلال وزنازينه المظلمة، والذين يعيشون ظروفاً اعتقالية وحياتية ومعيشية قاهرة وقاسية ومريرة لا تحتمل ولا تطاق من شدة الظلم الواقع عليهم.بعد السابع من أكتوبر تشرين الأول الماضي 2023، أطلقت سلطات الاحتلال العنان لإدارة مصلحة السجون المتعطشة للقتل وإراقة الدماء بممارسة سياسة التجويع المتعمد بحق أكثر من 9100 أسير وأسيرة خلف قضبان السجن، والتي تفضي إلى حكم الإعدام بحقهم. وتندرج هذه الاعتداءات الممنهجة القمعية والوحشية حسب زعم قادة الاحتلال "الصهيوني" إلى الضغط على تنظيم حماس للإفراج عن الرهائن "الإسرائيليين" المحتجزين لديها. في خطوة رخيصة وغير مسبوقة لا تمت إلا إلى وضاعة هذا الاحتلال المجرم بحق المعتقلين، والتي لم تعهدها الحركة الوطنية الأسيرة طوال سنوات تجربتها النضالية في مواجهتها مع إدارة مصلحة السجون، حيث أقدمت إدارة السجون على تخفيض كمية الطعام الرديء، كما ونوعاً، والذي بالكاد يكفي لإبقاء الأسرى على قيد الحياة، وهذا بالإضافة إلى تزويدهم بالمياه الملوثة بهدف إعدامهم بشكل بطيء.في حين لم تجد إدارة السجون إلا التكتم على مواصلة سياسة التجويع وإخفاء حقيقة ما يقدم من وجبات طعام بعد تخفيضها إلى مستوى المجاعة، وكان واضحاً جلياً في صفقة تبادل الأسرى بين حماس والكيان "الصهيوني" حيث ظهر الأسرى المفرج عنهم أمام وسائل الإعلام وأجسادهم هزيلة وتراجع في أوزانهم وتغير في ملامح وجوههم. فما أنا أصدده اليوم هو تسليط الضوء على رسالة وصلتنا من الأخوة الأسرى الميامين في سجون الاحتلال "الصهيوني" توضح فيها سياسة التجويع ومخرجاتها القاتلة على حياة الأسرى الفلسطينيين من خلال الجدول الأسبوعي لوجبات الطعام المقدمة للأسى على مدار 715 يوماً من حرب الإبادة على غزة، والتي تركت آثاراً صحية ونفسية بالغة السوء على حياة الأسرى المعتقلين.السبت:الفطور: 30 غرام لبن + نصف كوب شاي
الغذاء: 50 غرام بطاطا + 30 غرام تونا
العشاء: 30 غرام أشنتيل + 20 غرام حمص + 10 غرام طحينية
الأحد:الفطور: 30 غرام لبن + نصف كوب شاي
الغذاء: 50 غرام رز + 40 غرام شوربة
العشاء: 50 غرام رز + 20 غرام شوربة + بيضة
الاثنين:الفطور: علبة إيشيل 5 غرام + نصف كوب شاي
الغذاء: 50 غرام رز + 20 غرام شوربة
العشاء: 3 قراص فلافل + 20 غرام شوربة + 20 غرام حمص + بيضة
الثلاثاء:الفطور: 30 غرام لبن + نصف كوب شاي
الغذاء: 50 غرام رز حبش + 20 غرام شوربة + 30 غرام حبش
العشاء: 50 غرام رز + 20 غرام شوربة + بيضة
الأربعاء:الفطور: 30 غرام لبن + نصف كوب شاي
الغذاء: 50 غرام رز + 20 غرام شوربة + نقانق حبتين 20 غرام
العشاء: 20 غرام شوربة + 10 غرام طحينية + بيضة
الخميس:
الفطور: 30 غرام لبن + نصف كوب شاي
الغذاء: 50 غرام رز + 40 غرام شوربة
العشاء: 20 غرام رز + 20 غرام شوربة + 10 غرام طحينية + بيضة
الجمعة:الفطور: جبنة صفراء 5 غرام + نصف كوب شاي
الغذاء: 50 غرام رز + بيضة
العشاء: 50 غرام رز + 20 غرام شوربة + بيضة + 20 غرام حمص
كل يوم تقدم إدارة السجون رأسين ملفوف أو 10 حبات فليفلة حلوة أو 10 خبزات ويتم تقسيمهم على 180-150 أسير ويقدم لكل أسير 11 شريحة خبز مقطعة بوزن 350 غرام في صحون بلاستيك وتستخدم لمرة واحدة فقط، وهنا يضطر الأسرى للاحتفاظ بها طوال الشهر. وأي شيء غير البلاستيك ممنوع ويتم معاقبتهم بسحب أغراض الغرفة جميعها المتواجد فيها ما بين 10 إلى 15 أسير. ويضطر الأسرى أن يناموا على سراير الحديد ومنهم من ينام على الأرض بدون غطاء أو فراش. ممنوع الاقتراب من شباك الغرفة الموجود على بلاستيك، وكل شباك يكون واحداً لدواعي أمنية. الاستحمام بالماء الساخن يكون جماعياً وبدون ستارة لأن الحمامات خارجية ومدة الاستحمام من ساعة إلى ساعتين كل يومين. ساحة الفورة فيها خط أصفر ممنوع الاقتراب منه، وفي حال تجاوزه يمنع الأسرى من الخروج إلى الفورة لمدة أسبوع وعدم السماح لهم بالحديث مع بعضهم البعض. الملابس المسموح بها هي بلوزتين وبنطلونين والملابس الداخلية والأسير الذي معه، واللي ما معه بدر حاله. وفي الشتوية يصرف حاكية على ثلاث معتقلين. ممنوع أكياس النايلون بالغرف، وعلى الأسرى أن يدبروا أنفسهم بإخراج القمامة. عدم توفر مرآة لدرجة أصبح الأسرى لا يعرفون كيف هي ملامح وجوههم. يسمح للأسير بحلق شعر رأسه بدون حلاق، وشفرات الحلاقة ممنوعة، ويسمح فقط بإحرام واحد وفرشاة الأسنان وجرابات والبوت ممنوعة.هذا غيض من فيض من الإجراءات القمعية الوحشية ووسائل التعذيب والتنكيل والبطش بحق الأسرى.
