تشهد أوروبا تصاعدًا في درجة التأهّب من مخاطر وباء "جدري القردة"، وذلك بعد تأكيد مسؤولين من منظمة الصحة العالمية وجود حالة إصابة بسلالة جديدة من هذا الفيروس في السويد، فيما أعلنت السلطات الصحية الباكستانية، يوم الجمعة 16 أوت، رصد 3 إصابات بـ"جدري القردة" لدى أشخاص كانوا عائدين من الإمارات، ما يثير القلق بشأن احتمالية انتشار هذا الوباء على نطاق عالمي. وبالفعل فإن المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها رفع –يوم الجمعة 16 أوت- تقييمه لمستوى خطورة جدري القردة من "منخفض" إلى "معتدل" وذلك على خلفية ظهور حالات إصابة داخل أوروبا على فترات متباعدة، وطُلب من الدول الحفاظ على أعلى مستويات التوعية بين المسافرين الزائرين من مناطق ظهر فيها المرض. والمعروف أن الكونغو تشهد في الوقت الحالي تفشّي سلالتين، هما السلالة الوافدة من الفيروس "كليد آي"، ومتحوّر جديد يُسمى "كليد آي بي"، وقالت مديرة المركز باميلا ريندي فاغنر: إنه "بسبب الصلات الوثيقة بين أوروبا وإفريقيا، لا بد أن نكون مستعدّين لمزيد من حالات الإصابة الوافدة (بالسلالة) كليد آي". ثاني حالة خارج إفريقيا وذكرت مديرة هيئة الصحة العامة في الاتحاد الأوروبي أن أوروبا ستشهد مزيدا من الإصابات الوافدة بالسلالة الجديدة من جدري القردة خلال الأسابيع المقبلة، إلا أن خطر استمرار انتقال المرض يظل منخفضا، أما وزير الصحة الألماني كارل لاوترباخ فقد قال إنه ليس هناك من سبب حاليا للقلق بعد تسجيل أول حالة في أوروبا من السلالة الجديدة من جدري القردة في السويد، فذلك لا يغير تقييم الخطر بالنسبة إلى ألمانيا وأوروبا، إذ لم تصبح السلالة الجديدة متوطّنة إلا في أجزاء من وسط إفريقيا حتى الآن. أما في آسيا، فقد أكدت باكستان -يوم الجمعة 16 أوت- رصد 3 إصابات بفيروس جدري القردة لأشخاص كانوا عائدين من الإمارات، وكشف سلطات إقليم "خيبر بختونخوا" شمالي غرب البلاد عن الحالات المصابة بالمرض، وقالت وزارة الصحة الباكستانية، إنها حدّدت أول حالة من سلالة جديدة من فيروس جدري القردة تنتقل بسهولة أكبر لرجل عاد من الإمارات. وتعد هذه الإصابة في باكستان هي الحالة الثانية للسلالة الجديدة خارج إفريقيا بعد تسجيل السويد لإصابة، الخميس 15 أوت- بذات الفيروس، إلا أنه لم يتضح ما إذا كانت الإصابة بالمتحور الجديد أم بالسلالة المتفشية عالميا منذ 2022، وقالت الصين إنها تعتزم مراقبة تفشي جدري القردة بين الأشخاص والبضائع الذين يدخلون البلاد خلال الأشهر الستة المقبلة. أما المسؤولة بمنظمة الصحة العالمية مارغريت هاريس، فقد قالت إنها تتوقّع ظهور مزيد من حالات الإصابة خارج إفريقيا قريبا. لكن المنظمة نصحت بعدم فرض أي قيود على السفر لوقف تفشي الفيروس، وأعلنت منظمة الصحة العالمية -الأربعاء 14 أوت- جدري القردة حالة طوارئ صحية عامة عالميا، وهو أعلى مستوى تأهب بالمنظمة، وذلك عقب امتداد تفشي المرض من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى دول مجاورة. نظرة على السلالة 1 والمتحور 1 بي" ويوصف هذا المرض بأنه قد يؤدي إلى الوفاة، كما أنه يسبب أعراضا أشبه بأعراض الإنفلونزا وبثورا في الجسد، وعُرّف هذا المرض بجدري القردة لأنه ناتج من فيروس قريب من الجدري اكتُشف عام 1958 لدى قردة كانت تستخدم في الأبحاث. ولاحقا أطلقت عليه السلطات الصحية تسمية "إمبوكس". ويتسبب الفيروس بارتفاع الحرارة وآلام في العضلات وطفح جلدي. ورُصدت أول إصابة بشرية في الكونغو الديمقراطية عام 1970، وبقي المرض محصورا لفترة طويلة في حوالي 10 دول إفريقية، لكنّ عام 2022 شهد بداية انتشاره إلى باقي العالم، ولا سيما الدول المتطورة التي لم تسجل أي إصابة من قبل، غير أنه من الصعب تحديد المرحلة التي يصبح فيها المرض فتاكا. وقبل تفشي جدري القردة عام 2022، كانت تذكر نسبة غير دقيقة من الوفيات تتراوح بين 1 و10%، وهذا التباين الكبير ناتج من وجود سلالتين رئيسيتين لفيروس إمبوكس: السلالة 1 والسلالة 2 