في قطعة أصيلة من الجسد الإفريقي، منسيّة خلف جدران الصمت الدولي، يكابد الشعب الصحراوي يومياً مرارة الاحتلال المغربي وويلات القمع الممنهج، بينما ترتفع الأصوات الحرة من كل أصقاع العالم مطالبة بالعدل والإنصاف. ومع التصعيد الخطير لانتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة من الصحراء الغربية، تتجدد نداءات الضمير العالمي لإنشاء آلية دائمة تراقب حجم المأساة وتضع حداً لمعاناة شعب يناضل منذ عقود من أجل حريته وكرامته. وأمام مشاهد التعذيب والاعتقال التعسفي والتهجير القسري، بات محتّما على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته القانونية والإنسانية تجاه آخر مستعمرة في القارة السمراء.
مع التصعيد الممنهج الذي ينتهجه الاحتلال المغربي في الأراضي المحتلة من الصحراء الغربية، تتزايد المطالبات الدولية بضرورة إنشاء آلية دائمة لمراقبة حقوق الإنسان ووضع حد للانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الشعب الصحراوي. فقد دعت منظمات جماهيرية وجمعيات حقوقية وإنسانية صحراوية، الأمم المتحدة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لإنشاء آلية خاصة لمراقبة أوضاع حقوق الإنسان بالصحراء الغربية، التي تشهد تدهوراً خطيراً نتيجة ممارسات الاحتلال المغربي القمعية.
وفي بيان مشترك نقلته وكالة الأنباء الصحراوية (واص)، أعرب ممثلو المنظمات الحقوقية الصحراوية عن إدانتهم الشديدة لممارسات التعذيب، والمحاكمات الجائرة، والظروف اللاإنسانية التي يتعرض لها المعتقلون السياسيون الصحراويون داخل السجون المغربية. وأشار البيان إلى أن هذه الانتهاكات تشكل خرقاً صارخاً لأبسط شروط الاعتقال المنصوص عليها في المواثيق الدولية، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة واتفاقية مناهضة التعذيب، التي يواصل الاحتلال المغربي انتهاكها بلا رادع بحق الأسرى الصحراويين.
وأكد البيان دعم هذه المنظمات للمعتقلين وأسرهم، وعلى رأسهم مجموعة "أكديم إزيك" والصف الطلابي، الذين يواجهون ظروفاً قاسية في المعتقلات المغربية. كما أبرز البيان أن "مسيرة الحرية" الدولية، التي انطلقت من فرنسا وتواصل طريقها عبر إسبانيا وصولاً إلى سجن القنيطرة بالمغرب، تهدف إلى فضح حجم الانتهاكات المسلطة على أبناء الشعب الصحراوي، والمطالبة بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين السياسيين وتحقيق العدالة للضحايا.
كما حمّل البيان الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وإسبانيا - باعتبارها القوة الإدارية وفقاً للقانون الدولي - إلى جانب قوى عظمى أخرى، المسؤولية التاريخية والقانونية تجاه معاناة الأسرى المدنيين الصحراويين والشعب الصحراوي عموماً. وطالب بإنشاء آلية دائمة لمراقبة حقوق الإنسان بالصحراء الغربية، وتنفيذ قرارات الفريق العامل الأممي المعني بالاحتجاز التعسفي، بالإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين الصحراويين.
وفي السياق ذاته، طالبت المنظمات الجماهيرية المفوضية السامية لحقوق الإنسان بإرسال بعثة لتقصي الحقائق إلى السجون المغربية، كما دعت الاتحاد الأوروبي إلى وقف نهب الثروات الطبيعية الصحراوية وفرض عقوبات صارمة على المغرب لحمله على الامتثال للقانون الدولي. كما دعا أعضاء المجتمع المدني الصحراوي اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى استئناف زيارة السجون المغربية التي توقفت منذ 1996، للتحقق من أوضاع المعتقلين والعمل على إعادتهم إلى الصحراء الغربية.
ووجه المجتمع المدني الصحراوي "نداء إنسانياً" إلى أحرار العالم للانضمام إلى الحملة الدولية من أجل حرية المعتقلين السياسيين الصحراويين، ومضاعفة الجهود لكسر جدار الصمت المفروض على معاناتهم، وإيصال صوتهم إلى المحافل الدولية، والضغط على الحكومات لوقف دعمها المالي والعسكري للاحتلال المغربي. وجدد المجتمع المدني التأكيد على مواصلة النضال حتى تحرير المعتقلين وإنهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال الكامل على كافة ربوع الجمهورية الصحراوية.