على سمودي - جنين - القدسالطفلان إبراهيم وعمر.. أفرج عنهما بملابسهما الداخلية بعد اعتقالهما عقب استشهاد جدتهمالم يراعِ الاحتلال طفولتهما، فاعتقل واحتجز الطفلين إبراهيم أبو غالي (٥ سنوات) وعمر محمد الزبن (٨ سنوات)، واعتدى جنوده بالضرب عليهما بعد اعتقالهما مع جدهما إبراهيم أبو غالي إثر مهاجمة منزله في سهل كفردان غرب جنين خلال عملية عسكرية أسفرت عن استشهاد جدتهما وزوجته المسنّة فايزة أبو غالي. بملابسهما الداخلية، أخلى الاحتلال سبيل الطفلين، اللذين وصلا في حالة ذعر إلى منطقة الجلمة بعد احتجازهما وسط ظروف غير إنسانية لساعات، وارتسمت على وجهيهما لدى وصولهما أول مركبة عثرا عليها معالم الخجل من حالتهما، والصدمة والرعب من هول ما تعرضا له.بعد تحررهما، ارتدى الطفلان أكياسًا بلاستيكية وبلوزتين زوّدهم بهما أحد المعتقلين الذين أفرج عنهم معهما. وطوال حديثهما، كانا يحرصان على إمساك الأكياس وستر جسديهما.بصعوبة بالغة، استعاد الصغير خالد وعيه وتماسكه، ولم يتمكن من إخفاء مدى تأثره وصدمته لما حدث، وقال لمراسل "ے": "سمعنا صوت طخ كثير، وبعدها شافنا طيارة دورون دخلوها عنا على المنزل، فقمت من النوم خايف كثير لأنها صارت تطلع وترجع حوالي ٥ دقايق"، ويضيف "كان وقت السحور لما اقتحم الجيش منزل جدي إبراهيم، كنا فيه أنا وجدي وجدتي وعمي، ستي طلعت تشوف شو بيصير وما رجعت، وما شفناها وعرفت أنها استشهدت لما تركونا"، ويكمل "طلب الجيش منا نطلع من المنزل، وبس خرجنا، شفت دوريات جيش واقفة عند خزان المي في حديقة الدار، واعتقلوا عمي أحمد وأخذوه على مزرعة عمي مصطفى وطردونا"، ويكمل "الجيش مسكوني من بلوزتي وزقوني قدامهم وأخذونا على الدورية وحطونا فيها، وبس اعتقلونا، صاروا الجنود يضربوني على ظهري بشكل مؤلم".يتنهد الطفل أبو غالي بعدما شعر بألم شديد من تأثير الضرب الذي تعرض له، ويقول "كان الجنود يخوفوا فينا وضربوا الطفل الثاني عمر على وجهه، وأخذونا على حاجز الجلمة، حطونا في البرد في غرفة كبيرة، بعدين ودونا على غرفة صغيرة، وشفت ١٠ معتقلين، قام الجنود بضربهم"، ويكمل "شاهدت أحد الجنود يضرب معتقلًا ودعس على ظهره، وخلونا مشلحين وعلينا بس الملابس الداخلية، وبعدين أعطونا أكياس بدل أوعيتنا وتركونا، وبعدها عرفت أن جدتي شهيدة".ولم تختلف حالة الطفل عمر، الذي روى أن الجنود أطلقوا النار على مزرعة جده دون سبب مما أدى لاستشهاد جدته، ويقول "صار الجنود يطخوا كثير على بيت قبل السحور، جدتي فايزة كانت طالعة تسمع الآذان عشان نتسحر، فطخوها"، ويضيف "استمر الجيش بإطلاق الرصاص على الدار والمزرعة وإحنا فيها، ودخلوا طيارة علينا، وخلونا نطلع للساحة".لم ينتهِ المشهد، وفق إفادة الطفل عمر، فقد أرغم الجنود الجميع على خلع ملابسهم، ويقول "شعرت بخوف لما شفت الجيش وهم بيوجهوا سلاحهم على رؤوسنا، خلونا نشلح كل أواعينا، وخلونا نمشي وإحنا محاصرين"، ويتابع: "حطوا الكلبشات في يدينا، وخلونا نقعد على التراب نصف ساعة في البرد، وبعدين أخذونا على حاجز الجلمة، وشفنا الخوف والرعب، وكنت أشعر بألم في ظهري من الضرب".ويروي الطفل عمر أن الجنود احتجزوهم في الجلمة بمكان مخصص للمعتقلين، وبعدما ساءت حالته وخالد بسبب البرد، أعطاهم الجنود حرامات، بينما تركوا باقي المعتقلين في حالة مأساوية بسبب البرد. ويقول "طلبت منهم توزيع حرامات على كل المعتقلين، بس ما قبلوا وخلوهم على الأرض في البرد، وظلينا كلنا جالسين على الأرض دون فراش"، ويكمل "ظلينا خايفين ونفكر بستي الي استشهدت وشو بدهم يعملوا فينا بعد الضرب ووجع ظهري القوي، وبعد ساعات من الألم تركونا بلا ملابس، وما بعرف شو صار مع جدي وعمي الي اعتقلوهم معنا"، ويستدرك "بس طلعنا، ما صدقت بس كنت خجلان لأني بدي أرجع على جنين مشلح، الجيش أخذوا ملابسنا وما رجعوها"
سعيد بن عياد - صحفي رئيس تحرير سابق لجريدة الشعب الجزائرية
الأسرى الفلسطينيون الرقم الثابت في معادلة مقاومة الاحتلال الصهيوني
رفقة الشهداء، يبقى الأسرى الرقم الثابت في معادلة المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال "الإسرائيلي" الصهيوني، الذي جعل من فلسطين سجناً مفتوحاً تمارس فيه عصاباته أبشع ألوان التعذيب والقهر بحق الفلسطينيين من كل الأعمار والفئات.وزاد جنون عصابات الاحتلال بعد طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، الذي أعاد القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد الدولي بعد تهميش لسنوات طويلة، وأوقف قطار التطبيع بعد أن بلغ سرعة فائقة كادت أن تدوس على القضية المركزية، لولا أن الشعب الفلسطيني انتفض وأعلن قرار التمسك بالأرض ورفض التهجير مرة أخرى بعد النكبة الأولى.من غزة إلى الضفة الغربية، مروراً بالقدس، يبقى الأسرى العنوان الكبير للمقاومة والتحدي ومقارعة مشاريع الاحتلال ورعاته من حكومات الاستعمار الجديد على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا التي تدير ظهرها لشعوبها وترفض الإصغاء للرأي العام المطالب بإنهاء حرب الإبادة ضد الفلسطينيين وفتح أبواب سجون الاحتلال أمام الإعلام العالمي ومنظمات حقوق الإنسان.الشهادات التي وثقها الأسرى المفرج عنهم بموجب اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت المبرم بين المقاومة وحكومة الاحتلال بوساطة قطرية ومصرية وأمريكية، تعكس مدى العنصرية التي تطبع الكيان المُحتل والغاصب لحقوق الفلسطينيين. فبالإضافة إلى التجويع والعزل والحرمان من أبسط الحقوق، بما فيها زيارة الأهل، يعاني الأسرى داخل زنازين القهر من أبشع ألوان التعذيب الجسدي والنفسي التي تفوق كل تصور وتعدت حتى تلك الجرائم التي عرفتها سجون النازية الهتلرية.لا النساء ولا الأطفال ولا الكهول نجوا من هذه الآلة الممنهجة التي يديرها أعتى المجرمين النازيين بقيادة مجرم الحرب نتنياهو وجلاديه من أمثال السفاح بن غدير، الذين يصبون عداءهم الدفين على الأسرى، بما في ذلك استعمال الكلاب والضرب والتجريد من الملابس وحتى الاغتصاب وقطع الدواء على المرضى إلى الوفاة. وكم من مريض فقد حياته ثمناً للحرية والوطن فلسطين.بعد التضحية بالنفس، أي تضحية تفوق تضحيات هؤلاء الأسرى، ومن بينهم من يقضي عشرات السنين في العزل بأحكام غير مسبوقة تصدر من محاكم أكثر عنصرية، وهي امتداد لمنظومة الاحتلال التي تطارد الإنسان الفلسطيني الحر كالشبح، يترصد حركاته ونبضات قلبه التواق للحرية والانعتاق من أغلال العبودية والاحتقار، تحاصره فلول المستوطنين المدججين بأسلحة الغدر والاغتيال.المشهد الذي يرسمه ثبات وصبر الأسرى يعكس مدى الإرادة في المواجهة والصمود وجهاً لوجه مع الاحتلال، فلا تزيدهم شراسته سوى العزم على رفع التحدي حتى لا تسقط راية الوطن ولا تتبخر تطلّعات وأحلام الأجيال الجديدة التي تتعلم من هؤلاء الأبطال قيم التضحية والمقاومة بصدور عارية، يرهب صبرهم جبروت العدو ويلقنوه في كل لحظة معنى الانتماء للأرض. فالأسير يتموقع في طليعة المقاومة أيضاً.إنهم يوثقون للأجيال قيمة المقاومة التي لا تقل أثراً عن باقي أشكال المقاومة التي ينجزها الشعب الفلسطيني بالفعل المسلح والكتابة والتشبث بالأرض رفضاً للتهجير، حتى ولو كان وراءه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يعلم في قرارة نفسه أن الشعب الفلسطيني المظلوم يواجه منذ أكثر من سبعين سنة مؤامرة دولية لن تثنيه عن بلوغ الحرية يوماً، لكن بتضحيات عزم على تقديمها منذ أكثر من خمسة عشر شهراً في تحمل حرب إبادة غير مسبوقة من تدمير للعمران وتقتيل للبشر.ويبقى الأسرى شوكة في حلق الاحتلال، يتجرع مرارتهم وهو يعلم أنه لن ينال من عزيمة الرجال والنساء والأطفال مرفوعي الهامة إلى عنان السماء، يسمعون العالم صوت شعبهم الذي ملك قلوب الشعوب الحرة، ووضع حكومات القوى العالمية الكبرى أمام محكمة التاريخ بعد أن همّشوا محكمة العدل الدولية وداسوا على قرارات الجنائية الدولية.
