2025.05.15
سياسة

حين يستقيل القانون الدولي من مسؤولياته تجاه فلسطين.. من يُعيد للأسرى أسماءهم؟


 تحت ظلال الجزائر، التي لطالما كانت داعمة للحقوق الفلسطينية، تعرض “الأيام نيوز” هذا الملف الخاص، حاملة الهمّ الفلسطيني ومتقاسمة مع أشقائها معاناة الأسرى. هذا الملف، الذي أعدّه الأسير المحرر والإعلامي خالد عز الدين، بالتنسيق مع هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، هو جزء من مشروع “صوت الأسير” الذي يهدف إلى توثيق معاناة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. الملف يقدّم صورة شاملة عن أوضاع الأسرى، موثّقًا شهاداتهم المباشرة، والأرقام الصادمة التي تعكس حجم الانتهاكات التي يتعرضون لها، من التعذيب والتجويع إلى العزل والإهمال الطبي. كما يتناول الأبعاد القانونية والحقوقية لهذه الجرائم وفقًا للتقارير الصادرة عن المؤسسات الحقوقية الدولية، مما يجعله وثيقة مهمة تكشف أحد أكثر فصول الاحتلال "الإسرائيلي" ظلمةً ووحشية. الملف لا يقتصر على توثيق واقع الأسرى، بل يناقش أيضًا قضايا أخرى مؤثرة في السياق الفلسطيني مثل قضية التطبيع مع الاحتلال، والذاكرة الجمعية التي لا يزال الشعب الفلسطيني متمسكًا بها رغم محاولات الاحتلال طمسها. ومن خلال هذه الصفحات، يتجلى صوت الأسرى الذين يحاول الاحتلال طمس معاناتهم، لكنها تظل شاهدة على صمودهم ونضالهم من أجل الحرية. 

[caption id="attachment_162606" align="alignnone" width="260"] بقلم: علي شكشك[/caption]

أسيرها


هي طبيعة الأشياء وغرابة الحياة، تلك التي تواكب أقدار البشر وتصبغ حياتهم، وفق مشارب نفوسهم وأشواقهم، وتقودنا جميعاً إلى مصائرنا فيكون منا الشهيد ومنا الأسير ومنا الجريح, ويكون منا غير ذلك ما يكون مما نعرف مما لا عدّ له من نماذج ومسارات تكاد تجعلنا متعددين ومتشابهين ومختلفين كالبصمات، فبصمة الروح أكثر تعقيداً وغموضاً من كل خيال، لنكتشف في دهاليز الحياة ومسارب التاريخ مفارقاتٍ وغرائبَ تتسع اتساع السيرة الذاتية للبشرية، وتفتح على مشاعر للرضا وأخرى للندم في أطوارٍ لاحقة من عمر الإنسان القصير، ندعمه بقليل معرفتا من مصائر الغابرين ونتكئ على أرواحنا وقراءة العبر من المبتدأ والخبر لنسند إراداتنا واختياراتنا ولا نفرح بما آتانا ولا نأسى على ما فاتنا، وفي خبر السماء كل العزاء، "أليس الله بكافٍ عبدَه"، "أم حسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون"، فكم منا كان يمكن أن يكون شهيداً لو لم تخطئه الرصاصة التي مرت من جانب أذنه ذات مخيم، أو لو انحرفت سنتيمتراً واحدا باتجاه الأبهر، وكم هي التقديرات والمقادير التي رأيناها وقد تعمدت أن تنقذنا من ذلك الاحتمال أو كانت تقود أحدَنا إليه, هي هكذا أقدارنا وهي مساراتنا ننال فيها من قيمة مضافة إلى أيامنا، وتضيف أو تحسم من رصيدنا، كلٌّ حسبما يظن ويرضى، دون أن يمنع ذلك من تصويبٍ لرؤانا بمقتضى حكمة الوقت واتساع الرؤية وزخم التجربة، كما قال محمود درويش على لسان راشد حسين بعد تعب المنافي الذي سار به إلى مراجعة حكمة الوطن والاغتراب: "قال لي بعد ثلاثين دقيقة في مطار القاهرة، ليتني كنت طليقاً في سجون الناصرة" وهي ديالكتيك المسار الإنساني أن المنتمين للحرية والطامحين لها ما كان لهم أن يسلكوا طريقهم لولا تحررهم الابتدائي وانجازهم الأولي لها في البدء من كينونتهم, إذ كيف له أن يسعى لافتكاكها في المحيط إن لم تكن حاديته وشوقه وبوصلته، وهي ككل خصلة في الإنسان تتكامل أولاً في العميق الممتنع من جوهرِه, وهي الحب الذي يشرق ويضيء أولاً فيه ويقوده أسيراً للتوحد مع الحبيب، ليتكامل النور وتقر دائرة الضوء ويتكئ القطب على القطب, فهي فطرة الإنسان أنّ مسار الإنسان هو شوقه لرسم العالم على شاكلة روحه، هكذا يقر ويستقر، كأنه يثبت ذاته في الأرض ويوقع باسمها على الحياة, وهو الفاني ذو الحياة القصيرة والطامح إلى الخلود يفرد روحه على جل الوجود، ليتسع بها بالقدر الذي تهفو إليه الروح من الامتداد والخلود، هكذا يتحقق، وهكذا تسعى كامل الحرية في الروح إلى كامل الروح في الحرية وكامل الحرية في الوجود، كأنه أسيرها، تقوده بها وإليها، حتى لو كبلته بأغلالها وأرهقته بقيودها، فهي هذه القيود ذاتها هي الدليل على كامل أسرها له واكتمال امتثاله لها وعلى اكتمال تحقق الروح بمنتهى حريتها.



بقلم: حسن حميد

أسرانا.. والمدهشات الخالدات!


أجل، ثمّة غابات مدهشة في العالم، وصحارى مدهشة، وبحار وبحيرات، وعُمران، وإبداعات، وبشر، وأسرار، كلّها غدت ظواهر وأمثلة، إنْ واقفها المرء وتأمّلها أحسّ بالفخر والاعتزاز، وملأت قلبه بالرضا العميم، وباعث هذه المدهشات هو الجمال، والحذق، وقوة الإرادة، والقول: هذا ممكن، أمّا المستحيلات فهي خرافة! أقول هذا، وأنا أرى الحال الفلسطينية، ومنذ 76 سنة، وحتى يوم الناس هذا، كيف حوّلت كل حيواتها ودروبها وأفعالها وأحلام أهلها وثقافتهم إلى مدهشات عميمة، تكاد تكون، لولا الحياء المعرفي، أساطير هذا الزمان التي تتفوق بحضورها على حضور قوانين الرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، بل تفوق ما رجوناه من القيم الإنسانية: العطاء، والصبر، والشجاعة، والحذق، والجرأة، والصدق، والإخلاص، والجسارة، والتوهج، والإبداع، واشتقاق الدروب والوسائل والمؤيّدات.

كل شيء غدا، في الحياة الفلسطينية، مدهشاً، ولافتاً، وعزيزاً، ومحيراً للأبصار والعقول والأفعال في آن، وكأنّ الحياة الفلسطينية، منذ 76 سنة، وحتى يوم الناس هذا هي في امتحان طويل ثقيل إعجازي من أجل النجاح، وإدامة الحياة، وخلق الجمال، واستنبات المعاني السامية؛ ولأنّ الموضوع طويل وأكثر، فإنني سأقف هنا، عند ظاهرة (الأسرى الفلسطينيين)، بمناسبة 17 نيسان، عيد الأسير الفلسطيني الذي بدأ التأريخ له منذ عام 1974، وبات شأناً اجتماعياً، لأنّ بيوت الفلسطينيين جميعاً، ومن دون استثناء، عرفت غياب الأبناء والآباء والأجداد أسرى في سجون الإسرائيليين المحتلين الغاصبين، فكان عيد الأسرى كتاباً يقرأ فيه الفلسطينيون معنى الغياب، والفقد، والتواري، والانتظار، والصبر، والصمود، واشتقاق الحياة الجديدة، رغم الألم، والتعذيب، وفقد كل عزيز ونبيل ومؤيّد، وافتراع الدروب للمشي فيها من أجل البقاء وتخليد السلوكيات الحضارية، والمعاني الكبار.

تتجلّى ظاهرة (الأسرى) الفلسطينية من خلال معرفة هذه الثنائيات التي سبّبها المحتل «الإسرائيلي» والقائمة على: الغياب والحياة، والغياب والموت، والغياب والوطن، والغياب والعزّة، والغياب والإرادة، والغياب والتاريخ، والغياب والمستقبل. لقد ورث «الإسرائيلي» سجون السابقين عليه في احتلال فلسطين، وهم كثرة، وأسماؤهم كثيرة، ظلمهم كان كثيرًا ومريعًا، والمخازي التي علقت في رقابهم قلائد بشعة وكثيرة أيضاً، وغايات السجون في أعراف «الإسرائيليين»، هي أن تكون أمكنة شبيهة بالمقابر، وأن يكون سكّانها (الأسرى) صورة للموتى، أي أنّها بروفة للموت القادم حتماً (مرضاً، أو سوء تغذية، أو تعذيباً، أو قهراً)، وإن حالف الحظ أحداً من الأسرى وخرج إلى أهله، ستكون صورته صورة الخارج من قبره، وقد تغيّر، وجفّ، ونسي، وتحوّل إلى مخلوق آخر لا قدرة له ولا حول.

لكن الفلسطينيين، ومنذ 76 سنة، وإلى يومنا هذا، حوّلوا هذه السجون إلى حيوات ودروب وأحلام جديدة، فمن أُخذ منهم طفلاً من فوق مقاعد الدرس، واصل تعليمه في السجن خفية عن عيون السجّانين «الإسرائيليين»، ومن لم يتعلم اللغات الأجنبية، وفي طالعها اللغة العبرية، تعلّموها في السجن، ومن فاته قطار التثقيف، وجده في السجن، فتثقّف حتى امتلأت روحه بالكبرياء والوعي والانتماء، وهذه المعاني صارت دماً، ورجولة، وأنفاساً لكل أسير، ما عدا من ارتضى الهوان والمذلّة صيغة عيش.

لقد تعلّم الفلسطينيون الأسرى، وحازوا الشهادات العالية، واكتسبوا ثقافات مذهلة عارفة بالمعاني الوطنية، وحين خرجوا من السجون قادوا شؤون الحياة على أحسن وجه، وبرعوا في تجسيد ثقافة المثال والقدوة والعطاء والإخلاص. وحسب قولة أهل الإغريق الذهبية، الحياة: حق، وخير، وجمال. والأهم هو أنّ الأسرى ازدادوا عشقاً للحياة الوطنية، والعطاء، والعمل.. كلما ازداد السجّان «الإسرائيلي» توحشاً وظلماً وبطشاً، وكان المدهش أنّ من حُكموا بالمؤبدات «الإسرائيلية» الظالمة، هم الأكثر طلباً وإلحاحاً على قراءة الكتب الجديدة، وفي شتى مناحي المعرفة الإنسانية، وكان هذا يسبب الحيرة الدائمة للسجّان «الإسرائيلي» الذي لم يدرك، بعد 76 سنة من احتلاله للأراضي الفلسطينية، ماهية العشق الفلسطيني، ليس لأشجار البرتقال واللوز فحسب، وإنما لأشجار الغار والسدر والجميز أيضاً.

وما أدهش السجّان «الإسرائيلي» إلى حد الغرابة، هو أنّ الكثير من السجناء الفلسطينيين هم سجناء سابقون، عرفوا كل التعذيب والقسوة، والحرمان، والأمراض.. داخل السجون «الإسرائيلية»، ومع ذلك عادوا إلى السجون «الإسرائيلية» مرة أخرى لأن لا عمل لهم، في ظل وجود الاحتلال «الإسرائيلي»، سوى العمل الوطني.

اليوم، وفي هذه الآونة، يزداد التطرّف «الإسرائيلي» عماء، وفي كل شيء، وخاصة داخل السجون «الإسرائيلية»، إذ ما عاد الأسرى الفلسطينيون ينالون أبسط حقوقهم أثناء الأسر، لا في طعام، ولا في شراب، ولا في نظافة، ولا في دواء، ولا في هواء، ولا في رؤية الضوء، ولا في النوم، لقد ضيّق «الإسرائيلي» المتطرّف دائرة الحياة داخل السجون «الإسرائيلية» فانتشرت الأمراض التي تؤدي إلى عفونة الجسد البشري، وأكثرها انتشاراً اليوم: الجرب، الذي جعل أجساد الأسرى ملأى بالدمامل من الأقدام إلى الوجوه، وحرَمهم من الطعام والشراب (الماء، الشاي، القهوة)، ومن النوم، والأدوية، والقراءة، والكتابة، والتعلّم.. من أجل أن يستشهدوا، وقد استُشهد المئات منهم، ودُفنوا في مقابر الأرقام «الإسرائيلية»، وأهلهم يظنون أنهم ما زالوا أحياء.

اليوم، آلاف من المعتقلين الإداريين الفلسطينيين الذين أُخذوا من أمكنة عملهم، وبيوتهم، يقبعون في السجون «الإسرائيلية»، وآلاف من المعتقلين تحت مسمّى (المقاتل غير الشرعي) يقبعون في السجون «الإسرائيلية» الجديدة، أعني المعسكرات الكريهة مثل (سديه تيمان، عناتوت، أركيفت، عوفر، نفتالي) بعد أن ضاقت السجون القديمة على من دخلها ظلماً من الفلسطينيين.

واليوم، لا وجود فاعلاً للصليب الأحمر الدولي، ولا للمحامين، ولا للناشطين الحقوقيين داخل السجون «الإسرائيلية» لمعرفة شؤون الأسرى الفلسطينيين، واليوم، لا رسائل متبادلة أو منقولة بين الأسرى وأهاليهم، ولا محاكمات تُجرى! اليوم، يمارس «الإسرائيليون» إرهابهم وكرههم وتطرّفهم على الأجساد الفلسطينية المأسورة من دون أن يفكروا بأي شكل من أشكال اللوم أو العتب أو المساءلة القانونية، ومع ذلك فالأسرى الفلسطينيون صامدون، مالكون للشجاعة والكرامة والكبرياء الوطنية الحقة، وقلوبهم تدق بهتافهم العالي: موطني، موطني.

الأسرى الفلسطينيون، في هذه الآونة الصعبة جداً، يكتبون سير أسرهم بمداد من الدم، لتكون أساطير يومية جليّة تحت أنظار أهلهم مرة، وتحت أنظار العالم كله.. مرّات! وللمبصر أن يرى، وللكفيف... أن يسمع!

