تكشف خيوط المؤامرة الأخيرة التي أجهضتها المصلحة المركزية لمكافحة الاتجار غير الشرعي بالمخدرات، عن تواطؤ أطراف ومخابر خارجية تحاول استهداف الجزائر بتسميم شبابها والعمل على تفكيك مجتمعها، مُستغلة بعض العناصر الداخلية من أجل تنفيذ مُخططات غالبا ما تُفكّك بفضل فعالية الأجهزة الأمنية واستراتيجيتها المبنية على المقاربة الاستباقية والتنسيق والتعاون الدولي مع مختلف الشركاء والمنظمات الدولية. الجزائر التي تؤكد عبر مختلف المنابر الدولية على ضرورة محاربة الجريمة العابرة للحدود، وخاصة كبح جشع نظام المخزن ومحاولاته البائسة لإغراق دول قريبة وبعيدة بالمخدرات، استطاعت أن تحبط إحدى أكبر محاولات إغراق الجزائر بالحبوب المهلوسة تعدّت كميتها المليون و600 ألف كبسولة من المؤثرات العقلية قادمة من بلد مجاور، حسب ما كشفت عنه اعترافات متورطين في هذه العملية الإجرامية. المحاولة الفاشلة جاءت عشية استقبال الجزائريين للشهر الفضيل، أين كانت أيدي الإجرام تحضّر لإحدى أكبر العمليات التي تستهدف ركيزة الوطن، الشباب، عبر خطة ممنهجة كانت ستشمل ولايات عنابة، وهران، ورقلة والجزائر العاصمة، تصدّت لها مصالح الأمن الوطني. وعن حيثيات العملية، أوضح روبورتاج للمديرية العامة للأمن الوطني أن المصلحة المركزية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات كانت قد "تلقت معلومات مؤكدة بخصوص شحنة ضخمة من المؤثرات العقلية ستوجّه إلى العاصمة، قادمة من دولة بالجوار، يتم إدخالها عبر ولاية تمنراست، ليتم إثر ذلك وضع خطة عملية محكمة. ويعدّ العقل المدبر لهذا المخطط الإجرامي واحدا من أخطر بارونات المتاجرة بالمخدرات والمؤثرات العقلية، يدعى (ش.ش) والمكنى بـ (زقابوج) أو (الحاج)، الهارب بفرنسا والصادرة في حقه 5 مذكرات توقيف دولية. تفاصيل المؤامرة وعن تفاصيل محاولة إدخال هذه السموم، أوضح المصدر ذاته أن الخطة تضمنت عدة مراحل لاقتناء ونقل وإخفاء والترويج لهذه البضاعة السامة، بدأت بـإرسال صهريج زفت تجره شاحنة إلى ولاية تمنراست، أين يتولى شخص آخر يدعى (سعيد) مهمة شحن الصهريج بالمؤثرات العقلية، في حين تم اختيار شخص آخر معتاد على الإجرام، لنقل الصهريج إلى العاصمة يدعى (س.م). ومن أجل تأمين مسار الشاحنة، تم أيضا توظيف كشاف يدعى (ب.و)، مهمته رصد أي حاجز أمني لإنذار السائق، حيث لجأ هذا الكشاف إلى إشراك زوجته التي رافقته من الأغواط إلى الجزائر العاصمة من أجل صرف الشبهة عنه، حيث أكد في اعترافات مصورة، أن الشبكة المذكورة التي يترأسها (الحاج) تشتغل في كل أنواع المخدرات، بما فيها الكوكايين، كما أقر بتلقيه 40 مليون سنتيم عن المهمة التي كلف بها، في حين كانت مستحقات السائق 120 مليون سنتيم. أما السائق، فقد روى تفاصيل عملية نقل الشاحنة الصهريج إلى العاصمة، حيث أفاد بأنه تلقى بعدها تعليمات بالتوجه بها نحو وهران، غير أن تعرض الشاحنة لحادث مرور بوادي رهيو أخلط حسابات البارون، الذي أمر بنقل الصهريج لوحده إلى إحدى المستودعات بالمحامدية بلدية أولاد شبل من أجل إخفائه، وهي المهمة التي أوكلت لشخص يدعى (أسامة) وهو شقيق الكشاف. اقتحام المستودع.. وكانت نهاية هذه العملية بموقف السيارات لمطار هواري بومدين، أين التقى أفراد العصابة على الساعة الثانية صباحا لاستلام مستحقاتهم المالية، ليتم توقيف الجناة الذين كانوا محل رصد ومتابعة. وفي ذات التوقيت بأولاد شبل، تم اقتحام المستودع الذي أخفي داخله الصهريج، ليتم اكتشاف كمية مهولة من المؤثرات العقلية أجنبية المنشأ، من نوع بريغابالين المعروفة بالصاروخ. كما تضمن الروبورتاج اعترافات أخرى للمدعوين (م.أ) و(إ.