الأب إبراهيم فلتس - نائب حارس الأراضي المقدسة
من الموت تنبعث الحياة
تمر السنين متقلبة في ظروفها ووقائعها، آمالها وآلامها، وهذا أمر طبيعي في الحياة وفي أرجاء الأرض. ولكن هذه الأرض ليست كسائر بقاع الدنيا. ففي الأيام الأخيرة من الزمن الأربعيني والصوم الكبير، وبالتزامن مع عيد الفطر السعيد وانتهاء شهر رمضان، تؤكد هذه الأرض من جديد، على أنها أرض السماء، وموطن الأنقياء ومهد الرسالات. تؤكد من جديد بأن القيامة قادمة، وأنها النهاية الإلهية للصوم والعبادات والتضحية والفداء. وعلى أبواب عيد القيامة لهذا العام، نتذكر ما يلي: لكل عيد مدينته: بيت لحم للميلاد، والناصرة للبشارة، وأريحا للتجربة، وما حول طبريا للتعليم والعجائب ودعوة الرسل. أما الآلام والموت والقيامة فهي للقدس وللقدس فقط. وهي المرحلة التي بدونها يذهب كل شيء سدى. إنها محور ومحط أنظار العالم في عيد القيامة، ومركز كل الصلوات والشعائر والفعاليات. هذا العام علينا أن نميز بين أمرين: أولهما روحانية ورسالة، وثانيهما الاحتفالات والشعائر الدينية.يأتي عيد هذا العام وشلال الدم ما زال ينزف في كل مكان، والحصار والتضييق يزداد على الإنسان في كل شبر على هذه الأرض المقدسة. لا يستطيع أحد أن يتخيل مدى معاناة الناس، نحن نعيش بينهم ومن أجلهم، نرى اليأس والقنوط في قلوبهم وعيونهم، نرى الوجع وتلاشي كل أسباب البقاء، نرى موت الجسد مرة واحدة وموت الروح والأمل ألف مرة، وهذا خطر ليس أقل من خطر قتل الجسد. فإن ما يحصل يؤسس لمستقبل أسود مملوء بالحقد الأعمى والمؤدلج، فمراسم أيام الجمعة والسبت خلال الزمن الأربعيني والنزول عبر أزقة شوارع القدس القديمة بين الناس ومعهم. ورياضة درب الصليب على درب آلام سيدنا يسوع المسيح، تكون الرعية حينها صورة مصغرة عن المجتمع، فهي تجمع كل المعطيات وترى وتدرس ما تعيش وتعاني، ولكم أن تعرفوا نتائج ذلك الواقع. فمع الأسف روح الناس منطفئة، والنفوس حزينة، والأمل مفقود، والمعاناة مستمرة بوتيرة متصاعدة. وهذا الواقع انعكس أيضا من تضييق على المسلمين في شهر رمضان، حيث تحمل كل جمعة في ذلك الشهر طقوساً ومراسم وصلوات خاصة تكون القدس في قلبها، وقد عشنا جميعاًَ تقييداً غير مسبوق من تحديد الفئات العمرية المسموح لها بالدخول إلى جانب محدودية التصاريح الممنوحة والعديد من الإجراءات المقيتة. ولكن وبالرغم من كل ذلك، فإننا نرفع الصوت متسائلين: ما عذاباتنا إذا ما قورنت بعذابات السيد المسيح في مثل هذه الأيام وعلى هذه الأرض؟ ما عذابات الأمهات إذا ما قورنت بعذاب أمنا مريم العذراء وهي تشاهد وتتابع اعتقال وتعذيب وقتل ابنها وحيدها البريء؟ ما هي عذابات التلاميذ والناس إذا ما قورنت بعذابات تلاميذ المسيح والشعب البسيط المعذب الذي أحبه، وهو يرى أمله الوحيد يساق إلى الذبح كحمل بريء لا يفتح فاه؟ سنحافظ على روح ورسالة هذا العيد بالرغم من كل الألم والعذاب، فهذا العيد يعلمنا بأنه لا قيامة إلا بعد موت، ولا عهد جديد إلا بعد معاناة وألم، ولا قتل للشر إلا بالخير والفداء والتضحية والصبر. وهذا ليس كلاماً بالهواء بل هو شهادة مثبتة في كتب التاريخ، وعيد القيامة هو خير دليل: فكل من فرح بالتعذيب والقتل والصلب، وكل من تآمر ودعا لذلك، فجعته القيامة، وترنح لاحقاً أمام انبعاث الحياة الجديدة والأمل الجديد والعهد الجديد الذي أعلن انتهاء عهد هؤلاء إلى الأبد وإلى غير رجعة. هذه هي روحانية ورسالة وواقع العيد هذا العام.أما الاحتفالات والشعائر الدينية، فسأتوقف أولاً عند عيد الفطر، حيث كانت فرحة الأطفال بالعيد وهدايا العيد، الملابس الجديدة والألعاب، تبث فينا الروح والأمل والسعادة، ولكن عيد هذا العام وفي يومه الأول ارتدى واحد وخمسون طفلاً من غزة الأكفان بدلاً من الملابس الجديدة. واحد وخمسون شهيداً من الأطفال فقط في اليوم الأول من العيد. أطفال أبرياء لا ذنب لهم. كنا سابقاً ننتظر العيد لاستضافة أطفال غزة، مسلمين ومسيحيين، ولكن عيد هذا العام فتح لهم القبور بدل الصدور. وعودة إلى احتفالات وشعائر عيد القيامة لهذا العام، فالعالم أجمع يعرف ويقف صامتاً أمام واقع خضوعها بشكل كامل إلى إجراءات التضييق والحصار: ففي السنوات الماضية كانت القدس تعج كل جمعة برياضات درب الصليب، إلى جانب الحشود الهائلة من الحجاج والسياح الذين يغيبون هذا العام وللعام التالي على التوالي. في عيد القيامة وعلى صعيد الاحتفالات أو المراسم هنالك ثلاث فعاليات كبيرة على الصعيد الشعبي: أحد الشعانين، رياضات درب الصليب يوم الجمعة العظيمة وكل جمعة خلال الزمن الأربعين، وسبت النور. ومن الجدير بالذكر والتوقف بأن هذا العام عاش شعبنا بمسيحييه ومسلميه الصوم معاً وسيحتفل المسيحيون بشكل موحد بعيد القيامة المجيدة، ستحتفل كل الكنائس معاً، فلو أن الظروف أفضل لوجدنا القدس على غير هذا الحال. أما بالنسبة إلى الفعاليات الرئيسية تلك: فهي تتكون من ثلاثة روافد بشرية إلى جانب الإكليروس: أهل القدس والداخل، أهل الضفة، الحجاج. فأهل القدس والداخل مرهقون بالإضافة إلى ذلك فهم يخضعون ويعانون من التعليمات الصارمة التي تحد من الدخول والمشاركة إلى جانب الاحتكاكات العنيفة التي نشهدها كل عام، والضفة غائبون لغياب التصاريح، مرهقون ومسحوقون تحت نير العذاب اليومي والتضييق الاقتصادي، والحجاج مختفون لظروف الحرب. وكأنها خطة محكمة لخنق القدس وقتلها وقتل كل ما تمثل لنا، كأنها تأسيس لمرحلة جديدة لا يراد لها أن تحمل الخير، كأنها حلقة من حلقات تثبيت أمر واقع جديد يحمل في ثناياه رسالة مفادها: لا حصانة ولا مكانة ولا شيء مقدس. إلغاء وجود كامل، لتنطفئ الاحتفالات من تلقاء نفسها وليصبح غيابها تحصيل حاصل يجب على أصحابه وعلى العالم أن يعتاد عليه ويتقبله.ما أشبه اليوم بالأمس، فهيرودس قتل الأطفال، وقيافا عظيم الأحبار تآمر لقتل المسيح، أرادا للمستقبل أيضاً أن يكون على مقاسهما وهواهما. ولكن إرادة الله ومحبته الأبوية جلبت لكل المتألمين الطمأنينة والأمل، جلبت لهم وللعالم أجمع عهداً جديداً. نسأل الله تعالى أن يعجل بفرج القيامة من بين الأموات، وأن يلهم قادة العالم لوقف هذا الجنون، وأن يعرفوا بأن العدل والعدل فقط هو ما يحقق السلام، وليأخذوا من التاريخ عبرة ومن الكتب السماوية فكرة، بأن القدس لم تكن يوماً، ولن تكون في يوم، حكراً على أحد دون الآخر. وأن شوكة الشر تكسر بالخير فقط، وما الألم والتضحية إلا انبعاث لحياة جديدة. قمع الحزن على "الشهيد"!؟