[caption id="attachment_163662" align="alignnone" width="260"] معمر بن الحاج عيسى[/caption]

صرخات خلف الأسوار: معاناة المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي


في ظل صمت العالم واستمرار انتهاكات حقوق الإنسان، تبرز قصص المعتقلين الفلسطينيين الذين أُفرج عنهم من سجون الاحتلال الإسرائيلي كشهادات حية على معاناة إنسانية لا تُطاق. هذه القصص ليست مجرد حكايات فردية، بل هي انعكاس لنظام قمعي يستهدف كرامة الإنسان وحريته.

في أعقاب الهجوم الذي شنته حركة حماس على جنوب "إسرائيل" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي أسفر عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي وأسر 251 كرهينة، شهدت غزة موجة من الاعتقالات الجماعية بموجب قانون المقاتلين غير الشرعيين الإسرائيلي. هذا القانون يسمح باحتجاز الأشخاص المشتبه في أنهم يشكلون خطرًا أمنيًا لفترة غير محددة دون توجيه تهمة إليهم، في إطار سعي "إسرائيل" لاستعادة الرهائن و"تفكيك الجماعة الإرهابية المحظورة". ومع ذلك، فإن هذا القانون يُستخدم كأداة لقمع الفلسطينيين، حيث يتم احتجاز العشرات دون محاكمة أو حتى اتهامات واضحة.

محمد أبو طويلة، ميكانيكي يبلغ من العمر 36 عامًا، كان أحد هؤلاء المعتقلين. في مقابلة مع بي بي سي، وصف أبو طويلة لحظة تعرضه لهجوم بمواد كيميائية أحرقت جسده. قال: "كنتُ أتخبط كالحيوان في محاولة لإطفاء النار في جسدي". هذه القصة ليست فريدة من نوعها، بل هي جزء من نمط أوسع من الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية.

أجرت بي بي سي مقابلات معمقة مع خمسة معتقلين أُفرج عنهم، جميعهم احتُجزوا في غزة خلال الأشهر التي تلت الهجوم. جميعهم تحدثوا عن تجاربهم المؤلمة، والتي تشمل الاعتداءات الجسدية والنفسية، والحرمان من الرعاية الطبية، والاحتجاز في ظروف غير إنسانية. أحد المعتقلين قال إنه تعرض للضرب المبرح حتى فقد الوعي، بينما تحدث آخر عن ساعات طويلة من الاستجواب تحت الضغط النفسي الشديد.

الظروف داخل السجون الإسرائيلية تُوصف بأنها غير إنسانية. المعتقلون يُحرمون من أبسط حقوقهم، بما في ذلك الرعاية الطبية والاتصال بأسرهم. العديد منهم يُحتجزون في زنازين ضيقة ومظلمة، دون تهوية كافية أو إمكانية للحركة. بالإضافة إلى ذلك، فإنهم يتعرضون لسوء المعاملة اليومي، بما في ذلك الإهانات اللفظية والتهديدات بالعنف.

على الرغم من التقارير العديدة التي توثق هذه الانتهاكات، فإن المجتمع الدولي يبدو صامتًا إلى حد كبير. منظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، قد أدانت مرارًا وتكرارًا هذه الممارسات، ودعت إلى تحقيقات مستقلة في هذه الانتهاكات. ومع ذلك، فإن الحكومة الإسرائيلية تنفي هذه الاتهامات وتصفها بأنها "دعاية معادية لإسرائيل".

في الوقت الذي تستمر فيه هذه الانتهاكات، فإن القصص التي يرويها المعتقلون الفلسطينيون تذكرنا بالحاجة الملحة إلى العدالة والمساءلة. إنها ليست مجرد قضايا فردية، بل هي جزء من نظام أوسع يهدف إلى قمع الفلسطينيين وإخضاعهم.

في النهاية، فإن هذه القصص ليست فقط عن المعاناة، بل هي أيضًا عن الصمود والمقاومة في وجه الظلم. في عالمٍ تُتجاهل فيه حقوق الإنسان الأساسية، فإن هذه القصص تذكرنا بأن العدالة ليست مجرد مفهوم مجرد، بل هي حاجة إنسانية أساسية. إنها دعوة للعالم للوقوف في وجه الظلم وضمان أن كل فرد، بغض النظر عن خلفيته أو جنسيته، يتمتع بالحقوق الأساسية التي يستحقها.

قصص المعتقلين الفلسطينيين ليست مجرد شهادات على المعاناة، بل هي أيضًا نداء للإنسانية. في عالم يبدو فيه الظلم أمرًا يوميًا، فإن هذه القصص تذكرنا بأن العدالة ليست مجرد مفهوم، بل هي حاجة إنسانية أساسية. إنها دعوة للعالم للوقوف في وجه الظلم وضمان أن كل فرد، بغض النظر عن خلفيته أو جنسيته، يتمتع بالحقوق الأساسية التي يستحقها. في النهاية، فإن هذه القصص ليست فقط عن المعاناة، بل هي أيضًا عن الصمود والمقاومة في وجه الظلم.

الشهيد الثاني بين صفوف الأسرى في غضون أربعة أيام.. استشهاد الأسير الجريح ناصر خليل ردايدة من بيت لحم في سجون الاحتلال


أبلغت هيئة الشؤون المدنية، هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، باستشهاد المعتقل ناصر خليل ردايدة (49 عاماً) من بلدة العبيدية، في مستشفى (هداسا) الإسرائيليّ بعد نقله يوم أمس من سجن (عوفر) وهو معتقل منذ 18/9/2023، بعد إصابة تعرض لها برصاص جيش الاحتلال في حينه، وما يزال موقوفا، ليضاف إلى سجل شهداء الحركة الأسيرة، الذين ارتقوا نتيجة للجرائم المنظمة التي تمارسها منظومة سجون الاحتلال الإسرائيلي بشكل -غير مسبوق- منذ بدء الإبادة الجماعية المستمرة. وقالت الهيئة والنادي، إن ردايدة هو الشهيد الثاني بين صفوف الأسرى الذي يعلن عن استشهاده في سجون الاحتلال في غضون أربعة أيام، وهو متزوج وأب لسبعة أبناء، وكان قد مكث في مستشفى (تشعاري تسيدك) فترة بعد اعتقاله وإصابته إصابة بليغة، إلا أنه وضعه الصحي في حينه قد استقر بحسب المعطيات المتوفرة لدى المؤسسات، وبحسب الزيارات التي تمت له في حينه. وباستشهاد المعتقل ردايدة فإن عدد الشهداء بين صفوف الأسرى والمعتقلين منذ الإبادة يرتفع إلى (65) شهيدا، وهم فقط المعلومة هوياتهم في ضوء استمرار جريمة الإخفاء القسري، من بينهم على الأقل (40) من غزة، لتشكل هذه المرحلة في تاريخ الحركة الأسيرة وشعبنا الأكثر دموية، وبذلك فإن عدد شهداء الحركة الأسيرة المعلومة هوياتهم منذ عام 1967 بلغ حتى اليوم الـ (302)، فيما بلغ عدد الشهداء الأسرى المحتجزة جثامينهم إلى (74) من بينهم (63) منذ الإبادة. وشددت الهيئة والنادي، على أنّ وتيرة تصاعد أعداد الشهداء بين صفوف الأسرى والمعتقلين، ستأخذ منحى أكثر خطورة مع مرور المزيد من الوقت على احتجاز الآلاف من الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال، واستمرار تعرضهم بشكل لحظيّ لجرائم ممنهجة، أبرزها التّعذيب، والتّجويع، والاعتداءات بكافة أشكالها والجرائم الطبيّة، والاعتداءات الجنسيّة، والتّعمد بفرض ظروف تؤدي إلى إصابتهم بأمراض خطيرة ومعدية أبرزها مرض (الجرب – السكايبوس)، هذا عدا عن سياسات السّلب والحرمان -غير المسبوقة- بمستواها. وأضافت الهيئة والنادي، إنّ قضية استشهاد المعتقل ردايدة، تُشكّل جريمة جديدة في سجل منظومة التّوحش الإسرائيليّ التي مارست كافة أشكال الجرائم بهدف قتل الأسرى، ولتشكل هذه الجرائم وجهاً آخر من أوجه الإبادة المستمرة. وحمّلت الهيئة والنادي الاحتلال المسؤولية الكاملة عن استشهاد المعتقل ردايدة، وجددتا مطالبتهما للمنظومة الحقوقية الدّولية، المضي قدما في اتخاذ قرارات فاعلة لمحاسبة قادة الاحتلال على جرائم الحرب التي يواصلون تنفيذها بحقّ شعبنا، وفرض عقوبات على الاحتلال من شأنها أن تضعه في حالة عزلة دولية واضحة، وتعيد للمنظومة الحقوقية دورها الأساس الذي وجدت من أجله، ووضع حد لحالة العجز المرعبة التي طالتها خلال حرب الإبادة، وإنهاء حالة الحصانة الاستثنائية التي منحها العالم لدولة الاحتلال باعتبارها فوق المساءلة والحساب والعقاب.

تسارع عداد شهداء الحركة الأسيرة يمثل كارثة إنسانية وجريمة حرب

وأكد مكتب إعلام الأسرى، أن تسارع عداد شهداء الحركة الأسيرة داخل السجون الصهيونية، في ظل صمت دولي وحقوقي مطبق، يمثل كارثة إنسانية متكاملة الأركان، ويشكّل جريمة حرب متواصلة بحق الأسرى. جاء ذلك في أعقاب الإعلان عن ارتقاء الأسير الجريح ناصر خليل ردايدة (49 عامًا) من بلدة العبيدية بمحافظة بيت لحم، اليوم في مستشفى "هداسا"، بعد نقله من سجن "عوفر"، حيث كان معتقلًا منذ 18 أيلول/سبتمبر 2023 عقب إصابته برصاص الاحتلال. وقال المكتب في بيان صحفي إن الشهيد ردايدة، وهو أب لسبعة أبناء، كان قد نُقل إلى مستشفى "تشعاري تسيدك" بعد إصابته البليغة، واستقر وضعه الصحي نسبيًا، إلا أن الإهمال الطبي المتعمد وسوء الرعاية الصحية داخل السجون أديا إلى استشهاده. وأضاف البيان أن ردايدة هو الشهيد الثاني من الأسرى خلال أربعة أيام فقط، ما يرفع عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ بدء الإبادة الجماعية في السابع من أكتوبر إلى 65 شهيدًا معلومي الهوية، من بينهم 40 شهيدًا من قطاع غزة، فيما بلغ إجمالي عدد الشهداء من الأسرى منذ عام 1967 إلى 302 شهيد، ولا يزال الاحتلال يحتجز جثامين 74 شهيدًا. وقال، إن عدّاد الشهداء ما زال يتصاعد، حتى بتنا نودّع يومًا بعد يوم شهيدًا أسيرًا، وسط تجاهلٍ تام لكافة التحذيرات التي نطلقها بشكل متكرر لإنقاذ الأسرى من مقصلة الموت البطيء. وأكد أن استشهاد الأسير ردايدة دليل جديد على أن آلاف الأسرى ما يزالون يتعرضون بشكل لحظيّ وممنهج لجرائم الإهمال الطبي، والتجويع، والتعذيب، والاعتداءات الجسدية والنفسية، في ظل منظومة عدوانية يقودها المجرم إيتمار بن غفير، بهدف قتل الأسرى بشكل بطيء. وجدد المكتب دعوته لكافة المؤسسات الدولية والحقوقية، وفي مقدمتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، للتحرك العاجل والجاد لإنقاذ الأسرى داخل السجون، والضغط لوقف الانتهاكات اليومية التي تهدد حياتهم. كما دعا جماهير الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية إلى أوسع حراك شعبي نصرةً للأسرى، وإسنادًا لقضيتهم العادلة، ورفضًا لسياسات الإعدام الممنهج التي تمارسها سلطات الاحتلال في الزنازين المغلقة.

[caption id="attachment_160845" align="alignnone" width="260"] إبراهيم ملحم[/caption]

ياعالم.. الناس بتموت !


يتوسّع العدوان، وينفد كل شيء في القطاع المذبوح، إلا الأكفان التي تُجمع فيها أشلاء الضحايا المتناثرة في الشوارع والمنازل والمستشفيات والخيام. صباح مساء، لا تنقطع شلالات الدماء، ولا يتوقف نحيب الأمهات، بينما يتواصل الحفر في الشوارع والطرقات، لمواراة الشهداء من الأبناء والبنات، والآباء والأمهات، والأجداد والجدات. فقد استحالت غزة كلّها مقبرة ينال فيها الموتى نصيبهم من التنكيل والتمثيل والانتهاك، كما الأحياء، فالمأساة اتسعت، ووسعت كل الكون، فلم يترك القتلة فرصة للمحاصرين في الجحيم لالتقاط أنفاسهم، أو الحزن على أحبّتهم، أو توفير وجبة، أو شَربة ماء لأطفالهم، الذين يتضوّرون جوعاً ورعباً ويحصلون على أقل من وجبة في اليوم. يتواصل نقيع الدم، من رفح المهدّمة بالكامل، إلى جباليا وبيت حانون المدمّرة والمفخخة بالصواريخ والمسيرات والقنابل، وتنفد مستلزمات الحياة من المستشفيات، ويشحُّ الماء والغذاء من الأسواق، بينما يموت الجرحى والمرضى في مستشفيات خرجت عن الخدمة. أنقذوا غزة من المقتلة...!

الاحتلال يعتقل بلا تهمة... 1993 أمرًا إداريًا خلال ثلاثة أشهر فقط


أكد مركز فلسطين لدراسات الأسرى أن سلطات الاحتلال صعّدت خلال العام الجاري من عمليات الاعتقال بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، حيث تم تسجيل أكثر من (2100) حالة اعتقال خلال الربع الأول من العام.

وأوضح المركز أن عدد حالات الاعتقال منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى نهاية مارس من العام الجاري تجاوز (16500) حالة، شملت جميع الفئات، بينهم (510) امرأة، ونحو (1300) طفل. ولا تشمل هذه الأرقام المعتقلين من قطاع غزة الذين يُقدّر عددهم بنحو عشرة آلاف.

استهداف النساء والأطفال

أشار مركز فلسطين إلى أن الاعتقالات لم تستثنِ أي فئة، وشملت القاصرين والنساء وطلبة المدارس والجامعات والأسرى المحررين. فقد سُجلت (55) حالة اعتقال في صفوف النساء، من بينهن الطفلة المقدسية "تقى الغزاوي" (12 عامًا) التي اعتُقلت لأسبوع، ثم أُفرج عنها بشرط الحبس المنزلي والإبعاد عن منزل عائلتها لمدة شهر، إلى جانب كفالة مالية بقيمة 3000 شيكل (ما يقارب 1000 دولار أمريكي). كما تم اعتقال الطفلة "غنى أبو مارية" (15 عامًا) من الخليل.

