2025.05.21
حديث الساعة

الصحراء الغربية.. عمال الساقية الحمراء يُجدّدون عهد الثورة


في خضم سياق إقليمي متوتر، ووضعية دولية تتسم بازدواجية المواقف والتواطؤ الصامت مع أطول احتلال استعماري في القارة الإفريقية، يشكّل انعقاد المؤتمر العاشر لاتحاد عمال الساقية الحمراء ووادي الذهب، بولاية الداخلة في مخيمات اللاجئين الصحراويين، لحظة وطنية مشحونة بالرمزية والدلالات العميقة، ليس فقط لكونه محطة تنظيمية نقابية دورية، بل لأنه جاء في ظرفية دقيقة تمر بها القضية الصحراوية، حيث تتعالى التحديات وتتزايد رهانات الصمود والتحرير.

وشكّل التقاء هذا الحشد النقابي الوطني، المدعوم بحضور إفريقي وأممي وازن، صورة رمزية لمبدأ تجديد للعهد مع مسيرة التحرر الوطني التي خطها الشعب الصحراوي منذ فجر الكفاح المسلح، وتأكيد جديد على أن معركة استعادة السيادة والاستقلال لم تكن يومًا شأناً سياسيًا تقرره الغرف المغلقة، بل كانت وستظل معركة شاملة متعددة الأبعاد، تتداخل فيها الجبهات السياسية والعسكرية والاجتماعية والنقابية، وتحمل فيها الحركة العمالية الصحراوية على عاتقها مسؤوليات وطنية تتجاوز الدفاع عن الحقوق المعيشية لفئة من الشعب، لتتحول إلى أداة تحريض وتعبئة ونضال من أجل تحرير الأرض والإنسان. وما يزيد من زخم هذا الحدث، هو تزامنه مع مشاركة لافتة لوفود عمالية إفريقية ودولية أكدت، من منبر المخيمات، دعمها اللامشروط لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. فقد جاء حضور الأمين العام لمنظمة الوحدة النقابية الإفريقية أرزقيمزهود، والأمين العام لاتحاد عمال موريتانيا محمد عبد الله بينة، وشخصيات نقابية وازنة من إفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا، ليضفي على المؤتمر بعدًا تضامنيًا دوليًا يعكس وعي الشعوب الحرة بقيمة المعركة الصحراوية في سياق صراع أوسع ضد الاستعمار والهيمنة. هذا، وقد تواصلت أمس السبت لليوم الثاني على التوالي، أشغال المؤتمر العاشر لاتحاد عمال الساقية الحمراء ووادي الذهب، بمخيم الداخلة للاجئين الصحراويين، بمشاركة أكثر من 400 مندوب، وما يزيد عن 80 مشاركًا أجنبيًا.وقد قدّم الأمين العام للاتحاد، سلامة البشير، في كلمته أمام المؤتمرين، عرضًا للتقريرين الأدبي والمالي، مستعرضًا أبرز المكاسب التي تحققت خلال العهدة السابقة، وعلى رأسها تعزيز حضور الدولة الصحراوية داخل الاتحاد الإفريقي، وكذا حشد المزيد من المواقف الداعمة من أوروبا. وشهدت أشغال المؤتمر حضورًا لافتًا لوفود نقابية إفريقية، أكدت مجددًا دعمها غير المشروط لنضال العمال الصحراويين، وحقهم المشروع في تقرير المصير والاستقلال. وفي هذا السياق، صرّح أرزقي مزهود، لوكالة الأنباء الجزائرية، بأن مشاركته في هذا المؤتمر تمثل تأكيدًا على تجديد الدعم لنضال العمال الصحراويين، من أجل حقهم "غير القابل للتصرف أو المساومة" في تقرير المصير والاستقلال. كما شدّد على أن الظرف الدولي الراهن يستدعي رفع المعنويات وشحذ الهمم لتحقيق مكاسب إضافية تصبّ في صالح القضية الصحراوية. من جانبه، أبرز محمد عبد الله بينة، أن مشاركة النقابيين الصحراويين في مؤتمرهم العاشر "تمثل واجبًا مبدئيًا"، مشيرًا إلى أن وقوفه مع الشعب الصحراوي نابع من "قناعة