بقلم: بكر أبوبكرفي فلسطين، لم يكن الحزن يُعتبر مكانًا في القاموس الثوري لفترةٍ طويلة، وهو أمر يمكن فهمه في سياق الزمن الصعب الذي يتسم بالقتل والهجرة والتهجير القسري. أصبح الحزن المرتبط بهذه الأحداث جزءًا من واقع يومي يثقل على كاهل الناس، حتى تحول إلى وسيلة للتعبير عن الاحباط. في بعض الثقافات، يتم قمع الحزن، كأنه لا يجوز للرجال أن يذرفوا الدموع، فتُوضع ضغوطات غير مباشرة تحث على تماسك الرجال وصمودهم، مثلما يُقال للطفل الذي فقد والده: "أنت رجل، لا تبكِ!"، وكأن البكاء علامة على الضعف.لكن الحزن يجب أن يكون حقًا طبيعيًا، وخاصةً في حالات مثل فقدان الأم أو الأب أو الصديق، وأيضًا عند مواجهة الإبادة الجماعية لشعب بأسره. فالتعبير عن الحزن هو جزء من الإنسانية، ولا يمكن تقييده بدواعي ثقافية أو أيديولوجية خاطئة. من المؤلم أن تُفرض على الناس مشاعر الفرح الزائف، وكأن الجرح النازف في قلوبهم يجب أن يُغطى بالأقنعة المضللة.الاحتفاء بالموت أو "الشهادة" كما يُسمى في بعض الأوساط، ليس دائمًا تعبيرًا عن الفهم العميق لما يحدث. فقد نجد من يعظّم الشهادة ويحولها إلى "فرحة" بما أن الشهيد كان "مباركًا"، وهو أمر قد لا يتوافق مع المفاهيم الروحية الحقيقية. صحيح أن فكرة "الشهيد" كانت تُستخدم لرفع الروح المعنوية في وجه الاحتلال، لكن هذه الفكرة، اليوم، مع تطور الوعي السياسي والعلمي، يجب أن تتغير.في الإسلام، الحزن على الموت ليس مذمومًا. النبي محمد صلى الله عليه وسلم حزن على وفاة ابنه إبراهيم، رغم أنه كان قد توفي طفلًا، وقال في ذلك "العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب". إذاً، لا شيء يعارض الحزن المشروع، بل إن قمعه قد يعمق الشعور بالعجز ويخلق جرحًا أكبر في النفوس.العديد من الأفراد في غزة والضفة الغربية اليوم يواجهون محاولات لفرض ثقافة "الفرح" بعد فقدان الأحبة. أولئك الذين فقدوا أبناءهم أو أحباءهم في الغارات الجوية أو الاعتداءات الاحتلالية يتعرضون لإحساس مضاعف من العزلة، حيث يُنكر عليهم الحق في التعبير عن الحزن بسبب الظروف السياسية. هذه الثقافة التي تهدف إلى تقليل الألم والحفاظ على "الروح المعنوية" تفتقد إلى الإنسانية.من المهم أن نتذكر أن الحزن على الشهيد أو أي من ضحايا الاحتلال ليس أمرًا يُحرّم. بل هو جزء من رد فعل إنساني على ألم لا يمكن تجاهله. نحن بحاجة إلى أن نعبّر عن حزننا بحرية وأمان، دون أن يُفرض علينا "فرح" زائف لا يعكس الواقع.في النهاية، الحزن على الشهيد يجب أن يُفهم في سياقه الصحيح: هو احترام للإنسان ولقدره، هو تعبير عن الألم والمقاومة، وهو أيضًا دعوة للعمل من أجل مستقبل أفضل.كتبت: لمياء حاتم عثمان
من قلب غزة.. صور ومشاهد: مقابر جماعية في غزة.. الموت يسبق التوثيق
مع تصاعد أعداد الشهداء وتكدس الجثامين، اضطُر الغزيون إلى دفن ضحاياهم في مقابر جماعية، كثير منها دون أسماء أو علامات، في مشهد يُلخّص فظاعة المأساة. في مناطق عدة كالشجاعية وخان يونس، حفرت الجرافات قبورًا جماعية لاستيعاب عشرات الشهداء في آنٍ واحد. بعضهم دُفن دون أن يُعرَف اسمه، وآخرون وُضِعت معهم أوراق بسيطة أو أساور لتوثيق هويتهم لاحقًا. يقول الطبيب الشرعي عبد الرحمن عاشور: "نعاني من نقص في أدوات التوثيق، والمقابر لم تعد تكفي. ندفن كي لا تتحلل الجثث، ثم نُتابع لاحقًا التعرف عليهم". في غزة، حتى الموت لم يعد له وقته الكافي، وصار يُدار بعجلة وبوجع، ليبقى الضحايا أرقامًا في انتظار العدالة.الإعلام تحت النار.. حين يصبح الصحفي هدفًافي الحروب، يُفترض أن يكون الصحفي عين الحقيقة التي تنقل ما يحدث على الأرض، لكنه في غزة بات هدفًا مباشرًا للنيران، لا فرق بينه وبين أي مدني آخر. ومع استمرار العدوان، تحوّل العمل الصحفي من مهنة لنقل المعلومة إلى مخاطرة يومية قد تنتهي بفقدان الحياة. منذ بداية العدوان الأخير على غزة، استُهدف العشرات من الصحفيين بشكل مباشر، ما أدى إلى استشهاد عدد منهم أثناء تأديتهم لواجبهم المهني، رغم ارتدائهم السترات والخوذ المخصصة للصحفيين، والتي تميزهم بوضوح عن المدنيين والعسكريين. المصور الصحفي أحمد الكحلوت يقول: "نُخاطر بحياتنا حتى لا يبقى العالم أعمى عن الحقيقة. نحن لا نحمل سلاحًا، بل نحمل الكاميرا والقلم، ومع ذلك نُقتل بدم بارد". وقد أظهرت الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام المحلية والدولية حجم الدمار والخطر الذي يواجهه الصحفيون أثناء تغطيتهم للقصف في الأحياء السكنية والمناطق الحدودية. كما أن بعض المؤسسات الإعلامية تعرضت للقصف المباشر، مما أدى إلى توقفها عن العمل. الإعلام في غزة أصبح جزءًا من معركة الوجود، ليس فقط في نقل الحدث بل في إثبات الرواية الفلسطينية أمام العالم. وعندما يُستهدف الصحفي، فإن ذلك لا يعني فقط إسكات صوت، بل طمس حقيقة وكتم صرخة شعب بأكمله.التعليم عن بُعد تحت القصف.. تجربة فريدة من نوعها في غزةفي ظل انقطاع الكهرباء والإنترنت ودمار المدارس، لجأ المعلمون في غزة إلى حلول استثنائية لمواصلة العملية التعليمية، أبرزها التعليم عن بُعد بوسائل بدائية وغير تقليدية. تقول المعلمة علا سليم، من جنوب القطاع: "نرسل دروسنا للطلبة عبر تسجيلات صوتية تُنقل على الفلاش أو عبر البلوتوث داخل مراكز الإيواء". بعض الطلبة يتلقون دروسهم على دفاتر ورقية يوزعها المتطوعون، وأحيانًا يتم شرح الدروس في مجموعات صغيرة داخل الخيام أو في الزوايا الفارغة من المدارس. ورغم المعوقات، هناك إصرار كبير من الطلاب وأهاليهم على عدم الانقطاع عن التعليم، باعتباره الطريق الوحيد نحو مستقبل أفضل. ما يجري في غزة هو صورة لابتكار الأمل وسط الألم، والتعليم بات وسيلة للصمود أكثر منه وسيلة للمعرفة فقط.