كذلك اعتُقلت عدة طالبات جامعيات، سواء عبر اقتحام منازلهن أو عند الحواجز، وحُوّلت بعضهن إلى الاعتقال الإداري بتهمة "التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي".

أما في صفوف الأطفال، فقد وصلت حالات الاعتقال إلى (230) حالة، من بينهم الطفل "إبراهيم أبو غالي" (7 سنوات) من جنين، والطفل "وسيم عقل" (11 عامًا) من رام الله. كما حُكم على الطفل "محمد زلباني" (15 عامًا) من القدس بالسجن الفعلي لمدة 18 عامًا.

وصعّد الاحتلال من استهداف عائلات من تسميهم بـ"المطلوبين"، حيث اعتقل العديد من أمهاتهم وشقيقاتهم وزوجاتهم، كما في حالة المطارد "محمود الفسفوس" من الخليل، والمطارد "أحمد زكارنة" من جنين، و"عماد شلاميش"، و"مراد بني عودة"، و"محمد نزال" من قباطية.

كما سُجلت حوالي (400) حالة اعتقال لمواطنين وعمال من سكان الضفة الغربية أثناء تواجدهم في القدس بحجة "الدخول والإقامة بدون تصريح".

اعتقالات جماعية ليلية

ذكر مركز فلسطين أن الاحتلال يواصل تنفيذ حملات اعتقال جماعية ليلية، خاصة في المخيمات والمدن مثل جنين وطولكرم وبلاطة وطوباس وعزون، حيث يتم اقتحام عشرات المنازل بعد منتصف الليل بطريقة عنيفة، وتحطيم محتوياتها تحت غطاء التفتيش، ثم يُنقل المعتقلون إلى مراكز ميدانية للتحقيق، تُحول إلى ثكنات عسكرية مؤقتة تحت إشراف جهاز "الشاباك" والجيش.

وغالبًا ما يتعرض المعتقلون للضرب والتنكيل النفسي، ويتم استخدام بعضهم كدروع بشرية أو رهائن. يُفرج عن معظمهم بعد ساعات من التحقيق، بينما يُحوّل البعض إلى مراكز رسمية.

وسُجلت أكثر من (520) حالة اعتقال في جنين ومخيمها منذ بداية الاجتياح في يناير، و(250) حالة في طولكرم ومخيمها، أُفرج عن أكثر من نصفهم بعد التحقيق، بينما يستمر اعتقال آخرين.

تصاعد قرارات الاعتقال الإداري

كثّفت سلطات الاحتلال من إصدار أوامر الاعتقال الإداري خلال الربع الأول من العام، حيث بلغت (1993) أمرًا إداريًا بين أوامر جديدة وتجديدات متعددة وصلت في بعض الحالات إلى ست مرات. واستهدفت هذه الأوامر نشطاء وقيادات من العمل الوطني والإسلامي، إضافة إلى إعلاميين وطلاب جامعيين.

وطالت هذه الأوامر أيضًا نساءً وأطفالًا، حيث لا يزال الاحتلال يحتجز 5 أسيرات إداريات، من بينهن "دلال حلبي" من نابلس، و"ربى ناصر" من رام الله، إلى جانب أكثر من 110 أطفال معتقلين إداريًا.

وقد ارتفع عدد الأسرى الإداريين بشكل غير مسبوق، حيث تجاوز (3500) معتقل. ويعكس هذا الرقم الاستخدام المفرط لهذا الإجراء التعسفي الذي بات يشكل الغالبية العظمى من الاعتقالات، خاصة في الضفة الغربية، دون أي تهم واضحة، بما يؤكد الطبيعة السياسية لهذه الاعتقالات.

 أجساد هزيلة وأمراض متراكمة.. الأسرى المحررون: مرآة المأساة داخل سجون الاحتلال


تقرير: إعلام الأسرى

أكد مكتب إعلام الأسرى أن الظروف القاسية التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال تنعكس بشكل جلي على أجساد المحررين عند الإفراج عنهم، حيث يخرج كثير منهم بحالة صحية متدهورة، وأجساد هزيلة، ونقص حاد في الوزن يصل لدى بعضهم إلى أكثر من النصف، في مشهد يجسد حجم المعاناة والإهمال المتعمد داخل المعتقلات. وأوضح المكتب أن إدارة سجون الاحتلال تمارس سياسة تجويع ممنهجة بحق الأسرى، وذلك استنادًا إلى تعليمات رسمية من وزراء في الحكومة الإسرائيلية، وعلى رأسهم المتطرف إيتمار بن غفير، مشيرًا إلى أن كمية الطعام المقدمة لا تكفي لنصف الاحتياجات اليومية للأسرى. كما تم إغلاق الكانتين ومنع الأسرى من شراء المواد الغذائية، وسحب أدوات الطهي من الغرف، مما فاقم من سوء التغذية والتدهور الصحي داخل الأقسام.

وأشار إعلام الأسرى إلى أن هذه السياسات حرمت الأسرى من الحصول على غذاء صحي يحتوي على عناصر غذائية ومكملات ضرورية، ما أدى إلى ضعف شديد في أجسادهم وتراكم الأمراض التي تصل في كثير من الأحيان إلى حد الوفاة، كما حصل مع الشهيد الفتى وليد أحمد (17 عامًا) من بلدة سلواد، والذي استشهد قبل شهر بسبب الجوع والإهمال الطبي. وسلّط المكتب الضوء على عدد من الحالات التي أُفرج عنها مؤخرًا، كان أبرزها حالة الأسير المحرر الشيخ فلاح ندى من مدينة البيرة، الذي أُطلق سراحه قبل أيام بعد عام ونصف من الاعتقال الإداري، وقد نُقل مباشرة إلى المستشفى بعد أن فقد أكثر من 40 كيلوغرامًا من وزنه، وبدت عليه علامات الضعف الشديد والأمراض المتعددة، رغم أنه دخل السجن بكامل صحته ودون معاناة سابقة. كما أشار إلى حالة الأسير المحرر إيهاب منصور من مخيم بلاطة شرق نابلس، الذي تحرر قبل يومين بعد قضاء عام ونصف في الأسر، حيث بدا وكأنه هيكل عظمي نتيجة سوء التغذية والتعذيب المتواصل، ولم يتمكن من التعرف على ذويه لحظة الإفراج عنه، ما استدعى نقله فورًا لتلقي العلاج في أحد المستشفيات. كذلك، وثّق إعلام الأسرى حالة الأسير المحرر عمار معروف من مخيم العرب غرب نابلس، والذي تحرر قبل شهرين بعد 18 شهرًا في الاعتقال، وقد خسر أكثر من نصف وزنه، وظهرت عليه علامات التدهور الجسدي الواضحة في الصور التي انتشرت عقب الإفراج عنه. وأكد إعلام الأسرى أن العشرات من الأسرى المحررين خلال الأشهر الأخيرة خرجوا من السجن بعد قضاء فترات اعتقال متفاوتة، لكنها كانت بمثابة سنوات طويلة من العذاب والمعاناة، حيث واجهوا سياسة تجويع ممنهجة، وإهمال طبي متواصل، واعتداءات متكررة، ومصادرة لأغراضهم الشخصية، وحرمان من أبسط الحقوق، ما جعلهم يخرجون كأشباح، بأجساد ضعيفة شاحبة، وكأنهم لم يتناولوا طعامًا منذ شهور. وختم المكتب باتهام سلطات الاحتلال بانتهاج سياسة متعمدة تهدف إلى كسر إرادة الأسرى وإضعاف أجسادهم بزرع الأمراض فيهم، من خلال حرمانهم من الطعام الكافي والماء النظيف، ما يشكل خرقًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة، التي تنص على وجوب توفير الغذاء والرعاية الصحية الكافية للأسرى، ومنع تعريضهم للتعذيب أو الإيذاء الجسدي أو النفسي.

الإهمال الطبي.. "كفن الموت" المتنقل بين الأسرى!


يتكرر مصطلح الإهمال الطبي كثيرا عند وصف حال الأسرى في سجون الاحتلال؛ ولكن لا يشعر به حقاً إلا من جربه أو عانى من المرض وتخيل كيف يعيشه الأسرى فوق آلام تعصف بأجسادهم. الأسرى المرضى يتعرضون للموت البطيء في سجون الاحتلال، هذه هي الحقيقة التي يتجاهلها الاحتلال كونه جزء كبير منها، فاستهتار إدارة السجون الصهيونية بحياتهم وعدم توفير الرعاية الطبية اللازمة لهم يفتح الباب لارتفاع قائمة شهداء الحركة الوطنية الأسيرة التي وصلت إلى (300) شهيداً.

إمعان في الظلم

يبدأ الأمر بمرض الأسير؛ وهو الذي غالبا ما يكون نتيجة لظروف السجن القاسية، فالغرف الضيقة المكتظة وعدم وجود هواء نقي وزرع أجهزة التشويش وانعدام الظروف الصحية؛ كلها أسباب تؤدي إلى ارتفاع نسبة الأمراض بين الأسرى. بعد ذلك يصبح الأمر أكثر سوءا؛ حيث تتعمد إدارة كل سجن ترك الأسير المريض يعاني بل يصل للرمق الأخير، وحتى حين تتأكد من سوء حالته الصحية تماطل في إجراء فحوصات طبية جدية وتصف لهم أدوية لا تسمن ولا تغني، وغالبا ما تتم معاينتهم بالنظر دون لمس الأسير، وأحيانا وصف العلاج والمداواة بالحديث معهم من خلف شبك الأبواب، إضافة إلى تأخير إجراء العمليات الجراحية للأسرى المرضى، أو إجراء تحاليل طبية وصور أشعة لعدة سنوات مما يفاقم حالتهم الصحية، وينعدم الأمل في شفائهم. ويوضح إعلام الأسرى بأن طبيب السجن غالباً ما يكون طبيبا عاما؛ وفي بعض الأحيان ممرض، ولا يقدم سوى المسكنات للأسرى، والتي تتمثل غالباً في (حبة الأكامول)، كما لا يوجد في السجون أطباء مختصون كأطباء العيون والأسنان والأنف والأذن والحنجرة، بينما تعاني الأسيرات من عدم وجود أخصائية أمراض نسائية إذ لا يوجد لديهم سوى طبيب عام. ويشير إلى أنه كذلك لا يوجد أطباء مناوبون ليلًا لعلاج الحالات الطارئة، ويتم نقل الأسرى المرضى لتلقي العلاج في المستشفيات وهم مكبلو الأيدي والأرجل في حافلات "البوسطة" السيئة بدلًا من نقلهم في مركبات إسعاف. ويتعرض مئات الأسرى المرضى في سجون الاحتلال لأوضاع صعبة تفتقد للحد الأدنى من المقومات المعيشية والصحية السليمة، إضافة إلى ظروف التحقيق القاسية التي يتعرضون لها في بداية الاعتقال، ثم ما يتعرضون له من بعد ذلك من إهمال طبي متعمد؛ ما يؤدي إلى تردي أوضاعهم الصحية وإصابتهم بأمراض خطيرة.

أرقام مؤرِقة!

أكثر من 1900 أسير بأمراض مختلفة، بينهم حوالي 250 أسيرا يعانون من أمراض مصنفة خطيرة كأمراض السرطان والقلب والفشل الكلوي والسكري والشلل النصفي، وهناك حالات عديدة مصابة بأمراض عصبية ونفسية وعدد من الجرحى والمصابين بالشلل والمبتورة أياديهم أو أقدامهم، وهؤلاء جميعاً لا يتلقون الرعاية الصحية المناسبة. ويبين إعلام الأسرى بأن مستشفى سجن الرملة وهو المستشفى الوحيد الذي ينقل إليه الأسرى المرضى يفتقد إلى كل المقومات الطبية والصحية حيث لا يختلف عن السجن في الإجراءات والمعاملة القاسية للمرضى، كما لا يتوفر به أجهزة طبية مساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة كالأطراف الاصطناعية لفاقدي الأطراف والنظارات الطبية وكذلك أجهزة التنفس والبخاخات لمرضى الربو والتهابات القصبة الهوائية المزمنة، ويتعرض الأسرى فيه لعمليات اقتحام وتفتيش كما يجري في السجون ويصادر الاحتلال الدواء المخصص للأسرى. ويعاني الأسرى المرضى من ظروف اعتقال سيئة تتمثل بقلة التهوية والرطوبة الشديدة والاكتظاظ ولا يقدم لهم طعام مناسب لحالتهم المرضية، بالإضافة إلى النقص الشديد في مواد التنظيف العامة وفي مواد المبيدات الحشرية التي تساعد على انتشار الأمراض، أما سياسة الإهمال الطبي التي يستخدمها الاحتلال سبب رئيس في استشهاد 105 أسرى في السجون منذ عام1967. ويؤكد إعلام الأسرى أن الاحتلال ينتهك كل الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بالرعاية الطبية والصحية للمعتقلين المرضى، وخاصة المادة 92 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على أنه (تجرى فحوص طبية للمعتقلين مرة واحدة على الأقل شهريًّا، والغرض منها بصورة خاصة مراقبة الحالة الصحية والتغذية العامة، والنظافة، وكذلك اكتشاف الأمراض المعدية، ويتضمن الفحص بوجه خاص مراجعة وزن كل شخص معتقل، وفحصا بالتصوير بالأشعة مرة واحدة على الأقل سنويا). وناشد إعلام الأسرى كافة المؤسسات الطبية الدولية وفي مقدمتها منظمة الصحة العالمية بالخروج عن صمتها وإدانة الاحتلال تجاه ما يتعرض له الأسرى المرضى من جرائم واضحة تهدف لقتلهم.

[caption id="attachment_169189" align="alignnone" width="260"] د. محمود الحنفي - أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان[/caption]

 الاختفاء القسري... أين اختفى أكثر من 14 ألف فلسطيني في غزة؟


في واحدةٍ من أكثر الأزمات الإنسانية تعقيدًا خلال القرن الحالي، أعلن مركز الدراسات السياسية والتنموية أن عدد المفقودين في قطاع غزة قد تجاوز 14 ألف شخص منذ اندلاع الحرب الأخيرة. من بين هؤلاء، يُعتقد أن ما بين ألفين إلى ألفين وخمسمائة شخص قد جرى اعتقالهم تعسفيًا من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، في ظل غياب أية معلومات رسمية تؤكد أماكن وجودهم أو أوضاعهم. ورغم أهمية هذه الأرقام، فإنّها ليست نهائية ولا يمكن اعتبارها دقيقة بالكامل، نظرًا لصعوبة التوثيق في ظل استمرار العدوان، وغياب آليات الرصد المستقلة. لكنها مع ذلك تُعطي صورة عامة مقلقة عن حجم المأساة، وقد يكون العدد الفعلي أكبر بكثير، خصوصًا في المناطق التي عُزلت بالكامل عن العالم الخارجي لأسابيع متواصلة. ومهما زادت هذه الأرقام يبقى مدلولها العددي غير معبّر عما وراءها من مأساة إنسانية، فهي تجسّد واقعًا يوميًا لعائلات ممزقة بين أمل ضئيل في اللقاء، ويأس متجدد من صمت العالم. آلاف الأسر في غزة تعيش لحظة بلحظة على وقع سؤال مؤلم لا يلقى جوابًا: "أين ذهب أبنائي؟". في الشمال كما الجنوب، ترك القصف المتواصل أحياءً كاملة مدمّرة، وما زالت جثث كثيرة تحت الأنقاض، في ظل عجز فرق الإنقاذ عن الوصول إليها، وغياب بنية طبية ولوجيستية قادرة على التعامل مع حجم الكارثة.