راسخة لا يمكن التراجع عنها". واعتبر بينة أن الحركة النقابية تملك قدرة تأثير أكبر من الدبلوماسية الرسمية، بفضل ما أسماه بـ"الدبلوماسية الشعبية"، القادرة على اختراق مختلف الأوساط والترويج للقضايا العادلة في أوساط الشعوب المحبة للعدالة والحرية. وفي الاتجاه ذاته، دعا رئيس المجلس الوطني المستقل للأئمة وموظفي الشؤون الدينية والأوقاف، جمال غوث، إلى تحرك فعّال من الحركة النقابية والمجتمع الدولي من أجل تمكين الشعب الصحراوي من نيل حقوقه المشروعة. واعتبر أن "حشد التضامن العمالي" من شأنه أن يعزز مكانة القضية الصحراوية، ويوسّع دائرة الدعم الدولي، وصولًا إلى الهدف الأسمى وهو استكمال مسار تصفية الاستعمار من آخر مستعمرة في إفريقيا. في هذا السياق، كان خطاب الرئيس الصحراوي والأمين العام لجبهة البوليساريو، إبراهيم غالي -الجمعة 18 أفريل- بمثابة بيان سياسي وميداني في آن واحد، حمَل رسائل واضحة إلى الداخل والخارج، أعاد فيه رسم ملامح معركة التحرير وفق معطيات اللحظة وضروراتها، مؤكدًا أن اتحاد العمال ليس تنظيمًا نقابيًا تقليديًا، بل هو رافد ثوري من روافد الثورة الصحراوية، وذراع نضالي فعّال في معركة الصمود داخل المخيمات، وفي جبهات القتال، وفي معركة الوعي والتعبئة داخل الأراضي المحتلة. جاءت كلمة الرئيس الصحراوي في هذا الحدث الوطني المهم محمّلة برسائل سياسية واضحة، ومواقف ثابتة موجّهة في آن واحد إلى الداخل الصحراوي بكافة أطيافه، وإلى الخارج، سواء الإقليمي منه أو الدولي، في ظل ظرفية دقيقة تمر بها القضية الصحراوية، وسط واقع متوتر يتسم بتصاعد الاعتداءات المغربية واستمرار المماطلة الدولية في تطبيق الشرعية الأممية. منذ مستهل كلمته، حرص إبراهيم غالي على إعادة التأكيد على مكانة اتحاد عمال الساقية الحمراء ووادي الذهب، بوصفه ليس مجرد تنظيم نقابي مهني يدافع عن الحقوق المعيشية والاجتماعية لفئة من فئات الشعب الصحراوي، بل باعتباره رافدًا ثوريًا أصيلًا من روافد الكفاح الوطني المسلح والشعبي، وجزءًا لا يتجزأ من البنية التنظيمية والسياسية للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب.وقد ذكّر الرئيس بالدور الريادي للعمال الصحراويين الذين كانوا في طليعة الملتحقين بصفوف جيش التحرير الشعبي الصحراوي منذ اندلاع الكفاح المسلح، وحملوا السلاح إلى جانب رفاقهم من الفلاحين والطلبة والنساء، مساهمين في ترسيخ ثقافة المقاومة والتصدي للعدوان المغربي. وفي هذا السياق، أعاد غالي إحياء الذاكرة الوطنية المشتركة، مستحضرًا مساهمات العمال في المحطات الكبرى من مسيرة التحرير الوطني، بدءًا من العمليات النوعية الشهيرة في مناجم "فوسبوكراع"، مرورًا بمشاركتهم الواسعة في انتفاضات سبعينيات القرن الماضي، وصولًا إلى استمرار حضورهم اليومي في معركة الصمود بمخيمات اللجوء والأراضي المحتلة والمهجر. هذا الاستحضار التاريخي لم يكن مجرد تحية للماضي، بل كان تأسيسًا شرعيًا لدور العمال في المرحلة الراهنة والمستقبلية، في ظل معركة متعددة الجبهات، سياسية وعسكرية واجتماعية واقتصادية. تحية للمقاتلين والأسرى في مقطع مؤثر من كلمته، خصّ رئيس الجمهورية الصحراوية جيش التحرير الشعبي الصحراوي بتحية إجلال، معتبرًا أن هذا الجيش الباسل يواصل معركة التحرير والصمود بشجاعة وثبات، متمسكًا بالهدف الأسمى المتمثل في استعادة السيادة الوطنية على كامل التراب الصحراوي، مهما طال الزمن وتعاظمت التضحيات.