انقطاع الكهرباء في غزة.. العتمة التي تُطارد الحياةمنذ بداية الحرب، أصبحت الكهرباء شبه معدومة في قطاع غزة، ما أثّر بشكل مباشر على كل تفاصيل الحياة اليومية، من المستشفيات إلى البيوت، ومن المخابز إلى محطات التحلية. الطاقة المتوفرة في القطاع لا تكفي لتشغيل المستشفيات، ويتم الاعتماد على المولدات التي تعمل لساعات محدودة، وغالبًا ما تتوقف بسبب نقص الوقود. أم أيمن، ربة منزل من غزة، تقول: "لم نرَ الكهرباء منذ أكثر من سنة ونصف، نعيش على ضوء الشموع ومصابيح الهاتف، حتى الماء لا نستطيع تبريده ولا تخزين الطعام".غياب الكهرباء أثّر أيضًا على التواصل مع الخارج، حيث تعذّر شحن الهواتف، وأصبحت وسائل الإعلام تواجه صعوبة في بث الأخبار. الظلام في غزة ليس فقط غيابًا للضوء، بل اختناق للحياة، وانقطاع للاتصال، وضغط نفسي هائل لا يشعر به إلا من عاشه. مسيحيو المشرق بين الإبادة والتهويد.. مهد المشرق تُثبت الهوية العروبية وتُواجه التزييف الصهيونيفي خطوة تعبّر عن التزامها بهوية مسيحيي المشرق العروبية ودورهم الوطني، نظّمت مبادرة "مهد المشرق" حوارية بعنوان "مصيرنا تحت الإبادة والهيمنة الاستعمارية – الهوية العربية الفلسطينية المسيحية نموذجاً"، استضافت خلالها الأرشمندريت الدكتور أغابيوس أبو سعدى، وأدارها الدكتور إيهاب بسيسو.الحوارية، التي احتضنتها مدينة رام الله، قدّمت قراءة وطنية وإنسانية شاملة للواقع الفلسطيني، مركّزة على الاستهداف الممنهج لمكوّنات المجتمع كافة، لا سيما المسيحيين الفلسطينيين، الذين فقدوا 3% من أبنائهم خلال العدوان على غزة وهم داخل الكنائس، اعتقادًا منهم أنها ملاجئ آمنة.وتقاطعت مداخلات اللقاء مع رؤية المبادرة في مواجهة السرديات الغربية المنحازة، وعلى رأسها "المسيحية المتصهينة"، والتي تعمل الإدارة الأمريكية على ترويجها عبر اجتزاء نصوص الإنجيل لتبرير جرائم الاحتلال. وقد شدّد الأب أبو سعدى على أن المسيحية انطلقت من فلسطين، ما يجعل من مسيحيي المشرق جزءًا أصيلًا من الهوية العربية الحضارية. ورفض تفسيرات الاحتلال للنصوص الدينية، مشيرًا إلى محاولات طمس التاريخ المسيحي العربي، منذ عهد الاستعمار البريطاني، وصولًا إلى السياسات الإسرائيلية الحالية.وتناول اللقاء أمثلة حيّة عن مساهمات المسيحيين العرب في النضال الفلسطيني، من بينهم الشهيد خضر ترزي، والمطران غريغوريوس حجّار، مؤكّدًا أن الوجود المسيحي في غزة ليس هامشيًا بل متجذر، مستدلًا بمرور العائلة المقدسة من القطاع، وبدور القديس هيلاريون في تاريخ الكنيسة.الأب أبو سعدى دعا إلى تطوير المناهج الدراسية لتشمل هذا الوجود الأصيل، منتقدًا تغييب المسيحيين العرب عن الكتب التعليمية، ومطالبًا بتصحيح مفاهيم مغلوطة تربطهم بالحملات الصليبية رغم ما عانوه منها.وفي ختام اللقاء، شدّد على وحدة الصف الفلسطيني مستشهدًا بقول السيد المسيح: "البيت الذي ينقسم على ذاته يخرب"، داعيًا إلى تفعيل الدور المسيحي الوطني ليكون صوتًا نبيًا ناقلًا لمعاناة الشعب الفلسطيني إلى العالم.تعكس هذه المبادرة، التي عرّفت نفسها كمبادرة عربية فلسطينية مسيحية، التزامها بتعزيز الانتماء العربي المسيحي، ورفضها لكل أشكال الاستعمار والهيمنة، مؤكّدة أن مسيحيي المشرق كانوا وسيبقون جزءًا لا يتجزأ من الهوية والنضال الفلسطيني. حسن عبادي – حيفا
دهشة مقدسيّة
تواصل معي صديقي المقدسيّ خليل العسلي طالبًا أن أحضر له أربع نسخ من كتاب "سقوف الرغبة" للأديب المقدسيّ محمود شقير (قصص قصيرة جدًا، 174 صفحة، تصميم ومونتاج: شربل إلياس، إصدار: مكتبة كلّ شيء الحيفاويّة لصاحبها الصديق صالح عباسي)، فكانت فرصة لأقرأه ثانيةً بعد مرور ما يزيد على سبع سنوات من قراءتي السابقة، وجاءت قراءة مختلفة ومغايرة جدًا.كتب شقير في البدء: "إلى المدينة التي زرعت في قلبي الدهشة. إلى القدس."جاءت المجموعة في 132 قصّة قصيرة، الحلم هو بطل المجموعة دون منازع؛ جاء ذكره (ومشتقّاته) 148 مرة، منها أحلام النوم وأحلام اليقظة، لتتداخل وتتشابك معًا، بين الحقيقة والمتخيّل، ويصعب الفصل بينها. ويبدو أن شقير يلجأ لتقنيّة الحلم كي لا نؤاخذ "أبطاله" على نزواتهم وعْمايلهم.رغبة"ليلى التي تبيع في حلمي وحلمها ورق الدوالي عند باب العمودألحّت عليها رغبة لم تفصح عنها لزميلتها المقرفصة إلى جوارها: أن تستلقي على البلاط العتيق لعشر دقائق أو عشرين.لكنّها لم تفعل، كما قالت لي، بسبب عيون المارّة وأقدام الجنود."تتمازج ليلى بالقدس لترسما معًا حكاية عشق سرمديّة؛ يتجوّل قيس مع ليلاه في أزقّة القدس العتيقة وأحيائها، رغم أنف المحتلّ الغاصب وحواجزه، ليسرقا لحظة حب وطمأنينة."جاءت عند منتصف الليل، أو ربما قبل ذلك بقليل، وقالت بصوت خافت: تخطّيتُ دوريّة للجنود على تخوم الحيّ، وجئتُ"، تأمّلها فإذا بها ليلاه، تأخذ بيده بعيدًا عن همومهما المقدسيّة، فلا يدع الفرصة تفوته، بل يُدخلها حلمه، "قلت: ادخلي حلمي، فأنا في انتظارك. دخلت، وكانت تتأوّد مثل غصن البان، ثم أغلقت خلفها باب الحلم كي نبقى وحدنا. قلتُ: لا تغلقي الباب لكي نرقبَ الناس وهم يمرّون من أمامنا. قالت: يهمّني الآن أن نظفر بلحظة من هدوء وصفاء" (ص 12)، ليعيشا حلمًا جميلًا دون رقيب.كانت رحلة عشق ومجون أزليّة، رغم كونها رحلة حلم:"مضينا معًا في درب طويل، وطاب لها وأنا أحملها أن تغنّي.غنّت بصوت شجيّ، وأنا طربتُ. تمايلت على وقع الغناء مقلّدًا حركات الراقصين.قالت: تُعجبني هذه الحركات.قلت: يعجبني هذا الغناء.أمعنت في الغناء، ولم يقطع علينا بهجتنا سوى حلمٍ ما."أفاقا من الحلم حين ارتطما بحاجز وجنود ومنغّصات ونكد يوميّ وواقع مرير.يقولها شقير بصريح العبارة؛ يراهن على الجيل القادم، صانع الحلم، فالأحلام تتحقّق، ويناشد برفع سقوف الرغبة والأحلام، فتُخرجه من الظلمات إلى النور، يتحدّى الواقع المريع ليبني مدينته الفاضلة على مقاس أحلامه، لعلّه يُرضي ليلاه وفرس أحلامه، فيشيّد لها حصنًا منيعًا يكون لهما ملجأ، رغم أنف المحتلّ الغاصب:"جنود غرباء، حملونا ونحن في الفراش وألقوا بنا في العراء، ثم وضعوا المواد الناسفة في زوايا البيت ونسفوه. لم يعد لنا بيت. سأبني لك بيتًا. بيت لا تطاله المواد الناسفة، وهو قادر على البقاء"، ويصنع لها لحظة من الفرح، رغم الوجع والمعاناة والمأساة؛"تعبنا ونحنُ نُحصي مآسيناوحينَ ظفرنا بلحظة فرحذُهلنا، ثم أفرطْنا في البكاء." (ص 137)ويظلّ السؤال عالقًا، هل للحلم نهاية؟ هل نقف مكتوفي الأيدي بانتظار تلك النهاية المنتظرة؟"