إلى جانب هذه المجازر، يطفو على السطح ملف بالغ الخطورة يتمثل في حالات الاختفاء القسري، حيث تؤكد شهادات ناجين وتقارير حقوقية محلية ودولية أن قوات الاحتلال نفّذت عمليات اعتقال جماعي في مناطق مثل بيت حانون، مخيم جباليا، وخان يونس، استهدفت مدنيين من كافة الأعمار دون لوائح اتهام أو محاكمات، وبعيدًا عن أي رقابة قانونية أو إنسانية. عائلات بأكملها اختفت من دون أثر، بينما لا تزال دولة الاحتلال ترفض تقديم أي معلومات عنها، أو حتى السماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارتها. الاختفاء القسري، وفقًا للاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2006، يُعد جريمة ضد الإنسانية إذا ارتُكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجّه ضد السكان المدنيين، ولا يسقط بالتقادم. وتنصّ المادة الأولى من الاتفاقية بوضوح على أنه "لا يجوز تعريض أي شخص للاختفاء القسري، ولا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق بحالة حرب أو تهديد بالحرب أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي أو بأي حالة استثنائية أخرى، لتبرير الاختفاء القسري". (إسرائيل) ليست طرفًا في هذه الاتفاقية، إذ لم تصادق عليها، مما يعكس غياب الالتزام القانوني لديها بموجب هذه المعاهدة تحديدًا. ومع ذلك، فإن قواعد القانون الدولي العرفي، إضافة إلى القانون الدولي الإنساني، تحظر بشكل صريح أعمال الاختفاء القسري، خصوصًا في سياق النزاعات المسلحة، وتعتبرها انتهاكًا خطيرًا للحق في الحياة، والحرية، والكرامة الإنسانية.

إخفاق مجلس حقوق الإنسان في متابعة قضية المختفين قسرًا

إن تجربة تقرير غولدستون عام 2009 تُثبت أن مجلس حقوق الإنسان قادر، متى توفرت الإرادة السياسية، على تشكيل لجان تقصي حقائق جادة تضع الانتهاكات الإسرائيلية تحت مجهر القانون الدولي، حتى لو واجه ذلك مقاومة سياسية ودبلوماسية. فقد وثّق التقرير حينها انتهاكات جسيمة ارتكبتها "إسرائيل" خلال عدوانها على غزة، وطرح بجرأة احتمالية ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مما شكّل سابقة قانونية وأخلاقية في إمكانية مساءلة الاحتلال أمام المجتمع الدولي. واليوم، وبعد أكثر من عقد ونصف العقد على تلك السابقة، يقف مجلس حقوق الإنسان أمام اختبار جديد لا يقل أهمية ولا خطورة، يتمثل في قضية المختفين قسرًا في غزة. إن هذا الملف لا يقل فظاعة عن القصف والتدمير، بل يمثل وجهًا خفيًا لجريمة مستمرة تُمارَس في الظل، بعيدًا عن عدسات الكاميرا وآليات التوثيق التقليدية. هؤلاء المختفون قسرًا ليسوا مجرد أرقام، بل هم بشرٌ اقتيدوا إلى مصير مجهول، بينما تُترك عائلاتهم في انتظار معلّق، بلا قبر ولا خبر. وقد يكون بعضهم معتقلًا خلف القضبان، أو مدفونًا تحت الركام دون أن يُعرف مصيره، من يدري؟ورغم أن المجلس قد شكّل خلال السنوات الأخيرة لجانًا لتقصي الحقائق بشأن الانتهاكات الإسرائيلية، من بينها اللجنة الدائمة التي تأسست عام 2021، فإنه حتى الآن لم يُنشئ لجنة متخصصة تُعنى حصرًا بملف الاختفاء القسري في غزة، على الرغم من خطورته القانونية والإنسانية.

هذا الغياب لا يُفسَّر فقط بضعف الانتباه المؤسسي، بل يُعبّر بدرجة أكبر عن طبيعة المعركة السياسية داخل المجلس، حيث تمرُّ قرارات تشكيل لجان التحقيق عبر آليات تصويت غالبًا ما تُواجه بمعارضة شديدة من دول نافذة، تسعى لحماية ( إسرائيل ) من المساءلة، أو على الأقلّ تقليص نطاق التحقيقات الدولية التي قد تُفضي إلى توجيه تهم جسيمة كجرائم ضد الإنسانية. صحيح أنّ اللجنة الدائمة ذاتها، ورغم كثافة المجازر في غزة، لم تُفعّل بما يليق بحجم الانتهاكات، وربما اصطدمت برفض (إسرائيل) التعاون معها وحرمانها من الوصول الميداني. وصحيح أيضًا أن عمل هذه اللجان، وإنْ تأسس على وقائع دقيقة، يظل رهنًا بإرادة الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان، التي تُحدد إن كانت تقاريرها ستُترجم إلى إجراءات ملزمة أم تظل مجرد وثائق وصفية. لكن، ومع ذلك، فإن مجرد تشكيل لجنة وإعلانها رسميًا، يحمل في ذاته قيمة سياسية وقانونية رمزية كبيرة. فهو يُثبّت الوقائع في سجل دولي موثّق، ويكسر حاجز الصمت، ويُشكّل مرجعًا يمكن البناء عليه لاحقًا في أي مسار مساءلة، سواء في محاكم دولية، أو ضمن الآليات التعاقدية للأمم المتحدة، أو حتى في الرأي العام العالمي الذي بات أكثر وعيًا بعد كل جولة من هذا الصراع الدامي. تُعد قضية الاختفاء القسري من أكثر الملفات حساسية وتعقيدًا، إذ لا تتعلّق فقط بانتهاك الحق في الحرية والحياة، بل ترتبط بجرائم ممنهجة تُرتكب في الخفاء، ما يجعلها محرجة سياسيًا لكثير من الدول داخل مجلس حقوق الإنسان. ورغم تصاعد وتيرة الاعتقالات خلال الاجتياحات البرية لشمال غزة وخان يونس، لا تزال هذه القضية غائبة عن جدول أعمال المجلس كمبادرة مستقلة، واقتصرت التحركات على جهود منظمات حقوقية فلسطينية ودولية. وتواجه هذه الجهود عقبات جسيمة، أبرزها تسييس آليات التحقيق الأممية، وصعوبة الوصول الميداني بفعل الحصار، إضافة إلى تشتيت الجهد الحقوقي في ظل تعدد الانتهاكات، ما يجعل ملف المختفين قسرًا عرضة للتهميش، رغم طابعه الإنساني العميق.

أين دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الكشف عن مصير المختفين؟

من يتحمل المسؤولية عن الصور التي وثّقت مشاهد إذلال جماعي لأشخاص حفاة، معصوبي الأعين، يُساقون على يد جنود الاحتلال في ظروف تُنذر باحتمال تعرّضهم للتعذيب أو التصفية الجسدية؟ إن تجاهل هذه الأسئلة، أو الالتفاف عليها، لا يُضعف فقط حق الضحايا في الحقيقة والعدالة، بل يُقوّض مبادئ القانون الدولي نفسها. لذلك، فإن التحرك العاجل لتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة في ملف الاختفاء القسري في غزة لم يعد ترفًا أخلاقيًا، بل ضرورة قانونية وإنسانية لا تقبل التأجيل.

[caption id="attachment_167561" align="alignnone" width="260"] عبد الناصر فروانة - أسير محرَّر، ومختص بشؤون الأسرى - رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحرَّرين[/caption]

 جرائم الإخفاء القسري: أبرز أوجه حرب الإبادة على قطاع غزة


189 فلسطينياً؛ هم إجمالي عدد أسرى قطاع غزة لدى الاحتلال الإسرائيلي قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر2023. كنا نعرف هوياتهم وأسماءهم، وعرفنا العديد منهم عن قرب، كما كنا نملك سيرة ذاتية وصورة شخصية لكل واحد منهم، ونعلم مكان احتجازه وتفاصيل حياته وراء القضبان، وما وراء الشمس. ولا أذيع سراً إذا كشفت عن تواصلنا مع بعضهم عبر الهواتف المحمولة (المهربة)، لمن كان يملك هاتفاً ذكياً، وهو ما أتاح فرصاً للتواصل بالصوت والصورة، مع الإشارة إلى أن بعضاً من هذا الوصف يقتصر على فترة وجيزة سبقت حرب الإبادة، ولا ينطبق على حال الأسرى وأوضاع السجون الإسرائيلية على مدار أعوام الاحتلال الطويلة. أمّا اليوم، وبعد عام وأكثر من حرب الإبادة على قطاع غزة، فقد ازداد عددهم، وأصبح بالآلاف بحسب ما نسمعه من شهادات يرويها الناجون من الموت أو المفرَج عنهم بعد اعتقال أو احتجاز، لكن اللافت في الأمر هو أن هذه الأرقام هي نتاج اجتهادات وتقديرات؛ إذ ما زلنا نجهل أعدادهم الحقيقية والمعطيات الإحصائية الخاصة بهم، ولا نملك معلومات عن تصنيفاتهم بحسب الجنس وفئات العمر، وبالتالي، فلا تتوفر لدينا قوائم كاملة بأسمائهم، ولم يُكشف كذلك عن مكان اعتقالهم، أو توزيعهم على مراكز الاحتجاز، ولا نعرف طبعاً أوضاع اعتقالهم، فباتوا ضحايا للاختفاء القسري، وهم في عداد المفقودين، في انتظار المصير المجهول ما لم يُكشف عن مصيرهم.

أحياء أم أموات؟

إن تلك المعطيات وغيرها، بالإضافة إلى ما تم تسريبه من مشاهد صادمة، وما سمعناه وقرأناه من شهادات مروعة، كلها تخفي ورائها الإجابة عن هذا السؤال. بعد ما كُشف عنه من بشاعة التعذيب وقسوة المعاملة وأوضاع الاحتجاز، ولا سيما في سجن سديه تيمان السرّي، علاوة على ما أعلنته مؤخراً شبكة "سي إن إن" الأميركية عن استخدام معتقَلي غزة دروعاً بشرية،[1] والذي يتقاطع مع تقرير سبق أن نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية،[2] وينسجم أيضاً مع رواية المؤسسات الفلسطينية، وما تناقلته من شهادات أدلى بها بعض الضحايا في هذا الشأن،[3] فضلاً عن أعداد الشهداء المتداولة التي تقدَّر بالعشرات، وهي أرقام غير نهائية،[4] فقد بات من غير المعلوم مصير من اعتُقلوا من غزة بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، واختفوا قسراً، ولا يُعرف إذا ما كان جميعهم أحياء حتى الآن، أم إن هناك بينهم مَن أُعدم ميدانياً أو قُتل حين تم استخدامه درعاً بشرياً، أو سقط شهيداً بفعل التعذيب في السجون السرّية، وأخفي جثمانه، ولا سيما بعدما كشفت وسائل إعلام عبرية ودولية في وقت سابق عن استشهاد عشرات آخرين من معتقَلي غزة، من دون أن تذكر أسماءهم أو تكشف عن أوضاع استشهادهم، وبينها صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.[5] ومن الممكن أن يكون قد انضم إليهم آخرون كُثر من دون أن نعلم بهم، كما من المتوقع أن يلحق بهم آخرون مع قادم الأيام، من دون أن يُكشف عن بعضهم، ويمكن ألاّ تُعلن أسماؤهم أبداً، ويذهبون في عداد المفقودين إلى الأبد. لقد بتنا لا نعرف المعتقَلين أين يُحتجزون، ولا أعداد مَن استشهدوا وأسماءهم، وأين دُفنت جثامينهم، فالإخفاء القسري طال الأحياء والأموات من الفلسطينيين!

لمحة عن الاختفاء القسري وموقف القانون الدولي

وفقاً لما ورد نصياً في المادة الثانية من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، فإنه "يقصد بـ 'الاختفاء القسري‘ الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون."[6] وهذا يعني نفي كل أشكال الحماية القانونية والحقوق الأساسية لضحايا الاختفاء القسري الذين من الممكن أن يحتجَزوا في أماكن غير رسمية أو سرّية تحرمهم الحرّية، وتنتهك حقوقهم الإنسانية بصورة خطِرة وصارخة، وتُلحق بهم الأذى، وتُعرّض حياتهم للخطر، وربما تفضي فعلاً إلى الموت. لذا، فإن الاتفاقية المذكورة حظرت الاعتقال السرّي، وجرّمت الاختفاء القسري، ونصت في موادها على ما يلي: "1. لا يجوز تعريض أي شخص للاختفاء القسري. 2. لا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري." كما ألزمت الدول الأطراف بتجريم الاختفاء القسري وجعْله جريمة يعاقب عليها القانون، مؤكدة في المادة الخامسة أنه عندما يمارَس الاختفاء القسري على نطاق واسع أو بطريقة منهجية، فإنه يشكل جريمة ضد الإنسانية كما تم تعريفها في القانون الدولي.[7] يُذكر أن الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري اعتُمدت من جانب الأمم المتحدة سنة 2006، ثم دخلت حيز التنفيذ سنة 2010، واستندت إلى مجموعة من الاتفاقيات والصكوك الدولية ذات الصلة بمجالات حقوق الإنسان والقانون الإنساني والقانون الجنائي الدولي الصادرة عن الأمم المتحدة، ومنها الإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 133/47 المؤرخ في 18 كانون الأول/ديسمبر 1992. [8]

ما علاقة حرب الإبادة على غزة؟

إن ضحايا الإخفاء القسري من الفلسطينيين منذ بداية حرب الإبادة على قطاع غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 كُثر اليوم، ويُعدون بالآلاف، وهم الذين اختفوا قسراً وفعلياً بعيداً عن أُسَرِهِم وأحبائهم ومجتمعهم، بعد أن اعتقلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب من الشوارع ومن داخل منازلهم، أو من المستشفيات ومراكز النزوح والإيواء والممرات "الآمنة"، أو من ساحات المواجهة والاشتباك، وتنكرت لذلك الأمر، وفرضت تعتيماً إعلامياً بشأنهم، وترفض تقديم معلومات عنهم والإفصاح عن هوياتهم، أو إعلان مكان وجودهم، وما زالت تصرّ على عزلهم وإخفائهم عمداً، ففرضت طوقاً على سجونها، المعلنة والسرّية، وأبقت أبوابها موصدة أمام وكالات الأنباء العالمية والمؤسسات والشخصيات الحقوقية، الإقليمية والدولية، ولا تكترث بحملات الانتقاد، كما لم تتجاوب مع النداءات والمطالبات الدولية للكشف عن مصيرهم، وإعلان أسمائهم وأماكن احتجازهم، والسماح بزيارتهم والتقائهم. ولترسيخ ذلك، فقد اتخذت مجموعة من التدابير بناء على أوامر عليا، منها:

أولاً: إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، في اليوم الأول لبدء الحرب قراراً باعتبار مَن سيتم اعتقالهم من قطاع غزة مقاتلين غير شرعيين، بغض النظر عن فئاتهم العمرية، أو إذا كانوا مقاومين مسلحين أم مدنيين عزّل. وهذا يعني بموجب القانون المذكور أن هذه الفئة من المعتقَلين الفلسطينيين تقع خارج نطاق اتفاقيتَي جنيف الصادرتين في 12 آب/أغسطس 1949، وبالتالي تفقد حقوقها الأساسية، ولا تتمتع بأي نوع من الحماية بموجب القانون الدولي،[9] علاوة على التعديلات التي أدخلتها سلطات الاحتلال إلى القانون المذكور مع بداية الحرب، والتي ساهمت في ترسيخ جريمة الاختفاء القسري.