كما وجه تحية خاصة للأسرى المدنيين الصحراويين القابعين في السجون المغربية، وعلى رأسهم معتقلو "ملحمة أكديم إيزيك"، مؤكدًا أن هؤلاء المناضلين يشكلون رموزًا خالدة للمقاومة المدنية السلمية، وأنهم بمواقفهم وصمودهم الجبار يرسمون بدمائهم معالم التحرير القادم. ولم يفوّت الرئيس غالي الفرصة دون التعبير عن تضامنه مع عائلات هؤلاء المعتقلين والمناضلين في الأراضي المحتلة، مندّدًا في الآن ذاته بما وصفه بـ"الممارسات الدنيئة والحملات الدعائية المغرضة" التي تطال هذه العائلات والمتضامنين معهم، ليس فقط داخل الأراضي الصحراوية المحتلة، بل حتى في أوروبا وفي عدة محافل دولية. وهي إشارة واضحة إلى طبيعة الحرب النفسية والإعلامية والأمنية التي يشنها النظام المغربي لتشويه صورة المقاومة الصحراوية وشيطنة المتعاطفين معها. أكد الرئيس إبراهيم غالي خلال خطابه على أهمية البعد الاجتماعي في معركة التحرير، معتبرًا اتحاد العمال أداة نضالية متكاملة، لا تقتصر مهامه على مواجهة الاحتلال فحسب، بل تمتد إلى الاضطلاع بأدوار محورية في البناء الوطني داخل مخيمات اللاجئين وفي الشتات، وكذا في التعبئة الجماهيرية بالأراضي المحتلة. وأشاد غالي بالدور المركزي الذي تؤديه المرأة الصحراوية في مؤسسات الدولة والمجتمع، منوهًا بالجهد الجماعي للنسيج العمالي، سواء في مواقع اللجوء أم داخل المدن الصحراوية المحتلة، أو في الشتات. فقد أراد أن يرسل رسالة مفادها أن المقاومة ليست مقتصرة على الجبهة العسكرية، بل تشمل النضال المؤسسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وأن معركة الصحراء الغربية مع الاحتلال المغربي متعددة الأوجه، وكل أبناء الشعب الصحراوي معنيون بالمشاركة فيها من مواقعهم المختلفة. على الصعيد السياسي، جدّد غالي اتهامه المباشر للمغرب، واصفًا سياسته بالتوسعية والعدوانية، ومحذرًا من مخاطرها الأمنية الإقليمية. وأشار إلى أن الرباط، في إطار تحالفاتها المشبوهة، تغذي عصابات الجريمة المنظمة، وتمول بعض الجماعات الإرهابية في الساحل والصحراء الكبرى، بما يهدد الاستقرار في كامل المنطقة المغاربية والإفريقية. هذا الموقف الذي يردده خطاب البوليساريو باستمرار، حمل في هذا الظرف دلالة إضافية، في ظل تقارير متزايدة عن تحركات استخباراتية مغربية-إسرائيلية نحو الجنوب، بما قد يشكل تهديدًا مباشرًا لدول الجوار، خصوصًا الجزائر وموريتانيا. وهي رسالة صريحة إلى هاتين العاصمتين، بقدر ما هي موجهة أيضًا للمجتمع الدولي ومؤسساته، خصوصًا مع تزامن المؤتمر مع انعقاد جلسة لمجلس الأمن الدولي حول الصحراء الغربية قبل أيام قليلة. وفي ختام كلمته، عبّر الرئيس غالي عن تقديره العميق للمواقف الثابتة والمبدئية للجزائر، مثمنًا دعم الرئيس عبد المجيد تبون المستمر لحق الشعب الصحراوي، انسجامًا مع مبادئ ثورة نوفمبر وقرارات الاتحاد الإفريقي. كما جدد التأكيد على متانة العلاقات الأخوية مع موريتانيا، في رسالة مزدوجة تؤكد على طمأنة نواكشوط، وفي ذات الوقت استبعاد المغرب من الفضاء المغاربي والإفريقي سياسيًا ودبلوماسيًا.