القدس استحمّت بماء المطر.مطر شحيح لم يكد يُبلّل جسدَها، ثم جلست على مرتفع من الأرض تمشّط شعرها، وتتلو تعويذة لعلّها تُقصي عنها الخطر.وللقدس بعد المطر، رائحة امرأة غادرت لتوّها دفءَ الفراش.وجلست طوال النهار تنتظر، وهي ما زالت تنتظر." (ص 151).كأنّي بالمجموعة لوحة فسيفسائيّة متكاملة، سيمفونيّة غنائيّة متناغمة، وعناوينها معًا بدايات لمعزوفة أوركسترا، قائدها المايسترو محمود شقير، تشكّل كلّ منها مقطوعة منفردة.كتب أ.د. محمد عبيد الله في التظهير:"قام شقير بمحاولة تجريبية جادّة لتقديم نمط خاص من القصة القصيرة جدًا، وذلك بتحويل القصة الواحدة أو المفردة إلى "وحدة سردية" تنتظم في سياق أو بناء أو مناخ أوسع، يجمع الوحدات في متوالية سردية أو بناء موحّد".وجدت القصص، بعناوينها، مغنّاة متناسقة؛المقطوعة الأولى: أمكنة وحركة؛ سهل فسيح، نقص الهواء، رصيف، بساط الريح، طائرات، حلم، قطار، ماء النبع، شرفة، ماء، شلال، سطح، سور الدار، طيران، مرآة، بركة الأسماك، عتبة، أدراج، أسواق، مصعد، سوق الحدّادين، البحر.والثانية: قرويّة ودفء؛ أرانب بريّة، ورق دوالي، عنزة، جرّة زيت، أشجار، كلب، ورق تين، حنّون، صحن العجين، الحصان، قطة، حليب، عطر.والثالثة: محاولة جادّة للحياة؛ حلم، طقس، رغبة، ضجيج، صمت الأمكنة، طيش، مزاح، باب المدينة، قلادة، مطعم، رغبات، خداع، انقياد، وصية، حنين إلى الماء، تغريد، ابتهال، هروب، موت، ترحيب، ركض، خيال، انتظار.والرابعة: مرساة وأمان؛ بيت، غابة من نساء، إغواء، آدم وحواء، ميدان، عري الساق، ببّغاء، وحذاء.والخامسة: كومبارس؛ كهل، أطفال، خيول، الممرضة، شرطيّ الحراسة، رجل وامرأة، بائع الحليب، كلّ البنات، المرأة العاقر.والسادسة: بلسم الحياة؛ لحظة فرح، قلب، جرس، حاجز.يلجأ شقير كعادته، بحرفيّة، إلى أسلوبه الذي عوّدنا عليه، بسخريته السوداويّة، وهذه المرّة من المحتلّ الذي يحاول التنغيص:"مضينا إلى صالة للأفراح. هناك، كنّا نوزّع الحلوى على الجالسين ونغنّي، حين جاءنا المستوطنون وأطلقوا علينا النار. جاء الجنود. قلنا ونحن نطلق فكاهة سوداء: هم في العادة لا يُطلقون النار بتاتًا، حتّى إنّ البنادق تصدأ في أيديهم! ظلّوا يطلقون علينا النار، ونحن نغنّي وننزف الدماء، ولا نموت، نعم لا نموت."يشدّني عالم الأسرى وعائلاتهم، وفي السنوات الأخيرة يشكّل محورًا أساسيًا في حياتي، وسمعت من أسيرات وأسرى كُثُر عن حرقتهم لحرمانهم من مرافقة أولادهم و/أو أحفادهم في طريقهم إلى المدارس، فجذبتني بشكل خاص قصّة بعنوان "أطفال":"كنّا، أنا وليلى، نمشي قرب سور المدينة في شارع مضاء.حدّثتني عن بنت الأسير التي مضت في الصباح إلى المدرسة، مدّتْ يدَها لعلّ أباها يقودها إلى هناك. وصلتِ المدرسة ويدُها ممدودة في الفراغ.حدّثتني عن أطفال الأسير الذين يراقبون طريق الحيّ بلهفة كلّ مساء.كنّا نمشي ونشعر بأنّ الأطفال يمشون معنا، وفي عيونهم أمل ما." (ص 100)وأخذتني مجدّدًا إلى لقاء جمعني في أيلول 2019 بأسير عبر القضبان، حين كلّمني بثقة وأريحيّة، شموخ وأنفة... وحرقة.يحزّ في نفسه عدم مرافقة حفيدته تاليا للمدرسة في يومها الأوّل في الصف الأوّل، وعدم تمكّنه من معايدة حفيدته رومي في عيد ميلادها الثاني الذي سبق لقاءنا بثلاثة أيام، لكنّه رغم ذلك يشعّ إرادة وتفاؤلًا بغدٍ أفضل، لأنّ أطفالنا يستحقّون الحياة.جاءت النهاية تفاؤليّة بامتياز، تشعّ منها حريّة الوطن:"ذات يوم، عند الحاجز العسكريّ، في الطريق من رام الله إلى القدس، انتظرنا، أنا وليلى، ثلاث ساعات.شربنا قهوة من بائع جوّال، تداولنا آخر الأخبار، ولم نتذمّر من شدّة الحرّ، رغم ما أصابنا من إرهاق. وبالقرب منّا امرأة تُسرّح شعرَها، كأنّها تُهيّئ نفسَها كي تنام.والازدحام كان على أشدّه، والجنود الغرباء بدوا مُتعبين خلف الحاجز، كما لو أنّنا نحن الذين نحتجزهم هناك." (ص 160) معمر بن الحاج عيسى
"الأيام نيوز".. قلمُ الجزائر الذي يُنقذ أنين الأسرى من زنازين الاحتلال
في زنازين الاحتلال الإسرائيلي، حيث يُسرق الضوء ويُباد الزمن، تُولد كل يوم مئات القصص التي تُكتب بدماء الأسرى الفلسطينيين، لكنها تظل حبيسة الجدران الإسمنتية، لولا صحافةٌ جزائريةٌ تحمل همَّ المقاومة في كل حرفٍ تنشره. "الأيام نيوز" ليست مجرد جريدة، بل هي ذاكرةٌ حيةٌ تُترجم أنين المُعتَقلين إلى وثائقَ تُدين العالم الصامت. فمنذ انطلاقتها، حوَّلت الجريدة قضية الأسرى إلى قضية إنسانية عابرة للحدود، عبر ملاحقَ أسبوعية ويومية تُنير الظلام الذي يلفُّ سجون الاحتلال.كل اثنين وأربعاء، يتحول قلب الجزائر إلى فلسطين عبر ملحقَي "صوت الأسير" اللذين تصدرهما جريدةٌ رفضت أن تكون ناقلةً للأخبار، بل شريكًا في المعركة. في "صوت الأسير"، تُنشر شهاداتٌ تكشف كيف يُجبر الأطفال على الصوم دون معرفة موعد الإفطار، يعتمدون على ومضات الشمس التي تتسلل من فتحات الزنازين، أو على أطفال غزة الذين يؤذِّنون في الظلام ليُعلنوا وقت الإفطار. وتُنقل شهادات لأسرى يروون كيف يُجبرون على شرب ماءٍ ملوّثٍ بالبول، أو كيف تُسلَب منهم الملابس ويُتركون عراةً في زنازين لا ترحم. هذا الملحق ليس حبرًا على ورق، بل ذخيرةٌ تُهزُّ الضمير العالمي، كما يقول الأسير المحرر ثامر سباعنة: "جعلت العالم يسمع أنيننا، فتحوَّل إلى نشيدٍ يردده الملايين".أما صفحات الجريدة اليومية، فتتحول إلى ساحة ثقافية وسياسية تُذكِّر العالم بأن فلسطين ليست أرضًا تُسرق فحسب، بل ذاكرةً لا تموت. ففي حنايا الملحق، تتشنّف رائحة العز والإباء.جريدة "الأيام" أصبحت تُرافع من أجل قضية الأسرى المكتوبة بدماء الجروح، والتي تحكي كيف يتحول السجن إلى مختبرٍ للتعذيب النفسي: سجانون يبثّون أصوات أطفال الأسرى عبر مكبرات الصوت ليكسروا إرادتهم، أو يحرِمونهم النوم لأيام حتى "يعترفوا" بوهمٍ لم يرتكبوه. هذه التفاصيل لا تأتي من فراغ، بل من وثائق سرية يُزوِّد بها المناضل خالد عز الدين، الذي يُوصَف بـ"الجندي المجهول" في سفارة فلسطين بالجزائر، حيث يعمل جسرًا بين عائلات الأسرى والصحفيين الجزائريين.