ثانياً: أصدر وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، وهو المسؤول المباشر عن السجون الإسرائيلية، أمراً في بداية الحرب بوضع أسرى حركة "حماس"، وما يصفونهم بالنخبة، في سجن تحت الأرض، من دون توضيح عددهم وهوياتهم. كما امتنعت سلطات الاحتلال من الإدلاء بمعلومات بشأنهم، ولم تكشف حتى اللحظة عن أسمائهم أو الأماكن التي تمّ احتجازهم فيها.[10] هذا فضلاً عن احتجاز الآخرين من معتقلي غزة الجدد في منشآت عسكرية وسجون سرّية، كان أبرزها سجن سديه تيمان في الصحراء جنوباً، والذي افتُتح خصيصاً مع بداية الحرب من أجلهم، ثم يتم نقل بعضهم إلى أقسام داخل سجون ومعسكرات معلومة، كعوفر، ومجدو، والنقب، والمسكوبية، وغيرها، وفيها يُفصَل معتقلو غزة تماماً عن المعتقلين الآخرين، ولا يُسمح لهم بالاختلاط أو التواصل معهم، علاوة على تشديد أوضاع احتجازهم.

ثالثاً: قرار وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، وقْف الزيارات العائلية لكل الأسرى والمعتقَلين الفلسطينيين، وعزلهم عن العالم الخارجي، وليس فقط لمعتقلي غزة الجدد، ولا يزال التوقف مستمراً.[11]

رابعاً: عدم السماح لممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بصفتها الجهة الدولية المسؤولة عن هذا الملف، بزيارتهم والتقائهم ومعرفة أماكن احتجازهم، كما ترفض سلطات الاحتلال تسليمها قوائم بأعدادهم وأسمائهم وبيانات وافية عنهم، الأمر الذي دفع أكثر الحلفاء دعماً لها خلال الحرب إلى تضمين رسالة أميركية رسمية وُجهت حديثاً إلى الحكومة الإسرائيلية، وكُشف النقاب عن مضمونها مؤخراً، تطالبها بالسماح للصليب الأحمر بزيارة المعتقَلين الفلسطينيين.[12] وبحسب صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، فإن المجلس الأمني والسياسي الإسرائيلي المصغر (الكابينيت) ناقش الطلب الأميركي قبل بضعة أيام من دون تغيير يُذكر في هذا الصدد.[13]

خامساً: فرض قيود مشددة وصارمة على عمل المحامين لجعل زيارة المعتقَلين صعبة ومتباعدة زمنياً قدر الإمكان.

وقد مُورس الإخفاء القسري في مراحل سبقت حرب الإبادة على غزة؛ ففي سنة 2003، كُشف الستار عن السجن السري رقم 1391، والذي أطلق عليه الفلسطينيون "غوانتانامو الإسرائيلي"، إذ ثمة أوجه تشابه كبيرة بينه وبين معسكر الاعتقال غوانتانامو الأميركي، ولا سيما بشأن ما يتصل بجرائم الاختفاء القسري والتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان. وبعكـس معسـكر الاعتقـال الأميركي، فإن السجن الإسرائيلي لا يُعرف مكانه، وليست هناك صور فوتوغرافية قريبة أو حتى بعيدة المدى للمحتجَزين فيه كالتي أُخذت للمحتجَزين في حجيرات معسكر غوانتانامو الأميركي. وبخلاف ما جرى في معسكر الاعتقال الأميركي، لم يُفحص أو يُفتش السجن الإسرئيلي 1391 مطلقاً من جانب هيئة مستقلة، كهيئة الصليب الأحمر الدولي، ويُعتبر ما يحدث في هذا السجن لغزاً غامضاً في عِلم الغيب، كما يصفه الصحافي الإسرائيلي والبريطاني جوناثان كوك.[14] وتقول المحامية الإسرائيلية ليئا تسيمل، والمتخصصة في الدفاع عن المعتقَلين الفلسطينيين: "أي شخص يدخل هذا السجن يختفي، ومن المحتمل للأبد."[15] وفي سنة 2009، طالبت لجنة الأمم المتحدة ضد التعذيب إسرائيل بالكشف عن السجن السرّي 1391 وغيره من السجون السرّية وإغلاقها. وفي رده على ذلك، ادعى القائم بأعمال المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، شاي نيتسان، الذي مثَل أمام لجنة الأمم المتحدة ضد التعذيب، أن إسرائيل أوقفت استخدامه سنة 2006،[16] وهذا إقرار إسرائيلي بأن السجن كان قائماً ومستخدَماً، بينما لا يزال الاعتقاد سائداً لدى الكثيرين بأنه لا يزال قائماً، وهناك سجون وأماكن احتجاز سرّية أُخرى تستخدمها دولة الاحتلال.

الكشف عن أسماء المئات من معتقلي غزة

عودة إلى بدء، وارتباطاً بمعتقّلي غزة، وعلى الرغم من القيود المشددة، وبعد أشهر من بدء الحرب، فقد تمكن محامو المؤسسات الحقوقية من زيارات محدودة لبعض معتقَلي غزة في بعض السجون ومعسكرات الاعتقال، بينما سُجلت الزيارة الأولى لسجن سديه تيمان السرّي في منتصف حزيران/يونيو الماضي، أي بعد أكثر من 8 أشهر على بدء الحرب، حين سُمح لمحامي هيئة شؤون الأسرى والمحرَرين بزيارة أحد معتقَلي غزة في السجن المذكور.[17] وعلى الرغم من هذا التطور، فإني لم أقرأ ما يشير إلى أن أياً من المحامين تمكن من الوصول إلى جميع منشآت الاحتجاز التي يتواجد فيها معتقَلو غزة، فنقل شهاداتهم، أو أنه سُمح لأحدهم بلقاء أحد مقاتلي فصائل المقاومة الفلسطينية، أو ممَن يوصفون بـ "عناصر النخبة" الذين طالب بن غفير بسجنهم تحت الأرض. لكن على الرغم من محدودية الزيارات، فإنها تُعتبر مهمة؛ إذ مكّنت المحامين من الكشف عن مصير مئات المعتقَلين، ونقْل شهاداتهم، والكشف عن أوضاع احتجازهم. هذا بالإضافة إلى أنه مع كل عملية إفراج عن معتقَلين من غزة بين الحين والآخر، يُكشف عن أسماء جديدة لمعتقَلين رافقوهم والتقوهم وتعرفوا إليهم خلال فترة سجنهم، أو جاوروهم في مكان الاحتجاز، وترددت على مسامعهم أسماؤهم، فحفظتها ذاكرتهم، وكشفوا عنها بعد خروجهم. وفي الآونة الأخيرة، تلقّت هيئة شؤون الأسرى، وبين الحين والآخر، ردوداً من سلطات الاحتلال كشفت عن مكان تواجد العشرات من معتقَلي غزة، من دون تقديم معلومات أُخرى بشأنهم، بينما لم تقدم إجابات بشأن مصير آخرين كانوا ضمن قوائم الأسماء، وفي كثير من الأحيان يمكن أن يتمثل رد السلطات الإسرائيلية في عدم وجود معلومات. وقد عبّر رئيس الهيئة عن عدم ثقته حين قال: "لا يوجد لدينا ثقة بهذه المعلومات ولكننا مضطرون للتعامل معها."[18] إن الكشف عن مصير مئات المعتقَلين المختفين، وإن كانت نسبتهم ضئيلة مقارنة بالعدد الإجمالي لمن اختفوا قسراً خلال عام وأكثر من حرب الإبادة على غزة، خفف حدّ الألم والوجع الذي تعيشه عائلاتهم، ونقل أُسَرَهم طبعاً من حالة الانتظار غير المعلوم إلى حالة الانتظار الطبيعي المصحوب بالقلق الدائم. وبناءً على ما ذُكر، وكثير مما لم يُذكر من شهادات وتفاصيل، فإن جريمة الاختفاء القسري ليست ممارسة استثنائية مرتبطة بحرب الإبادة على قطاع غزة، إنما هي سياسة إسرائيلية ثابتة، وتنفَذ بصورة ممنهجة ومدروسة. ويعود تاريخ ممارسة الإخفاء القسري إلى عقودٍ سابقة بحق معتقَلين كُثر من جنسيات متعددة، وهذا الإخفاء لآلاف المعتقَلين الفلسطينيين، منذ بدء حرب الإبادة على غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ناتج من تنفيذ تلك السياسة، بناءً على أوامر وقرارات إسرائيلية عليا ساهمت في ترسيخ الجريمة وتوسيعها. ومن الواضح أن هناك ترابطاً ما بين جرائم الاختفاء القسري وأماكن الاحتجاز السرّية، كما من الممكن أن تكون لكليهما صلة بمقابر الأرقام واختفاء الجثامين. فلربما بعض مَن اختفوا قسراً واحتُجزوا في أماكن سرّية قُتلوا أو توفوا بفعل التعذيب، أو بعد استخدامهم دروعاً بشرية، ودُفنت جثامينهم في مقابر الأرقام أو داخل حفر غير معلومة ومجهولة المكان، فاختفت وربما تختفي إلى الأبد، ومن هنا يمكن القول إن هذه الجريمة شكّلت أبرز أوجه حرب الإبادة على غزة. إن إصرار دولة الاحتلال الإسرائيلي على الاستمرار في ممارسة الإخفاء القسري لمعتقَلي غزة، وعدم السماح لممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارتهم يكشف عن نيات إسرائيلية سيئة، ويخفي وراءه جرائم حدثت، وأُخرى مؤجلة الحدوث يمكن أن تُلحق بهم مزيداً من الأذى النفسي والجسدي، وربما تودي بحياة بعضهم. ولطالما عانت عائلات المعتقَلين - المخفيين - وأفراد أُسَرِهِم، وتتفاقم معاناتهم يوماً بعد آخر، وهم يعيشون في حالة قلق متزايد، وانتظار غير معلوم، جرّاء الغموض الذي يكتنف مصير أحبتهم، فتجدهم يبحثون عن أي معلومة بشأنهم، ويكررون المحاولة مراراً من دون يأس، ولا يتوقفون عن الاتصال والتواصل مع المؤسسات المعنية في هذا الشأن، وهم يريدون أن يعرفوا ما إذا كان المختفي - ابنهم أو ابنتهم أو أمهم أو أبوهم أو أخوهم أو أختهم - في عداد الموتى فيدعون له بالرحمة وتستقر النفوس، أم حيّاً ومعتقَلاً في السجون الإسرائيلية، فيُكثرون له الدعاء بأن يفرّج الله كربه ويعيده سالماً. وأخيراً، نذكّر بأن جرائم الاختفاء القسري المستمرة منذ أكثر من عام، يصنفها القانون الدولي على أنها جرائم ضد الإنسانية، الأمر الذي يتطلب تحركاً دولياً عاجلاً فعّالاً ومؤثراً، ولا سيما من جانب اللجنة الدولية للصليب الأحمر لإيقاف الجريمة والكشف عن مصير آلاف المعتقَلين الفلسطينيين المختفين قسراً منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، الأحياء منهم والأموات.

المراجع

[1] "جندي إسرائيلي يفصّل استخدامهم الفلسطينيين كدروع بشرية في غزة.. ماذا قال؟"، "سي إن إن بالعربية"، 24/10/2024.

[2] "هآرتس: الجيش الإسرائيلي يستخدم فلسطينيين دروعاً بشرية بغزة"، "معا"، 13/8/2024.

[3] "الاحتلال استخدم أسيراً من غزة درعاً بشرياً لمدة 40 يوماً"، "القدس"، 15/8/2024.

[4] "في ضوء اعتقال 200 مواطن من جباليا: تحذير من ارتقاء المزيد من الشهداء بين معتقلي غزة"، شبكة فلسطين الإخبارية، 24/10/2024.

[5] "وول ستريت جورنال: وفاة 44 معتقلاً أثناء احتجازهم لدى الجيش الإسرائيلي"، "معا"، 9/8/2024.

[6] "الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري"، الأمم المتحدة حقوق الإنسان مكتب المفوض السامي، اعتُمد في 23/12/2010.

[7] المصدر نفسه.

[8] "إعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري"، الأمم المتحدة حقوق الإنسان مكتب المفوض السامي.

[9] "إسرائيل تصنّف أسرى غزة 'مقاتلين غير شرعيين‘.. ماذا يعني ذلك؟"، "العربي"، 11/10/2023.

[10] "بن غفير يوعز باحتجاز مقاتلين من 'حماس‘ بسجن تحت الأرض"، "عرب 48"، 8/12/2023.

[11] آنا بارسكي، "بن غفير يوقع أمراً بتمديد شهر آخر بمنع جميع الزيارات للإرهابيين المسجونين في السجون"، "معاريف" (بالعبرية)، 9/8/2024.

[12] "يديعوت أحرونوت: رسالة أميركية قد تورط إسرائيل بالجنائية الدولية"، "الجزيرة نت"، 16/10/2024.