وفي خضم هذا التصعيد، أدانت منظمة "تجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان" (كوديسا) الجريمة الجديدة المرتكبة من قبل سلطات الاحتلال المغربي، والمتمثلة في هدم مساكن المدنيين الصحراويين. واعتبرت "كوديسا" هذه الممارسات جزءاً من جرائم التهجير القسري المحظورة دولياً، وطالبت بتحقيق دولي عاجل حول ما يجري في الأراضي المحتلة.
وأكدت لجنة الاستيطان وجدار التقسيم العسكري والألغام بـ"كوديسا"، أنها تتابع بقلق بالغ الاعتداءات المتكررة والخطيرة التي تمارسها قوات الاحتلال ضد المدنيين الصحراويين، معتبرة أن هذه الانتهاكات تشكل خرقاً سافراً للقانون الدولي الإنساني ولمواثيق حقوق الإنسان.
ووثقت المنظمة الحقوقية حادثة خطيرة وقعت بتاريخ 22 أفريل، عندما نفذت سلطات الاحتلال عملية هدم جماعي لمجموعة من المساكن في ضواحي العيون المحتلة باستخدام الجرافات، مؤكدة أن هذه الممارسات تندرج ضمن أشكال التهجير القسري المحظور وفقاً للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
وفي تطور مواز، تعرض أربعة مدنيين صحراويين من أعضاء "التنسيقية الصحراوية للوديان الثلاثة" بتاريخ 24 أفريل، لاعتداءات جسدية ولفظية خطيرة من قبل عناصر شرطة الاحتلال المغربي، أثناء قيامهم بتوثيق الانتهاكات التي طالت مساكن المدنيين. وقد أكد المدافع الصحراوي عن حقوق الإنسان سيدي أحمد بوهدا، الذي كان حاضراً أثناء الواقعة، أن عناصر الاحتلال المدججين بالأسلحة البيضاء والعصي قاموا بتعنيفهم وضربهم بوحشية، ما أدى إلى إصابتهم بجروح متفاوتة الخطورة، نقلوا على إثرها إلى مستشفى العيون المحتلة.
وأكدت "كوديسا" أن هذه الانتهاكات تشكل خرقاً صريحاً للمادتين 7 و9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اللتين تحظران التعذيب والمعاملة اللاإنسانية أو المهينة، وتكفلان الحماية من الاعتقال التعسفي. وأعلنت المنظمة الحقوقية تضامنها المطلق مع ضحايا الهدم والتهجير القسري من المدنيين الصحراويين، وكذلك مع ضحايا الاعتداءات الجسدية من الحقوقيين والمتضامنين الذين كانوا يمارسون حقهم المشروع في الرصد والتوثيق. وأكدت أن جريمة هدم مساكن المدنيين تعد خرقاً سافراً للمادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة.
وطالبت "كوديسا" بفتح تحقيق دولي عاجل حول عمليات الهدم والاستيلاء على أراضي المدنيين الصحراويين، والاعتداءات الخطيرة على المدافعين عن حقوق الإنسان، معتبرة أن هذه الاعتداءات تمثل مساساً خطيراً بالسلامة البدنية وبحق التنقل، وخرقاً واضحاً لمبادئ الإعلان المتعلق بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان.
وفي ختام بيانها، وجهت "كوديسا" دعوة عاجلة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وكذلك إلى المقرر الخاص المعني بقضايا الأقليات بالأمم المتحدة، من أجل التدخل العاجل لتطبيق القانون الدولي الإنساني بالصحراء الغربية، وضمان حماية المدنيين الصحراويين وتمكينهم من حقهم في تقرير المصير.
كما دعت إلى وقف الجرائم والانتهاكات المرتكبة من طرف قوات الاحتلال المغربي، ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم الخطيرة بما ينسجم مع مبدأ عدم الإفلات من العقاب، وتحريك الآليات الدولية القضائية والقانونية لضمان العدالة وإنصاف الضحايا. وتعكس هذه المطالبات الحقوقية المتصاعدة حجم المعاناة اليومية التي يكابدها الشعب الصحراوي تحت وطأة الاحتلال، وتجدد التأكيد على أن معركة الكرامة والحرية ستظل متواصلة حتى تحقيق الاستقلال الكامل وإنهاء آخر مظاهر الاستعمار في القارة الإفريقية.