لم تكتفِ "الأيام نيوز" بنقل المعاناة، بل حوَّلتها إلى أدلة إدانة أمام المحاكم الدولية. هذه الأقلام التي كسرت جدار الصمت في وجه آلة الموت، أقلامُ رصاص... تقمّصت دور محامين، حيث رفعت الجريدة شعار: "الصمت خيانة والقضية أمانة"، وجعلت من ملاحقها الإعلامية شهادات إدانة تُؤرّخ لمعاناة الأسرى و"التعذيب الممنهج"، من طرف زبانية وأعداء الإنسانية في سجن "عوفر"، يتباهون بقطع الأدوية عن المرضى، أو بصورٍ لأجساد مشوّهة بالكيّ بالنار. حتى أصبح الإعلام الجزائري ساحةً للمقاومة: جداريات ضخمة لملاحم الأسرى كُتبت بالدم قبل القلم.في فلسطين "أسير في كل بيت" و"سعيد في كل ركن" شاهد على زمن الخذلان.جريدة "الأيام" التي حوَّلت المواطن الجزائري إلى أبٍ روحيٍّ لأسيرٍ فلسطيني، وفي زمنٍ يحاول فيه الاحتلال طمس هوية الأسرى، تأتي "الأيام نيوز" لترسم وجوههم بالكلمات. فحين يُمنَع أطفالٌ تقل أعمارهم عن 12 عامًا من زيارة عائلاتهم، أو تُغلق الأضواء في زنازينهم حتى ينسوا معنى النور، تتحول الجريدة إلى شمعةٍ تُضيء عتمتهم. الأسير المحرر محمد النجار يروي كيف كان السجانون يضربونهم بعصيٍّ كهربائية... من أجل إطفاء جذوة الحقيقة، مع كل صرخة ألم تبدد وحدة المكان.مع كل فجر جديد يمنحهم القوة والصمود، لأنها ليست مجرد رسالة بل عقيدة راسخة في وجدان وكيان طاقم إعلام نذر نفسه لقضية اسمها فلسطين. هذه ليست صحافة، بل ثورةٌ تُكتب بأقلامٍ جزائريةٍ تؤمن أن الكلمة قد تكون أقسى من الرصاص حين تُكتب بدماء الأبرياء.اليوم، وبعد أن سجَّل الاحتلال 770 حالة اعتقال بين أطفال الضفة الغربية، و350 طفلًا ما زالوا رهائنَ في سجون مثل "مجدو" و"عوفر"، تظل "الأيام نيوز" تُذكِّر العالم بأن كل طفلٍ معتقل هو قضية إنسانية، وكل ملحقٍ تُصدِره هو إعلانٌ بأن الجزائر لن تنسى. وكما تقول افتتاحية الجريدة: "الأسرى أحياء في ضميرنا.. ولن ننطفئ حتى يعودوا". ففي زمن الخيانة الدولية، تبقى الجزائر وفيةً لدماء الأسرى، تُحوِّل أنينهم إلى نشيدٍ يتردد في عروق الأحرار.
كوني قصيدة
نص / ياسمين العابدكوني القصيدة واستبيحي العمقاشطَّ الأماني في عيون الغرقىكوني عناقًا في ليالي البرد ياأُمًّا تعانقها المدائن شوقاشمسًا تطلُّ على الأنام بفرحةغربًا تشعشع بالحنين وشرقاكوني أغاني الصبح، دندنةَ الحياةسبيلَنا نحو الخلاص وبرقايا شهقة النايات في وتر الردىقلبي على كتف التأوه مُلقىيا رعشة الحب المقدس في دمييا أصدق الأشواق بل والأنقىكوني القيامة يا بلادي واثأريقصِّي الأيادي ولْتجذِّي العُنقافليحفظ التاريخ من صان الحمىمن رام من قيد التصهين عِتقاقتلوا الأجنة ـ خوفهم ـ من ثأرهمظنُّوا بأن جذورنا لن تبقىسنظلّ عنوان الكرامة والفداستثور من قلب الرماد العنقا بقلم: جلال محمد حسين نشوانمن وطن المليون أسير.. لوطن المليون ونصف شهيد.. جزائر الثورة وطن برائحة الشهداء..حقًا يا سادة،كيف نُشفى من عشقنا الأبدي لجزائر العزة والشرف والكبرياء؟!فالجزائر وشعبها الشقيق العظيم لهما مكانة خاصة جدًا في قلوب الفلسطينيين وعقولهم، وفي فلسطين نشعر بمكانة الجزائر وحب الجزائريين لنا، فنحن وهم تربطنا علاقات أخوية وتلاحم مصيري.لقد كانت فلسطين وما زالت قضية جزائرية وخطًا أحمر بإجماع مختلف شرائح الشعب الجزائري وقيادته الحكيمة.ومناضلو فلسطين خط أحمر جزائري لا تتهاون مع من يحاول المس به، كما لم تبخل الجزائر، حتى وهي تمر في أحلك الأزمات، من تقديم الدعم لفلسطين وللشعب الفلسطيني.لقد كانت الجزائر ولا تزال الحضن الدافئ للشعب الفلسطيني، وكانت الجزائر العاصمة المكان الأكثر أمنًا ونزاهة لعقد المجالس الوطنية الفلسطينية، فهي لم تسعَ لمرة واحدة لتوجيه الأمور في دورات المجلس، بل كانت توفر للمجتمعين البيئة الإيجابية الضرورية للنجاح والخروج بأفضل القرارات لما فيه مصلحة الشعب الفلسطيني.ويمكن هنا أن نتخيل دور الجزائر الإيجابي والنزيه دائمًا إذا ما قارناه مع دول عربية أخرى كان شغلها الشاغل استخدام ورقة القضية الفلسطينية والسيطرة على القرار الوطني الفلسطيني.لن ننسى:عندما هبطت في مطار بومدين الدولي ثلاث طائرات وعلى متنها الأسرى المحررون أبطال معركة بيروت 1982، كان استقبالهم الرسمي والشعبي يشكل حكاية لا يمكن وصفها بالكلمات، وقد أُلقيت كلمات الترحيب بهم وعلت الهتافات لهم، ولم يكن هذا غريبًا عن الجزائر التي مثلت ساحة تاريخية عملاقة ومفتوحة لمساندة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.وانعكس هذا على الشعب الجزائري حيث احتلت فلسطين مكانة مميزة وخاصة في كل بيت جزائري، وعمل الإعلام الجزائري بكل أنواعه على الانتصار للقضية الفلسطينية عامة ولقضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال خاصة، ولم تؤثر العولمة وتغيير موازين القوى وقطبية العالم والهيمنة الأمريكية والضعف العربي على الموقف الجزائري، بل من العدل والحق وجوب أن نذكر أن الإعلام الجزائري يعتبر قضية فلسطين قضية إقليمية ودولية مقروءة ومسموعة ومرئية، ولذا أصبح صوت الأسير الفلسطيني ينطلق من الجزائر ليسمع العالم كله ماذا تعني قضية الأقصى وأنّات الأسرى ومطالبهم العادلة، وعنجهية وظلم وعنصرية السجان الصهيوني.لقد سجلت الجزائر الحبيبة حضورًا في أبناء شعبنا الفلسطيني، فهي دائمًا قريبة من الحضور والنضال والحلم والفعل الفلسطيني.إنها الجزائر، الدولة والشعب وقصة المعاناة من الاستعمار، احتضنت القوات والأسر الفلسطينية حين أُجبر الفلسطيني على المغادرة من لبنان إلى الشتات مرة أخرى بعد مجازر رهيبة وتآمر واضح ضد الوجود الفلسطيني والصمود العربي.وبعد عدة سنوات كان الحلم الفلسطيني يقترب، وصفّقت الجزائر كما صفّق كل فلسطيني بل كل عربي بل كل حر حين قالها الرئيس الشهيد أبو عمار:"نعلن قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف".كان ذلك في قلب الجزائر في 15 نوفمبر 1988.ومع نهاية الإعلان عزفت موسيقيات الجيش الجزائري النشيد الوطني الفلسطيني (فدائي).إنها الجزائر، ملهمة الأحرار، التي تحتضن حرية فلسطين ودولتها وقيادتها، ولهذا ليس غريبًا أن ينظر الاحتلال الصهيوني الإرهابي النازي إلى الجزائر كعدو رئيسي.حتى أن غولدا مائير، رئيسة الحكومة الصهيونية الاحتلالية السابقة، كانت تقول: "من حسن حظ دولتنا الإرهابية أنه لا توجد حدود مشتركة مع الجزائر".