يستمر الصراع بين ولاية تكساس وإدارة بايدن في التصاعد، بشأن من يسيطر على الحدود بين الولاية والمكسيك، حيث طالب المسؤولون الفيدراليون بتوجيه من الرئيس الأمريكي، جو بايدن، حاكم ولاية تكساس مرة أخرى بالسماح لأعوان حرس الحدود بالوصول إلى متنزه يعتبر ممرّا "مُعتادا" للمهاجرين لدخول الولايات المتحدة الأمريكية بشكل غير قانوني. الصراع - الذي أدّى إلى توقّعات بنشوب حرب أهلية - احتدم بشكل أكبر بعد قرار المحكمة العليا الأخير، الذي سمحت من خلاله للمسؤولين الفيدراليين بتفكيك حاجز سلكي على طول الحدود، مما أدى إلى معركة قانونية بدأتها الولاية. وقالت تكساس إنّ هذا الإجراء، الذي يهدف - حسب رأيها - إلى مساعدة المهاجرين غير النظاميين، ينتهك سيادة الدولة الأمريكية ويضرّ بالإجراءات الأمنية التي تتبعها المصالح الولائية. ردا على هذا القرار، أصدر حاكم ولاية تكساس، غريغ أبوت، خطابا يشدّد فيه على أنّ تكساس لها الحق في السيطرة على الحدود وأنها تحلّ محلّ الحكومة الفيدرالية، واتهم أبوت الحكومة الفيدرالية الأمريكية بانتهاك الدستور من خلال "خرق الاتفاق بين الولايات المتحدة الأمريكية والولايات"، وهو ما شبّهته وسائل الإعلام الأمريكية، والمحلّلين السياسيين بإعلان انفصال ولاية كارولينا الجنوبية في عام 1860. وعلاوة على ذلك، قال المتابعون، إنّ رسالة أبوت تتبنّى النظرية الهامشية للقانون الدستوري، وهو ما يُعرف باسم Compact Theoryأي "النظرية المدمجة"، التي روّجت لها في الأوساط الشعبية، ما كان يُعرف بالولايات الكونفدرالية خلال حقبة الحرب الأهلية، ودعمها الرئيس الكونفدرالي جيفرسون ديفيس. وتفترض هذه النظرية، أنّ الولايات المتحدة تشكّلت من خلال ميثاق وافقت عليه الولايات، حيث تكون الحكومة الفيدرالية من تأسيس الولايات، ومع ذلك، فإنّ هذا الرأي يتعارض مع نظرية العقد الاجتماعي المقبولة على نطاق واسع، والتي تؤكّد أنّ الحكومة الفيدرالية تستمد سلطتها من موافقة الشعب، وليس الولايات، وقد رفضت المحكمة العليا باستمرار النظرية المدمجة، معتبرة إيّاها غير شرعية وغير متوافقة مع القانون الدستوري. هل يملك بايدن سلطة التحكم في حدود ولاية تكساس؟ في خضم الجدال الحاصل بين حاكم ولاية تكساس والرئيس الأمريكي جو بايدن من جهة، وتواصل تدفّق المهاجرين غير النظاميين على الحدود الجنوبية مع المكسيك بأعداد متزايدة من جهة أخرى، يطرح التساؤل حول تمتّع الحكومة الفيدرالية بسلطة تنظيم الوصول إلى حدود تكساس من عدمه. الإجابة هي "نعم" بلا شك، واعتماد ولاية تكساس للنظرية المدمجة، وتأكيدها على أنّ حكومة الولاية يمكن أن تحلّ محل السلطة الفيدرالية يتناقض بشكل مباشر مع قضية المحكمة العليا التاريخية، المعروفة بقضية مكولوتش ضدّ ولاية ماريلاند عام 1819. فبعد وقت قصير من التصديق على الدستور الأمريكي في عام 1788، بدأ نقاش وطني مثير للجدل حول ضرورة إنشاء بنك وطني، وبعد سنوات، وتحديدا في عام 1819، زعمت ولاية ماريلاند أنّ جيمس ماكولوتش، الذي كان يشغل منصب أمين صندوق أول بنك فيدرالي في الولايات المتحدة الأمريكية، فشل في دفع ضريبة الولاية المقرّرة على البنك، وقالت ولاية ماريلاند إنّ الحكومة الفيدرالية تفتقر إلى السلطة اللازمة لإنشاء بنك، لأنه لم يتم ذكر ذلك صراحة في المادة الأولى، القسم الثامن، المعروف أيضا باسم "البند الضروري والمناسب من الدستور". ويتحدّث هذا البند عن السلطة الممنوحة للحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة بموجب الدستور الأمريكي، كما يتحدّث عن أشياء مثل توفير وصيانة البحرية، ووضع وجمع الضرائب، وإنشاء مكاتب البريد وإنشاء الطرقات. وحاولت ولاية ماريلاند، أن تزعم أنه لم يتم إدراج أي شيء صراحة ينصّ على أنّ الولايات المتحدة لديها القدرة على إنشاء بنك فيدرالي، وأنّ الحكومة لديها القدرة فقط على القيام بما هو "ضروري"، وردا على ذلك، أصدر رئيس المحكمة العليا آنذاك، جون مارشال، تفسيرا بالغ الأهمية، استشهد فيه بالبند الضروري والمناسب لتأكيد سلطة الكونغرس في ملاحقة الأهداف ضمن نطاق الدستور، رفض رئيس المحكمة العليا وجهة نظر ولاية ماريلاند التي قال إنها فسّرت البند بشكل ضيّق. ومنذ القضية المعروفة باسم "مكولوتش" وأحكام المحكمة العليا، ثبت أنّ قوانين الولاية لا يمكن أن تحلّ محلّ السلطة الفيدرالية، ورغم أنّ مراقبة الهجرة وتأمين الحدود لم يتم ذكرها صراحة في النص القانوني السابق الذكر، إلا أنّ أغلب الفقهاء القانونين الأمريكيين يعتبرونها سلطة حكومية وطنية بعيدة عن متناول تدخّل الولاية. وبينما أعلن الحكام الجمهوريون في عدة ولايات، دعمهم لحاكم ولاية تكساس في تحدّيه للإدارة الأمريكية، ممثلة في الرئيس جو بايدن، بهدف مواجهة أزمة اللاجئين المتدفقين على الحدود الجنوبية للبلاد، يرى الديموقراطيون، ومعهم الصحافة الأمريكية الليبرالية، أنّ استحضار الحاكم أبوت للإيديولوجية الكونفدرالية، وتحدّيه لسوابق المحكمة العليا، يهدّد بتقويض المبادئ الدستورية الراسخة والسلطات الفيدرالية المتعارف عليها منذ تأسيس البلاد، ويقول المعارضون لما أقدم عليه غريغ أبوت، إنّه ومن خلال الطعن في حكم المحكمة العليا والسعي إلى التراجع عن قرار مكولوتش، تخاطر ولاية تكساس بالبنية الأساسية لحكومة الولايات المتحدة، لأنّ الولايات حين ترفض قبول أحكام المحكمة العليا، فإنها بذلك تقوّض وتضعف سيادة القانون.