ك) واللذان كانا يتوليان مهمة نقل عائدات هذا النوع من العمليات لصالح البارون (الحاج)، مع الإشارة إلى أن عائدات شحنة مماثلة تتجاوز قيمتها الـ "100 مليار سنتيم بعد بيعها في السوق السوداء". وفي قراءة حول الموضوع، أكد المحلل السياسي الدكتور إدريس عطية، على وجود عدة مخابر أجنبية تحاول استهداف الجزائر، من خلال تسميم شبابها، عبر إغراقها بكل المواد المخدرة من أقراص مهلوسة وقنب هندي، وهيروين وغيرها من المواد التي أدرجها المُشرّع الجزائري تحت تسمية "المؤثرات العقلية"، مشيرا إلى أن خلفية هذه المحاولات تنطلق من كون الجزائر أكبر بلد إفريقي يملك طاقات هائلة منها البشرية والتي تُقترب من رقم 50 مليون نسمة، تمثل فئة الشباب 75 بالمائة من المجتمع، ناهيك عن حدودها المُلتهبة. وعليه، فإن الجار الغربي مثلا والمُصنّف كأكبر بلد لإنتاج القنب الهندي، شرع ـ يقول عطية ـ في إنشاء مخابر لإنتاج مواد مهلوسة، قصد إغراق المنطقة العربية، والإفريقية بالمخدرات، وتفكيك مجتمعاتها، لاسيما وأن نظام المخزن ارتبط بالكيان الصهيوني الذي ينتهج استراتيجية تفكيك المجتمعات، وتحويل عناصرها من شباب طموح وسواعد بناء إلى شباب انهزامي نفسيا ومجتمعيا ويقبع في خانة الفقر. وبالحديث عن الأطراف التي تقف وراء هذه المحاولات، كشف الدكتور في الشأن السياسي والعلاقات الدولية، في تصريح لـ "الأيام نيوز"، عن شبكات دولية ومخابر أجنبية بالإضافة إلى المغرب، تعمل على استهداف الجزائر في مجتمعها. الضرب بيد من حديد.. وفيما يخص تعاطي الدولة الجزائرية مع هكذا تهديدات، قال، المتتبع للشأن الداخلي، إن السلطات الأمنية بذلت جهودا جبارة في صدّ هذه الحملات من خلال تحليل المعطيات ودراستها وتبسيطها بدقة من أجل الإطاحة بالمجرمين، موازاة مع تكثيف مهام الشرطة بالتنسيق مع مصالح الدرك الوطني، ناهيك عن إطلاق حملات تحسيسية في كل الفضاءات العمومية منها التعليمية والتكوينية بما أن الخطر يُداهم المراهقين والشباب، وهذا بهدف التأكيد على سلامة المجتمع بكل عناصره. كما شدّد محدثنا على ضرورة مضاعفة الجهود، من خلال اتخاذ إجراءات استباقية والضرب بيد من حديد لوضع حد للمنخرطين، المُهربين وكل المتواطئين الذين يرغبون في بعث سوق موازي للمخدرات، لافتا إلى أن الجزائر في إطار التعاون مع مختلف الشركاء العرب، أو الأفارقة، والأنتربول، تتبنى خطابا قويا يتعلق بمقاربة ناجعة في هذا الشأن، وهو مالا يتوافق مع هؤلاء الشركاء الذين يؤكدون على مقاربات استباقية سليمة في محاربة الجريمة العابرة للحدود، سواء ما تعلق بالإرهاب، أو الإتجار بالمخدرات والمهلوسات أو تبييض الأموال وغيرها. وفي الأخير، أوضح، محدثنا، أن الجزائر تملك مراكز نفسية وبيداغوجية هامة، مهمتها توفير العناية والمرافقة النفسية والاجتماعية لكل ضحايا هذه الآفة في إطار حقوق الإنسان وتمكين الفرد من حرياته المكرسة دستوريا والمكفولة وفق المواثيق والمنظمات الدولية. القضية تستدعي إشراك وتجنيد الجميع ومن جهته، عاد المتتبع للشأن الداخلي، عبد الرحمان شريط، لمواقف الجزائر الصارمة والخاصة بقطع علاقتها مع المغرب، وما أفرزته ردة فعل المخزن الذي أعلن عن تطبيعه مع الكيان الصهيوني، ما شكّل خطرا ليس على الجزائر فقط بل على المنطقة كلها، لذلك فإن الجزائر وبعد محاولات إغراقها بكميات هائلة من المخدرات لاستهداف مستقبلها عبر شبابها، فهمت الرسالة وهي مجندة لإحباط كل هذه المحاولات، يقول شريط. وبعد أن أعرب عن أسفه لتواطؤ جزائريين يتم إغرائهم وتوظيفهم من خلال اللعب على عقولهم واستغلال ظروفهم، تحدث الدكتور شريط، في اتصال مع "الأيام نيوز"، عن الحدود الجزائرية الشاسعة التي يصعب مراقبتها، مشدّدا على ضرورة إشراك وتجنيد الجميع فالقضية ليست قضية أمنية فقط بل تخص كل الشعب الجزائري، وبالتالي العمل على رفع الوعي لدى الشباب والأسر بات أمرا ضروريا. وخلص بالقول، إن الجزائر تدفع ثمن مواقفها الصريحة والشجاعة، لأن العدو لجأ إلى طريقة قذرة لاستهدافها، مشيرا إلى أن طريقته تقليدية قديمة معروفة، لذلك، فإن قرار قطع العلاقات مع المغرب يعد قرارا سليما وفقا للمتحدث.