وهي بالفعل مصدر خطر عليه، لأن التاريخ القريب يذكر أن المشاركة الجزائرية دائمًا كانت ولا زالت مميزة وقوية، في الحروب العربية المتعلقة بنصرة القضية الفلسطينية، سواء على الصعيد السياسي والدبلوماسي (ميلاد الدولة الفلسطينية بالجزائر)، تطبيقًا للشعار الرسمي الذي يرفعه كل جزائري، حكومة وشعبًا وقيادة: "مع فلسطين ظالمة أو مظلومة".ومنذ استقلال الجزائر وتحررها من قبضة الاستعمار رُفع الشعار الذي لازم سياساتها ودعمها المطلق للحق الفلسطيني:"لن تستكمل الجزائر استقلالها إلا باستقلال فلسطين."في عام 2012، ومن نيويورك، حين استطاعت فلسطين أن تنتزع اعترافًا دوليًا بأنها عضو مراقب في الأمم المتحدة، وقفت الجزائر موقفًا بطوليًا ورائعًا ومشكورًا مع فلسطين، وبذلك ربطت الماضي بالحاضر.فللجزائر قيادة وحكومة وشعبًا، مواقف بطولية وفارقة في الحياة والمسيرة النضالية الفلسطينية، فهي أول دولة فتحت مكتبًا لحركة فتح في العالم عام 1964، وهي أول من فتح مكاتب لمنظمة التحرير الفلسطينية مع الصفة الدبلوماسية الكاملة، وهي أول دولة تعترف بدولة فلسطين حينما أقر المجلس الوطني الفلسطيني إعلان الاستقلال، وكانت هذه الدورة منعقدة في الجزائر.والجزائر صاحبة أول طلقة رصاص انطلقت على الاحتلال، وأول الدول التي قامت بتدريب العسكريين الفلسطينيين والمتطوعين من منظمة التحرير الفلسطينية، والشعب الفلسطيني لن ينسى بل يستذكر بكل الفخر والامتنان لجزائر الحرية أن الرئيس زعيم الأمة (هواري بومدين) قام بترتيب زيارة الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات (أبو عمار) التاريخية إلى الأمم المتحدة عام 1974، بل وفرّ له الطائرة التي أقلّته إلى هناك.وفي كل يوم تقدم الجزائر المساعدات للشعب الفلسطيني، وهي من الدول العربية الملتزمة بدفع حصتها المالية لجامعة الدول العربية.وفي الحقيقة:تتميز سفارة دولة فلسطين في الجزائر بأنها سفارة رائدة في العمل الدبلوماسي لما تبذله من جهود رائعة لتعميق وتعزيز العلاقة الجزائرية الفلسطينية، والأخ السفير الدكتور فايز أبو عيطة، سفير دولة فلسطين في الجزائر، يعمل على مدار الساعة لتعميق العلاقة التاريخية بين الشعبين.وهنا لا يفوتني أن أتوجه بالفخر والاعتزاز للأخ المناضل خالد صالح، الذي يقوم بدور ريادي ووطني في ملف الأسرى في السفارة، والذي استطاع أن يُفرد مساحات واسعة في الصحف الجزائرية للأقلام والعقول الفلسطينية باتجاه تفعيل قضية الأسرى إعلاميًا وعربيًا، وعبر الصحف الجزائرية في ملاحق زاخرة بالإبداع والمصداقية والانتماء الحقيقي لفلسطين ولقضاياها المركزية، ولقضية الأسرى كأولوية إنسانية وسياسية وحقوقية.لقد أعلنها الشعب الجزائري، حكومة وشعبًا، بأن أرض المليون ونصف المليون شهيد، تؤكد للأبطال الأسرى أنهم ليسوا وحدهم، بل الجزائر معهم في معركتهم وصبرهم.حقيقةً، مهما تحدثنا عن الدور الجزائري لفلسطين الثورة والسياسة والقضية، لن نتمكن من الإيفاء بالحق.فهذا الشعب الجزائري البطل الذي يتميز بأنه عاشق لفلسطين، قد فتحت أبواب الجامعات الجزائرية لأبناء الشعب الفلسطيني من كل أماكن تواجدهم، ومنحوا البعثات العلمية، بل فتحت الأراضي الجزائرية ليتم تدشين الثكنات العسكرية لتخريج كفاءات وقيادات عسكرية فلسطينية حملت على عاتقها مسيرة الثورة والدخول إلى أرض الوطن وبناء السلطة الوطنية الفلسطينية، نواة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.استمر الدور الجزائري الرسمي والدبلوماسي في دعم القرار الفلسطيني المستقل، والحق في اعتراف العالم بدولة فلسطين في الأمم المتحدة.وهنا نسجل اعتزازنا وتقديرنا لدور الجزائر في المحافل الإقليمية والدولية، وداخل مؤسسات هيئة الأمم المتحدة، وتنبيهها الدائم لخطورة المشروع الصهيوني على الوجود العربي والفلسطيني، وأن التهاون في الذود عن فلسطين يعني التفريط في أولى القبلتين، وثرى الشهداء، ودرة الشام، ومهبط الأنبياء والرسل.لقد ساهمت الحبيبة الجزائر في أرجاء العلاقات الأخوية بين الدول العربية والإسلامية وقواها الوطنية والديمقراطية والتقدمية، وعملت على تفعيل أشكال التضامن الشعبي العربي والإسلامي مع الشعب الفلسطيني وقضيته.ومن هذا المنطلق فإن الموقف الجزائري من قضية أسرانا، يلتحم مع الموقف الفلسطيني، فأسرانا أسرى الأمة، وليسوا سجناء عاديين، وليس لهم أية صفة أخرى سوى أنهم أسرى نضالات هذه الأمة الشامخة، إنهم لم يقاوموا الاحتلال إلا حفاظًا على الكرامة والمقدسات.بل هم يفضحون الاحتلال الصهيوني الإرهابي النازي، الذي ينتهج سياسة عدم اعتبارهم أسرى حرب، وبالتالي فهو يتعامل معهم على أنهم أرقام وقتلة ومخربون وإرهابيون أو خارجون عن القانون أو خطرون أو أعضاء في تنظيمات معادية.وهذه التسميات لا تستخدمها "إسرائيل" جزافًا أو عبثًا، فهي تتهرب من تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة، وفي شقها المتعلق بحقوق الأسرى وحق المدنيين تحت الاحتلال، وفي نفس الوقت أيضًا لم توقّع على هذه الاتفاقيات حتى يومنا هذا، فهي خارج القانون الدولي الإنساني.يوجد في المعتقلات الصهيونية الآن أكثر من عشرة آلاف أسير موزعين في سجون ومعتقلات الاحتلال، هؤلاء الأسرى الأبطال من كبار السن والشباب والنساء والأطفال، تُمارس عليهم إدارة السجون الاحتلالية هجمة مسعورة، وهناك العشرات في العزل الانفرادي، وعلى رأسهم قادة المعتقلين.إن قضية الأسرى يجب أن تكون أولى أولوياتنا، لأنهم حماة المشروع الوطني، فهم سطّروا التاريخ الوطني للقضية الفلسطينية بتضحياتهم وصمودهم أمام الجلاد، وليس من الغرابة أننا نتحرك حين يتحركون، مع أنه يجب أن نتحرك لهم ليتحرك العالم كله معنا لأجل رفع الظلم عنهم وإطلاق سراحهم.وهنا لا بد من توسيع دائرة التضامن مع الحركة الأسيرة، لتستمر قضيتهم في كافة المحافل الدولية وفضح الجرائم التي تُمارس بحقهم من قبل إدارة السجون.ومن هنا تبرز أهمية الإعلام في تلك المعركة، ولذلك فإن الإعلام الجزائري هو إعلام مقاوم ضد الظلم والاحتلال والاعتقال، وهو منبر الأحرار، ويعزز الثقافة الوطنية الخاصة بالأسرى ومعاناتهم وحقوقهم، ويحتضن أفكار وكتابات النخب المثقفة.نقولها باعتزاز وشموخ:عاشت الجزائر قاهرة الطغاة،وملهمة الأحرار،عاش شعبنا الجزائري البطل.