الأقل خطورة بكثير. أما السلالة 2 تسببت بتفشي الوباء عام 2022، وكانت نسبة الوفيات الناتجة منها أقل من 1%، مما يفسر أيضا بفاعلية أنظمة العناية الصحية في الدول المتطورة. وبالمقابل، فإن السلالة 1 هي التي تتسبّب هذه المرة بتفشي جدري القردة منذ حوالي عام في الكونغو الديمقراطية، وبنسبة أقل في دول إفريقية أخرى مثل بوروندي وكينيا. وأعلنت الكونغو –يوم الخميس 15 أوت- تسجيل 548 وفاة منذ مطلع العام من أصل حوالي 16 ألف إصابة "محتملة" تم إحصاؤها. وهذا التفشي المسجّل مرتبط في جزء منه بالسلالة 1، كما أنه مرتبط كذلك بظهور متحوّر جديد هو "1 بي" يشتبه بأنه أكثر خطورة، غير أنه لم يتم إثبات ذلك. وقال أستاذ علم المناعة في كامبريدج براين فيرغوسون "ليس من المفاجئ نظرا إلى خطورة الوباء في إفريقيا وتفشيه فيها، أن تكون الرحلات بين القارات أتت بهذه الإصابة إلى أوروبا" متوقعا على الأرجح المزيد من الإصابات في العالم إذا لم يتم اتخاذ أي تدابير محددة. الانحراف الجنسي أحد أسباب انتقال جدري القردة كان تفشي المرض الحالي في إفريقيا أكثر فتكا بين الأطفال، وهو أمر غير مفاجئ إذ إن السلالة 1 "معروفة بالتسبّب بأمراض أكثر خطورة لدى الأطفال الأصغر سنا والحوامل والأشخاص الذين يعانون نقص المناعة" حسب ما أوضح خبير الفيروسات جوناس ألباراز. لكنه أشار إلى أن المتحور "بي 1" ينتشر بصورة خاصة بين البالغين الشباب مع انتقاله عبر الاتصال الجنسي على ما يبدو. وهذا الاختلاف يطرح مسألة طريقة انتقال الفيروس لكل متحور. ففي عام 2022، انتشر الفيروس عن طريق الاتصال الجنسي، وكانت الغالبية الكبرى من المصابين من الشواذ والمنحرفين جنسيا، غير أن الفيروس ينتقل بصورة أوسع من خلال السوائل الجسدية مثل اللعاب، والتماس المباشر مع الطفح الجلدي، مما يفسر إصابة الأطفال. ولا يُعرف إلى أي مدى سينتشر الفيروس خارج إفريقيا، والمصاب في السويد كان آتيا من القارة الإفريقية. وقال البروفسور بجامعة كولدج أوف لندن، فرنسوا بالو، إنه "ليس هناك في الوقت الحاضر دليل على وجود عدوى في أوروبا". ويرى المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض والسيطرة عليها أن هذا الخطر ضعيف. لكن الوكالة رأت -الجمعة- أن من "المرجح جدا" أن تواجه الدول الأوروبية زيادة في الإصابات المستوردة بالسلالة 1، وأوصت السلطات الصحية بأن تكون جاهزة "للسماح بتأمين رصد واستجابة سريعين لأي حالة جديدة". وإن كانت السلطات الصحية تراقب بقلق انتشار الفيروس حاليا، وفي طليعتها منظمة الصحة العالمية التي أعلنت إنذارا من أعلى مستوى، فذلك بسبب عواقبه الخطيرة في إفريقيا. ويعتبر التلقيح أساسيا بهذا الصدد. وثمة عدة لقاحات فعالة للغاية ضد جدري القردة، لكنها غير متوافرة إفريقيًا، في حين أنه عند انتشار الفيروس عام 2022، أطلقت الدول المتطورة بسهولة حملات تلقيح. وقال أستاذ علم المناعة براين فيرغوسون إنه "من الممكن" مكافحة تفشي الفيروس، لكن "هذا يتطلب تعاونا دوليا سريعا". الدواء غير فعال دواء رئيسي لعلاج جدري القردة «ليس فعالاً» ضد السلالة المميتة الحالية وجد باحثون أن الدواء المستخدم في آخر تفشٍّ عالمي لجدري القردة في عامي 2022-2023 ليس فعالاً ضد السلالة الحالية الأكثر حدة والمميتة، والتي تنتشر بسرعة في إفريقيا، بحسب تقرير لمجلة «بوليتيكو». ولم يقلل الدواء المضاد للفيروسات «تيكوفيريمات»، من مدة المرض بين الأطفال والبالغين المصابين في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفقاً للنتائج الأولية لتجربة أجراها باحثون في جمهورية الكونغو الديمقراطية والولايات المتحدة، وفق «بوليتيكو». لا إصابة في السعودية أكدت هيئة الصحة العامة السعودية "وقاية"، أمس السبت، أنه لم يتم رصد أي حالة مصابة بـ"جدري القرود - النمط الأول" حتى الآن في المملكة، وذلك عقب إعلان منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ الصحية على مستوى العالم بسبب تفشي النمط الأول من الفيروس.