2025.05.21
فسيفساء

الدراما الفلسطينية ماثلة في الوجدان.. وتُقاوم الطمس والتزييف


أجرى اللقاء / الكاتب جلال نشوان في قلب المشهد الفلسطيني، حيث تختلط الحكاية بالدم والحنين، ينهض الأدب والدراما كأدوات مقاومة وسرد، تحفظ الذاكرة وتكسر جدران الصمت. ضيفنا اليوم ليس مجرد كاتب، بل هو حارس للوجدان الجمعي، ومهندس للحكايات التي تنبض بالهوية، وتتنفس من تراب الأرض. بين السطور التي يكتبها، تتسلل ملامح اللاجئين، وأصوات المدن المحاصرة، وحنين القرى التي مُسحت عن الخريطة ولم تُمحَ من القلب. في هذا الحوار، نفتح معه بابًا على واقع الدراما الفلسطينية، وننقب معه عن التحديات، ونحلم معه بما يمكن أن يكون... حين تتحول الكلمة إلى مشهد، والحكاية إلى وطن. ضيفنا اليوم روائي وسيناريست فلسطيني، وُلِد في مخيم الجلزون في عام 1970، وتنقل بين اللجوء والغرب، حاملًا معه ذاكرة لا تنضب من الحكايات. ألّف الروايات وكتب للدراما التلفزيونية والسينما والمسرح، وترك بصمته في مشهد أدبي وفني يبحث دائمًا عن صوت. تُرجمت بعض أعماله لعدة لغات، ونال جوائز عربية ودولية، لكنه يعتبر أن أعظم جائزة له هي دمعة مشاهد، أو رسالة من لاجئ وجد نفسه بين السطور. السؤال الأول: من هو سليم دبور، وكيف يمكنك تعريف نفسك ككاتب فلسطيني؟ أنا سليم دبور، كاتب فلسطيني نشأت في مخيم الجلزون للاجئين في فلسطين. أعتبر الكتابة جزءًا من حياتي اليومية، ووسيلة لأروي قصصًا تخص الشعب الفلسطيني، معاناته، وآماله. أكتب الأدب الروائي، السيناريو، والمسرح. هدفي دائمًا هو تسليط الضوء على القضايا الفلسطينية بطريقة إنسانية تلامس قلب القارئ، فالأدب بالنسبة لي ليس مجرد كلمات، بل أداة لفهم الإنسان والواقع الفلسطيني المعقّد. منذ بداياتي الأدبية، كان همّي الأول الحفاظ على ذاكرة الشعب الفلسطيني، وعلى الرغم من كل الصعوبات، أؤمن أن الأدب والفن هما الوسيلتان الأقوى لرفع صوتنا في وجه العالم. السؤال الثاني: كيف ترى دور الأدب والفن في تعزيز الهوية الفلسطينية في ظل التحديات التي يواجهها الشعب الفلسطيني؟ الأدب والفن هما الوسيلة الأهم في حفظ الهوية الفلسطينية، لأنهما يكتبان تاريخ الشعب الفلسطيني ويُخبِران العالم بقضيتنا العادلة. الكتابة بالنسبة لي ليست مجرد وسيلة للتعبير عن مشاعر شخصية، بل هي أيضًا أداة لمقاومة. من خلال الكلمات، نتمكن من نقل قصة شعب بأسره، وتوثيق معاناته وحلمه بالحرية. نكتب لأننا نرفض أن تُروى حكايتنا بلسان الآخرين، نكتب كي يبقى ظلّنا واقفًا... حتى لو انكسر الضوء. السؤال الثالث: في أعمالك الفنية والدرامية، كثيرًا ما تظهر معاناة الفلسطينيين. هل تعتقد أن الأدب يمكن أن يُساهم في إيجاد حلول عملية لهذه المعاناة؟ أعتقد أن الأدب لا يُقدّم حلولًا مباشرة، لكنه يُسهم في إدارة الوعي وتعميق الفهم حول معاناة الشعب الفلسطيني. الكتابة تُظهر الأبعاد الإنسانية للقضية، وتدعو العالم للتفكير بشكل أعمق في مصير اللاجئين والشتات. الفن يمكن أن يلعب دورًا محوريًا في تغيير نظرة العالم للقضية الفلسطينية، مما قد يؤثر في القرارات السياسية بشكل غير مباشر. السؤال الرابع: ما الذي ألهمك لكتابة روايتك "صابر" ورواية "الهروب"، وهل تعكس هذه الروايات تجربتك الشخصية؟ رواية "صابر" هي انعكاس لمجموعة من القصص الحقيقية التي سمعتها أو عشت جزءًا منها. في فلسطين، كل فرد يحمل قصة مقاومة، وحياة فلسطيني واحدة قد تعكس تجارب العديد. بينما رواية "الهروب" هي تكملة لرواية صابر التي تكشف المزيد عن معاناة الفلسطينيين في الشتات. هذه الروايات هي وسيلة للحديث عن الواقع الفلسطيني بطريقة فنية، ولكنني لا أعتبرها مجرد سير ذاتية، بل هي أداة لربط الحكايات المشتركة في المجتمع الفلسطيني. السؤال الخامس: كيف ترى واقع الدراما الفلسطينية اليوم؟ وهل تعتقد أنها تمثل الواقع الفلسطيني بشكل كافٍ؟ الدراما الفلسطينية ما زالت في طور النضوج، ورغم وجود محاولات جادة، إلا أنها لم تصل بعد إلى تمثيل شامل للواقع الفلسطيني. جزء من ذلك يعود إلى ضعف الإنتاج والدعم، وجزء آخر إلى القيود المفروضة علينا سواء من الاحتلال أو من القيود الداخلية. السؤال السادس: ما التحديات الأساسية التي تواجه كاتب الدراما الفلسطينية؟ التحديات متعددة، أولها قلّة المنصات التي تتبنى نصوصًا فلسطينية جريئة، وثانيها محدودية التمويل. ناهيك عن الرقابة وشروط المموّل التي تفرض على الكاتب أن يُوازن دائمًا بين الصدق الفني والنجاة من المنع أو الرفض. السؤال السابع: إلى أي مدى يمكن للدراما أن تُسهم في تشكيل الوعي الجمعي الفلسطيني؟ بدرجة كبيرة جدًّا. الدراما ليست فقط وسيلة ترفيه، بل هي مرآة تُعيد صياغة الذاكرة الجمعية، وتطرح أسئلة وجودية وهُوياتية. هي قادرة على فتح الجراح كما على مداواتها. السؤال الثامن: ما الفروقات التي تلاحظها بين الدراما الفلسطينية والدراما العربية الأخرى؟ الفروقات في السياق أكثر منها في الأسلوب. الدراما الفلسطينية مضغوطة بتاريخ طويل من النكبة والنكسة والحصار، مما يجعلها أكثر كثافة من الناحية السياسية والوجدانية، ولكنها أقل انتشارًا بسبب محدودية الموارد الإعلامية والدعم العربي لها. السؤال التاسع: هل ترى أن القضية الفلسطينية يتم توظيفها بشكل كافٍ في الأعمال الدرامية؟ ليس بما يكفي. الكثير من الأعمال العربية التي تتناول القضية الفلسطينية تقع في فخ التنميط أو الشعاراتية. نحتاج إلى أعمال أكثر إنسانية، تُظهر الفلسطيني كشخص له حياته اليومية، أحلامه، ضعفه، قوته... لا فقط كرمز سياسي. السؤال العاشر: ما هو حلمك الشخصي فيما يتعلق بالدراما الفلسطينية؟ أن نصل إلى يوم نُنتج فيه مسلسلات أو أفلام فلسطينية تُعرض في مهرجانات كبرى وتُترجم لعدة لغات، ويكون فيه الفلسطيني بطلًا عالميًا بقصته الخاصة. أحلم بدراما لا تشرح نفسها، بل تُشاهد وتُحترم كما هي. السؤال الحادي عشر: إلى أي مدى تعتقد أن الدراما الفلسطينية قادرة على مقاومة النسيان والتشويه المتعمد للتاريخ؟ الدراما الفلسطينية تملك قوة ناعمة في معركة الذاكرة. حين تُوثّق القرى المُدمّرة، أو تُعيد إحياء يوميات اللاجئين، فإنها تكتب سردية موازية، بل مناقضة، لما يُروّج له في الإعلام الغربي. هذه الأعمال تُبقي التاريخ حيًّا في الوجدان، وتُقاوم محاولات الطمس والتزييف.