[13] "يديعوت : 'الكابنيت‘ بحث ثلاثة قضايا ساخنة في اجتماعات استمرت حتى فجر اليوم"، "سما الإخبارية"، 21/10/2024.

[14] جوناثان كوك، "السجن الصهيوني السري '1391‘ صورة حية للإرهاب الإنساني"، مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان، 10/8/2010.

[15] المصدر نفسه.

[16] "لجنة الامم المتحدة تطالب اسرائيل بالكشف عن المعتقل السري 1391"، المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية "مفتاح"، 16/5/2009.

[17] محمد وتد، "يعايشون الموت.. المحامي محاجنة يروي للجزيرة نت ظروف الأسرى في 'سديه تيمان‘"، "الجزيرة نت"، 20/6/2024.

[18] "فارس يستقبل مدير مكاتب الصليب الأحمر في الضفة الغربية والقدس"، هيئة شؤون الأسرى والمحررين، 20/10/2024.

الكاتب: عبد الناصر فروانة

أسير محرَّر، ومختص بشؤون الأسرى ورئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحرَّرين وعضو المجلس الوطني الفلسطيني، و، وعضو لجنة إدارة هيئة الأسرى في قطاع غزة. ولديه موقع شخصي اسمه: فلسطين خلف القضبان.

[caption id="attachment_166542" align="alignnone" width="260"] علي سمودي-جنين-القدس[/caption]

 والدة الأسير محمد جمال عقل.. بعد 23 عاما من الصبر.. حلم عمري الوحيد عناق ابني محمد حرا


تتوشح الوالدة الستينية خديجة عقل بثوب الصبر وتقام قهر القيد وقضبان الأسر بسلاحها الوحيد الصلاة والدعاء والأمل، ولا تتحدث ولا تفكر إلا بحبيب قلبها الأسير محمد جمال عقل، الذي سرقت سجون الاحتلال من عمره 23 عاما، بينما قضت محاكم الاحتلال بحكمة 17 مؤبدا، وتقول " قلبي مكسور وحزين، بضياع زهرة شبابه في ظلمات القهر والعذاب، لا تفارقني صور محمد وذكرياته، انتظر لحظة سماع اسمه وعناقه حرا، فلم يعد في العمر أكثر مما مضى"، وتضيف " والده أبو علاء، رحل وهو ينتظر عودته، انتظره سنوات طويلة يتأمل عناقه والفرحة بزفافه، لكن شاء الله وحل القضاء وفارقنا ولسانه يردد اسم محمد، وأصلي لرب العالمين حتى لا أواجه نفس المصير والحسرة ". في منزلها بمدينة جنين الذين يتزين بصور أسيرها محمد التي تروي قصة حياته خلف القضبان بعدما تنقل بين كافة السجون، لا تتوقف الوالدة الصابرة أم علاء، عن الوقوف أمامها ومناجاته، وتقول " لا أريد من هذه الدنيا سوى رؤيته حرا، تعبت من دوامة الانتظار وكوابيس القلق على حياته في ظل ما يتعرض له الأسرى من قمع وقتل ممنهج، حلم عمري الوحيد الفرح بإطلالته وهو يكسر القضبان وعودته لأحضاني ". تقضي الوالدة الثائرة أم علاء، أوقاتها في متابعة الأخبار وتطورات المحادثات حول مصير الأسرى والصفقة المرتقبة، وتقول " عشنا كل صنوف الوجع طوال السنوات الماضية خاصة عندما شطب اسمه من كل الصفقات وعمليات الأفراج السابقة، انتظرته وتجهزت في صفقة شاليط لكن لم يحالفه الحظ "، وتضيف " لم يعد هناك أفراح أو مناسبات سعيدة في حياتنا حتى بالأعياد، فقد قضى 45 عيدا خلف القضبان، وانتهت المرحلة الاولى من صفقة الأسرى وما زال محمد رهينة قبضة الاحتلال، فهل سيكون اسمه مدرجا في المرحلة الثانية ؟". سؤال يتكرر ليل نهار في حياة الوالدة التي قضت 23 عاما تتنقل بين سجون الاحتلال، وتقول " كل حياتي وجع وحزن وتوتر، اجلس طوال الوقت أمام أجهزة التلفاز انتظر سماع أي أخبار عن الصفقة، نبكي الما وقهرا لما يرتكبه الاحتلال من جرائم ابادة جماعية بحق اهلنا بغزة ونتمنى خلاصهم، ونموت قهرا لما يمارس من قتل بحق أسرانا ونصلي لله ليحميهم حتى يعودوا أحياءا وليس بأكفان "، وتضيف" منذ الحرب على غزة، حياتنا كوابيس رعب لقلقنا على حياة الاسرى في ظل انقطاع أخبارهم، طوال الفترة الماضية انقطعت اخباره والزيارات ممنوعة، فيارب ارحمنا وفرج كربهم ". ورغم ما لديها من ابناء واحفاد وبينهم من يحمل اسم محمد، لا تتوقف أم علاء عن البكاء والحزن رغم حديثها بفخر واعتزاز عن ابنها الذي ينحدر من عائلة مناضلة قدمت الشهداء والأسرى والجرحى، وتقول " لم ولن نندم على ما قدمته عائلتنا وأبنائنا من تضحيات في سبيل الوطن وحرية شعبنا وفي مقدمتهم ابن سلفي الشهيد القائد ماهر عقل ثم الشهيد رافت عقل، فواجبنا التضحية للخلاص من الاحتلال "، وتضيف " ابني محمد اختار طريق النضال وحمل راية المقاومة في الانتفاضة الثانية وشارك في معركة مخيم جنين، طارده الاحتلال وتمرد رغم التهديدات ورفض تسليم نفسه حتى اعتقل في عملية خاصة بتاريخ 02/12/2002 وتكمل " بعد التحقيق والغزل صدر بحقه الحكم القاسي والظالم، وعانى الكثير بين السجون بسبب العقوبات والعزل والمرض واهمال علاجه، لكنه صمد وتحدى وانضم لقائمة الأبطال الذين سنبقى نفخر بطولاتهم دوما والتي نأمل ان تتوج بانتصارهم على الاحتلال بانتزاع حريتهم في المرحلة الثانية من الصفقة التي ننتظرها على أحر من الجمر"، وتتابع " أملي بالله ان يكون محمد معنا في العيد القادم ليعوضنا عن سنوات القهر وتصبح حياتنا أعيادا لا تنتهي بحريتهم وانتصار غزة ".

[caption id="attachment_166540" align="alignnone" width="260"] بقلم: سامي إبراهيم فودة[/caption]

 أسرانا يا صناع المجد والعزة والكرامة، أنتم في المُقل والعيون والقلوب والأفئدة


أسرانا الأوفياء، أسيراتنا الماجدات، يا من أشقيتم أنفسكم من أجل أن تُسعدوا أمتكم... يا من أجهدتم بَدَنكم ليرتاح إخوانكم ورفاقكم من بعدكم... يا من جعلتم من أجسادكم جسورًا لتعبر الأجيال لتحقيق حلم شعبكم... يا من ضحيتم بالغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن وطنكم وشعبكم وقضيتكم.
يا من أقسمتم بدماء الشهداء فسِرتم على دربهم، فكنتم خير سفير لثورتكم... المجد يركع صاغيًا لكم، يا تاج الفخار فوق رؤوسنا، شامخة العز نُتوّج بها جبيننا...

لكم منا، أسرانا وأسيراتنا، باقات النرجس والياسمين من كل شبرٍ عزيزٍ علينا من أرض فلسطين... لكم منا خفقات الفؤاد التي تنبض باسمكم في كل حين... لكم منا دماؤنا التي تجري في عروقنا باسم كل الملايين... فأنتم أنفاس الحياة فينا، رغم الأسلاك الشائكة وجبروت المحتلين.

والله الذي رفع السماء بلا عمد، وبسط الأرض، لو أن الأعراب في مشارق الأرض ومغاربها قد عرفوا أن للوطن شهداء ورجالاً يعشقون حبيبات ترابه ويذودون بأرواحهم ودمائهم وزهرات أعمارهم عن شرف الأمة وعزتها وكرامتها... لدفنوا أنفسهم، هؤلاء الخراف، في الرمال خزيًا منكم وحياءً من عجزهم أمام صمودكم وثباتكم البطولي.

فقلتها مرارًا وتكرارًا، إلى السماسرة الانتهازيين الأفاكين، تجار القيم والمبادئ والأخلاق، أصحاب الأقنعة الزائفة التي تُداري قبحها وأساليبها الرخيصة باستثمار تضحيات ومعاناة أسرانا وأسيراتنا في باستيلات العدو، عارًا على جبين كل واحدٍ منكم متقاعس ينام وينعم بنومٍ هانئ على فراش وثير وغطاء دافئ ويستيقظ في صباحه الباكر على كل ما تشتهيه النفس.

شيئًا من الخجل... لا تنسوا أن أسرانا هم فلذات أكبادنا، وقرة عيوننا، التي تتعرض لشتى أنواع الاضطهاد والظلم والقتل والإبادة، من خلال ممارسة سياسة التجويع المتعمدة، وإعدامهم بشكل بطيء، في ظل حرب الإبادة على قطاع غزة والضفة الغربية، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي لعام 2023.

عاش أسرانا البواسل، وأسيراتنا الماجدات، أيقونة صمودنا ونضالنا المُشرّع في وجه الاحتلال.

الحرية للأسرى،

والمجد للشهداء،

والشفاء العاجل للجرحى والمرضى.

أسيرات الدامون يعانين ظروفًا اعتقالية لا إنسانية وغاية في الصعوبة


قالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين في بيانها، إن أسيرات سجن الدامون يعانين من أوضاع اعتقالية لا إنسانية وغاية في الصعوبة، حيث الطعام سيئ كماً ونوعاً، ويسبب للأسيرات أمراضًا في الجهاز الهضمي، وجميعهن فقدن الكثير من أوزانهن.

وقالت محامية الهيئة، نقلًا عن الأسيرات اللواتي تمّت زيارتهن، إن الأسيرة كرم محمد موسى (53 عامًا)، من بلدة صرّة/ نابلس، اعتُقلت بتاريخ 25/2/2025، وقد عانت من ظروف اعتقال صعبة، حيث احتُجزت بزنزانة ملطخة بالدماء، قذرة للغاية، لا تصلح للعيش الآدمي، ولا يوجد بها مكان للصلاة، وبدون طعام، وبفرشة صغيرة تناوبت عليها هي وأسيرة أخرى.

وأشارت الأسيرة كرم إلى أن الطعام الذي قُدم لها عندما انتهت من التحقيق، فيما بعد، سبّب لها الإمساك، ولا يكفي لعدد الأسيرات المتواجدات في الغرفة، حيث تقدم إدارة السجن صحن بقوليات واحد لثماني أسيرات.
وفيما يخص مدة "الفورة"، فتصل إلى ساعة واحدة، تستغلها الأسيرات للاستحمام.

وفي ذات السياق، فقدت الأسيرة حنين محمد جابر (44 عامًا) من مخيم نور شمس، خلال خمسة أشهر من الاعتقال، ثمانية كيلوجرامات من وزنها نتيجة سوء التغذية، وقد اعتُقلت بتاريخ 3/12/2024، عندما كانت في نزهة مع أولادها في الحديقة، بتهمة إيواء ابنها وإطعامه، حيث تزعم سلطات الاحتلال أنه "مطلوب" لديها.

أما فيما يتعلق بالأسيرة فداء سهيل عساف (49 عامًا) من بلدة كفر لاقف/ قلقيلية، فهي تعاني من مرض سرطان الدم منذ عام – أي قبل اعتقالها – وقد داهمت قوات الاحتلال منزلها بتاريخ 24/02/2025، وقامت باعتقالها بحجة التحريض عبر مواقع التواصل الاجتماعي - فيسبوك -، خضعت بعدها للتحقيق ونُقلت إلى سجن الدامون، ولديها جلسة محكمة بتاريخ 21/05/2025. علمًا بأن وضعها الصحي مستقر، وتتناول الأدوية المطلوبة بشكل منتظم منذ أسبوعين.

كما زار محامي الهيئة الأسيرة شهد ماجد حسن (23 عامًا) من مدينة رام الله، والمعتقلة منذ تاريخ 05/03/2025، والصادر بحقها حكم بالسجن الإداري 4 أشهر.

وفي هذا السياق، تقول الأسيرة: "تم اعتقالي من منزلي، وبعدها نُقلت إلى سجن عوفر، ثم إلى بيت إيل، ثم للشارون لليلة واحدة، وبعدها إلى سجن الدامون. كانت رحلة عذاب، فالمعاملة سيئة جدًا، بقيت مقيّدة طوال الوقت، وتعرضت للشتائم والإهانات طوال الطريق".

[caption id="attachment_169192" align="alignnone" width="720"] اللوحة للفنان محمد ابو صلاح[/caption]

بقلم: عادل الأسطة

هوامش من وحي ما يجري في غزة: جنون ما يجري: سيرة يوم: الزمان غزة، المكان ١٣ نيسان ٢٠٢٥


صباح الأحد الماضي ١٣/٤/٢٠٢٥ تصفحت، منذ ساعات الصباح الأولى، أخبار ما يجري في غزة، وقرأت العديد منها. قسم منها تقرأه وحسب، وقسم ثانٍ، مقترن بأشرطة فيديو، ترى فيه غزاويين وتسمع كلامهم، فيلامس هذا الوجدان ويحرق القلب – إن كان المشاهد ذا قلب، فثمّة من لا قلب له، وإن كان له فينطبق عليه قول الشاعر إبراهيم طوقان: "لا تلتمس يومًا رجاءً عند من جربته فوجدته لم يشعر"
لأن له قلبًا كالقبور بلا شعور، قلوب أقسى من الصخر، فالصخر أحسّ رجاءنا فتصدّع
"لا تعجبوا، فمن الصخور نبعٌ يفور".

وعبثًا حاولت أن أتخلص من ذهول وصمت ألمًا بي. أقرأ فلا أركز. لا أفهم ولا أستوعب، ولا رغبة بي لفعل أي شيء، حتى لتنظيف الشقة التي أقدم على شطفها بنشاط لافت، كما لو أن بي شغفًا لهذا الفعل.
أجلس، أنهض، أذهب، أعود، أغلي الشاي، أتشمس، على الرغم من الأجواء الباردة، ولا أهدأ. أتصفح ما يُنشر في وسائل التواصل الاجتماعي وأمعن النظر فيما يدرجه النشيطون من أشرطة فيديو أو من أخبار مترجمة عن العبرية أو آراء تعبّر عن رؤيتهم لما يجري، وأعيد إدراج بعض ما أدرجوا، ممهّدًا له بعبارة: "جنون ما يجري في غزة"، وأتذكّر دالّ الجنون في قصيدة محمود درويش "مديح الظل العالي" وفي كتابه "ذاكرة للنسيان: المكان آب، الزمان بيروت، سيرة يوم".

هل ننسى ما عاناه أهل بيروت في ١٢ آب ١٩٨٢؟ إن نسيناه فالأدب يذكرنا به، ولست متأكدًا من أن أحدًا ممن عاش في بيروت في ذلك اليوم يعيش الآن في غزة ويشهد يوم الثالث عشر من نيسان ٢٠٢٥، ليصف لنا هول ما لقي هنا وهناك ويوازن – إن استطاع، مع فارق أنه قبل ٤٣ عامًا كان شابًا يحتمل، وهو الآن عجوز ستيني أو سبعيني غير قادر على الاحتمال.

كم من فلسطيني عاش تجربة حصار بيروت وعاد مع العائدين في ١٩٩٤ ليشهد في العام ٢٠٠٢ اجتياح مدن الضفة الغربية؟!

ولا أعرف كم من قارئ قرأ الجزء الثالث من رواية إلياس خوري "أولاد الغيتو: رجل يشبهني" والتفت إلى من عاشوا الحصارين: ١٩٨٢ و٢٠٠٢.

إن قسمًا من شخصيات رواية "باب الشمس" ممن شهدوا حرب بيروت ١٩٨٢ عاد إلى جنين ونابلس ورام الله والخليل ليعيش الحصار والاجتياح.

في الثالث عشر من نيسان ٢٠٢٥، تشاهد شريط فيديو تودّع فيه والدة الشهيد نعيم حماد نعيما، الذي تم استهدافه قرب مدخل البصّة في دير البلح، وتعرف أنها فقدت ١٣ شخصًا من عائلتها.
بكت الأم التي لم تغادر ابنها سوى لدقيقة، ثم عادت تبكيه وتخاطبه: "خذني معك يما.. مين عندي يمه؟"
ثمة بكاء ولا زغاريد.

وفي الثالث عشر من نيسان، يفقد أبو إبراهيم مهادي أبناءه الستة في غارة جوية على سيارة وسط قطاع غزة / غرب سوق دير البلح.

كان الأبناء يُعدّون الطعام لتوزيعه على الأهالي فقتلهم صاروخ، وفي اليوم نفسه صلّى الأب على أبنائه.
وقف ثابتًا ثباتًا أدهشنا، إذ كيف احتمل هذا؟

ثلاثة منهم متزوجون ولهم أبناء، وأصغرهم ذهب مع إخوته ليشتغل حتى يشتري هاتفًا جديدًا.

وفي الثالث عشر من نيسان، نقرأ القصيدة الآتية للشاعر يوسف القدرة Yousef Elqedra:

"آمل أن يتوقف هذا الجنون
الجنون ريح تكسر الأبواب، ولا تترك خلفها غير الصدى.
قطٌّ حديدي شرس، يقفز من سطح إلى
آخر، ينهش الهواء، ويلعق الدم.
المدن تتحول إلى غبار وصراخ.
الناس يُسلخون من جلودهم، يُسحبون
من أسرّتهم كجثث ويُرمون في العراء دون ظل، دون جدار، دون رغيف
معلّق عند باب خيمة بالية.

العقلاء يغيبون.
يتوارون خلف شاشات تمضغ الحروف
وتمتد كظل لا روح فيه.
الخريطة تنبح. القصيدة تخرس.
المربعات تقضم زقاقًا زقاقًا، نافذة
نافذة، حلمًا حلمًا.
البيوت تنخر
الأسرة تُصلب
والصوت يصعد من التراب، لا من
الحنجرة.

الذين يموتون لا يُودّعون.
الذين ينجون يتحولون إلى أطياف
تمشي بأقدام لا تعرف لمن تنتمي:
للحي أم للمقبرة.

آمل أن يتوقف هذا الجنون..
الجنون هو اللغة.
وما تبقّى منّا: صمت بحجم المجزرة،
ودمعة لا تجد خدًّا تنزل عليه".

وفي اليوم نفسه، تشاهد في صفحة مؤمن مقداد شريط فيديو لإخراج المرضى من مشفى المعمداني، بعد أن أمهل الإسرائيليون القائمين عليه ٢٠ دقيقة لإخلائه.
في الشريط تسمع الصراخ وترى الجرحى على الأسرّة يُجرّون إلى العراء. (كانت "إسرائيل" ارتكبت مجزرة أولى في المشفى في ١٧/١٠/٢٠٢٣، أسفرت عن استشهاد ٥٠٠ شخص من المرضى والجرحى والمدنيين / الجزيرة).

وفي اليوم نفسه، تُهنّئ سفارة الإمارات في تل أبيب المستوطنين بعيد الفصح اليهودي، متمنية لهم عيدًا مليئًا بالازدهار والسلام (!).

– وماذا عن خنساوات غزة؟ تساءل قسم من النشطاء وفي ذهنه ربما الشاعرة د. آلاء القطراوي التي فقدت أبناءها الأربعة معًا.
ولا أعرف لماذا لم أقرأ تساؤلات عن أبي ذؤيب الهذلي الذي فقد أولاده الخمسة معًا.
هل سيكتب لنا أبو إبراهيم مهادي قصيدة على غرار قصيدة "أبو ذؤيب"؟ وما جدوى القصيدة؟!

حالة تعبانة؟!

أ. د عـــــــادل الأسطــــــة

اللوحة للفنان محمد ابو صلاح

[caption id="attachment_167224" align="alignnone" width="260"] د. هانى العقاد[/caption]

وجوه الفلسطينيين في غزة تقول ما لا تقوله كل صحف العالم..!


بعد عام ونصف من الحرب خرجت لأتجول في شوارع المدينة المدمرة , تاهت من ذاكرتي معظم تلك الشوارع ومسحت أسمائها من على اليافطات , لم تعد معالمها القديمة موجودة فكانت ذاكرتي تقارن بين تلك القديمة وهذه المدمرة , كنت اسير في طرقات اشبه بطرقات مدن لينينغراد وستالين غراد ابان الحرب العالمية الثانية ,لا يوجد مبني الا ومدمر عبارات بالعبرية كتبت على بعض ما تبقي من مباني ,قالوا لي ان كل تلك العبارات في مجملها تتوعد وتهدد بالعودة للحرب من جديد ,جبال من الركام تغلق الطرق مع ان السلطات البلدية حاولت فتح ممرات صغيره تكاد تسمح لبعض المارة بالسير على الاقدام , وشوارع اخري رئيسية كانت متاحة للسيارات التي لم يعد شكلها مألوفا فقد تغيرت وأصبحت جار ومجرور باستخدام عربات الحيوانات تُجر خلفها لتحمل اكبر عدد من المتنقلين بسبب ارتفاع اثمان الوقود لأكثر من 1000 %. معظم شوارع المدينة مملوءة بالباعة الذين يبيعون بعض البضاعة القديمة وبعض الملابس واشياء اخري. ان تحدثنا عن الأسواق فلا فواكه ولا خضار ولا لحوم ولا دجاج ولا دقيق ولا أي مجمدات بفعل استمرار الحصار الخانق على القطاع الذي منعت فيه إسرائيل دخول أي مساعدات اغاثية او حتى ادوية او دقيق او بضائع للقطاع الخاص منذ أكثر من شهر ونصف. كل ذلك قراءته بعمق لكن ليس غريبا ان تبدو المدينة بهذا الشكل، ففي مثل هذه الحرب المدمرة هناك تغيير لكل معالم المدينة واحيائها وشوارعها، شوارع جديدة فتحتها بلدوزرات الاحتلال العملاقة ,وشوارع اخري أغلقت ومئات المباني اختفت عن الوجود ولا أحد يعرف أين اخفاها الاحتلال، رائحة الدم والموت تملء معظم الشوارع, شوارع تمتلئ بالغبار والحفر والحجارة والركام والنفايات ومياه المجاري والسيارات التي حطمتها دبابات الاحتلال.

في شوارع المدينة وجوه حزينة، عابسة، قلقة , خائفة ,حائرة , محبطة , متسائلة , كل أسئلة الكون في ملامحها وتقاطعاتها، كان السؤال عادة ماذا بعد...؟ سألني الكثير هذا السؤال , لم اتجرأ للإجابة عنه لان الإجابة مخيفة ومحبطة فكنت اتهرب منها وأقول ان الامل في وجه الله كبير بان تنتهي هذه الحرب قريبا ,وأقول ان المفاوضات جارية للتوصل لصفقة دون التعبير عن احباطي من هذه المفاوضات التي تجري فقط حتى لا ينقطع حبل الامل لدي الوسطاء. إذا كان يعلوا وجوه الناس تعبيرات الخوف والقلق والتوتر والحزن والألم والياس، فان أجسادهم الهزيلة تقول أكثر من ذلك انها تحكي حكاية الحصار والتجويع والفقر والمرض وتحكي حكايات العوز والاحتياج لإعالة اسرهم وتحكي حكاية أكثر من عام ونصف من الحرب. إذا كانت هذه حكاية البالغين من الرجال والشباب فما بالك في واقع وجوه النساء التي كان يفترض ان تكون نضرة تشع بالإشراقة والابتسامة والامل , وجوه متفائلة نضرة لكن للأسف لم يعد هذا يقرأ في وجوه النساء الغزيات فان وجوههم شاحبة مريضة من قلة الطعام وسوء التغذية لأنهم يتناولون القليل من الطعام فهم يولوا اطفالهم بالطعام اعلى حساب انفسهم لان أطفالهم لا يستطيعوا التحمل ومقاومة الجوع , لكن للأسف ليس كل النساء تمتلك الطعام الكافي لأطفالهم فمنهم من تقتات على وجبة واحدة في اليوم وهي ليست الا قليل من الأرز حصلت عليه من ( التكية) لان لا شيء في خيمتها تعده لأسرتها واطفالها , التقارير تقول ان اكثر من 80% من السكان الفلسطينيين في غزة يحصلوا على طعامهم من التكايا والمطابخ التي تديرها منظمات دولية كالمطبع المركزي العالمي وبرنامج الغذاء العالمي ومنظمات وجمعيات الاغاثية عربية اخري, الا ان معظم هذه الجمعيات والمنظمات أغلقت مقراتها لسببين ,الأول استهدافها من قبل قوات الاحتلال بالقصف وبالتالي قتل عدد كبير من الفلسطينيين المصطفين في طوابير بانتظار الطعام والعودة بالدم والاكفان وليس الطعام ,والثاني بسبب اغلاق الاحتلال المعابر ومنع المساعدات الدولية والاغاثية من ادخال الطعام للناس في القطاع.

تحول الأطفال في غزة الي باعة يجولون الطرقات والأسواق اما ببعض البضاعة التي تصنعها بعض الأمهات ليعود هؤلاء الأطفال ببعض المال لصالح اطعام العائلة وتوفير مستلزماتها لان رب الاسرة اما شهيد او معتقل او جريح لا يقوي على العمل او بدون أي دخل ويشارك الزوجة في صناعة بعض المبيعات من معجنات ليقوم الأطفال بالتجوال في الشوارع وبين الخيام لبيعها , الصور ابلغ من كل الكلمات ومفردات اللغة العربية باتت تستحي من المعاني لأنها لا تستطع توصيف ما يجري ولا تشرح بما فيه الكفاية من حال الناس هنا في غزة وخاصة الأطفال الذين يبكون بلا دموع ويتألمون بلا صراخ ويجوعون دون جرأة على طلب الطعام من الاب او الام لانهم مطلعين علي الحال ويعرفوا ان الخيمة لا طعام فيها او ان الطعام قل ويحاول الوالدين الاقتصاد في الطعام لانهم لا يعرفوا متي ستعود المساعدات ومتي يمكنهم الحصول على طعام كاف ومتي ستنتهي الحرب.....؟!. الأطفال يلبسون ملابس رثة بالية ممزقة لا تتناسب مع أحوال الطقس فقد يكون الأطفال يرتدون ملابس صيفية في الشتاء لان الكثير من ملابسهم باتت تحت أنقاض البيوت التي دمرتها الحرب ولم يستطيعوا انتشالها فقد خرجوا من البيوت بقليل منها ولم يحملوا كل امتعتهم، اما اقدامهم فقد حملت غبار الطرقات ورماد صواريخ الاحتلال والكثير من التراب، اقدامهم بلا نعال والمحظوظ المحظوظ من ينتعل في قدميه حذاء. الأطفال بلا تعليم، مدارسهم دمرت وما تبقي من فصول مدمرة سكنتها العائلات النازحة فقد يكون الطفل وعائلته يقيموا في زات الفصل الدراسي الذي كان يفترض ان يجلس فيه الأطفال على مقاعد الدراسة. العديد من الأطفال قتلوا وهم يصطفون على طوابير التكايا للحصول على الطعام الالاف احرقوا وهم نيام في الخيام، لم يرحم الاحتلال طفولتهم ولم يستطع العالم حمايها وانقاذها او الحفاظ على حقوقهم فكل الشعارات الدولية وكل القوانين الإنسانية سقطت ,بل ان الإنسانية سقطت في الاختبار ايضاً الذي جاء على وجوه أطفال غزة وناسها. رأيت أطفال يتسولوا ,يجمعوا بقايا الخضروات التي هي غير صالحة للأكل ,ورأيت أطفال ليس لهم والدين لأنهم الناجون الوحيدين من حرب الإبادة ويعيشون في مخيمات مع اسر اخري ولعل خيام الايتام وأبناء الشهداء تحكي مئات حكايات الألم والفقدان واليتم والتمني بالموت واللحاق بالوالدين الشهداء. تحدث مع طفل لا يتجاوز الخمس سنوات اسمه (محمد) سألته عن حاله فقال " انا قرفت الحياة واتمني الموت ولا اريد العيش وسأذهب عند ابي الشهيد فهو هناك في الجنة ونحن هنا في النار, نهرب من الموت من خيمة الي اخري" , حاولت ان اهدئه قليلا وقلت له " باتسامه ابوية ان الحياة جميلة وحلوة وستنتهي الحرب وسنعود للبيوت وستعود للمدرسة وتكمل تعليمك وتصبح طبيب مشهور وتعالج المرضي وتساعد الضعفاء" , ابتسم بسخرية بريئة وقال لي عبارة باللغة العامية الفلسطينية لم اتوقعها (بالله عليك بيكفي، لا ترش على الموت سكر).

كل وجوه الناس في غزة من رجال كبار في السن وشباب ونساء واطفال تحكي بصمت حكايات مفزعة وبشعة تستحي ان تسمعها الإنسانية التي يتاجر بها ما يدعي انه عالم حر ,وتحكي بصمت ما لا تستطع كل صحف العالم نشره على صفحاتها او تصويره من قبل محطات التلفزة والفضائيات ولم يستطع كتاب الاعمدة والمقالات في الصحف التحدث عنه في تقاريرهم الصحفية, لم يروا الحقيقة او يعيشوا الصدمة والألم التي عاشها الناس في هذه الحرب المجنونة فإسرائيل مازالت تدمر وتقتل وتعتقل وتمنع دخول مراسلو الصحف ومحطات التلفزة العالمية والعربية ووكالات الانباء من الدخول الي القطاع لتغطية حقيقة هذه المحرقة والتحدث عن تداعياتها وانعكاساتها على المدنيين لأنها تستهدف المدنيين الفلسطينيين بالدرجة الاولي دون احترام لقانون دولي او انساني حتي لا يكشف العالم حجم الجريمة التي يرتكبها الاحتلال وبشاعة ما فعل , انها اثمان بالغة دفعها الفلسطينيين نتيجة لصمت العالم وعجزة عن إيقاف هذه المحرقة التي لا اعرف باي لغة سيكتبها التاريخ بل سوف يستحي من نفسه عند كتابتها ووصف مجرياتها وتفاصيل قصصها وحكايات الضحايا والناجين منها وسوف يخجل التاريخ من تلك الصور التي حفظت في كاميرات الصحفيين الذين قتلهم الاحتلال حتي لا ينقلوا الحقيقة البشعة للعالم.

[caption id="attachment_169098" align="alignnone" width="260"] د. مصطفى يوسف اللداوي[/caption]

غسان كنفاني قلمٌ لم ينكسرْ وقامةٌ لم تنحنِ :


ما زالت كلماته حاضرة ومواقفه ثابتة، وقناعاته راسخة وقيمة سائدة، وكأنه حاضرٌ بيننا لم يغب، رغم أنه قد مضى على رحيله اغتيالاً سبعةٌ وأربعون عاماً، عندما زرع عملاء المخابرات الإسرائيلية في سيارته وتحت مقعده عبوةً شديدةَ الانفجار، أدت إلى استشهاده وابنة أخته لميس في بيروت في الثامن من تموز 1972، إلا أنه ما زال بيننا حاضراً بقوةٍ بكتبه الرائعة ورواياته الرمزية، ومقالاته الحرة ومقابلاته الوطنية، وكلماته المدوية ومواقفه الصلبة، وصورته التي لا تغيب عن المحافل، ولا تزال تتصدر المعارض والمؤتمرات.

غسان كنفاني الأديب الراوائي المقاوم المناضل، الكاتب الإعلامي الفلسطيني المقاتل، مؤسس مجلة الهدف ورئيس تحريرها الأول، يذكرنا دوماً بمواصفات المثقف القومي العربي المناضل، وقيم الكاتب والمفكر الوطني الفلسطيني الحر، الذي يمزج مداد كلماته بدماء قلبه، وينسج حروف مقالاته من معاناة شعبه، ويكتب صفحات رواياته من قصص وحكايا أهله، ويلون بالصوت النابض والكلمة الحرة لوحاته الوطنية التي جاءت على صور كتبٍ ومقالاتٍ ومقابلاتٍ ولقاءاتٍ، ما زلنا نشعر بقيمتها، ونستلهم وطنيتها، ونسمو بمعانيها، وكأنه بها يذكرنا بقدسية قضيته وطهرها، فهي التي من أجلها ناضل وفي سبيلها استشهد.

غسان كنفاني كان ولا زال في القمة، إذ كان عالي الهمة، شديد العزم، صادق القول، حر الكلمة، رصين الفكرة، صائب الرأي، حازم الموقف، محدد الاتجاه عالماً بالطريق، وعارفاً بالسبيل، مدركاً للعدو خبيراً فيه، مطلعاً على خفاياه وعالماً بعيوبه، مقدراً لشعبه الفلسطيني العظيم وواثقاً بقدراته، فعرف أن الإنسان في نهاية الأمر قضية، وأن من حق الفلسطيني أن يناضل من أجل قضيته ولو استشهد في سبيلها أو أعتقل ونفي وشرد، وأكد طوال حياته بعزمٍ وقوةٍ ويقينٍ وبأسٍ شديدٍ، أنه يدع أحداً يسلبه حقه، وقد استشهد وهو على عهده، متمسكاً بوعده، وغير ناكثٍ بقسمه..

كان غسان يريد بقلمه الثائر أن يثأر لشعبه، وأن يستعيد حقه، وأن يحرر وطنه، وأن يعود إليه وأهله، فما اعترف بالعدو ولا استسلم للواقع، ولا قَبِلَ بقوته ولا أقر بتفوقه، بل اعتد بقوته وشعبه، وتأكد من قدرته وعزمه، واستنكر مبكراً التطبيع مع العدو والجلوس إليه والتفاوض معه، وأنكر على مثقفي زمانه مجالسته ومحاورته، ولو عبر شاشةٍ تلفزيونية أو على صفحات وسيلةٍ إعلامية، واعتبر أن مفاوضة العدو لا تكون بغير السلاح، ومحاورته لا تتحقق بغير البندقية، فالسلاح قوة واستخدامه ضد العدو عزة، والتفريط به ضعفٌ، وتسليمه أو التنازل عنه مذلةٌ وهوان..

غسان كنفاني استشرف المستقبل قبل غيره وقال عن محادثات السلام أنها وهمٌ وسراب، وأن حوار العدو خيانة ومجالسته تفريط وتنازل، وأدرك أن العدو كاذبٌ ماكرٌ، وأنه خبيثٌ غادر، ولكنه خواءٌ ضعيفٌ وكيانٌ خائفٌ مهزوزٌ، لا تبقيه القوة ولا تحميه تحالفاته، ودعا شعبه إلى الصمود في قتاله والثبات في مقاومته، وإلى التأسي بمن سبقهم من الشعوب، إذ قاتلوا أعداءهم حتى دحروهم من أوطانهم، وأخرجوهم من بلادهم، ولم يمدوا إليهم يداً للمصالحة، ولا كفاً للسلام، إلا أن تعود إليهم حقوقهم، ويتحرر وطنهم، ويعود اللاجئون إلى ديارهم.

أغاظهم قلمه فقتلوه، وأزعجهم فكره فاغتالوه، وآذاهم موقفه فغيبوه، ولكنهم ما علموا أنه بذر في الأرض المباركة بذوراً طيبة فأحسن في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين غراسها، فأنبتت من بعده رجالاً آمنوا بفكره، وامتشقوا قلمه، ورددوا كلماته، وحملوا البندقية، وواصلوا المقاومة، وأقسموا بالله جهد أيمانهم أن ينتقموا له ويثأروا من قاتله بالحفاظ على ثوابت شعبه، والتمسك بحقوقه وقيمه، وعدم التفريط في أيٍ منها، إذ بهذا يتحقق الوفاء، ويخيب رجاء العدو، ويعض أصابعه ندماً على ما اقترف، وقد خلفت دماء غسان من بعده رجالاً كباراً، ومقاتلين شجعاناً وقادةً أبطالاً، وما زال مداد دمه لم يجف، وعطاء فكره لم ينقطع، وباتت مواقفه شعاراتٍ خالدة، وأهدافاً سامية، ستتحقق يوماً ولو طال الزمن..

سلام الله عليك غسان، أيها القلم المبري وطنيةً، السيال صدقاً، الوفي موقفاً، أيها المثقف الجليل والمناضل الأصيل، يا صاحب الهدف وصانعه، يا ابن الجبهة التي ما زالت تحمل لواءك، وتسير على هدى كلماتك، وتقتفي بالصدق خطاك، طبت حياً يا غسان وسعدت شهيداً..

[caption id="attachment_169093" align="alignnone" width="260"] بكر أبوبكر[/caption]

ماذا نقترح على المجلس المركزي؟


الشعب العربي الفلسطيني شعب مسيّس بجدارة. واكتسب هذه الصفة لطول فترة القضية الفلسطينية، وفي خضم ارتباطه بالثورة الفلسطينية والمقاومة التي نقلته من السياق المعيشي الخدمي الاجتماعي فقط إلى سياقِهِ السياسي والثقافي والإعلامي. وذلك مما هو تحصيل حاصل مسارات الثورة والمقاومة الفلسطينية المستمرة منذ ما قبل النكبة، وما بعد الانطلاقة للعام 1965م وزعامة ياسر عرفات والمنظمة الذين جعلوا من الحديث والفعل السياسي ضمن الخبز اليومي لهذا الشعب المقهور.

ولا شك أن طبيعة القضية بمواجهة الصهيوني المتحالف مع الأمريكي لها من الدافعية الكثير لجعل كل شيء ذو طابع سياسي، أو وجودي بالصيغة الإسرائيلية.

المهم أنه ما أن يحصل أي منعطف أو حدث أو مصيبة، أو تحرك حتى يهبّ الفلسطينيون ومعهم العرب المهتمون، والمناضلون عامة للتحليل (وأحياناً الثرثرة فقط)، والإدلاء بدلوهم، وهو ما كان فيما تعلّق بالمقتلة والمذبحة العظمى والعدوان الهمجي على غزة وفلسطين وما كانت نتيجته الكارثية. وحاليًا فيما يتعلق بانعقاد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية (23-24/4/2025م) كان لنا عديد اللقاءات ذات الصلة بالموضوع الذي كان الرائج فيه حول من هو نائب الرئيس أبومازن؟! وهكذا من أمور، عمومًا وإثر نقاشات عدة قدمتُ مقترحًا وأرسلته لأخوة معنيين بالمركزي، كان بصيغته الأولية القابلة للتعديل كالتالي:

-بناء على اعلان الاستقلال عام ١٩٨٨ وقبول دولة فلسطين عضوًا مراقبا في الأمم المتحدة عام ٢٠١٢ واستنادًا لاعترافات دول العالم، ومقرّرات القمم العربية والاسلامية وتجسيدًا لدولة فلسطين القائمة بالحق الطبيعي والتاريخي والسياسي المرتبطة بقرار ١٨١ الذي قرر انشاء دولتين، يتم التالي:

١-تحويل "السلطة الفلسطينية" إلى الوضع القانوني والسياسي كدولة فلسطين وذلك بالتعامل معها محليا وعربيا ودوليا.

٢-يعاد انتخاب الأخ محمود عباس رئيسًا لدولة فلسطين ويختار نائبًا له، داخل المركزي

٣-تتحول الحكومة الحالية "للسلطة" إلى حكومة انتقالية لدولة فلسطين لمدة عام.

٤-يتم المباشرة باختيار مجلس تشريعي للدولة خلال عام من تاريخه.

وفي الرد على مجموعة من الأسئلة أو الآراء المختلفة والنقد كان من الردود التالي:

    • نحن لا نفكر بعقل الأجانب حين نقترح، بل بمصلحتنا حيث وجوب الانتقال للدولة قانونيًا منذ زمن، وبعد موافقة الأمة العربية فيصبح الخطاب القانوني والسياسي المتاح مع فلسطين فقط، دولة فلسطين. عدا أنها خطوة استباقية-في ظل موافقة السعودية ومصر والأمة-بمواجهة ترَامب والانحياز للصهيوني، وواقع تأبيد الحكم الذاتي.
    • ليس مطلوب مني أو منك أن نقرر، بل أن نفكر ونقترح وهو المتاح في النظام الديمقراطي سواء داخل الإطار أو من خارجه. ومقترح تجسيد الدولة فإنه قرار سابق للمجلس المركزي اي بالتحول للدولة والتعامل مع هذه المكانة.
    • الانتخابات القادمة خلال عام (كما اقترح الرئيس أبومازن) لتكن للدولة ورئيسها لا مانع، والانتخابات لتشريعي الدولة، أما السلطة فأنجزت ما عليها.
    • إن خطوة تجسيد ثم تحرير الدولة (المحتلة) حقيقية، وتأتي استجابة لمطلب الفصائل، وقرارات سابقة ما يُعفي السلطة من تقييدات أنها حكم ذاتي للأبد. والانتخابات لا اعتراض لأحد عليها بالقطع بعد المرحلة الانتقالية مهما كانت مدتها. أما الوحدة الوطنية فالكل معها في نطاق التزامات المنظمة والدولة.
    • أية مفاوضات للوضع النهائي (أو تحرير الدولة القائمة من الاحتلال) يجب أن تأتي ضمن الدرع العربي. وحيث من المتوجب الاتفاق مسبقًا أن المفاوضات بين دولة فلسطين ودولة اسرائيل على المواضيع الخمس التي كانت نهاية "أوسلو" عام ١٩٩٩.
    • يصبح التعاطي ليس مع أن لكم دولة أو ليس لكم دولة. بل هي موجودة خارج النقاش، والنقاش هو بتحريرها من الاحتلال والملفات النهائية. أما القول أن ليس لكم دولة أبدًا فهو كما يريد الاسرائيليون مما قالوه وفعلوه ويفعلونه يوميًا، وبتكريس قِسمة أراضي الدولة الفلسطينية بغزة والضفة، وغرسها بالمستوطنات ما هو ضد "اتفاق اوسلو" كليًا، أي أنهم يمارسون إجراءات أحادية متواصلة. الدولة تصبح قائمة وجسدناها، والتفاوض يقع على ملفات الحدود والقدس والسيادة واللاجئين والموارد والمستوطنات بين دولتين قائمتين.
    • نقول أن دولة فلسطين دولة قائمة (لكن تحت الاحتلال) والتفكير والتفاوض هو في الملفات وإزالة الاحتلال عنها، نعم. مفاوضات بين دولتين على أوراق الوضع النهائي.
    • حين يتفق الفلسطينيون من المرجح موافقة كل العرب، وهم الدرع الضروري. بمعنى أن تجسيد الدولة (تحت الاحتلال) والمطالبة بتحريرها كدولة قائمة (وليس مناطق بلا هيئة).
    • دعني أخلص بالقول (لمن حاوروني، وللقرّاء عامة): نحن نستفيد من حوارنا ونفكر ونعدل أو نغير ونجيب (ثنائيًا وجماعيًا مواجهة أو إلكترونيا، وفي كافة الأطر) وهذا ثراء فكري مشترك. أما الفائدة من الاقتراح فهو لتجسيد الدولة القائمة (لكن تحت الاحتلال) وحيث أن المفاوضات بين دولتين واحدة مستقلة وأخرى تحت الاحتلال تتفاوضان بنديّة (ويتم بالأمر الواقع تنحية حل الحكم الذاتي او المحلي الأبدي …الخ) فهما دولتان (منذ181) ويتم التفاوض (برعاية دولية) على حجم الأرض والتبادل والقدس واللاجئين والسيادة والموارد والحدود غير المتفق عليها حتى الآن. والله الموفق